الحراك الشعبي السلمي الذي بدأت مسيراته يوم 22 فبراير2019 واتخذ من أيام الجمعة موعدا للتجمع في شوارع المدن والقرى بمشاركة ملايين المواطنين من كل الجهات في انضباط تام ونظام وانسجام وتعاون وتفاهم بين كل الشرائح والفئات وفي شكل غير مسبوق دون قيادة أو زعامة مسجلا أروع المواقف ، فقد استلهم هذا الحراك أعظم قيم الشعب الجزائري الحضارية والدينية والأخلاقية فترجمها في صور ستظل عالقة في الأذهان وشاهدة على وعي الشباب وتعلقه بوطنه ، فقد أبهر العالم بسلوكه الحضاري وسمو أفكاره وابتعاده عن العنف والتطرف ، ماسحا تلك الأوصاف والنعوت والانطباعات السيئة المتولدة عن العشرية السوداء التي شوهت وجه الجزائر وثورة نوفمبر العظيمة بقيمها ومبادئها الخالدة وبطولات أبنائها وتضحياتهم من أجل الاستقلال والسيادة ، ومنها استلهم الحراك مرجعيته فكانت نوفمبرية باديسية بامتياز توحد وتجمع ولا تفرق وتبني ولا تخرب . لقد ردد المتظاهرون في خشوع أناشيد الوطن رافعين الراية الوطنية وتمر وسطهم سيارات الإسعاف دون عرقلة أو منع فاقترب من تحقيق أهدافه و جذب إليه أنظار العالم مخيّبا بذلك أمل المتربصين ما حمى الوطن من الهزات والفتن والاضطرابات والفوضى ولهذا سميت هبّتك حراكا مباركا ووُضع بند في دستور 2020 واعتبر مرجعية للعمل السياسي والوطني لتسير الأجيال على خطاه في المستقبل فبفضل الحراك انتهت المسرحية الهزلية للعهدة الخامسة والانتخابات المزورة وبيع و شراء المقاعد الانتخابية وتوزيعها في شكل حصص على الأحزاب والشخصيات الموالية والاستيلاء على المال العام والأملاك العمومية بطريقة غير شرعية وسيطرة رموز الفساد المالي والسياسي على مفاصل الدولة الجزائرية والتصرف فيها كملكية خاصة والعبث بمقدرات الدولة وممارسة الاحتكار للنشاطات التجارية المربحة وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج . العين الساهرة بفضل الحراك تنفس الجزائريون مرة أخرى هواء الحرية والديمقراطية رغم بقاء بعض الروائح الكريهة التي سيتم التخلص منها . لقد ذهبت العُهْدات المفتوحة و الدوس على الدستور وقوانين البلاد والطغيان والتسلط وذهبت العهدة الخامسة وصاحبها بلا رجعة وذهب حكم العصابة فبقي صدى الشعارات مدويا في سماء الوطن « جيش شعب خاوة خاوة « ومازالت صور المرحوم الفريق أحمد قايد صالح وخطاباته تتراءى من بعيد وترن في آذاننا «أن الجزائر أمانة في أعناقنا فلن نسمح أن تسيل قطرة دم « فقد كانت أعين الجيش الوطني الشعبي وأجهزة الأمن الوطني ترعى الحراك وتحميه من الاختراق من بعيد وتحفظ أمن المواطنين في المسيرات في هدوء وفي سرية أيضا حتى أنجزت المهمة بنجاح . لقد حدثت محاولات لكنها جاءت متأخرة لحسن الحظ فرفعت رموز العلم الوطني الذي يمثل كل الجزائريين وأدخلت شعارات لتفرقة الصفوف مثل (دولة مدنية لا عسكرية) والمطالبة برحيل كل مسؤولي مؤسسات الدولة لإحداث فراغ في السلطة لكن هذه المحاولات فشلت وانتصر الخير على الشر وتجاوزت الجزائر الأزمة السياسية بحكمة وحنكة قياداتها وانتخب الشعب رئيسا للجمهورية فعدّل هذا الأخير الدستور وقريبا ستتمكن الجزائر من قانون عضوي جديد للانتخابات ويجري الحوار والتشاور مع الأحزاب السياسية حول القضايا التي تهم الوطن والمواطنين من أجل بناء الجمهورية الجديدة وسيفشل دعاة الفتنة ، الذين يريدون تحريف الحراك عن مساره الوطني السلمي. فالشعب الجزائري أكثر وعيا ومعرفة بما يدور حوله ولا يُجرّ من أذنه فهو صعب الانقياد لغير الحق والأمّة أن تستفيد من ثقافة الحراك وروحه السلمية الخلاقة للبناء و التجديد . ج س