أحب تشيكوف لأنه يملك زاوية متفردة ينظر منها إلى العالم، زاوية تشمل كل الزوايا والدوائر والحياة غير المهندسة، لا أظن بأن كاتبا يمكنه أن يجعل من أناس بغاية البساطة، لا بطولة بحياتهم..أبطالا لقصصه : الجندي الأبسط رتبة في الجيش، الطالب المترنح بين الفشل والأمل، الفتاة الدميمة الوجه التي تحلم بأن لها حبيبا يراسلها وترد عليه..، الشخص الذي يجعل من فكرة يؤمن بها تحديا يبذل 15 سنة من حياته ليثبت أنها صحيحة، ويكون الرهان رائعا بقدر حزنه في النهاية، العاملة المغفلة التي لا تستطيع لشدة سذاجتها وخجلها أن تجادل من يأخذ حقها، الموظف الذي عليه أن يقضي ليلة العيد بالمكتب، بينما يحتفل الناس بالخارج، فقط لأجل قروش إضافية تكفيه تأنيب زوجته اللامنتهي، الرجل الذي يحيا في كون معلّب، غير قادر على مخالفة القوانين مهما كانت صارمة، حتى أن ملامحه بدت باسمة، وهم ينزلون بتابوته إلى القبر، لأنه أخيرا سيكون معلّبا حقا.. الشابة التي تسافر لتعمل ببيت شخص محترم بالمدينة ، فتتعلم قراءة الكتب وقيمتها لتتغير حياتها ، والمريض العاقل في عنبر مشفى المجانين، والحبوبة التي تمتصها تفاصيل حياة كل رجل تحبه، لتصيرها، وحتى الحوذي الذي عجز عن إيجاد قلب واحد يشكوه كآبته.. مئات من مشاهد تمرّ بنا، لا شيء خاص يميّزها فيشد انتباهنا، لكنه لبراعة في تفكيره، يلتقطها ويعيد صياغتها بلغة بعيدة جدا عن الفلسفة والتعقيد، مما يخلق منها فلسفة البسطاء الأكثر تأثيرا..الحياة التي تحدث في الشوارع الخلفية للحياة، هي ما يهتم له « أنطون تشيكوف» ، وهي ما جعلت منه القاص الأكثر بروزا ومقروئية، على امتداد قرون من الزمن..