بلغت شظايا الحرب الفرنسية على مالي يوميات المواطن الجزائري الذي يعيش بالشمال يظهر ذلك جليا في الماليين رجالا ونساءا و أطفالا الذين اكتسحوا الشوارع والساحات الرئيسية بمعظم الولايات الكبرى للوطن . سمعت عنهم كثيرا وصادفتهم في الشوارع الرئيسية لوسط مدينة وهران بمحمد خميستي والعربي بن مهيدي ، أمهات وأطفالهن يفترشون الأرض ويطلبون الصدقات ، لكنني لم أكن أتوقع أنني أجدهم يتموقعون جماعات عند سياج قصر المعارض بالمدينة الجديدة . عائلات رتبت أثاتها ونظمته وغطته لتستعمله وقت الحاجة . هناك من انصرف لحاله يبحث عن عمل أو يطلب المساعدة ، وهناك من بقي بالمكان يحرس الأمتعة وهناك من بقي غارقا في النوم وقبل أيام شدني وآلمني حال طفلة ، لا تتعدى العاشرة من عمرها ، جلست في شارع الأمير عبد القادر وبالقرب من شارع العربي بن مهيدي ، فرغم أن البرد كان قارسا ، إلا أنها كانت ترتدي لباسا خفيفا منقوص الكمين ...ولا أكمل فالمنظر كان قاسيا أقسى من قساوة الأحوال الجوية . لقد وقع ما وقع ، وفرت عائلات مالية تستنجد بدول وشعوب الدول المجاورة بحثا عن القوت والأمن والأمان ،ومن بين هذه الدول الجزائر ، ولأننا دولة تعرف واجب الضيافة وتحسن حقوق الجيرة ، كما تعودنا منذ زمن ومع مر الأحداث المؤلمة التي مرت على منطقتنا ،ولأننا مسلمون لا يردون أو يبخلون من استأجر بهم أو طلب ودهم نرى كما يرى غيرنا ، أنه كان من الأصح والأليق والواجب أن يتم التكفل بهؤلاء بجمعهم في مراكز إيواء ، كتلك التي تم تخصيصها للاجئين السوريين ولم يقيموا بها لظروف وأسباب تتعلق بهم أما بخصوص الأكل فيبدو أن الجزائريين لم يبخلوا على جيرانهم الماليين ، فبالقرب من كل لاجئ نبصر ونرى أكياسا محملة بلوازم الغداء والشراب التي يتكرم بها عليهم كرماء هذا البلد . ونفرح كثيرا لما نسمع أو نعلم أن هذه البلدية أو تلك قد فتحت أحد مراكز إيواءها لهؤلاء الوافدين من مالي ، كما هو الحال بولاية تيارات التي استقبلت بمركز «حي السوناتيبا» حتى كتابة هذه السطور نحو 85 رعية مالية تتكفل بهم مديرية النشاط الإجتماعي بتوصية وأمر من والي الولاية ، يقدم لهم الأكل واللباس والخدمات الطبية اللائقة . وإذا كان هذا هو الحال بتيارات ، فالوضع يبدو مخالفا تماما عندنا ، وإلا ما تحول حائط قصر المعارض إلى مكان للإقامة والمبيت ، وما ذهبت رعيتين ماليتين قبل شهر ضحيتا إغتصاب جماعي قرب حي كوكاكولا ، وما يتشرد الأطفال والرضع هنا وهناك وهم الهاربون من جحيم حرب يجهلون أسبابها ولايفقهونها حتى . إن الجزاذريين كانوا ومازالوا مثالا يقتضى به في مظاهر التكافل والتعاون والتراحم التي حث عليها ديننا الحنيف وتنادي إليها الإنسانية في جميع المعمورة ،ولن نحمي أنفسنا من الاتهامات والصفات المعاكسة والمخدولة مادام الأبرياء من أطفال ، الشعب المالي يتيهون في شوارعنا في غياب أيادي رحيمة تكفكف دمعهم وترأف بهم .