يجهل الكثيرون من المسرحيين عندنا اسم المسرحي « قدور نعيمي «، ولا يذكره إلا قلة من المسرحيين من جيل الستينيات والسبعينيات، وخاصة رواد مسرح الهواة، ويذكر العديد منهم فرقة « مسرح البحر « التي أسسها نعيمي في مدينة وهران ، ومعها خاض أبحاثه وتجاربه المسرحية ، وحاز شهرته في تلك الحقبة .. يعد قدور نعيمي ابن مدينة سيدي بلعباس مولدا ، من أقطاب حركة مسرح الهواة ورائد الاحتفالية في الجزائر ، وربما هو أسبق الاحتفاليين قاطبة في شمال إفريقيا والعالم العربي، فقد اعتمد منذ البدء على الشكل الاحتفالي في أعماله المسرحية ، وتشهد له مختلف الأعمال التي أنجزها مع فرقته « مسرح البحر « بذلك.، وقد كان النعيمي يتخذ من « برتولد بريخت» أستاذا له، وقبله « أروين بسكاتور « ومسرحه السياسي ...كان قدور نعيمي يعمد إلى تقديم عروضه التجريبية خارج إطار العلبة الايطالية ، حيث اتخذ من الساحات العمومية مكانا لتقديم أعماله، كما اتخذ من الحلقة شكلا لمسرحه .وهو إلى جانب كونه كاتبا مسرحيا ومخرجا، له مشروعه الفني، فهو أيضا باحث وشاعر كذلك، إذ كان يعتمد في كتابة نصوصه على البحث في الأشكال الفنية الشعبية الجزائرية أولا والعربية ، وفي طرق تقديمه أي مسرحتها والبحث عن الشكل المناسب لعرضها ، وقد اهتدى في بحثه إلى أن « الحلقة « هي الأنسب لعرض نصوصه ، بحيث يجعل منها شيئا احتفاليا مع الجمهور الذي يحضرها مما يسمح لهذا الجمهور بالتدخل في مسار العرض بالحذف أو الإضافة، وكأنه هو من يكتب النص ، الأمر الذي يجعل من العرض احتفالا كاملا لكل الحضور . وما اتخاذه ل « أروين بيسكاتور « ومدرسة المسرح السياسي، إلا تأكيدا لاتجاهه المسرحي، وتطعيم لأعماله بالسياسة ، خاصة في تلك الفترة الستينية من القرن الماضي، أين كان للسياسة دخل في كل شيء. ولم يجد نعيمي ذلك إلا في منهج « أروين بيسكاتور»، والذي كان هو نفسه كثيرا ما يقدم عروضه خارج إطار العلبة الايطالية. قدور نعيمي لم يقتصر عمله المسرحي وأبحاثه على الجزائر فقط، بل عمل في كل من تونس وستراسبورغ وغيرهما من المدن الغربية، ونالت أعماله اهتماما لدى النقاد وعشاق الفن الرابع ،وكان أسبق من أقرانه إلى الاحتفالية كاتجاه مسرحي،خاصة في دول الشمال الإفريقي مما يعطيه الريادة في هذا الاتجاه.. فالعروض التي كان يقدمها أمام جمهور لم يسبق له أن شاهد عروضا مسرحية أو سمع حتى بالمسرح ، هي التي دفعته إلى اعتماد طريقة الاحتفالات الشعبية المعروفة في هذه الأوساط، ليجعل من عروضه احتفالا بأتم معنى الكلمة ، وقد كان يسمح للجمهور بحضور البروفات والتدخل فيها بالحذف والإضافة، أي المشاركة في كتابة النص ليجعل منه نصا احتفاليا مع الشعب ، وما كان من الجمهور إلا الاحتفال بعمل كان هو طرفا في ميلاده. ولم يكن تدخل الجمهور يتوقف عند النص فقط ، بل كان يتدخل حتى في الحركة والسينوغرافيا ، وفي تواجد الممثل على الركح وفق تقسيمات دائرة العرض في الحلقة ، والتي تختلف عنها في ركح العلبة الايطالية ، وقد أبان عمله منذ البداية عن توجهه ، ومع مسرحية « ماسح الأحذية « في تلمسان سنة1965، وصولا إلى مسرحية « جسمي .صوتك .وفكره « سنة 1968 مع مسرح البحر، إلى تأسيسه لمجموعة مسرح العالم الثالث بستراسبورغ وعرض « أغنية حزينة «، و « أهمية الاتفاق أو التوافق عن نص بريخت..»، و« النملة والفيل» سنة 1971.. وشخصيا التقيت بنعيمي لأول مرة في فريق المسرح الذي تأسس في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية،ومن يومها نشأت بيننا صداقة لم تنقطع فيها والمراسلات بيننا إلا بعد هجرته إلى الغرب .. عمل قدور نعيمي مع كاتب ياسين الذي سلم له مقود الفريق الذي تأسس في وزارة العمل، ليتكون منه بعدها فريق مسرح سيدي بلعباس تحت إدارة كاتب ياسين، ولكن حدث اختلاف بينه وبين ياسين ، فانفصل عنه وهاجر إلى أوروبا ، وقدم في بلجيكا عرضا بعنوان « فلسطين «، كما عمل في ايطاليا واتجه بعدها إلى السينما وأخرج كذلك بعض الأفلام لها. بعدها عاد نعيمي إلى الجزائر ليقدم عرضا جديدا له بعد غياب طويل، وكان ذلك مع مسرح بجاية الجهوي سنة 2012 بمناسبة مهرجان المسرح الدولي ، وحمل العمل عنوان « الحنان يا لولاد»، وقد شاهدت العرض هناك وكانت لي فرصة الالتقاء بصديقي نعيمي بعد سنوات، لتتجدد ذكرياتنا التي انقطعت لسنوات طويلة. ، ومن خلال فضاء المسرح لجريدة الجمهورية أوجه تحية خاصة للصديق نعيمي قدور ..رائد المسرح الاحتفالي في منطقة الشمال الإفريقي ، رغم أن البعض استولى عليه ولا يعترف بجهود نعيمي وريادته في هذا الاتجاه المسرحي ..