كانت موقعة "عمورية" في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين؛ ردًا على غزو ملك الروم "تيوفيل" حصن "زبطرة" - قرب مدينة مالطية - أثناء انشغال الخليفة المعتصم وجيشه برد فتنة "بابك الخرمي" وأصحابه ببلاد فارس، وكان "بابك الخرمي" قد أعلن التمرد والخروج على حكم بني العباس، في زمن المأمون، وامتدت فتنته عشرين عامًا، لا يستطيع الخلفاء العباسيين رده ولا صده، وكان من شدة خبثه أن تحالف مع ملك الروم على المسلمين، وبعث خطابًا إلى "تيوفيل" لما حاصره المسلمون في مدينة "البذ" وضيقوا عليه الخناق، يقول له: "إن ملك العرب قد جهز إلي جمهور جيشه ولم يبق في أطراف بلاده من يحفظها، فإن كنت تريد الغنيمة فانهض سريعًا إلى ما حولك من بلاده فخذها فإنك لا تجد أحدًا يمانعك عنها". وكان من جراء ذلك أن دخل ملك الروم حصن "زبطرة" وقتل خيرة أهلها، واسترق الباقي، وأخذ في الأسر ألف امرأة من المسلمات، وفي هذه الحادثة أن امرأة من المسلمات الهاشميات صرخت مستغيثة لما أخذت في الأسر "وااامعتصماه". جاء في "البداية والنهاية" لابن كثير: "فلما بلغ ذلك المعتصم انزعج لذلك جدًا وصرخ في قصره بالنفير، ثم نهض من فوره وأمر بتعبئة الجيوش واستدعى القاضي والشهود فأشهدهم أن ما يملكه من الضياع ثلثه صدقة وثلثه لولده وثلثه لمواليه". وجاء في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير: "... فلما بلغه ذلك استعظمه المعتصم، وكبر لديه، وبلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه! فأجابها وهوجالس على سريره: لبيك لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته... وجمع العساكر، فجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد وهو عبد الرحمن بن إسحاق، وشعبه بن سهل، ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلًا من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثًا لولده، وثلثًا لله تعالى، وثلثًا لمواليه". وقيل أن المعتصم لما أراد الخروج حذره المنجمون من الخروج وأنّ ذلك طالع نحس، وأنه يهزم ويكسر، فلم يلتفت لتخرصاتهم، وعزم على الخروج وغزو الروم؛ فأظفره الله عليهم، وقد خرج المعتصم على رأس جيش عظيم، قيل كان جيشه يتكون من مائتي ألف مقاتل، وقيل كان في خمسمائة ألف مقاتل، وعندما وصل الجيش الإسلامي بلاد الروم أقام على نهر اللامس - الحد الفاصل بين الخلافة العباسية والدولة البيزنطية، والذي على ضفتيه كانت تتم مبادلة الأسرى. وقام المعتصم بتقسيم جيشه لعدة فرق، جعل على كل واحدة منها قائدًا من خيرة قواده، فكان على مقدّمة جيشه أشناش التركيّ، وعلى ميمنته إيتاخ التركيّ، وعلى الميسرة جعفر بن دينار، وعلى الساقة بغا الكبير وعلى القلب عجيف، ثم أمر قواده بغزو بلاد الروم من ثلاث جهات، وسير أمامه قائده "الأفشين" لكي يفتح الطريق أمام الجيش، وأمره بالاتجاه إلى أنقرة ففتحها المسلمون. ثم سأل المعتصم قواده: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل له: "عمورية، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية". فعزم المعتصم على غزوها وفتحها. واجتمعت كل العساكر بقيادة "المعتصم" عند عموريّة، وتحصن أهلها بالأبراج، وجعل المعتصم كل قائد من قواده على ناحية من أبراج المدينة، وجعل المسلمون يرمونهم بالمنجنيق، والروم يردون عليهم الضرب، والروم في منعة شديدة داخل أبراج المدينة. وعلم "المعتصم" من عربي متنصّر، تزوّج في عمورية وأقام بها، أن موضعًا من المدينة جاءه سيل شديد، فانهار السور في ذلك الموضع، فأمر المعتصم بتشديد الرمي بالمنجنيق على هذا الموضع، ومحاولة دخول المدينة منه، وأمر بردم الخنادق التي أقامها أهل عمورية حول أسوار المدينة، ودار قتال شديد انتصر فيه المسلمون بالنهاية، ودخلوا عمورية لست ليال بقين من شهر رمضان، وتم قتل نفر كثير من أهل الروم المحاربين، كان على رأسهم قائدهم "ياطس" وقد سقطت عمورية بعد معركة طويلة صعبة استخدمت فيها أدوات الحصار الضخمة الكبيرة كالدبابات والمجانيق والسلالم والأبراج على اختلاف أشكالها وأنواعها، وذلك بعد حصار دام خمسة وخمسين يومًا. وجاء في خبر هذه الموقعة أن المعتصم قتل قرابة ثلاثين ألفًا من الروم، وأسر ثلاثين ألفاً، وسار عائدًا إلى "طرسوس" في غنائم كثيرة.