تعد مدينة "تيديس" الأثرية الواقعة ببلدية بني حميدان بقسنطينة من أقدم المدن الأثرية بالجزائر، فهي شهدت العديد من الحضارات منها البيزنطية، الفينيقية والرومانية، كما تضمّ الكثير من المعالم والمقابر الميقاليثية والليبية والرومانية، إلى جانب الكنيسة والمعابد والأبواب وغيرها من الأنصاب الجنائزية، وهكتارات من الأثار التي لا تزال تحت الصخور والأتربة، والتي لم يتم التنقيب عنها و استخراجها بعد. ويعود تاريخ " تيديس " حسب الشواهد الأثرية إلى فجر التاريخ، حيث تم اكتشافها سنة1853 في عملية تنقيب دامت 30سنة، و ما استخرج منها يقارب 10 هكتارات موجودة في منحدر ، و أن ما هو موجود اليوم من آثار يقدر بربع المساحة الإجمالية فقط للموقع الذي تم التنقيب عنه واستخراجه، أما بقية مساحتها فلا تزال موجودة تحت الصخور و الأتربة يرتبط استخراجها بإمكانيات ضخمة ، و تضم المدينة عدة معالم تاريخية منها الباب الشمالي والطريق الرئيسي المؤدي إلى وسط المدينة، إلى جانب الحمامات الكبرى و الصغرى والكنيسة و المعابد، مثل معبد "ميترا" ، معبد الإله الفينيقي "بعل آمون "، أو ما يعرف بمعبد "ساتيرون" ، كما أن المعابد بها كثيرة بين المسيحية و الوثنية ناهيك عن المنازل و أسوار المدينة. « تيديس " التي تسافر بزوارها إلى عالم الحضارات المتعاقبة ورغم قيمتها الأثرية التي طالما استقطبت آلاف الزوار و الأجانب من السياح، إلا أنها اليوم تشهد عزوفا رهيبا بعد أن كانت مقصدا لسكان مدينة قسنطينة ومناطق أخرى ، وهو ما يطرح السؤال حول وضع هذا المعلم السياحي الرائع الذي بإمكانه أن يبقى على مدار السنة منطقة تستقطب السياح و الزوار ، لو تم فعلا اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة بعثه من جديد و توفير كل الشروط و الظروف التي تشجع على ذلك. و رغم أن الكثير من المثقفين بقسنطينة و المهتمين بالمعالم الأثرية قد التفتوا لمنطقة "تيديس "، التي أسماها البعض بالمدينة النائمة، إلا أن أطلالها تغط اليوم في سبات عميق بسبب الإهمال الذي طالها من قبل مسؤوليها الذين لم يأبهوا لوضعها، وهو ما أوقف وتيرة السياحة بها بشكل ملفت، وخلق صمتا رهيبا صار يطوق المكان الذي كان لا يخلو من الزوار في وقت سابق، و ذلك على الرغم من أصالة المكان وعراقته، والأهم أن المدينة تقع في مكان مرتفع، و الطريق إليها معبد و الأمن متوفر أيضا، لكن للأسف بالمقابل تغيب عنها المشاريع الاستثمارية ذات الطابع الخدماتي ، التي من شأنها أن تسمح بتنشيط السياحة من جهة و توفير مناصب عمل لسكان المنطقة من جهة أخرى ، كما تفتح المجال لتنظيم رحلات و خرجات سياحية بشكل سنوي بمبادرات لا يتم تبنيها فقط من قبل جمعيات ناشطة إنما من قبل مؤسسات تربوية و ثقافية أيضا، مع حضور وسائل الإعلام التي من المفروض أن تلعب حسب المثقفين دورا هاما في التعريف بها و بقيمتها الأثرية الضاربة جذورها في عمق التاريخ و الأزمنة الغابرة.