انتهت أخيرا عملية احتجاز الرهائن بإن أميناس وانتهى معها كابوس مخيف أدخل الرعب في نفوس الجزائريين و حتى سكان هذه البسيطة جمعاء لما شكلته من مخاطر سياسية و أمنية و اقتصادية لبلادنا، حيث حقق الجيش الوطني الشعبي ضربة عسكرية نوعية تمكن من خلالها القضاء على إرهابيي كتيبة " الموقعون بالدماء " التي يرأسها الدموي مختار بلمختار، فبالرغم من أن هذه العملية الجريئة خلفت وقوع العديد من الضحايا في أرواح الرهائن الأجنبيين والجزائريين , إلا أنها توجت في الأخير بتحييد هذه الجماعة المسلحة و تجنيب هذا المجمع المتخصص في معالجة الغاز من كارثة صناعية و طبيعية ضخمة، كانت ستؤثر لامحالة على اقتصادنا الوطني، صحيح أن الضربة العسكرية للجيش كانت سريعة وخاطفة بل وحتى مفاجئة بالنسبة للعديد من المحللين الإستيراتيجيين , إلا أنها تنمّ عن موقف سياسي جزائري ثابت و عقيدة أمنية واضحة لا غبار عليها , كانت قد وردت من قبل وزير الداخلية دحو ولد قابلية الذي قال بأن الخاطفين مخيّرين بين الاستسلام أو التصدي لهم عسكريا و أنه لا تفاوض مع هؤلاء الدمويين , ومن ثمة فإن قرار تحرير الرهائن عسكريا لم يكن اعتباطيا و غير مدروسا , بل جاء عقب تأكد القيادة الميدانية في مسرح هذه الجريمة الإرهابية من إستحالة إطلاق سراح هؤلاء الرهائن بالطرق السلمية , لهذا جاء الحسم العسكري المبين في تيقنتورين رغم كل ما قيل و يقال هنا وهناك من تحليلات و تأويلات خاطئة , فهذا الأمر شأن داخلي و لسنا بحاجة إلى وصاية من أحد , يملي علينا كيف نحررالرهائن و كيف نخلي سبيل المختطفين , لأن الجيش الوطني الشعبي سبق له و أن أعطى دروسا قوية في كيفية تحرير الوطن من براثن الإرهاب في سنوات الأزمة الأمنية السوداء , و هاهو يحقق انتصارا آخر في إليزي جنوب شرق الجزائر, انتهت بتحرير 650 رهينة بينهم العديد من المختطفين الأجنبيين . وعلى صعيد آخر دخلت الحرب الفرنسية على " أشباح القاعدة " المنتشرين في شمال مالي أسبوعها الثاني، حيث تمكنت هذه الحملة العسكرية الفرنسية بمشاركة القوات المالية من إستعادة العديد من المدن التي سقطت بأيدي الجماعات المسلحة التي حاولت توسيع رقعة تواجدها إلى مناطق أخرى بجنوب مالي , واستنادا إلى وسائل الإعلامية الأجنبية , فإن هذه الحرب التي أعلن عنها المسؤول الأول عن قصر الإليزي دون سابق إنذار، ليست بالحرب السهلة والهينة من منطلق أن الكثير من المحللين العسكريين أجمعوا على أنها مرشحة لكي تدوم لعدة أشهر بل لسنوات حتى، والسبب في ذلك أن الإرهابيين المنتمين لما يسمى ب " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "، أظهروا قدرات قتالية كبيرة ومذهلة , فضلا عن امتلاكهم لأسلحة وعتاد متطور وحديث، هذا الأمر دفع بالسياسيين الفرنسيين إلى التساؤل عن أسباب تردد بعض الدول الأوروبية في إرسال جيوشها و مساعداتها العسكرية العاجلة إلى مالي , من أجل مشاركة المقاتلين الفرنسيين في حربهم الضروس ضد هؤلاء المسلحين المتطرفين , و قد طالب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من جميع العواصمالغربية بضرورة الإسراع في نجدة جيشه النظامي الذي يبحث عن حسم عسكري لهذه الحملة التي باتت تعرف إعلاميا بمستنقع " حرب الرمال " و عدم ترك قواته تصارع لوحدها هؤلاء الأشباح المختفين في فيافي صحراء الساحل الوحشة . هذا القلق الفرنسي الرسمي إن دلّ على شيء فإنما يدل على تخوف الرئيس الفرنسي من عواقب و نتائج هذه الحرب غير المتكافئة بين مقاتلي القاعدة المنقسمين إلى جماعات صغيرة تمتاز بالخفة و سرعة التحرك والمناورة و الجيش الفرنسي التقليدي المدجج بالطائرات و المدرعات الثقيلة و الضخمة، لذلك نفهم أن القائمين على شؤون قصر الإليزي لا يريدون لجنودهم " ديان بيان فو " جديدة في مستنقع رمال دول الساحل الوعرة, فهم يبحثون عن " مقبرة مالية " تلتهم الجميع بما فيهم الفرنسيين والألمانيين والبريطانيين و حتى البلجيكيين و المارينز الأمريكيين ... وقتئذ نفهم سبب التململ والارتباك الحاصل في تصريحات الساسة الفرنسيين الذين ينتظرون وبفارغ الصبر وصول الحشود العسكرية الغربية للقضاء على هؤلاء المسلحين الذين أضحوا يهددون الأمن القومي للعديد من الدول بما فيها الجزائر التي تتقاسم مع مالي 1300 كلم من الحدود الجنوبية.