جاءت زيارة دولة التي قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الجزائر بدعوة من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في ظل متغيرات دولية وإقليمية خاصة، تشهدها المنطقة العربية وعلى الأخص المغرب العربي، والتقارب غير المسبوق للمخزن المغربي مع الكيان الصهيوني. ومع ذلك تواصل الجزائر التأكيد على ثبات موقفها من القضية الفلسطينية، نصرة للقضايا العادلة في العالم وفقا لمبادئها التي جاء بها بيان أول نوفمبر 1954، ولفلسطين التي قال عنها الزعيم الراحل هواري بومدين « نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»،وضد الاستيطان الصهيوني للمنطقة، على الرغم من التهديدات التي تواجهها الجزائر في عمقها الإستراتيجي بسبب ثباتها على مواقفها، سواء من جانب دعمها السياسي اللامحدود للقضية الفلسطينية، أو لقضية الصحراء الغربية التي تعتبرها تصفية استعمار ضمن آخر مستعمرة بإفريقيا. وكان الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون قد قطع الشك باليقين، حين أكد مرارا وتكرارا أن القضية الفلسطينية تبقى مقدسة بالنسبة للجزائر وشعبها، الذي لا يهرول نحو التطبيع ولا يباركه، معتبرا إياها أنها هي أم القضايا، بل قضية جوهرية لا يتم حلها إلا بقيام الدولة الفلسطينية في حدود 67 وعاصمتها القدس الشريف. قدر بلاد الشهداء أن تظل أمينة على مبادئها وتاريخها وهو نفس الموقف الذي صدرعن وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج السيد رمطان لعمامرة، الذي أكد بأن الجزائر تستقبل الرئيس الفلسطيني للتأكيد على مواقفها التاريخية في تأييد القضية الفلسطينية، وبأنه لن يكون هناك تفريط في ذاكرة الجزائر وتاريخها ومبادئها، على الرغم من علمهم أن هناك ثمن سيتم دفعه، لكن هذا قدر الجزائر كما قال، أن تظل أمينة على مبادئها وتاريخها وذكرى شهدائها الذين ضحوا، لتظل بلدهم حرة وسيدة ومستقلة وسندا للمظلومين. والمواقف التاريخية بين الجزائر قبلة الثوار وأرض الشهداء كما يسميها أحرار العالم، وبين بيت المقدس هو طريق مرصع بملاحم تنوء بحملها المجلدات، بداية من أن الجزائر كانت من أوائل الدول التي إعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية وتم افتتاح أول مكتب لها بالجزائر في صائفة 1965، ثم سفارة فلسطينية في الجزائر سنة 1974، وفي نفس السنة نالت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأممالمتحدة عندما كان الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة رئيسا لهذه الدورة، كما كانت الجزائر أول دولة تعترف بدولة فلسطين غداة الإعلان عن قيامها من الجزائر في 15 نوفمبر 1988 وقامت بإنشاء علاقات دبلوماسية كاملة معها بحلول 18 ديسمبر 1988. الجزائر تواصل جهودها لتقويض الممارسات الصهيونية هذه الإنجازات الجزائرية يقابلها تطبيع غير مسبوق للدول العربية وعلى رأسها المخزن المغربي، الذي يساعد على توغل الجرثومة الصهيونية في المنطقة، باستقباله في الصائفة الماضية لوزير الخارجية الصهيوني الذي هدد الجزائر ضمنيا، متهما إياها بأنها على علاقة جيدة مع محور المقاومة ومع إيران، لتبرير أي أذى قد يلحق بهذا البلد في المستقبل، ليزداد عمق الجراح بتوقيع المخزن المغربي على مذكرة تحالف عسكري مع الكيان الصهيوني الأسبوع المنصرم التي تعمل قواته العسكرية على إبادة الفلسطينيين، وهي مناورة مخزنية كان فيها نوع من إستظهار العضلات ضد الجزائر،خاصة وأن زيارة وزير حرب الكيان الصهيوني، هي زيارة ذات مضمون عسكري وأمني إستخباراتي، تضاف إلى مناوراته الكثيرة مع الحلف الأطلسي وخاصة الكيان الصهيوني لإخافة الجزائر، غير مهتم للحراك الشعبي الكبير الذي شهدته شوارع المملكة، والذي أعلن من خلالها المواطنون رفضهم الصريح والمطلق لهذه الزيارة المريبة، التي استبيحت فيها كرامة وشرف الشعب المغربي. ومع كل ما يقع من أحداث دولية تجعلها محاطة بحزام ناري، تواصل الجزائر جهودها لتقويض الممارسات الصهيونية ومحاولة تغلغله في المنطقة، حيث قادت حربا ضروسا لطرد الكيان الصهيوني من الإتحاد الإفريقي كعضو مراقب، وبالفعل نجحت في مسعاها وتم تجميد هذه العضوية للنظر فيها خلال القمة القادمة لمنظمة الإتحاد الإفريقي. الجدير بالذكر أن زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس محمود عباس ستكون فرصة يبحث من خلالها رفقة نظيره الجزائري مستجدات القضية الفلسطينية والانتهاكات الصهيونية في حق المسجد الأقصى المبارك،وهي ذات أهمية لأنها جاءت قبيل انعقاد القمة العربية المقررة في مارس بالجزائر، وأيضا من أجل التأكيد على العلاقات المتينة بين البلدين وأهمية تطويرها وتعزيزها، والتنسيق والتشاور مع الجزائر.