عندما يصل الاعتداء على الثروة الغابية إلى الحرق العمدي مع سبق الاصرار فإن الأمر يتجاوز كل مشاهد الاجرام في حق الوطن، ويتحول إلى خيانة واستدمار لا يختلف عن جريمة الأرض المحروقة، وعندما تستهدف الغابات في توقيت واحد من كل سنة فذلك يشير إلى صفقة أخرى من صفقات مافيا الطبيعة، يراهن المجرمون فيها على بقايا الدمار بقتل كل أنواع الأشجار المثمرة والمعمرة، وإتلاف آلاف الهكتارات من النباتات والمحاصيل الزراعية، والتسبب في هلاك أصناف من الحيوانات دون رحمة ولا إنسانية، فضلا على التسبب في اختلال التوازن الايكولوجي وتهديد الأرواح البشرية... وحتى لا نبقى نعدد الخسائر ونقف على الأطلال وجب علينا كمواطنين إطلاق معركة الوعي والمساعدة بسلوكات بسيطة نستطيع من خلالها حماية المساحات الغابية خاصة في هذا الموسم الذي تكثر فيه تجمعات المواطنين والعائلات في الفضاءات المفتوحة مع إقامة جلسات الشواء التي غالبا ما تنتهي باشتعال النيران بسبب عدم إطفاء المواقد في نهاية الرحلة، ونقصد هنا الحرائق الطبيعية أو غير المفتعلة التي تنشب جراء العوامل المذكورة، وغالبا ما يتمكن أعوان محافظة الغابات والحماية المدنية من التحكم في أولى الشرارات وإخماد النيران. 48 حريقا في 8 ولايات في ليلة واحدة الموسم الفارط أما عن ألسنة اللهب التي رسمت الموسم الفارط وهذا الموسم أيضا مشاهد مرعبة بقيت راسخة في سجل تاريخ الكوارث المفتعلة في الجزائر فالحديث يطول، وسنحاول التطرق إلى بعض التفاصيل في هذا الروبورتاج، وقبل ذلك ننقل رأي المختصين في حماية البيئة والنباتات والحيوانات وفرق التدخل لدى أعوان المطافئ الذين يدقون ناقوس الخطر المحدق ويدعون إلى إعادة النظر في مخططات الحماية من أجل تجنيب غابات الجزائر حرائق مماثلة لحرائق خنشلة ومستغانم ووهرانوتلمسان.. وفي عددنا هذا عدنا لتسليط الضوء على جرائم حرائق الغابات في الجزائر إنطلاقا من كارثة خنشلة التي أتلفت فيها النيران المهولة المندلعة يوم 4 جويلية الماضي أزيد من 2500 هكتار من المساحات الغابية، إلى ما حصل الموسم الماضي من سنة 2020 حيث تم تسجيل 48 حريقا للغابات على مستوى 8 ولايات معظمها في الغرب الجزائري في ليلة واحدة، منها 4 حرائق بوهران، و15 حريقا بولاية تلمسان، و6 بسيدي بلعباس، و3 حرائق أخرى بولاية الشلف وحريقين بعين تيموشنت وحريق واحد بمستغانم، إضافة إلى تسجيل 9 حرائق بالبليدة وحريق واحد بتيبازة خلف قتيلين نتيجة الاختناق بالدخان الصادر عن الحريق، وأتلفت النيران 42638 هكتار من الغابات، وكلها حرائق مفتعلة حسب ما أعلنته الجهات الوصية وفق التحقيقات الأمنية. ومن هنا أصبح الوضع يستدعي اعتماد استراتيجية محكمة لحماية الغابات وتطويق رئة الجزائر من المجرمين وفرض سياسة الردع والعقاب..وتطوير وسائل التدخل وتجديد العتاد المنهك لدى مصالح محافظات الغابات والحماية المدنية المتواجدة دوما في الواجهة بإمكانيات غير كافية لا تغطي حجم الكارثة.. وما سجل من خسائر خلال السنتين الأخيرتين كفيل بإعادة النظر في واقع المناطق الغابية بكل ولايات الوطن التي وإن سلمت من زحف الاسمنت واعتداءات مافيا العقار فإنها لن تسلم من الحرق وخنق الطبيعة وتشويه جمالها ليصبح السواد لونها تجار الفحم...المتهم الأول أمام كل تلك الظروف التي لازالت غامضة بالنسبة للرأي العام ورغم أن التحقيقات الأمنية كشفت أن جل الحرائق التي صعُب التحكم فيها والتي إلتهمت آلاف الهكتارات من المساحات الغابية وراءها مجموعات إجرامية كان هدفها إثارة الفوضى وهو ما أعلنه وزير الداخلية كمال بلجود في حرائق خنشلة.. ويوجه الشارع الجزائري أصابع الاتهام إلى تجار الفحم هذه المادة التي تنتج عن احتراق الحطب وجذوع الأشجار والتي يكثر الطلب عليها هذا الموسم تحديدا مع اقتراب عيد الأضحى الذي تفتح فيه العائلات جلسات الشواء. زيادة الطلب على هذه المادة جعلت مافيا الطبيعة تبحث عن مصدر ثري يوفر لهم الفحم وإن كان بطرق بشعة وغير قانونية ليقومون بإضرام فتائل النار في أماكن وعرة وسط الغابات بعد تهيئة كل الظروف التي تساعد على توسعها وضمان صعوبة تدخل مصالح الغابات والحماية المدنية لإخمادها، وهذا ما أكده السيد المشري عمر رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات بولاية وهران، مشيرا إلى أن كل المعطيات تؤكد أن الحرائق التي يصعب التحكم فيها والتي يتم اشعالها أسفل الشجرة وتصعد إلى أعلاها هي مفتعلة تشتعل في العشب اليابس اعتمادا على مواد سريعة الالتهاب مثل البنزين او المازوت. 5 محاور أساسية في حملة الوقاية ومكافحة حرائق الغابات في الحديث عن برنامج حملة وقاية ومكافحة الغابات فصل رئيس مصلحة حماية النباتات والحيوانات بمحافظة الغابات بولاية وهران السيد المشري عمر في المحاور الخمسة الأساسية التي يعتمد عليها البرنامج كل سنة والذي يرتكز على التوعية والتحسيس بعد الاجراءات المتعلقة بالقوانين والمراسيم التنفيذية التي تؤطر العملية وكذا ما يتعلق بالقرارات الولائية لتنصيب اللجان العملياتية على مستوى كل من الولاية والدائرة والبلدية في أول محورين. وأشار السيد المشري لأهمية التحسيس عبر وسائل الإعلام خاصة وأن 85 بالمائة من المساحات الغابية هي غابات ساحلية تشهد في الصائفة ضغطا كبيرا، ويعتمد هذا المحور على حث المواطنين علبى الابلاغ عن أي حريق عن طريق الرقم الأخضر ويعتمد رابع محور في حملة الوقاية على الاشغال الوقائية التي تقوم بها مصالح محافظة الغابات والمتمثلة في "الاشغال الحراجية" وتتمثل في عمليات نزع الحشائش والعشب اليابس التي تساعد على اشتعال النيران. أما عن خامس محور فيتمثل في عملية فتح خطوط النار ومهمتها قطع سلسلة اللهب وتوقف امتداد النيران وتتم في وسط الغابة بنزع الغطاء الغابي حتى لا تلتهم مساحة كبيرة منه، وأكد المشري عمر أن العملية ناجعة وتتوقف على بعض الظروف والعوامل منها اصناف الاشجار مشيرا إلى شجرة الصنوبر سريعة الاشتعال، وهو ما يعمد على تهيئة المناطق الغابية والطرق المؤدية للغابة لتسهيل التدخل. كما تعول مصالح محافظة الغابات بولاية وهران الجهاز العملياتي أو التدخل الأولي على 10 سيارات إطفاء للتدخل الأولي منها 6 سيارات من نوع طويوطا و4 مارسيدس، بالإضافة إلى 10 أبراج مراقبة منتشرين في غابات وهران مهمة كل برج المراقبة من نقطة مرتفعة تمكن من مراقبة أكبر مساحة ممكنة من الغابات، وذكر المتحدث أن في كل موسم يتم تجنيد 30 عاملا موسميا في ابراج المراقبة، و 18 على مستوى السيارات العشرة بمجموع ..48 عامل موسمي بنظام التناوب، مهمتهم الابلاغ والعمل على مدار 24 ساعة الرقم والتنسيق مع أعوان الحماية المدنية في مهمة الإطفاء بعد مهمة المحافظة المتمثلة في التدخل الأولي