تزخر جزائرنا الحبيبة بأسماء ارتبطت بنوفمبر شهر النضال، الذي بقدومه حلت تباشير الاستقلال الأولى، التي أينعت ثمارها سبع سنوات ونصف بعد ذلك، بعد ثورة آمن بها ثلة من أبناء هذا الوطن، وكأن الأمير عبد القادر الجزائري أن يتغنى بهم في واحدة من أشهر قصائده، عندما قال: «لنا في كل مكرمة مجال... ومن فوق السماك لنا رجال». من هؤلاء نجد اسما يلهب في السماء كنجم ثاقب، لعراقة الصلب الذي أتى منه، والطريق الذي سلكه في الحياة، إنه الشهيد إبراهيم زدور بلقاسم المهاجي، ابن العلامة الشيخ سي الطيب المهاجي واحد من مؤسسي ومن بين أهم أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. وقد ولد الشهيد إبراهيم زدور بلقاسم المهاجي مع بزوغ اليوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 1923 بمدينة وهران، وتعود أصوله حسبما ورد عند بعض المصادر، إلى منطقة القعدة جنوب ولاية وهران، التي يرجح بعضها أنه خريج كلية الآداب بجامعة -القاهرة، بينما تتحدث أخرى عن أنه خريج الأزهر الشريف، الذي نال منه شهادة الليسانس في سبتمبر1953، علما أنه حافظ لكتاب الله ويتحدث بين خمس (5) وسبع (7) لغات، منها الفارسية، وكان شاعرًا وصحفيًا، كتب عدة مقالات بأسماء مستعارة منها عبد الرزاق الجزائري، وهو من حرّر وقام بترجمة بيان أول نوفمبر إلى اللغة العربية. والشهيد إبراهيم زدور بلقاسم المهاجي هو أول طالب مناضل وشهيد، تم إعتقاله بُعَيْد 24 ساعة فقط من اندلاع شرارة الثورة، وهذا بالنظر إلى نشاطاته النضالية التي بدأها في وقت مبكر من حياته، حيث جرى القبض عليه لمرتين في نفس الأسبوع، الأولى في الثاني (2) نوفمبر 1954 وأفرج عنه، ليتم اعتقاله مرة أخرى في السادس (6) من ذات الشهر والسنة من قبل القوات الإستعمارية، رفقة 31 مناضلا في صفوف حركة إنتصار الحريات الديمقراطية، ووضعه تحت التعذيب في مراكز "مديرية حماية الإقليم" بكل من وهرانوالجزائر العاصمة، إلى أن فاضت روحه إلى بارئها بسبب شناعة ما مارسه المستدمر الغاشم عليه. وقد تم العثور على جثته بعد أسبوع واحد فقط من اعتقاله، مرمية بوادي الحميز بالعاصمة، حيث تتحدث بعض المصادر عن أنه تم وضعه داخل كيس مربوط بكتلة حديدية يصل وزنها إلى 70 كلغ، بعدما تم تجريده من ثيابه، وهذا بهدف طمس معالم الجريمة، بعدما تغوص الجثة في قاع الوادي. لكن مشيئة الله تعالى كانت فوق كيد الأعادي وطفا الجسد الطاهر على السطح، مفندا افتراءات القوات الفرنسية التي ادعت أنه فر من السجن، علما أن بعض التقارير الصحفية تحدثت عن العثور على جثته في 30 نوفمبر 1954 ما بين برج الكيفان وشاطئ الجزائر مرجحة أن السلطات الفرنسية تكون قد ألقته من مروحية في البحر، وهو مكبل حسبما أفاد به بعض المناضلين آنذاك، ولهذا لا يوجد تاريخ محدد لوفاة هذه العبقرية الجزائرية، التي قضى عليها المستعمر باكرا حتى لا تزهر أكثر، ومع هذا فقد لقن فرنسا درسا في النضال حيا وميتا، بعلمه وكفاحه وما قدمته عائلته للجزائر، وبعد وفاته عندما دحض مزاعم فرنسا المدعية هروبه.