وأنا منكب على انجاز أمور شبه مستعجلة ، تصفحت جرائد ، فيها عناوين بالبنط العريض : " الناير البربري " و " الناير كلمة وتاريخ " و " ششناق يهزم رمسيس 3 في بني سنوس...الخ ، ومقالات تقول : 12 يناير هو بداية سنة بربرية ، وتقول أخرى أنه بداية سنة فلاحية ، ورأيت أن أقول كلمة بالمناسبة ، علَها ترفع بعض اللبس وتصحح بعض الأخطاء التاريخية ، والتي ما كانت لتكون لولا بعض التعدي على التاريخ في محاولة يائسة للاستحواذ على بعض الوقائع وتحريفها وتغيير وجهة حقيقتها التاريخية إلى وجهة أخرى ، ليبنوا عليها ذرائع مغلوطة ، ويعملوا على تكرار تلك الأخطاء إلى أن يصدقها الناس ، و هي أحاديث خرافة : " حاجوجة و ماجوجة والغنجة " ، وتمثيليات السبع وأنثاه وجرائها ، والبحث عن نواة التمر ...الخ ، من أساطير الأولين ، ظني أنها لا تنطلي على أحد . تذكرت هذه الأحاجي بعدما قرأت في جرائد قولها في أخبار هامشية مقتضبة ، أن السنة الامازيغية تبدأ من انتصار الملك الامازيغي " شاشناق " على الفراعنة في بني سنوس سنة 950 ق.م، وتلك من المغالطات الجسيمة التي وجب العمل على تصحيحها لما فيها من تعد على التاريخ الجزائري والمصري في آن معاً ، فبني سنوس تقع بالقرب من تلمسان ، وهي مكان المعركة التي هزم فيها ششناق الفرعون رمسيس3 كما تقول الأساطير، ولا يقول عاقل أن الفراعنة ملكوا يوما ما يعرف بشمال افريقيا ولا غرب الجزائر ولا شرقها . تقول كتب التاريخ ان ششناق الأول ) أو شاشناق (، كان احد فرسان أو حرس فرعون مصر رمسيس 3 ، ثم تدرج في المراتب إلى أن أصبح في القيادة وهو من أصل بربري )من جنوبتونس حالياً أو ليبيا ( ولضعف في الأسرة الفرعونية 21 وخوفا من احتلال مصر من الأحباش ، قام ششناق بانقلاب على فرعون، وليضفي الشرعية على انقلابه كما يفعل العسكريون عبر التاريخ ) وإلى الآن كما وقع في موريتانيا في06/08/2008 ( زوج ابنه من ابنة الفرعون ، فاكتسب الشرعية من ذاك الزواج المختلط وبتلك الشرعية أصبح فرعونا ) وكون الأسرتين 22 و 23 ( وتقول مصادر أخرى انه ولد في مصر وتربى فيها ، وهو جنرال ابن جنرال في الجيش المصري غير أن الذين يفسرون التاريخ تفسيراً قسرياً ، يقولون أن ششناق هذا بربري كون جيشاً من الجزائر وغزا مصر وهزم فرعونها يوم 12 يناير سنة 950 قبل الميلاد ، ومنذ ذاك اليوم يبدأ حساب التقويم البربري ، فتاريخ يوم 12 يناير 2013 يوافق 12 يناير 2963 ) 950 ق.م + 2013 م ( فيكون تاريخاً سابقا على تاريخ الأوربيين 2013 وعلى تاريخ المسلمين 1434 وتلك طريقة تقويم مغلوطة . مؤسسة على وقائع تاريخية مغلوطة أيضاً فالفرعون ششناق لم يكوّن جيشاً لا من الجزائر ولا من تونس أو ليبيا ولم يغز مصر اطلاقاً وتلك كلها تهيؤات وافتراضات واحتمالات مغلوطة ، فهم يؤرخون بمنهجية : " يعتقد وفي غالب الظن ويحتمل وغيرها "من عبارات الإحتمال والمقاربة، التي لا يجوز أن تستعمل لا في العلوم التجريبية ،ولا في العلوم الإنسانية ، ولا يعول عليها للتدليل على شيئ يراد اثباته ، وبذلك فالاحتفال بيناير البربري على أنه يوم 12 جانفي هو احتفال بالخطأ ، فالمسيحيون غيروا رزنامة تاريخهم بانتقاص 11 يوماً ، و النايريون عندنا ما زالوا متمسكين بيوم 12 جانفي . السنة الإسلامية )الهجرية ( تبدأ بشهر محرم ، والسنة المسيحية ) الميلادية( قبلها تبدأ من شهر كانون الثاني ، وقبلهما السنة السريانية ) الفلاحية( وهي تبدأ من مارس ) آذار ( والسنة الفلاحية أصبحت ، بمرور الوقت متوافقة مع السنة الميلادية . بعد عدة إصلاحات وتصحيحات وتعديلات أدخلت على السنة الميلادية وهي سنة شمسية ، وقد سبقها إلى الوجود التقويم المصري والتقويم الإغريقي ثم الروماني إلى أن جاء الإصلاح اليولياني ) نسبة إلى يوليوس قيصر ( وقد جعل أشهر السنة 12 وهجر بذلك التقويم الإغريقي 13 شهرا والتقويم الروماني ) 10 أشهر ( وعاد إلى التقويم المصري ) 12 شهرا( ، وهو ما يتماشى مع سنة الله في الكون ، فالقرءان الكريم يقول : " ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ..." ) التوبة / 36 ( ، غير ان تقويم جوليوس )يوليوس ( قيصر وقد بدأ العمل به سنة 45 ق.م جعل بداية السنة في يناير بدل مارس وكانت الشهور تسمى بحسب رقم ترتيبها فسبتمبر يعني الشهر السابع ) سيبتيموس ( وأكتوبر ) الشهر الثامن أو أوكتافوس ( ونوفمبر ) الشهر التاسع أو نوفيم ( وديسمبر) الشهر العاشر ديسيموس ( وبالإضافة إلى تلاعب بأسماء الشهور، فان الإمبراطور يوليوس قيصر ) صاحب التقويم الجديد ، وهو توأم أخيه روميس وهما من أرضعتهما ذئبة كما تقول كتب تاريخهم ورباهما راع ، ثم أصبح امبراطوراً بالاستعانة بالصعاليك وبنى المدينة التاريخية روما ( اختلس يوما من فبراير وجعل الشهر السابع ) يوليو ( باسمه ومن 31 يوما ، وقلده الإمبراطور أغسطس فجعل الشهر الثامن ) أغسطس ( باسمه ورفع عدد أيامه إلى 31 أخذها أيضا من الشهر المغضوب عليه فبراير ، فأصبح عادة من 28 يوما وهو أقصر الشهور عندهم ، واستقر التقويم على أن السنة تبدأ من فاتح جانفي ) بعد أن كان هو الشهر 11 أصبح هو الشهر الأول ( بدل مارس ، إلى أن كان الإصلاح الجديد الذي ادخله البابا غريغور 13 وأصبح التقويم باسمه) التقويم أو الرزنامة الغريغورية ( وصحح التاريخ بان انتقص 11 يوما من التقويم اليولياني لتكون السنة المدارية ، سنة حقيقية ومتساوية مع فصول السنة الشمسية ، غير أن التقويم الفلاحي لم يعدل وبقي بحساب رزنامة التقويم اليولياني أي رأس سنة ميلادية + 11 يوماً ،إلى الآن ، فأصبح " الناير" يوم 12 يناير من كل سنة ، ويناير من الجذر " نار " أي أضاء وأوضح ، وبذلك فيناير يعني تباشير بالسنة الجديدة والتبرك بها ، والفيروز )النوروز ( هو أول يوم من شهر يناير عند الفرس وعند أقباط مصر ويعني يوم الفرح بقدوم سنة فلاحية جديدة . 1( الأصل أن التقويم الفلاحي هو تقويم شمسي و برزنامة سريانية ، وهي سنة تبدأ من شهر آذار ) مارس ( وتنتهي بشباط ) فبراير ( وهو تقويم من 12 شهراً و يتطابق مع فصول السنة الشمسية ، و سابق بطبيعته على التقويم الإغريقي والروماني الذي لم يستقر على حال إلا منذ القرن 16 الأخير ، فكان عدد شهوره مرة 10 ثم 13 وأخيرا 12 شهرا ومع ذلك فان التقويم الفلاحي في بلدان المغرب العربي تتبع التقويم اليولياني أي بجعل رأس السنة شهر يناير ، و الناير يوم 12 منه ، وما عدا تسمية يناير فإن أسماء الشهور الأخرى هي تسميات رومانية بلكنة بربرية هجينة : فبراير ينطق فورار، ومارس ينطق مغرس وسبتمبر شتمبر ، وديسمبر دجنبر وهكذا . وبذلك يكون قد اختلف عن رزنامة التقويم العربي القديم للسنة الفلاحية وهي أصلا تبدأ من شهر الربيع آذار ) مارس . 2( السنة الفلاحية العربية ) أساساً أرامية وسريانية وبابلية وأشورية وكلدانية ( وهي يوم استبشار بقدوم الربيع وبسنة فلاحية خصبة ، لذلك يحتفلون بها بطبخ أكلات هي خليط من مواد فلاحية حبوب وبقول وتوابل ولحوم حيوانات داجنة ،و فواكه مجففة ، ورقصات فلاحين فرحا بالربيع وبأزهاره وتفاؤلا بوفرة غلال السنة الجديدة ، غير أن بلدان المغرب العربي يبدو أنها تأثرت بثقافة الاستعمار الأوروبي في خصوص توقيت رأس السنة الفلاحية ، فحولت رأس السنة من مارس إلى يناير وهو تاريخ غير مناسب فلا هو يناسب نهاية الموسم الفلاحي ولا بدايته ، ولا فصل الخريف والحرث ، ولا فصل الربيع والسبب يعود إلى تذبذب الرزنامة الأوربية التي لم تستقر على حال إلا بداية من القرن 16 الميلادي . 3) أمواج الهجرة بقدوم العرب إلى شمال إفريقيا وخاصة من القحطانيين والفنيقيين، ثم العرب الفاتحون وأخيرا قبائل الهلاليين ، والعرب هم من زرعوا الزيتون أو جعلوه صالحا للاستهلاك والرمان والعنب والتين والنخيل ، والصنوبر بأنواعه وخاصة : المثمر والحلبي ، والإبل والخيل وخاصة نوع العتيق ) الأصيل ( ...الخ في شمال إفريقيا وكانت هجرة قبائل من شمال إفريقيا إلى الشام والحجاز وإلى مصرعلى الخصوص ومنهم قبيلة ششناق أو ما يعرف بالقبائل اللوبية أو الليبية ثم قبائل كتامة ) فيما بعد( وتأسيس الدولة الشيعية ) الفاطمية ( في مصر وبناء القاهرة وجامع الأزهر الشريف ، وهكذا ، أصبحت الشعوب والقبائل خليطا في البلد الواحد ، بما يتطابق وقوله تعالى : " يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ..." ) الحجرات / 13 ( ، و " ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم اذا أنتم بشر تنتشرون " ) الروم / 20 ( ، وبذلك فالكثير مما نعرفه اليوم لم نكن نعرفه بالأمس ، وما لا نعرفه اليوم قد نعرفه غداً ، وهكذا فالتاريخ يكشف أسراره بالتقطير عن طريق البحث والتنقيب المستمر سعياً للكشف عن المجهول وهو ما يتطلب جواً من الحرية مع ضمان معنوي وواقعي بوجود عدالة تضمن الحقوق والحريات ، مع شرط بديهي أن يحترم الباحث أخلاقيات ومعايير البحث ويلتزم الموضوعية قدر الإمكان . 4) أن حكاية انتصار ششناق البربري كما يزعمون على فرعون مصر سنة 950 ق.م لا علاقة له لا بعيد الفلاحين ولا بالسنة الفلاحية ، وهو تجن على التاريخ ، فششناق الأول تمصّر قبل الاستيلاء على الحكم ثم أصبح فرعونا بحكم المصاهرة لا بالانقلاب ، كما تمصّر غيره من سكان المغرب العربي بسبب الهجرة وخاصة بسبب المرور إلى الحج والدراسة في الأزهر، وغير صحيح القول بان الفرعون شاشناق كان بربريا كما زعموا أن طارق بن زياد بربريا وهو الذي ألقى خطبته العصماء أثناء وقعة فتح الأندلس وهو طارق وأبوه زياد مثله مثل المرحوم عبد الحميد بن باديس ) الصنهاجي ( ود/ عثمان سعدي ) الشاوي( و د/ أحمد بن نعمان ) القبائلي(فكل من تكلم العربية وكانت لغته الأساسية فهو عربي حضارة ) كما جاء في الحديث الشريف(، بغض النظرعن أصوله وفصوله ، وظني أن لا أحد يدعي أنه أكثر عروبة واسلاماً ووطنية من أحد من هؤلاء الذين ذكرت . 5) والزعيم بن بلا وبمناسبة زيارته تونس في 14 ابريل 1962 بعد الإفراج عنه من سجون فرنسا في 19 مارس 1962 ) وقد أعادته فرنسا مع رفاقه المختطفين في عملية القرصنة الجوية الشهيرة في 22/10/1956 ، إلى المغرب وهو البلد الذي كانوا في عهدته واختطفتهم من طائرته ، طار من الرباط إلى القاهرة في 31 مارس 1962 ومنها إلى ليبيا وعرج على تونس ( ، حيث قال في خطاب مهرجاني وهو يوجه رسالته إلى رئيس تونس الحبيب بورقيبة وكان بجانبه ، وعبره إلى الحكومة الجزائرية المؤقتة والى التيار الفرنكفوني في كل مكان وزمان مقولته المشهورة : " نحن عرب ، عرب ، عرب " قالها بحماس فياض وعن اقتناع ونخوة وهو الأمازيغي الأصل فقد يكون أجداده الأولون من المرابطين أتباع يوسف بن تاشفين أو من الموحدين أتباع ابن تومرت وعبد المؤمن بن علي ، وقالها قبله الشيخ عبد الحميد بن باديس في قصيدته المعروفة وقد أصبحت نشيدا وطنيا يترنم به الشعب الجزائري والعرب في كل مكان ومطلعه : شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب أو رام إدماجا له رام المحال من الطلب ومعروف أن الشيخ ابن باديس تعود جذوره إلى قبيلة صنهاجة البربرية ، وشاعر الثورة الجزائرية المرحوم مفدي زكريا ، وهو من تعود جذوره إلى أسرة آل الشيخ الرستمية وقد تكون أمازيغية ، قال الكثير في تمجيد العروبة والعربية ومنها ما جاء في نشيد نجم شمال إفريقيا وعنوانه: " فداء الجزائر " وقد تغنى به الشعب الجزائري بداية من سنة 1936 ، ومطلعه : فداء الجزائر روحي ومالي ألا في سبيل الحرية فليحي حزب الشعب الغالي ونجم شمال افريقية ولتحي الجزائر مثل الهلال ولتحي فيها العربية والداعية ، الأستاذ ، الإمام محمد الغزالي خلال ثمانينيات القرن الماضي قال قولته المدوية : " أنا فرعوني ، عربني الإسلام "