تمر هذه الايام ذكرى تأسيس الاتحاد ألمغاربي في صمت و لو لا سماعنا بتبادل الرسائل الرسمية البروتوكولية ما بين قادته عن طريق وسائل الإعلام ما شعرنا بذلك لان الاحتفالات المخلدة كما عهدناها عند انطلاقته في مثل هذه اللحظات من سنة 1989 أعراس في مراكش واحتفالات في طرابلس أفراح في مدنين وبارود في الدبداب ووعدات في نواديبو مؤجلة منذ سنين بسبب تواجده في غرفة الإنعاش السياسي. قبل ربع قرن تقريبا كان المغرب العربي على موعد تاريخي. وفي السابع عشر من شهر فيفري 1989 تحديدا جمعت مدينة مراكش المغربية قادة دوله الخمس (تونس المغرب الجزائر ليبيا وموريتانيا) في قمة أعلن فيها عن قيام اتحاد دول المغرب العربي. فكانت الفرحة الكبرى لدى شعوبه التي تضم ما يقارب ثلث سكان الوطن العربي لكن ومنذ 18 عاما والاتحاد يعيش في حالة جمود وغيبوبة شبه كاملة ومسيرته لم تستمر سوى 6 سنوات فقط، ولم تنعقد قمة مجلس الرئاسة منذ العام 1995. وقد وصل الأمر بالكثيرين إلى حد الجزم و بمرارة بأنه لا مستقبل لهذا الكيان على ارض الواقع إذا لم يتخذ قرار سياسي حاسم بشأنه سواء بالتدخل السريع بإخراجه من حالة الغيبوبة التي هو عليها أو إعلان حلّه النهائي الان و بعد اكثر من عقدين من الزمن علينا أن نتساءل أين هو هذا الاتحاد؟ و من أجهض احلام سكانه؟. لماذا لا نرمي به إلى شعوب المغرب العربي الكبير لتحتضنه مثلما تعاضدت في الماضي ضد الاستعمار الفرنسي حينما احتضنت ثوراته و امتزجت دماء ابناءه فوق كل شبر من ارضه وقتها كان المجاهد الجزائري ينطلق من وجدة و غار الدماء و المناضل التونسي يختبئ في بوشبكة والثائر المغربي يسكن في مغنية و بني ونيف. العالم اليوم يسير في سياسة التكتلات والتجمعات.. ولنا أن ننظر الى من حولنا على الضفة الاخرى للمتوسط إلى الاتحاد الأوروبي لنتعظ ونستفيد من تجاربه.. فهذا الاتحاد الذي يضم 27 دولة بدأ بخطوات متواضعة وأصبح الآن يشكل قوة سياسية و اقتصادية عالمية، رغم الاختلافات الجوهرية بين اغلب أعضائه ولكنه مع ذلك حقق مصلحة شعوب القارة العجوز ولنا في ذلك أمثلة عديدة. فالأورو ليست عملة مشتركة بين جميع أعضائه (عملة 13 دولة فقط) وبريطانيا لا تزال تحتفظ بالجنيه الإسترليني كعملة وطنية، كما أنها لم تنظم حتى الآن إلى اتفاقية " شن غن" الخاصة بتأشيرة الدخول الموحدة إلى معظم دول أوروبا، ولم تقف هذه الاختلافات حجر عثرة أمام حكامه في تجسيد أوروبا بلا حدود و بلا قيود يبع الأسباني فيها بطيخه في اوسلو و يشتري الفرنسي سيارته من هلسنكي و يقضي السويدي عطلته في سواحل لشبونة. لقد زرت منذ سنوات أوروبا بالسيارة في عطلة صيفية مع الأبناء انطلاقا من اليكانت الأسبانية مرورا بفلنسيا برشلونة مرسيليا بكان و موناكو وصولا إلى تورينو قطعت ألاف من الكيلومترات لا حواجز أمنية برية و لا مراقبة جمركية و لا تدري إن كنت في فرنسا أو أسبانيا إلا من خلال صور ومجسمات ولافتات الترحيب المكتوبة على حافة الطريق السريع أو على قمم الجبال والروابي. فرحت بتحقيقهم لأصعب حلم و بكيت على تضييعنا لأسهل عمل و أمل. لماذا لا نسير نحن بهذا الاتجاه ولا نتخذ خطوات مماثلة ونبدأ بتفعيل اتفاقيات في شتى المجالات مع كل دولة مجاورة أولا، إلى أن تصبح ثلاثية ورباعية وخماسية فيما بعد.. وبذلك نحل إشكالا كبيرا ونندفع فعلا لتحقيق آمال شعوبنا المغاربية. فهل هذا بكثير على شعوب المغرب العربي التواقة إلى العمل الوحدوي والمجسد من خلال لقات مجتمعها المدني عبر المشاركة الجماعية في الملتقيات النقابية و المهنية و التظاهرات الثقافية والفنية والنشاطات الاجتماعية المختلفة وأن لا تبقى الوحدة المغاربية رهينة الحسابات الشخصية والخلافات السياسية. الحمد لله إن مغرب القلوب مازال ينبض بالحب والإخوة بين الشعوب. ولنا في تأهل ومشاركة المنتخب الوطني في مونديال جنوب افريقيا الاخير والتفاف الأشقاء التوانسة والمغاربة والليبيين وحتى الموريتانيين حول الخضر بمشاركتهم أفراحنا وتنديدهم بشتم رموزنا وشهدائنا درس كبير للساسة والانتهازيين من يزكون حالة الاحتقان بين حكامه ويستفيدون من فرقتهم. تبا لسياسة البحث عن غالب ومغلوب تزيد في متاعب و تباعد الشعوب وألف شكر لكرة وحدت القلوب وقربت المحبوب من غدامس الى ام الطوب. مغرب عربي يشهد تحولات وتغيرات مستمرة انكوت بنيران ربيعه الناري ليبيا وسقطت في دوامة الفوضى تونس وتجنبت المغرب حالة الاحتقان الدائم و نجحت الجزائر في التصدي لوهم التغيير المفروض من الخارج لفطنة شعبها وتعلقه بوحدتها. إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة ولتكن المشاركات الكثيفة في الملتقيات الثقافية و البطولات الرياضية المغاربية فرصة لتحقيق حلم شعوبه بالتنقل الحر من فاس إلى بنغازي ومن صفاقص إلى نواقشط مرورا بالجزائر قلب المغرب العربي النابض بالحب ثم بعدها يأتي الحديث عن العملة الموحدة و السوق المغاربية المشتركة... الى ان يتجسد حلم مغرب الشعوب نبقى نعيش على ذكريات الماضي الجميل... كلام و أحلام تبقى ومع الأسف مؤجلة.