الجيش الوطني يُفكّك خلية إرهابية    بوعمامة يدعو إلى تظافر الجهود    الانتهاء من إعداد قانوني التعمير والبنايات غير المكتملة قريبا    جريمة نكراء في السجل المخزي لفرنسا    الرئيس يستقبل جميلة بوحيرد    شرعية الكفاح أثارت هستيريا المستعمر    تسليم إشعارات استيراد 10 آلاف حافلة    تيغرسي: الرقمنة أولوية وطنية    حركة عدم الانحياز تشيد بالدور الريادي للرئيس تبون    نجاح وقف إطلاق النار بغزة مرهون بتنفيذ كافة التعهدات    بوغالي يترحّم    هكذا عادت جثامين الأسرى الفلسطينيين..    منصّة للتسويق الرقمي لمنتجات النساء الريفيات    مولوجي تبشّر الريفيات    فيديو تعذيب شاب يثير استنكار الرأي العام    الحفاظ على حقوق المتقاعدين واجب دستوري    اتفاقية بين وزارة الثقافة والجمارك    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    سليماني يفتتح عدّاده الرسمي    رائدات "تاتش وامن" يصنعن جيل متمكّنات    تطوير أصناف جديدة من الحبوب ذات المردود العالي    تجديد العهد لترسيخ دولة القانون وصون الحقوق والحريات    الثقافة بسكيكدة تخلد الذكرى 64    امتحان بشعار الفوز لا غير    تتوّيج سميرة بن عيسى بجائزة كتارا للرواية العربية    شراكة وطنية لحماية التراث وصون الإبداع    أبواب مفتوحة على الفضاء بجامعة قسنطينة 3    "العميد" و"أبناء لعقيبة" في مهمة تعزيز الحظوظ    استحضار تضحيات 17 أكتوبر 1961    حجز 13 ألف مؤثر عقلي    قتيل وجريحان في حادث مرور    القضاء على إرهابي وتوقيف 5 عناصر دعم    الأكلات الجاهزة.. حرفة لربّات البيوت وحل للعاملات    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    ندوة فكرية بجامع الجزائر    الشبيبة والمولودية من أجل نتيجة إيجابية    تكريم رئاسي لأفضل الرياضيين    كيف يشكل الهاتف تهديداً لذاكرة طفلك؟    أطباء ينصحون بالوقاية والحذر    ضمان وفرة الأدوية والمستلزمات الطبية بصفة دائمة    الرأس الأخضر.. لأول مرّة    بن دودة تقف على وضعية المنصّات الرقمية التابعة للقطاع:ضرورة تعزيز التحول الرقمي في تسيير المرفق الثقافي    الأغواط : ترسيخ الهوية الوطنية عبر الفنون التشكيلية والمرئية    الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة من أولويات الدولة    محطة للتأسيس لثقافة الحوار والتكامل بين مؤسسات الدولة    تتيح بدائل تمويلية حديثة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية    "الخضر" ينهون تصفيات المونديال بفوز مثير    التزام بمواصلة العمل لتحسين أوضاع مستخدمي الصحة    جيلالي تعرض مشروعي قانونين يتعلقان بالأوسمة العسكرية    فلسطين : الاحتلال الصهيوني يفرج عن 83 معتقلا فلسطينيا    بلجيكا تلغي حفلاً ل"ديستربد":    وزير الصحة يباشر سلسلة لقاءات تشاورية مع الشركاء الاجتماعيين    تنظيم مسابقة لالتحاق بالتكوين شبه الطبي    "صيدال" و"نوفو نورديسك" لتطوير أدوية    المجتمع الرقمي له تأثيره وحضورُ الآباء ضروري    الفريق أول السعيد شنقريحة يهنئ المنتخب الوطني بمناسبة تأهله إلى كأس العالم 2026    خديجة بنت خويلد رضي الله عنها    فتاوى : كيفية تقسيم الميراث المشتمل على عقار، وذهب، وغنم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موضوعات الأرجاز الأولى
نشر في الجمهورية يوم 04 - 11 - 2019

يتبيّن للباحث، في هذه المسألة، والْمُنَقِّرِ في أَواخِيِّ مَجاهلها، أنّ أكثرَ ما كان يغلِبُ على موضوعات هذه الأرجازِ هو موضوع النسيب والتّشبيب، كما أومأنا إلى ذلك. وإن لم يكن هذا الرأي الذي أُرِينَاهُ: حقّاً، وظهر في سعْي التنقير ما يَنفيه، أو بدا لدى التفتيش في خَبِيّاتِ التاريخ ما يُقْصيه، فإنّا نقول: إنّ الذي وصلَنا، بكثرة ملحوظة، من ذلك على الأقلّ، هو هذا النوع. فمعظم الأرجاز التي وصلتْنا من كتب الأُمّاتِ، وبخاصّةٍ الموسوعاتُ والمعاجمُ اللغويّةُ القديمة الموثوقةُ، كانت ترتَكِض في هذا المُرْتَكَض، كقولهم:
مرّتْ بنا أوَّلَ مِن أُمُوسِ
تَمِيس فينا مِشْيةَ العروس
وعلى أنّ كثيراً ممّا بقيَ مِن تِيك الأرجازِ الأولى التي نفترض أنّها سادت دهراً طويلاً قبل أن تتطوّرَ إلى شعر القصيدة ذات القافية الواحدة،كان يتناول موضوعات اجتماعيّة تتمحّض للسخريّة أحياناً.
وقد جمعْنا أرجازاً كثيرة تتناول موضوع الجنس المغلَّظ، وقد رواه الأقدمون لحبّ الناس لذلك، ونحن لا نستطيع إثباتَ بعض هذه الأرجازِ الغليظةِ اللّغةِ الجنسيّة، والصريحتِها، والتمثيلِ منها، لأنّ أصول الآداب العامّة في المجتمع بين الناس، على عهدنا هذا، لم تعُد كما كانت لدُنِ أوائل الأجداد. وحسْبُ مَن يرغب في التوَكُّد من ذلك، لِمَن لم يسبِق له الاِطّلاعُ على نصوص هذه الأرجازِ القديمة، أن يعود إلى أُمَّاتِ التراث، وأوائل المعاجم الموسوعيّة، لِيَقَنَهُ يَقْناً.
الشروع في تقصيد الشعر
وفَجأةً، إذن، ظهر مُهلهِل وامرُؤ القيس، وامرؤ القيس الأوّل [السابق لهذا، وقد ذكر الوزير المغربيّ أنّ لامرئِ القيس الشهير «بضعةَ عشرَ شاعراً» له سَمِيّاً. كما لا ينبغي، هنا، إهمال ذكْر ابن حذام (المختلف في ضبْط اسمه) الذي لم نعرفْه إلاّ مِن ذِكْر امرئ القيس إيّاه، في بيته المشهور:
عُوجا على الطلل المُحِيل لعلّنا
نبكي الديارَ كما بكى ابنُ حِذام
فإنّ هؤلاء وسَواءَهم من أصحاب المعلّقات، ومَن تعلّقوا بهم، ولم يبلغوا منزلتهم في الشعر، قرَضوا شعراً راقياً، من الوِجهتين الفنيّة والجماليّة، بحيث لم تستطع شهودَه معظمُ المراحل الشعريّة اللاّحقة عبر ستّة عشرَ قرناً، وهو العمر التاريخيّ، المبتور من أوّله، في الحقيقة، للشعر العربيّ.
وإنّ المرْءَ لَيَقف حائراً سامداً، ذاهلاً مسْتعْجِباً، معاً، أمام هذه العبقريّةِ الفنّيّة والجماليّة التي تطفح بالشعريّة المذهلة التي لا دَيَّارَ يعرف لها تأسيساتٍ سابقةً تشهد بمراحلِ تطوّرها في النوعيّة والكيفيّة والزمان. وإلاّ أفيُعقَل أن يبتدئَ تاريخ الشعر العربيّ بظهور المعلّقات، وهي أعظم ما أبدعت العرب من شعريّة حتّى الآن، ثمّ لا أحدَ يعرف، أثناء ذلك، شيئاً كثيراً أو قليلاً عن الأشعار التي كانت ظهرت قبل ظهور تِيك المعلّقات، عبر أعصار نفترض أنّها طويلة، بل قد تكون ممعنة في الطُّول جدّاً؟ ذلك بأنّ طبيعة الأشياء تقتضي أن لا تتطوّر الفنون والعلوم، وأنواع الثقافات الأخرى أيضاً، وخصوصاً في العهود القديمة، إلاّ ببُطء شديد. ولذلك لا نتردّد في أن نعلن أنّ تاريخاً طويلاً من حياة الشعر العربيّ ضاع إلى الأبد، في خضمّ شيوع الشفَويّة، وغياب التدوين، ومُثول الفتن، وتكالب التناحر القبَليّ بين قدماء العرب الذين كانوا يعيشون على ثقافة الإِغارات حين كان يُلحّ عليهم المحْل، وحين كان يتكالب عليهم الجدْب، فلم يكونوا يجدون أيَّ وسيلة، في حضور انغلاق الجغرافيا، إلاّ الإغارةَ على أرزاق بعضهم بعضٍ يستَحِيذُونَ عليها، فكان الشعر الأوّلُ كأنّه يُقتَل مع تعرّض قائلِيه ورُوَاته معاً للقتل، إمّا دفاعاً عن النفس، وإمّا عدواناً من حبّ التسلط، أو اضطراراً إلى
طلب الرزق بإِشْنانِ الغارات.
وكأنّ هذا الموقف كان نسخةً مبكّرة من التاريخ العربيّ، لِمَا وقع في أوّل العهد بالإسلام حين بدأ حفَظة القرءان من الصحابة يستشهدون في حروب الرِّدّة، الواحدَ تِلوَ الآخَر؛ ممّا حمَل عثمان رضي الله عنه أيّام خلافته، وبموافقة كبار الصحابة الذين كانوا يقيمون بالمدينة ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، على الفزَع إلى تأسيس لجنة من ثقات القرّاء وبارعيهِم في الحفْظ وقوّة الذاكرة، أهمّهم زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث، لتوحيد تدوين نصّ القرءان العظيم، في مصحف واحد أرسلت منه نسخ إلى الأمصار.
لكنّ الشعر العربيّ القديم كان، في حقيقة الأمر، شأناً آخرَ؛ فلم يدوّنه أحد بالكتاب (وكانت الكتابة عزيزة لدُنْ أوائل العرب على الرغم من وجودها في حواضرهم الأولى، بل كانت الشفويّةُ هي الطاغيةَ بينهم، والغالبة على أمرهم)، فذهب الشعر مع موت شعرائه. ونفترض أيضاً أنّ تقليد الرواية لَمّا يكن قد شاع في المجتمع الشعريّ العربيّ الأوّل، وإلاّ لكان بقِيَ لنا شيءٌ ولو قليل من تلك الأشعار الأولى.
نعلن ذلك دون أن نكون، في الحقيقة، أوّل مَن قاله، ولكنْ إنّما أعلنّاه لتوكيد الرأي القديم، ونحن نخوض في هذه المسألة التي لحِن لها الأوائل، وفي مطلعهم أبو عمرو بن العلاء الشيبانيّ فقال فيها رأيه. وإنّما الذي لم نقرأ له مثيلاً ذهابُنا إلى افتراض الحالة التي نشأ عليها الشعر العربيّ الأوّل، وإلى غياب تقليد الرواية زمانَ ظهور هذا الشعر الأوّل، الحقيقيّ.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.