كشفت أزمة نقص الأوكسيجين بمستشفيات الوطن مرة أخرى عن عمق التلاحم بين الجزائريين، الذين هبوا رجالا ونساء من أجل إنقاذ باقي إخوانهم من الموت المحقق، وقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد. فبتعدد أشكال التكافل الاجتماعي تم بالفعل شراء عدة مولدات ومكثفات للأوكسيجين وتوزيعها على المرضى، سواء بإيصالها إلى المنازل أو المستشفيات، وحتى تركيب وحدات انتاج الأوكسيجين في عدة مؤسسات إستشفائية. هذه العملية التي تساوت فيها الرؤوس، لم تعد تفرق بين الغني والفقير، ولا بين العالم والجاهل أو بين إبن المنطقة الفلانية ضد المنطقة الأخرى، بل هي هبة تضامنية جزائرية "إنسانية" بالدرجة الأولى، لم يشهدها بلد آخر، وهذا من أجل إنقاذ أرواح بريئة، بحاجة إلى جرعة أوكسيجين أعاد لها هذا التكافل الحياة من جديد، سواء في تلمسان خاصة في مغنية أوبعين الترك بوهران وبجاية وتيزي وزو وغيرها. كما أن العملية التي شاركت فيها مختلف أطياف المجتمع من الأثرياء إلى المستثمرين وحتى الموظفين البسطاء من محدودي الدخل، ولم يتخلف عنها حتى الأطفال في صور تضامنية تقشعر لها الأبدان، تم نشرها عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام بكل أنواعها. لكن مع هذه الهبات التضامنية الشعبية التي كانت عفوية من هنا وهناك، كنا ننتظر أيضا مبادرات من مؤسسة المجتمع المدني، على إعتبارها الأحق بهذا، فبغض النظر عن بعض الجمعيات هنا وهناك التي وضعت رقم هاتفها على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل توصيل قارورات الغاز للمواطنين الذين هم في حاجة إليها، لا نكاد نرى باقي الجمعيات على مستوى كل التراب الوطني تتحرك أو تقوم بمبادرة نوعية في هذا الصدد، حيث تركت هذه المهمة للمحسنين والمتطوعين للقيام بها نيابة عنها، في الوقت الذي من المفروض أن تكون هي في الطليعة في مثل هذه الظروف. فمؤسسة المجتمع المدني التي بمقدورها إسقاط أنظمة برمتها وتوجيه الرأي العام بالتأليب أو التحسيس، لا ننكر عليها ما قامت به من تضامن شعبي في بداية الجائحة بتزويد العائلات الفقيرة أو المتضررة من الجائحة بقف مؤونة وكمامات ومشاركتها في الحملات التحسيسة، إلا أننا مع هذه الأزمة لاحظنا أنها شبه غائبة عن الساحة، في موقف غير مبرر أمام المواطن، الذي اعتاد على تواجدها معه في وقت الأزمات.