في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«النُّخَب والحاجَة إلى قُوى سياسيّة جَديدة»
البروفيسور بومدين بوزيد الجامعي والأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى في حوار ل «الجمهورية»:
نشر في الجمهورية يوم 17 - 04 - 2021


- علينا فتح مساحة للحريات داخل الفضاء الإعلامي
- من أقوى المؤسسات تأثيراً على التشريعات والتطور و الدمقرطة هو البرلمان بغرفتيه
- على الأئمة الذين يتحدثون باسم الدولة في علاقتهم بالمصلين والمتعبدين الالتزام بالانتماء المرجعي للدولة
- الشباب هم قوة التغيير وعليه إيجاد الآليات لمجابهة الحرب الإلكترونية
- ضرورة ظهور قوى حزبية جديدة تنشأ عنها مؤسسات منتخبة قويّة
تطرّق الجامعي و الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى الدكتور بوزيد بومدين في الحوار الذي خصّ به « الجمهورية « إلى عديد المواضيع المرتبطة براهن و مستقبل الجزائر من خلال محاور تناولت مخرجات الجبهة الاجتماعية و دور النخبة في صناعة الوعي دون نسيان المهام الملقاة على عاتق المجتمع المدني و التي ليست بالضرورة العمل على الوصول إلى الحكم بل صناعة و تصدير الوعي أيضا و موقع البحث الجامعي من كلّ ذلك ، و لم يغفل بوزيد بومدين الحديث عن الآليات المجابِهة للحرب الإعلامية الإلكترونية و أيضا نشأة قوّة سياسية تتجاوز الأحزاب التقليدية.
- الجمهورية : و نحن في شهر رمضان الكريم لا تزال جائحة كورونا تسجل حضورها في الجزائر التي تواصل الالتزام بالبروتوكول الصحي فكيف تقيمون علاقة الوعي الديني بالتطورات الصّحية ؟
^ البروفيسور بوزيد بومدين: يمكن القول أنّ الجائحة قد خلقت منذ سنة تحوّلا على مستوى الوعي والعلاقات الاجتماعية ومن آثارها الأساسية العلاقة بين الدين والحياة، فالفتوى مثلاً ، نحن نشهد منذ بداية الوباء أنّ الفتاوى التي تصدر عن المؤسسات الرسمية المعنيّة بالإفتاء أو التي تصدر عن المشايخ تتميّز بما يلي: أولا: استخدام القياس الآلي ، و هي منهجية قد تكون مُبدعة في مراحل وغير مبدعة في أزمنة أخرى ، القياس على ما حدث في طاعون عمواس في بلاد الشام خلال القرن الأول الهجري أو طاعون دمشق خلال القرن السادس الهجري ، أو الأوبئة التي عرفتها المجتمعات الإسلامية ، المهم أنّ الفقهاء يستخدمون قياسات على ما وقع في التّاريخ و من هنا يتبيّن أنّ عملية القياس التي يلجأ إليها الفقهاء قد تكون أحيانا مُعطّلة ، لأنّ الأمراض و الأوبئة التي عاشتها الشعوب السابقة ، كانت هناك رؤية طبية غير متطورة مثل اليوم، وعليه وجد الفقهاء أنفسهم أمام أزمة تتعلّق بالمنهج، وهو كونهم كانوا دائما يعتمدون على قياس الغائب على الشاهد، وهذا ينبغي تطويره أو التجاوز عنه لأنّه يوقع في نتائج معروفة في المقدمات، وروح الاجتهاد تتطلب مرونة في التأصيل والاستفادة من المنهجيات الجديدة ، وابن حزم الظاهري في محلاّه حاول تجاوز أزمة القياس والاجتهاد في عصره، بمراجعته للأصول الأربعة في الاجتهاد وإنكار القياس، وشكّل في الأندلس تيارا مذهبيا جديدا يمكن أن نعود إليه في بعض مناحيه لأنه يعطي للواقع مساحة أكبر في الاجتهاد.
المسألة الثّانية التي طرحت على المؤسّسات الدينية هي أنّ التديّن وقع فيه اهتزاز، أي انتقلنا من حالة التديّن الجماعي مثل صلاة الجماعة والجمعة إلى التديّن الفردي
بمعنى أنّ الانقلاب الذي حدث في العلاقات الدينية داخل المجتمع أعطى قيمة من جديد للتديّن الفردي الذي هو ليس من ثقافتنا لأنّ من ثقافتنا وثقافة المجتمعات الإسلامية غلبة التدين الجماعي سواء في الصلاة الجماعية التي تأخذ درجة الوجوب مثلا في المذهب الحنبلي، أيضا طبيعة الشعائر الدينية في الأصل ذات طبيعة اجتماعية.
الصراع بين المؤسسة الدينية الرسمية والمشايخ الذين يفتون خارجها أو الحركات الدينية قديم، فالذين هم خارج المؤسّسة الدينية من بعض الجمعيّات الدينية ومنها ذات الطابع السياسي أو بعض المشايخ يحاولون السّيطرة على الفضاء العام الدّيني، والمؤسّسات الرسميّة تعتقد أنّ الفضاء العام هو فضاء تابع لها على اعتبار أنّ مساجد الجمهورية هي مساجد تابعة للدولة وتحت سلطة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، رغم الطّابع المدني الخاص بالمساجد فلا نفرض على الناس مذهباً لكن
على الإمام الالتزام بالهُوية الدينية للجزائريين، وعليه هناك نزاع بين مؤسّسة دينية رسمية والجمعيات أو التيارات الدينية أو بعض الذين يتصدون للمشيخة الدّينيّة
ففي فترات تترك الهامش للحرية و في فترات تمسك به أو تقلّل من مساحة حرية الإمام. وهناك أيضا اتجاهات أخرى سواء تستغل الدين سياسيا أو لأغراض أخرى وهذا النزاع برز أكثر في التسعينات من القرن الماضي، ونعلم أنّ الصراع حول المنبر أدّى إلى احتلاله من طرف بعض الجماعات والطوائف وأدّى إلى ما يعرفه الجميع. و عليه ندرك أن تسيير الشأن الديني في بلدان مثل الجزائر هي من مهام الدّولة دستورياً وقانونياً وتاريخياً، وتسيير هذا الشأن يتعلق بالتدين الجماعي في مؤسسات تابعة للدولة رغم طابعها المدني، كما أن الحرية الدينية والمذهبية مكفولة لكن بالنسبة للمؤسسات والأئمة الذين يتحدثون باسم الدولة في علاقتهم بالمصلين والمتعبدين الالتزام بالانتماء المرجعي للدولة، أما النّزاع حول بعض الجزئيات المتعلقة بالتراويح ورؤية الهلال وزكاة الفطر فهي تحضر كل مرّة لأن هناك من يتعصب لرأيه في قضايا جزئية يمكن تجاوزها لما هو أهم.
- الجمهورية : مضت أكثر من سنتين على الحراك الشّعبي في الجزائر فكيف كان تأثيره على الجبهة الاجتماعية في البلاد سلبا أو إيجابا، بمعنى هل الجبهة الاجتماعية تغيّرت وفقا لتطورات الحراك أم انتكست؟
^ البروفيسور بوزيد بومدين: أنا أتصوّر أنّ الإخفاق الحقيقي هو أننا لم نستطع أن نُكوّن جِسرا حقيقا للإصلاح عن طريق حوار استراتيجي تكتيكي من أجل قُوى سياسيّة جديدة تنقلنا إلى مرحلة أكثر فعاليّة، المسألة الثّانية الحراك الشّعبي تحوّل من انتفاضة شعبيّة وهجها التّغيير إلى حَراك نضالي، هناك فرق بين الحَراك النضالي والحراك الشعبي الذي تكون فيه العفوية والحلم فيكون حماسياً عاطفياً في البداية ثم يخفت تدريجياً مع الزّمن، وحتى عندما يحقّق بعض النتائج فهو يطمع إلى المزيد. والظروف الاجتماعية تجعل من الفرد بدل أن يذهب إلى النقابات يخرج إلى الشّارع لتفريغ الشّحنة والطّاقة
ولذلك اليوم ضروري جدا إعطاء مزيد من الحريات للنقابات وأن تكون ذات مصداقية، وللمجتمع المدني الحقيقي الذي لا يسعى للغنيمة والامتيازات
فمثلاً التطورات السّياسيّة الموجودة في أوربا المدافعة عن حقوق البيئة و المرأة والأطفال والأقليّات صارت تتغذّى منها الأحزاب السياسية، فالمجتمع المدني نشاطه ليس الوصول إلى السّلطة كما يعتقد بعضهم لأنّ دوره خلق وعي اجتماعي جديد بكل أبعاده، وثانياً هو أنّ عقل الدّولة و الممارسة السياسيّة للمعارضة في الغرب خلَق ظاهرة حزبية جديدة مرتبطة بصعود الوعي المدني الذي يطرح قضايا جوهرية تهم المواطن ومستقبل مجتمعاتهم، ولذا علينا القطع مع الممارسات القديمة القائمة على الزعامة والريع و الغنيمة، والحراك الشعبي لم تولد منه قوى حزبية للأسف، لأنه لا يريد أن يكون له لسانٌ بل ألسنة مشتتة تذهب أحيانا إلى التطرف، أما الأصوات المعتدلة داخله فتخَوَّن أو تنسحب، و ثالثا الأمل معقود أن يكون هناك تحالف بين عقل الحراك بأصواته المعتدلة المحتشمة وعقل الدولة للوصول إلى مرحلة تنتصر على تحالف آخر خفي غير معلن بين الذين لا يريدون التغيير باسم ذهاب الجميع والمفرملين (الكابحين) للتّغيير داخل المعارضة والسلطة ، هكذا يمكن أن ننهي حالة الصدام و التشنّج وقطع الطريق أمام التطرف والأساليب القديمة في التسيير الإداري والممارسة السيّاسية ، والنّقطة الرابعة
علينا فتح مساحة للحريات داخل الفضاء الإعلامي لجذب مَن الذين يحاولون أن يبحثوا عن المعلومة في فضاءات وقنوات أخرى و لامتصاص حالات الغضب، ويصبح عدو الحراك الحقيقي هم الذين لا يريدون التغيير أو يحاولون أن تنتصر أيديولوجيتهم التقليدية، ويتحوّل الأمر من عداوة الحراك لمؤسّسات الدولة إلى حراك مساعد للسلطة و نتساءل هنا من الذي في مصلحته فرملة التغيير.
ومع قرب الانتخابات التّشريعية نتساءل: هل القوانين الحالية المعدلة تكون عاملاً في تقوية المؤسسات التشريعية والمنتخبة؟
وهل يمكن أن نكون أمام قوى حزبية جديدة تستطيع أداء العمليّة السياسيّة باقتدار وفي مصلحة المواطن في المستقبل ؟ وهل تأخذ بمجتمعنا إلى انتقال ديمقراطي سلمي وسلس وبدون ضحايا؟ وهل يكون ذلك من مَداخل الدولة المعاصرة؟ طبعا من أقوى المؤسسات تأثيراً على التشريعات والتطور و الدمقرطة هو البرلمان بغرفتيه ، أما إذا كنّا أمام برلمانات فسيفسيائية لا تُشكّل قوّة سياسية وتشريعية لا يمكن أن نضمن توازناً حقيقياً في المؤسّسات أو كبح تغوّل السّلطة وتحوّلها إلى الاستبداد ،
إصرار رئيس الجمهورية على منع التّمويل المالي الفاسد وغير الفاسد في الانتخابات موقف تطهيري لما شاب العمليّات الانتخابيّة، ولكن الخوف أن تمويل ذلك من الدّولة يكون جزءاً من «ذهنيّة الخدمة الاجتماعيّة» التي جعلت المواطِن ينتظر من الدّولة كل شيء من رغيف خبزه إلى منصب في البرلمان، أو أن نعطي الأولوية للمحاصصة الجنسية والعُمريّة (المرأة والشباب) بدل المعايير السّياسية وأنواع الكفاءات الأخرى، وهنا التخوف الذي أبديه أنه مع السنوات القادمة نكون أمام برلمان تغلب عليه المحاصصة الاجتماعية والجنسية ولو تمّ ذلك بالطريقة الديمقراطية.
-الجمهورية : وأين موقع النخبة السياسية في كل هذا الزّخم؟ هل تقدمت؟ هل تأخرت و في حالة التّأخر ماذا عليها فعله لتتدارك نفسها؟
^ البروفيسور بوزيد بومدين: دعينا نعود قليلا إلى التّاريخ القريب لنفهم دلالة مفهوم النّخبة فقد كانت جزءا جوهريا في التغيير، والنخبة هي التي نقلت المجتمعات من ما قبل الحداثة إلى التنوير والحداثة، بمعنى أنّ الثّورة الفرنسية أو الأمريكية كثورتين في التاريخ المعاصر جاءت بالقوانين والدساتير و الفضل هنا يعود إلى النخب بمختلف أنواعها، وتأكد ذلك في حوادث ماي بفرنسا 1968، هذه النّخب كانت أساسية في التغيير، منها مثلاً الذين حملوا تأويلاً جديداً للدين وأقصد هنا البروتستانتية التي كانت روح الرأسمالية بعيارة ماكس فيبر، للأسف عندنا في الجزائر تم تدمير النّخبة منذ الاستقلال وهذا راجع إلى طابع الازدواجية في النّخبة على أساس لغوي وهو شقاق لم يُستثمر علمياً وحضارياً، فالتعددية اللغوية لم تكن عامل ثراء بل عامل تنافر، والنخبة في البلاد لم يكن لها حرية التفكير بل أصبح عملها مرتبطا أساساً بأن تكون مبررة للسّلطة وتشتغل على الهامش وتشرح خطاب السّلطة، والمشكل الآخر أن النخبة لم تتوفر لها هيئات تحميها، تحمي علمها، وظيفتها وتركيبتها .. والنخب في الولايات المتحدة اليوم ليست موجودة في الجامعة بل في مخابر البحوث والمراكز الإستراتيجية ولها طابع الحرية و عليه فهي تشتغل على برامج طويلة المدى مثل ما اشتغلت على صراع الحضارات مع أحدث سبتمبر الشهيرة.
إعادة طرح نقاش الهويّة يأتي في ظروف معيّنة لتدمير الذات الجماعية
- الجمهورية: مهما كانت الظروف المحيطة بنا كجزائريين فإننا نسعى إلى إقامة مشروع حضاري و لكن في نفس الوقت تُثار مسالة جوهرية إمّا لتميعها أو لغرض آخر و هي عناصر الهوية حتى أنّ الصراع موجود في ترتيبها ؟ ما قراءتكم ؟
^ البروفيسور بوزيد بومدين: يأتي النّقاش حول الهوية في فترات فمثلا استمر النقاش في التسعينات مع بروز تيارات جهادية تريد أمورا ما ، يأتي أيضا في لحظات إحباط وأحيانا يأتي النّقاش حول الهوية لتدمير الذات الجماعية كنقاشنا حول أسمائنا مثلا، فنثير النزاع بأيدينا أو عن طريق غيرنا، و التخريب الذي يقع نتيجة عوامل معينة فمثلا لماذا أثيرت العروبة و البربر بعد الحراك مباشرة ؟ من الذي أثارها و ما الفائدة ؟ و من المستفيد ؟
و المشكل أنّ الهوية التي تطرح في الأزمات السياسية و حالات الإحباط وبالتالي نذهب إلى النقاش حول الهوية محملين بصراعاتنا و بإخفاقاتنا و عقدنا
فنخلق صراعا داخليا و هنا يكوّن الجهل و عدم المعرفة و نأخذ مثلين في اللغة و الدين : مع صعود الحركة السلفية المدخلية التي جاءت بعد التسعينات نتيجة عوامل كثيرة ، رأى السلفيون أن الدين الصحيح ليس في إتباع المذاهب و رأوه ربما في إتباع أبي حنبل و ابن تيمية ، نتيجة أنهم لم يتلقوا تكوينا سليما صحيحا وأيضا أننا لم نستطع تطوير هويتنا التي ننتمي إليها بأسلوب و لغة جديدين ، ثم إنّ الذهاب إلى طائفة أخرى لا يزعج بل يخلق تنوعا و الأمثلة في التاريخ موجودة، كون تاريخنا يتمتع بتنوع عرقي وبتنوع مذهبي، الأدارسة، وسيدنا إدريس من ذرية النبي صلى الله عليه و سلّم وتزوج كنزة البربرية، و الرستميون والفاطميون والأتراك الذين تبنوا المذهب الحنفي مثل الأغالبة في القرن الأولى الهجري.
وفي تاريخ علاقة العرب بالبربر نركز على منطقة واحدة مثلاً ، ولا نتحدث عن مناطق أخرى دخلت الإسلام عن طريق الولاء دون حروب، و عليه فالمشكل الأساسي هو في الجهل بالتاريخ و الذهاب بهذه النزاعات إلى التاريخ أيضا بمعنى نذهب إلى التاريخ مرة أخرى محمّلين بواقعنا و هذا هو الإشكال الموجود عندنا حتى في قضية جمعية العلماء المسلمين ، و اليوم الصّراع بين السلفي و الصوفي يحمله البعض إلى ابن باديس و هذا خطأ ، فأولا يجب قراءة ابن باديس كما هو، فابن باديس أسس معه الجمعية شيخُ الزاوية البوعبدلية البطيوية و شيخ زاوية الشيخ الهامل الرحمانية و لكن انسحبوا في الجمعية العامة الثانية بعد سنة ، و نحن عندما نذهب بخلافاتنا الدينية و السياسية إلى جمعية العلماء فنخلق نزاعا و نلوّث واقعنا و نفشل في التكيّف مع الماضي فيذهب منّا المستقبل كما تنفلت حبات الرمال ما بين أصابع اليد.
- الجمهورية : مؤخرا تشهد الجزائر هجمات إعلامية منظمة ما سبب هده الحملة ؟ وكيف نجابهها ؟
^ البروفيسور بوزيد بومدين: قد نصف الحروب الإعلامية و نذهب إلى غوغل و نتابع حروب الجيل الرابع لكن الإشكال ماذا أعددنا ، ما هي أسلحتنا تجاه هذه الحرب و نحن نعلم أنّ مسألة الإعلام جوهرية فثقافتنا التراثية إعلامية ، باعتبار القرآن الكريم يقوم على التبليغ و الدعوة، لأنّ انتصار رسول الله صلى الله عليه و سلّم كان بالعبارة، والعبارة هنا هي القرآن الكريم فحلّت محلّ الشعر و القصّة و بالتالي فالتحوّل الذي حلّ في الجزيرة العربية و في الثقافة الإنسانية جاء عبر اللغة المتميّزة بالصدق و احتاج النبي الكريم إلى وسيلتين : الخطابة عبر المنبر الجامع و احتاج إلى الشّاعر الذي هو اليوم الجريدة ، فكان حسّان بن ثابت يقول له : ألسنتنا معك مثل سيوفنا . و بالطبيعة قد يكون اللسان أقوى من أيّ سلاح . بعض البلدان العربية دخلت مجتمعاتها في العنف والفوضى مثل ما جرى في لبنان على سبيل المثال فالبلد تميّزه حرية زائدة في مجال وسائل التواصل الاجتماعي، في حين هناك دول أخرى لاحظتها في السنوات الأخيرة تحجب بعض المواقع الالكترونية كما هو الحال في المملكة العربية السعودية ، والصين أيضا لها محركات بحث خاصة بها، هذا يفرز ثلاثة أمور أساسية لمجابهة الحرب الإلكترونية
و الأمرليس بالخطابات ولغة الخشب والصخب والبكاء في وسائل الإعلام لكن بفتح فضاء الحريات للإعلام
أضف إلى ذلك وضع ميزانية ضخمة لتطوير هذه الوسائل ، وليس بالضرورة تكون عندك جرائد لكن عدد معيّن من المواقع الإلكترونية ينشطها شباب فهم القوة الحقيقية إذ لابد من السيطرة بهذه الوسائل و نضيف أنّه يمكن أن نتوقف عند الحروب الإعلامية لكن في المقابل مادا أعددنا لها و ما هي أسلحتنا تجاهها ، نحن نعرف أن مسألة الأعلام جوهرية فثقافتنا إعلامية في الأساس والتطور الذي حدث في الإعلام و وسائطه غير منتظر و حتى ما يسمى بالربيع العربي هو نتيجة هذا التطور
و هناك النظرية القائلة بأن الوسائل المتطورة اليوم هي امتداد للعين بمعنى أنّ الحواس اليوم تمتد عبر الوسائل التكنولوجية وتتطور.
و نضيف أن التطور التكنولوجي الذي صاحبته توجيهات إعلامية هو المؤثر اليوم في العالم
و الانقلاب الحقيقي الذي يحدث اليوم في المجتمعات هو عندما يقع الخلل و عدم استقرار و هذا هو الأخطر و الوسائط تلعب اليوم هذا الدور و تؤثر في المجتمع . و هناك عوامل أساسية لمجابهة الحرب الإعلامية التي لا تكون بالخطابات و لغة الخشب و المواجهة تأتي بالوعي و النخب هي التي ترفع الوعي .
- الجمهورية : نحن مقبلون على انتخابات تشريعية يعول عليها من خلال إصلاحات دستورية هل تغيّر من الخارطة السياسية و أداء الأحزاب
^ البروفيسور بوزيد بومدين: أنا مع الانتخابات التشريعية لكن عندي تخوفٌ في أن نجد أنفسنا أمام مؤسّسة هشّة لغياب قوى حزبيّة مؤثرة وفاعلة وتتجاوز الأحزاب التقليدية بشكليها الموالي والمعارض ،كما أن حركة الوعي ليست قوية في المجتمع أو تحدث تغييراً يتجاوب مع التطورات الحاصلة اليوم في البُلدان التي تشبهنا، ولكن مرحلة ضرورية لأننا لا يمكن أن نبق دون مؤسسات تشريعية كما أن «الخطاب الانتقالي الراديكالي» تجاوزه الزمن وهو يتغذّى من يسارية تقليدية متزوجة بتيارات دينية تعيش حُلماً انتهى في التسعينات، كما يتغذى من روح الثأر والعداء المستحكم في النفوس، وهذا يدفعنا كما قلت لك إلى ضرورة ظهور قوى حزبية جديدة تنشأ عنها مؤسسات منتخبة قويّة تزول فيها المحاصصة بكل أشكالها وأنواعها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.