التوقيع على اتفاقية تعاون بين السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي ونظيرتها الموريتانية    حشيشي يشارك في الدورة ال13 لمنتدى سانت بطرسبرغ الدولي للغاز بروسيا    رئيس الجالية الفلسطينية في الجزائر: "طوفان الأقصى" فضح المطبعين مع الكيان الصهيوني    حركة "حماس": مجازر الكيان الصهيوني في مخيم جباليا وشمال غزة دليل على فشله وعجزه عن تحقيق أهدافه    زعيم كوريا الشمالية : كيم جونغ يتعهد بتسريع الخطى لتصبح بلاده قوة نووية    تصفيات كاس افريقيا للأمم 2025: "الخضر" يشرعون في التحضير لمواجهة طوغو    تصدر ترتيب أغلى المدربين في افريقيا..بيتكوفيتش يتقاضى 135 ألف يورو شهرياً    بوعناني سعيد بعودته للمنتخب الوطني    العرباوي يستقبل سفير إيطاليا بالجزائر : اتفاق على توسيع التعاون في مجال البحوث والحفريات الأثرية    صندوق النقد العربي ينوه بجهود الجزائر.. فايد: الجزائر حققت "خطوات معتبرة" في مسار التحول الرقمي    استشهاد 3 أشخاص في غارة للكيان جنوب لبنان.. حزب الله يقصف الاحتلال ب 85 صاروخا    تونس.. هيئة الانتخابات تتوعد بمقاضاة من يتهمها بتزوير نتائج الرئاسيات    توقيع مذكرة تفاهم بين وكالة "النفط" وشركة "غلف بتروليوم ليميتد" القطرية    الوادي.. توقع إنتاج أزيد من 11.5 مليون قنطار من البطاطس    سبعينية الثورة التحريرية المجيدة: اختتام بوهران المرحلة الأولى من تحضيرات ملحمة "روح الجزائر"    المجلس الشعبي الوطني: عرض مشروع قانون يتعلق بحماية الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة    مستغانم.. 810 مليون دج لترميم عدد من المواقع الأثرية    يفتح بابه غدا ل20 بلد ويشرّع نوافذه على التجارب الفكريّة والأدبيّة الجزائرية..الجزائر ضيف شرف معرض عمّان الدولي للكتاب    الذكرى ال20 لرحيل يحي بن مبروك : مسيرة حافلة في خدمة القضية الوطنية والثقافة الجزائرية    التكفل الأمثل بمرضى الملاريا والدفتيريا : إرسال كميات جديدة من اللقاحات والتجهيزات الطبية للولايات الجنوبية    مع جوارها المتوسطي ومع الاتحاد الأوروبي.. عطاف: الجزائر تسعى لإقامة شراكة متوازنة ونافعة    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    وزير التكوين والتعليم المهنيين يشرف بوهران على الدخول التكويني لدورة أكتوبر    صناعة : مجمع "ايفيكو" الايطالي يعرض مشروعا لتصنيع السيارات النفعية بالجزائر    الدخول التكويني جاء من أجل مسايرة التوجهات الكبرى للاقتصاد الوطني    تيبازة: افتتاح أول معهد وطني للتكوين متخصص في الطاقات المتجددة على المستوى الوطني    مقراني: "قطاع التجارة بصدد إعداد قانون لضبط السوق وحماية القدرة الشرائية للمواطنين"    وزير التكوين والتعليم المهنيين يشرف بوهران على الدخول التكويني لدورة أكتوبر    الوزير الأول الصحراوي : قرار المحكمة الأوروبية "مكسب تاريخي لا رجعة فيه"    حوادث الطرقات: وفاة 24 شخصا وإصابة 1516 آخرين خلال أسبوع    المهرجان الثقافي الوطني لعكاظية الشعر الشعبي بمثابة المكافأة التي يستحقها أهل الشعر في الجزائر    فرنسا تُرحّل مئات الجزائريين    الجزائر بوصلتنا    الرئيس يستقبل سفيرَيْ الصين واليابان    الرئيس يأمر باستحداث هذه الوكالة..    انطلاق البرنامج الوطني للتظاهرات الرياضية    توقيع اتفاقية تقنية مع فيدرالية الفندقة والسياحة    جزائري يتوّج بجائزة أنغولا    الأهلي يعرض قندوسي للبيع    ضخّ تدريجي للقهوة بالسعر المسقّف    12 سنة على وفاة الشاذلي بن جديد    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: أفلام وثائقية فلسطينية تنقل تفاصيل حرب الإبادة في غزة    معرض وطني للألبسة التقليدية بقسنطينة    كرة القدم/كأس الكونفدرالية الإفريقية: اتحاد الجزائر يفتتح المنافسة أمام اورابا يونايتد (بوتسوانا)    اجتماع تنسيقي بوزارة الصحة لمتابعة الوضعية الصحية بالمناطق الحدودية    محرز يخيّب الآمال    لا زيادات في الضرائب    الاستلاب الثقافي والحضاري..!؟    فتح التسجيلات اليوم وإلى 12 ديسمبر 2024    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: عرض أعمال تروي قصص لتجارب إنسانية متعددة    رئيس الجمهورية يأمر بمتابعة حثيثة للوضعية الوبائية في الولايات الحدودية بأقصى الجنوب    رئيس الجمهورية يأمر برفع قيمة المنحة السياحية ومنحتي الحج والطلبة    المنافسات الافريقية للأندية (عملية القرعة): الاندية الجزائرية تتعرف على منافسيها في مرحلة المجموعات غدا الاثنين    أسماء بنت يزيد.. الصحابية المجاهدة    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    عقوبة انتشار المعاصي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قاسم زدّور... أول طالب شهيد:رمز الريادة الطلابية... في معركة التحرير
في كواليس التاريخ
نشر في الشروق اليومي يوم 26 - 04 - 2010


شهادات آيت أحمد... مهري ومولود قاسم
كان قاسم زدور خريج دار العلوم بالقاهرة - في سبتمبر 1953 - أول طالب مناضل شهيد، إذ قتل تحت التعذيب في مراكز "مديرية حماية الإقليم" بكل من وهران والجزائر، أسبوعا فقط بعد اعتقاله في 6 نوفمبر 1954.
وتبيّن مأساته مدى الحقد الذي كان يشحن آلة القمع الاستعمارية غداة فاتح نوفمبر على كل مثقف بالعربية، لاسيما إذا كان عائدا لتوّه من مصر المتهمة - كذبا- أنها "محرّكة" الثورة الجزائرية الوليدة. كما تبيّن أن هذه الآلة الجهنمية كانت تستفيد منذ فجر الثورة، من تواطؤ المنظومتين الإعلامية والقضائية على أوسع نطاق..
وتبيّن هذه المأساة من جهة أخرى، أن طلبة المشرق العربي لم ينتظروا إضراب 19 مايو 1956، ليحملوا راية الكفاح والتضحية عاليا في سماء جزائر الفداء والبطولات، بحكم تواجد أعضاء الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني بالقاهرة خاصة.
ولد الشهيد بالقاسم إبراهيم زدّور بوهران في 2 فبراير 1923، وسط عائلة علم وتربية؛ فوالده الشيخ الطيب المهاجي بدأ التدريس سنة 1912، وكان ابن عمه مولود المهاجي من مؤسسي مدرسة "الفلاح" بحي "المدينة الجديدة" (قرية الزنج في لغة المستوطنين!).
وقد حفظ القرآن في سن التاسعة، ما يعني أنه التحق بالكتّاب مبكرا، وكان إلى جانب ذلك يزاول دراسته بمدرسة باستور (الفرنسية) بنفس الحي. وبعد أن حصل على الشهادة الابتدائية عام 1937 واصل دراسته الإكمالية بمعهد باستور، لكن سلك الدراسة النظامية ما لبث أن اضطرب بسبب الحرب العالمية الثانية ومضاعفاتها. استكمل تعليمه بالعربية على يد والده الذي أخذ عليه كذلك مبادئ الفقه.
وقد دفعه التوقف الاضطراري عن الدراسة المنتظمة إلى الخروج في طلب الرزق، عبر نافذة التجارة التي فتحت أمامه كذلك باب النضال في "حزب الشعب الجزائري" (المحظور)، رفقة صديقه القائد الشهيد بوتليليس حمو. وكان باب النضال يومئذ مدعاة لفتح أبواب السجن على مصراعيها، ولم يشذ الشاب بالقاسم عن ذلك، إذ اعتقل بتهمة التخطيط لمظاهرات فاتح مايو 1945 بعاصمة الغرب الجزائري..
وفي يناير 1946 مثل أمام المحكمة العسكرية - مع عدد من رفاق النضال - التي لم تجد في ملفه ما يدينه فبرأت ساحته، وتم الإفراج عنه بناء على ذلك في 30 من نفس الشهر.
استأنف إثر ذلك نشاطه التجاري والنضالي إلى غاية خريف 1946، ليلتحق بجامع الزيتونة في تونس، وقد تم قبوله في السنة الثالثة نظرا لمستواه التعليمي..
عميد.. "القواسم الثلاثة"..
عاش الطالب قاسم زدور بتونس فترة حاشدة بالتحصيل العلمي حافلة بالنشاط السياسي والثقافي.. وقد اتخذ لنفسه يومئذ إسما أدبيا ونضاليا هو قاسم زيدون، بعد أن أصبح من المساعدين المقربين للمناضل عبد الحميد مهري، مسؤول فرع حزب الشعب الجزائري (السري) بتونس ومنشط الطلبة الوطنيين هنا.
وما لبث أن اقتحم مجال الكتابة الصحفية والأدبية في الصحافة التونسية، بعد أن كون ثلة من خيرة الطلبة اجتهادا في الدراسة ومشاركة في النضال الوطني..
وقد عرفت هذه الثلة ب"القواسم الثلاثة"، وهم بالإضافة إلى قاسم زيدون، الشهيد قاسم رزيق والفقيد قاسم مولود.. وكانت هذه الثلة يومئذ تتخذ من الطربوش (العثماني) شعارا للأصالة والتفتح في آن واحد..
في صائفة 1948 عاد قاسم زيدون إلى وهران يحمل الشهادة الأهلية من جامع الزيتونة.. غير أن طموحه - فضلا عن تشجيع والده - أبى عليه إلا أن يواصل مشواره التعليمي في الموسم الموالي، بالعودة إلى تونس بعض الوقت قبل أن ييمِّم شطر القاهرة في ربيع 1949، فاتحا بذلك الطريق أمام بعض عناصر ثلثه مثل مبارك ماضي وقاسم مولود الذي التحق بصديقه في فبراير 1950.
اختار قاسم زيدون كلية دار العلوم، وما لبث أن وجد بالقاهرة فسحة لاستئناف النشاط النضالي الوطني الذي كان يقوده من العاصمة المصرية آنذاك المناضل الشاذلي المكي.. كما وجد بها كذلك فضاء رحبا للكتابة الصحفية.. وكان في هذا المجال يمد بكتاباته بين الفينة والأخرى صحيفة المنار(1)، مثل مقاله في فبراير 1952 حول "المحمدات الثلاثة": محمد علي جناح (باكستان)، محمد مصدق (إيران)، محمد صلاح الدين (وزير خارجية مصر)..
توطدت علاقات قاسم زيدون أكثر بمكتب حزب الشعب الجزائري بالقاهرة بعد دعمه بالمناضلين محمد خيضر وحسين آيت أحمد.. ويؤكد ذلك الفقيد قاسم مولود الذي يقول في هذا الصدد: "كنا أحيانا ننشغل بالدراسة عن زيارة خيضر ورفاقه، فكانوا يبادرون هم بزيارتنا".
ويشهد آيت أحمد - الذي حل بالقاهرة في بداية مايو 1952 - للفقيد بالثقافة والفعالية النضالية إذ يقول: "كان الشهيد مثقفا بالعربية والفرنسية، وعلى قدر كبير من التكوين النضالي الذي حصل عليه في صفوف حزب الشعب - حركة انتصار الحريات الديمقراطية - وقد أفادنا كثيرا بمعرفته للأوساط السياسية المصرية".
هذه الحيوية النضالية لم تمنعه من استغلال فرصة دار العلوم، بتعلم لغات أخرى - إلى جانب العربية والفرنسية - مثل الانجليزية والفارسية.. وإتمام دراسته كذلك في الموعد المحدد؛ إذ تخرج في سبتمبر 1953 حاصلا على شهادة ليسانس.
وقبل أن يغادر القاهرة أواخر 1953 (أو مطلع 1954) استخرج شهادته من الكلية، بعد أن تقدم في هذا الشأن بطلب إلى عميدها بتاريخ 16 نوفمبر من نفس السنة، وقد حرص على التصديق عليها بالقنصلية العامة الفرنسية في 26 من الشهر نفسه.
وفي طريق العودة إلى وهران عرج على العاصمة، حيث التقى من جديد برفيق النضال في تونس عبد الحميد مهري، وبقيا على اتصال إلى غاية اندلاع ثورة فاتح نوفمبر 1954.
اعتقال.. تحول إلى جريمة
ويفهم من شهادة بعض المناضلين في وهران، أن خريج دار العلوم بالقاهرة كان منذ ربيع 1954 على صلة بالشهيد محمد العربي بن مهيدي، ولعب دورا نشيطا في عملية التعبئة المعنوية والتحضير المادي لثورة فاتح نوفمبر.
هذا الدور، فضلا عن سوابق الطالب النضالية، لم يكن ليخفى على أمن الاحتلال وعيونه، فلا غرابة أن تسارع شرطة وهران باعتقاله في 2 نوفمبر من باب الاحتياط.. لكن أفرجت عنه بعد حين.. وقد سأله شقيقه الأكبر عقب ذلك: ترى ماذا يريدون منك؟ فأجاب، طلبوا مني أن أحدثهم عن رفاقي في القاهرة ونشاطاتهم هناك..
ولسوء الحظ أن علاقة الطالب الحديثة بالقاهرة رشحته للاعتقال من جديد في 6 نوفمبر، علما أن سلطات الاحتلال سارعت باتهام مصر عبد الناصر بأنها وراء ما حدث ليلة فاتح نوفمبر 1954!
تعرّض الشهيد لتعذيب قاتل على يد شرطة مديرية حماية الإقليم (D.S.T) بسيدي الهواري. وعلمت المديرية المركزية في العاصمة بهذا الصيد الثمين فأمرت بنقله على جناح السرعة.. لكن لما عرض على أحد المفتشين بالعاصمة لم يجرؤ على استنطاقه وهو في حالته تلك من التعذيب القاتل، فعوضه في هذه المهمة القذرة المفتش "لوفريدو" المعروف جيدا لدى مناضلي العاصمة.. فهو الذي قام بتعذيبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. ولم يتحرّج من التصريح لاحقا مفتخرا بجريمته تلك!
بلغ الشيخ الطيب المهاجي أن ابنه تعرّض بمركز "د.س.ت" بسيدي الهواري لتعذيب شديد، فسارع مرفوقا بولده الأكبر محمد للبحث عنه، فقيل لهما إنه نقل إلى الجزائر، ولما جاءا العاصمة واتصلا بمصالح الهيئة المذكورة في بوزريعة، قيل لهما إنه تمكن البارحة (13 نوفمبر) من الفرار!
هذه الرواية - الكاذبة - بدأت صحيفة "ليكو دالجي" (الاستعمارية) تروّج لها ابتداء من 19 يناير 1955، زاعمة أن الضحية "استطاع الهروب من نافذة دورة المياه بمقر شرطة العاصمة"!
وتطرقت صحيفة "بورجو" إلى الماضي السياسي للشهيد، معتبرة ما أدلى به - تحت التعذيب - "اعترافات"! من ذلك قولها:
- إنه "اعترف بأنه كان عضوا في حركة الانتصار (حركة شرعية) التي حلت أخيرا"!.
- إنه "تلقى في صائفة 1952 مبلغ 30 جنيها من الشاذلي المكي والسعيد فرحي (آيت أحمد) لزيارة فرنسا وتسليم وثائق إلى اتحاد الحزب بباريس. ولزيارة الحاج مصالي في منفاه بنيور كذلك. وأنه زار العاصمة إثر ذلك حيث اتصل بحسين لحول" (الأمين العام السابق لحركة الانتصار)!
- ربطت الصحيفة اعتقاله في 6 نوفمبر بعمليات ليلة الفاتح من نفس الشهر، موحية بطريقة مغرضة أن عودته إلى الجزائر في يناير الماضي تندرج في هذا الإطار، عندما ذكرت بأنه "عاد نهائيا.. للنشاط النضالي في الجزائر".
وبلغ الاستهتار بالصحيفة الاستعمارية أن نشرت في نفس المقال نتيجة محاكمة المناضل "الهارب" من طرف الغرفة الخامسة من محكمة العاصمة وهي: 4 سنوات سجنا وخمسا نفيا وحرمانا من الحقوق المدنية، فضلا عن غرامة قدرها 100 ألف فرنك (قديم)!
"ليكسبراس".. تفك اللغز
وكانت صحيفة "لوجورنال دالجي" (صحيفة بْلاشات "أمير الحلفاء" خليف شوفالبي) أول من أشار - بطريقة غاضمة - إلى اغتيال الطالب قاسم زدور، وذلك في عدد 30 نوفمبر 1954. فقد تحدثت عن اكتشاف جثة مابين برج الكيفان وشاطئ الجزائر، وقدمت بشأنها المعلومات التالية:
1- جثة مكتوفة اليدين والرجلين لشخص تناهز قامته 1.65 متر، وهو ليس بعامل يدوي.
2- رجحت أن تكون الجثة "لشخص أوربي رياضي، بناء على عضلات الفخذين".
3- أن الجثة ربطت بسلك حديدي وخيط سميك من خيوط الصيد يبدو جديدا..
ويبدأ الربط من مستوى العنق ويلتف حول الخصر قبل ربط القدمين".
4 أن الدكتور "غودارت" فحص الجثة واستخلص أن صاحبها مات غرقا، وأنها بقيت في الماء نحو شهر"..
لم يكشف تقريرا "لوجورنال.." شيئا عن هوية صاحب الجثة، وبقي اللغز طيلة سنة كاملة، إلى أن فكّته صحيفة ليكسبراس في عدد 10 نوفمبر 1955 بعد أن بدأت رائحة التعذيب والقتل بدون محاكمة تزكم الأنوف في صالونات باريس.
تحدثت الصحيفة عن وفاة الطالب قاسم زدور تحت التعذيب منذ سنة، بعد أن اعتقلته مصالح "د.س.ت" وفي اعتقادها أنها "وضعت يدها على حلقة اتصال مهمة للثوار مع القاهرة". ونددت الصحيفة "بفضيحة التعذيب في الجزائر والتي من المحتمل أن تنفجر وشيكا". كما نددت ب:
مفتش الشرطة الذي كتب تقريرا مزيّفا حول الفرار المزعوم للضحية".
"الطبيب المتواطئ الذي زعم أن الضحية مات غرقا".
"العدالة التي رفضت النظر في القضية التي رفعتها عائلة" الفقيد..
وفي ربيع 1956 سأل السيد "أرنو" النائب عن دائرة "السان" وزير العدل حافظ الأختام فرانسوا ميتران عن "قضية زدور"، فرد في 2 مايو كمايلي:
"لقد سبق لي أن درست هذه القضية التي صدر بشأنها فعلا حكم بالبراءة. لكن مع ذلك طلبت من النائب العام لدى محكمة الاستئناف بالجزائر أن يرسل ملف القضية كاملا. وسأحرص على تبليغكم بما جدّ بمجرد اكتمال الصورة لديّ، بما يسمح باتخاذ قرار في هذه القضية"..
ورغم ذلك طوي ملف القضية شأن ملفات آلاف القضايا المماثلة لاحقا.
والطريف أن مصلحة الضرائب بالعاصمة لم تنتظر "حكم البراءة" الذي تحدث عنه وزير العدل أو لم تسمع به! فسارعت في 12 أوت 1955 بمطالبة عائلة الشهيد بدفع الغرامة المسلطة عليه في الحكم الأول. أي 100 ألف فرنك مشفوعة بعقوبة 50 ألف فرنك، فضلا عن مستحقات العدالة البالغة 2975 فرنك!
وكان رد العائلة: "قلتم أنه تمكن من الفرار! إذن سيدفع لكم هذه الغرامة عندما تقبضون عليه"!
ونعود إلى صحيفة "ليكسبراس" التي تخبرنا أن الشهيد لفظ أنفاسه تحت التعذيب، لحظات بعد وصوله من وهران حيث عذب إلى درجة أنه لم يعد يستطيع الكلام.. وحسب الصحيفة دائما أن جثته وضعت في كيس مثقل ب70 كلغ من الرصاص ونقل في قارب لترمى في أعماق البحر على نحو 40 كلم من شاطئ الجزائر العاصمة.
أعددنا هذه الصفحة اعتمادا على ملف قدم إلينا من عائلة الفقيد، فضلا عن شهادة لصديقه الفقيد مولود قاسم نايت بالقاسم، ومقال للشيخ بوعمران رئيس المجلس الإسلامي الأعلى..
(1) كانت تمولها حركة الانتصار ويديرها الشيخ محمود بوزوزو المناضل والمرشد الكشفي المعروف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.