الشعر ليس له إمارة، ولم يركب على عرشه أمير، كم من أمير كان شاعرا؟ أو بالأحرى، كم من شاعر كان أميرا؟ هذا السؤال الذي لم نجد جوابا له منذ الأزل البعيد. فامرؤ القيس، الشاعر الضال، كاد أن يكون ملكا، ولم يحافظ على عرش أبيه لأنه ولد شاعرا. والمعتمد بن عباد الأمير الذي ضيّع ملكا في العصر الأندلسي، وهذا بفضل شغفه بالشعر وحبه له، حتى أنه وضع شاعرا كأبي بكر بن عمار وزيرا له، فضاع ملكه على يد المرابطين، بفضل شغفه بالشعر. ولكن، جاء الزمن أن سمي فيه أحمد شوقي بأمير الشعراء، لعله كان أمير شعراء زمانه. أما في زماننا، اليوم، بين رفوف من الاضطهاد المعنوي والنفسي لشاعر اليوم وبين الجفاف القاتل له، نعيش على صخب أكذوبة أخرى تحرم عذوبة الكذب بما أن ''أعذب الشعر أكذبه''. قد حرمونا من عسل الكذب، كما قال الدكتور أمين الزاوي، الكذب الذي نحلم به أننا شعراء لا أمراء، كما يرون من هناك. من الخليج أين ترقد أكذوبة الإمارة، حيث يتوّج الشاعر عندهم، لا عندنا، بإمارة الشعر الذي يضيّعه ويفصله عن أفق الكتابة. فيا ترى، متى كان الشاعر أميرا؟ الأجدر بنا القول أكذوبة الإمارة التي يدوّن بها لتمويه شباب العرب اليوم، وأيضا أساسا الشعر ليس له شكل، فمسألة الشعر العمودي أو الحر ((التفعيلة)) أو القصيدة النثرية هي مسألة محلولة من قبل، فاشتراط عدم مشاركة كتاب قصيدة النثر هذا مجرد تطرف نقدي أو يدعون أنه نقدي، فالنقد يفتح أفق الكتابة على جميع الأشكال. الشعر ليس له أمير نتوّجه بفرضيات القراءة الجمالية، الإمارة عندهم هي التصويت على تذوّق الجمهور، والجمهرة هي أساس الفوضى التي تعلق بالشعر، فليس كل الجمهور يستوعب ويتذوّق الشعر، هذا أساسا إن كان مقروءا من قبلهم، الشعر هو قراءة النص واستيعابه، والبحث والتنقيب عن المعنى الذي يريد الشاعر الإيحاء به. الشعر ليس له أمير يكتب تحت الطلب، فالشاعر لا يكتب إلا ما يشعر به وما يتبناه كموضوع أساسي في نصه، الشاعر أمير شعره بمفرده، ولا ينتظر أمرا أو طلبا من النقاد، بالأحرى إن كانوا نقادا بالمفهوم الصحيح، لجنة تحكيم أي مسابقة أو جائزة، فالجوائز لا تصنع الشعر. الشعر ليس له أمير يحاول الإطاحة به، فالشعر هو اللغة الجمالية التي لا يفهمها العقل، الشعر أمر روحاني لا عقلاني، لا يتحكم فيه الآخر الذي يريد الإطاحة به، ويجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره.