- أعتبر نفسي كإعلامي جندي في الجيش الأبيض - الإذاعات الجهوية والصحافة المكتوبة ومنها جريدة «الجمهورية» العريقة صنعت الفارق في التعاطي مع الجائحة - أثبتت الإذاعات الجهوية أنها تقع في قلب الأمن الإعلامي للدولة الجزائرية - قيمة الصحفي العامل بالإذاعات الجهوية هي نفسها قيمة الصحفي بالمركزية بالإذاعة الوطنية قال المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي أنه يرفع القبعة للزملاء الصحفيين، وأضاف: «من يعمل في مهنة المتاعب عليه أن يتوقع أن يصيبه أكثر من البشر العاديين»، وهو ما حدث بسبب جائحة كورونا، وأوضح أن قائمة الأولويات بالإذاعة الوطنية طويلة، لكن الطموحات والآمال والآفاق أكبر، ووعد بمفاجآت بالمؤسسة الإذاعية، تخص العصرنة والرقمنة والتنظيم الهيكلي للإطارات والعمال.. وأجاب السيد محمد بغالي عن عدد من الأسئلة التي تعني مهمة صحفي الإذاعة وعراقيل البث الإذاعي والتغطية الإعلامية والإذاعية.. - إذاعة وهران وجريدة الجمهورية: فرض الوضع الاستثنائي الذي تعيشه الجزائر والعالم بسبب جائحة كورونا عددا من التسميات على من يوجدون في الصفوف الأولى لمواجهة الفيروس اللعين كاسم الجيش الأبيض الذي أطلِق على الطواقم الطبية، وتعلمون أن الصحفيين تصدروا أيضا هذه الواجهة وهم من كانوا ينقلون أخبار الفيروس من أمام أسِرّة المصابين وجثامين الموتى، كما لا يخفى عليكم الإصابات الجماعية التي لحقت بالزملاء بعدد من الإذاعات المحلية، ألا ترون أنه يتوجب تسمية هؤلاء الإعلاميين باسم مماثل في المعنى ؟ وكيف تقيمون الدور الريادي الذي قامت به الإذاعات المحلية في التحسيس ضد كوفيد ؟ ^ المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي : ليس غريبا أنً يطلق على مهنة الإعلام في كل أصقاع العالم «مهنة المتاعب»، فالذي يختار هذه المهنة عليه أن ينتظر أن يصيبه أكثر مما يصيب البشر العاديين من متاعب، وهو ما كان بسبب جائحة كورونا، وكان وسيكون في كل المناسبات التي قد تصيب وهران وباقي مدن الجزائر وقد تصيب العالم، ونذكّر بالصحفيين الجزائريين الذين توفوا بالفيتنام في حادثة سقوط الطائرة، وكذا الصحفيين الذين ماتوا بلبنان وآخرون ماتوا وهم يغطون مختلف الحروب والكوارث في العالم. أنا لا أعتقد أن الجيش الأبيض هم فقط أخواتنا وإخواننا في قطاع الصحة، وأعتبر نفسي كإعلامي جنديا في هذا الجيش الأبيض، والتسمية هي رمزية، لكنني أعتقد أنها تشمل كلّ أولئك الذين كانوا في الصفوف الأولى في الحرب ضد هذه الجائحة، والإعلاميون كانوا ضمن هذه الصفوف، ونظرا لكون العمل الإذاعي سهلا ومرنا، كانت الإذاعات الجهوية في المقدمة، وحتى من الناحية التقنية، فالصحفي في التلفزيون عادة ما تكون حركته ثقيلة، ولكن الصحفي الإذاعي بميكروفون بسيط يخرج ويصل ليواجه الكارثة وينقل الصورة الحقيقية للمستمع، لهذا جاء دور الإذاعة الوطنية، والصحافة المكتوبة أيضا، منها جريدة «الجمهورية» العريقة والمحترمة جدّا، فكانت التغطية الإذاعية تشكل فارقا في التعاطي الإعلامي مع الجائحة، وأذكر أن الإذاعة الوطنية كمؤسسة اتخذت ما كان يجب أن يُتخذ من إجراءات لحماية عمالها من الجائحة وليس الصحفيين فحسب، ولكن الجائحة أصابت كل الناس وأثرت على كل شيء، وإذاعة وهران حسب ما علمتُ كانت من الإذاعات الأولى التي وصلتها العدوى، وكانت أيضا من بين أكثر الإذاعات إصابة، ومن بين المحطات ال 48 للإذاعات الوطنية والمحلية، لم تسلم من الجائحة إلا 12 محطة، أي تقريبا 95 بالمائة من المحطات طالتها العدوى بشكل رهيب، وبالمناسبة أحيي الزملاء وأشكرهم وأقف لهم احتراما وتقديرا على ما قدّموه، حيث أن البث الإذاعي لم يتوقف في أية إذاعة، وبعض الإذاعات كانت تزاول مهامها بعدد قليل من المذيعين والصحفيين والتقنيين، وهكذا أرفع القبعة لكل هؤلاء. - إذاعة وهران وجريدة الجمهورية: نعلم أنه منذ تعيينكم على رأس المديرية العامة للإذاعة الوطنية، قمتم بتشخيص أول لما كان كائنا وما يجب أن يكون، خاصة بعد اطلاعكم على كل المعطيات الداخلية المتعلقة بتسيير مؤسسة الإذاعة والمتعلقة بأدائها بصفة عامة، ما هي أهم الأولويات التي حددتموها، أو التي تعتزمون تفعيلها من أجل الرفع من مستوى الأداء الإعلامي لهذه المؤسسة الإعلامية؟ ^ المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي: أكاد أقول أن قائمة الأولويات طويلة وطويلة جدّا، وكل شيء أولوية فالإذاعة الوطنية أصابها ما أصاب كل المؤسسات الجزائرية بفعل جائحة كورونا، فمن الناحية المالية تأثرت كثيرا، لكن الطموحات والأحلام والآفاق أكثر وأكبر، فالأولوية الأولى هي ضمان الاستقرار الإداري والمالي للإذاعة الوطنية، وضمان الاستقرار في ما تبثه الإذاعة من برامج يجب أن تكون محترمة ومستمرة، كما نسعى للرفع من سقف قيمتها، و كل ما ينتج في النهاية من قرارات إدارية وغيرها هدفه إيصال صوت جميل في شكله وفي محتواه للمستمعين. الأولوية الثانية هي الذهاب بالإذاعة الوطنية إلى العصرنة، فهناك خطوات تم المضيّ فيها، ولكن ما زال هناك بيننا وبين العصرنة الكلية للإذاعات الوطنية والمحلية مسافة بعيدة، ذلك أن عصرنتها تكمن في شكلها وفي مضمونها وفي طريقة تسييرها وفي تعاملها مع التكنولوجيات الجديدة للإتصال، وهناك أولويات أخرى لا تقل أهمية منها التكوين، حيث نعمل على إعداد برنامج تكويني يأخذ بعين الاعتبار أهدافنا في عصرنة الإذاعة، وهو برنامج متكامل يبدأ بالمقر المركزي في شارع الشهداء وينزل إلى كل الإذاعات الجهوية. نعمل أيضا على توفير إمكانيات أكبر وأكثر من الناحية البشرية والتكوين والوسائل والإدارة والتأثير القانوني لهذه الإذاعات التي أثبتت مرة أخرى في تعاملها مع جائحة كورونا بأنها تقع في قلب الأمن الإعلامي للدولة الجزائرية، كما أثبتت هذه الجائحة أن أمر تطوير هذه الإذاعات ليس كماليا بل أمرا حتميا، وجميع هذه الأولويات سنشتغل عليها مع إطارات وعمال الإذاعة، وهناك طموحات أخرى سيكون بعضها مفاجئا، كتطوير الموقع الإلكتروني للإذاعة الوطنية، وتفاصيل أخرى كثيرة، لكن عموما سيمس التطوير شكل ومضمون البرامج، التي تقترحها الإذاعة على المستمعين، ثم الذهاب بها إلى الكلّ الرقمي والأكثر عصرنة. - إذاعة وهران وجريدة الجمهورية: تميزت الإذاعات المحلية بأنها وسيلة الإعلام الوحيدة التي نقلت على المباشر آلام وآمال سكان مناطق الظل، إلى أي مدى ترونها قد أصابت في نقل غبن وهموم المحرومين إلى المسؤولين والسلطات؟ ^ المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي: لقد أصابت الإذاعات المحلية في هذا الجانب كثيرا، تعلمون أنّه من المناصب التي تقلدها رئيس الجمهورية كانت وزارة الاتصال، وهو بذلك يعرف جيّدا آلية ووسائل الاتصال بصفة عامة، ويعرف جيّدا أهمية الإذاعة الوطنية والإذاعات المحلية بصفة خاصة، وأنا أشهد أن رئيس الجمهورية حرص شخصيا على أن تكون الإذاعات الجهوية في قلب برنامجه الذي اقترحه على الشعب الجزائري، والذي باشر عملية تطبيقه، وما يجب أن ننوّه به هو تركيز الرئيس تبون على مناطق الظل، حيث أنه وضع الإصبع على الجرح، وهذا المعطى من الناحية السوسيولوجية ليس جديدا ولكن كاهتمام فهو جديد، فسابقا كنا نتكلم عن الجزائر العميقة التي هي عادة الجنوب مقارنة بالشمال وهي السهوب أيضا.. لكن المفهوم الجديد هو عملية جراحية لما يعانيه المواطنون في أقصى كوخ وأقصى مكان وأقصى بلدية.. لا يمكن تصور أي تعاط مع هذا الوضع دون إشراك الإذاعات المحلية، فهي تكاد تكون من وسائل الإعلام القليلة التي يمكنها أن تصل إلى هذه النقاط البعيدة وأن تكون مشرطا من المشارط التي تجرى بها العمليات الجراحية، وهذا الدور الاستراتيجي الكبير والعميق يجب أن توازيه إمكانيات في المستوى، ودورنا نحن هو العمل على تمكين هذه الإذاعات من الوسائل والإمكانيات التي تتيح لنا تأدية هذا الدور الذي ليس بسيطا ولا سهلا. - إذاعة وهران وجريدة الجمهورية: في ظل الأزمة الصحية الاستثنائية التي عايشناها على مدار السنة الماضية، دخلت المؤسسة العمومية للإذاعة الجزائرية في وضعية استثنائية من حيث الأداء الإعلامي، كيف يمكن لنا أن نستفيد من كل هذه التراكمات الخبراتية التي عايشناها في إطار تدعيم دور الإذاعة إعلاميا مستقبلا، وكذا تدعيم جميع النواحي المتعلقة بالتقيّد بالمقاييس الإحترافية ؟ ^ المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي: الآن الإذاعة الوطنية بكل مكوّناتها دخلت التجربة وأثبتت بأنها في المستوى كباقي وسائل الإعلام، وبما أنني مديرا عاما للإذاعة الوطنية أتكلم كمسؤول عنها، فالإذاعة الوطنية عاشت مباراة رسمية، هناك مباريات تدريبية أو تحضيرية، لكن الكوفيد هو مباراة رسمية، وكأن هناك فريقا شارك في دورات تدريبية، ثم شارك في كأس العالم، فإعلاميا كأس العالم هو كيفية التعاطي مع جائحة كورونا وقد أثبتت الإذاعات الوطنية والمحلية ولا زالت تثبت أن هذه الجائحة لا زالت تقتل وتهدّد حياة المواطنين واستقرارهم واقتصادهم بقدر كبير من المسؤولية والآن وكأن الزملاء الصحفيين والتقنيين ألقوا بالكرة إلينا، فبالإمكانيات البسيطة والمتواضعة التي لا يعلم بها المواطن وفي أحايين كثيرة هي معدومة، ضف إلى ذلك أن الكثير من الزملاء قد أصابهم الوباء، والذين لم تصبهم العدوى صاروا قلّة، إلا أن البث الإذاعي لم يغب وبقيت الإذاعات واقفة تؤدي دورها في التوعية والترهيب والتثقيف وفي تحميل المسؤولية للمواطنين والمسؤولين، وهكذا أعتقد أن الكرة هي عندنا حتى نمكن هؤلاء الزملاء من إمكانيات أكبر ليضمنوا أداء أكثر مهنية واحترافية وأفيد للمواطن والمواطنين. - إذاعة وهران وجريدة الجمهورية: هناك مناطق بمدن كبرى لا يصلها البث الإذاعي وهي ما يسمى في اللغة الإذاعية ب (مناطق الظل) وأخرى تشهد تداخل أمواج إذاعات الدول المجاورة، فبوهران كثيرا ما تتشابك الأمواج المحلية مع أمواج إذاعات دولة إسبانيا، هل هناك تنسيق بينكم وبين مؤسسة البث الإذاعي والتلفزي لتصليح هذا الوضع ؟ ^ المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي: هناك عمل كبير ينجز على مستوى الإذاعة الوطنية، نحن نفكر في طريقة أخرى لاستغلال ما هو متاح لنا من أمواج، فالإذاعة الوطنية بحوزتها عدد رهيب من الأمواج، لكن في بعض الأحيان هذه الأمواج ليست مستغلة، وقد طلبت شخصيا من بعض الزملاء دراسة تقنية في هذا الموضوع، وستلاحظون في قادم الأيام أن هناك كثير من الأمور ستتغير، دون أن نصرف سنتيما واحدا من خلال الإمكانيات المتاحة على مستوى مؤسسة البث الإذاعي والتلفزيوني، التي هي مؤسسة استراتيجية وحساسة جدا، ونحن ننسق أيضا مع التلفزيون الجزائري، لكن هذه المؤسسة غير معنية بالأمواج، من أجل تغطية مناطق الظل الموجودة حتى في المدن الكبرى، كوهران والعاصمة وأغلب هذه المناطق محرومة من البث لأن الهوائيات الموضوعة بها تفسد، ومؤسسة البث الإذاعي قد أحصت عددا كبيرا من وسائل البث المتضررة، وهو ما تضاعف بسبب جائحة كورونا وغلق المجال الجوي، ذلك لأن بعضها يحتاج لخبرات أجنبية لتصليحها، وفي هذا الصدد نطمئن المستمعين بأن هناك عملا كبيرا ينجز على مستوى الحدود الغربية، والحديث عنه من صلاحيات مؤسسة البث الإذاعي والتلفزي. وهناك أيضا عمل تقني آخر ينجز في أقصى الجنوب وفي القريب العاجل ستزول الكثير من نقاط الظل الخاصة بهذا البث، وشيئا فشيئا ستتلاشى هذه النقاط، وكل ما نعمل من أجله ونسعى إليه أن تصل الإذاعة الوطنية والإذاعات المحلية، إلى المستمع الجزائري في داخل الوطن وخارجه. - إذاعة وهران وجريدة الجمهورية: الإذاعة الوطنية ورغم كل ما ترفعه على كاهلها من تحديات تأدية للخدمة الإعلامية والجوارية، إلا أن هناك نقائص غالبا ما تسجل في التسيير الإداري وربما في الأداء التقني، ماذا عن إعادة هيكلة مؤسسة الإذاعة الجزائرية، وما هي نظرتكم الإستراتيجية في هذا الإطار ؟ ^ المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي: هذا الأمر شأن داخلي، ولكن طبعا هناك عمل من أجل هذا، الإذاعة اليوم لا تملك ما يسمى بهرم التنظيم الهيكلي للإطارات والعمال (Organigramme) لكن هناك هيكل شفهي متعارف عليه، الذي يسمى في المهنة «الفتوى»، وكلمة فتوى ليست بالمفهوم الديني، بل بالمعنى الإداري، فهذا الهيكل، يسمح بحلّ الكثير من المشاكل الإدارية، والقانون الخاص بالإذاعات المحلية غير معروف، فمثلا، هل مدير الإذاعة المحلية هو نائب المدير العام أو مدير؟ ومثل هذا الإطار نحن بصدد التحضير له وستعلمون به قريبا، وسنأخذ في إعداده بعين الاعتبار جميع التطورات التي عاشتها الإذاعة الوطنية، هناك مهن إذاعية لم تعد موجودة الآن وأخرى استحدثت بفعل التكنولوجيا، وكل هذه التطورات التي شهدتها الإذاعة الوطنية ستوضع في إطار قانوني سيحل الكثير من المشاكل. - إذاعة وهران وجريدة الجمهورية: يشعر الصحفيون العاملون بالإذاعات المحلية بنوع من التميز الذي يحظى به الصحفيين بالإذاعة المركزية، فمثلا الصحفي الذي يعمل بإذاعة مستغانم أو وهران، لا يعتبر نفسه في نفس المرتبة وزميله في القناة الأولى، ما قولكم ؟ ^ المدير العام للإذاعة الوطنية السيد محمد بغالي: سأسمح لنفسي بأن لا أوافقك الرأي، أولا مستوى التعامل الإداري والمهني والحقوق والواجبات هي نفسها، ونقول بأن الصحفي الذي يعمل بالإذاعات المحلية يضع رئيس الجمهورية في قلب برنامجه، فلا يعقل لي أنا كمدير في شارع الشهداء في العاصمة، أو أي زميل أن يقلل قيمة هؤلاء الزملاء، فجميعهم لهم نفس القيمة تماما، أما فكرة المركز والحواشي، فهي مطروحة منذ آدم (عليه السلام)، وفي أي دولة في العالم، يشتغل ناسها بالعاصمة أو المدن الكبرى، وأظن أن الزملاء في المدن التي تحيط بوهران يعتقدون أن الزملاء بمحطة وهران أحسن منهم، والزملاء العاملون بإذاعات سوق أهراس والطارف وسكيكدة وعنابة يعتقدون أن صحفيي محطة قسنطينة أفضل منهم، والزملاء بوهرانوقسنطينة يظنون أن الزملاء في العاصمة أفضل منهم، لكن هي نفس الرواتب والحقوق والواجبات، ونحن نتكلم عن مناطق الظل أقول أن الصحفيين في الإذاعات الجهوية صاروا أكثر قيمة من زملائهم في العاصمة والمدن الكبرى.