نجح الكاتب الجزائري محمد ساري في تقديم نص قوي ومؤثر له من الدلالات ما يجعله واقعي لا مجال فيه للمبالغة أو استدرار الدموع ، بل بالعكس هو نص عكس بموضوعية واحدة من أهم الفترات الصعبة التي عاشها الجزائريون خلال سنوات التسعينيات وهي العشرية السوداء ، يتعلق الأمر بمولوده الروائي الجديد الصادر مؤخرا عن دار البرزخ " القلاع المتآكلة " ، الرواية تعد من أهم الأعمال الأدبية التي تناولت موضوع الارهاب وأهم تأثيراته على المواطن الجزائري في تلك الفترة ، حيث استخدم " ساري " مفردات مألوفة تتماشى مع ذهنية المتلقي الجزائري ، دون الإخلال بالمضمون ولا التمييع ببنائها الشخوصي ، كما وظف أسلوبا تعبيريا راقيا من شأنه إثراء البنية السردية للنص ودفع القارئ إلى التجاوب مع الكشوفات التي يقدمها بطل الرواية المحامي " عبد القادر بن صدوق " .. رواية " القلاع المتآكلة " تصور شخصية عبد القادر كرجل أعزب ، لا هم له في الحياة سوى نفسه عكس أصدقائه الذين أهلكتهم المشاكل الزوجية و أثقلت كاهلهم ، لكن استمتاعه بالعزوبية لم ينسيه الوضع المأساوي الذي تعيشه بلاده ، من قتل و اعتداء في حق أبناء قريته "عين الكرمة " الواقعة في سهل المتيجة ، و الأسوأ من ذلك أن صديقه رشيد يعاني الأمرين مع ابنه نبيل ، هذا الشاب الذي يحمل في رأسه الكثير من الأفكار المتطرفة التي غرسها فيه بعض الارهابيين بعد أن أقنعوه بقتل والده بحكم أنه فاجر يستحق الموت ، كل هذا يؤثر سلبا على نفسية نبيل الذي يدخل في صراع نفسي رهيب ويصاب بنوبات عصبية خطيرة. تنهي حياته إلى الأبد ... في نفس الوقت يسرد محمد ساري في روايته أهم الأحداث السياسية التي عرفتها الجزائر مباشرة بعد الإستقلال ، و يروي بأسلوب تهكمي ساخر تجربتي القمع و التقتيل اللتين عاشها أبناء قريته " عين الكرمة " وتخبطوا فيها لسنوات ، وكيف كافح هؤلاء في قرية محرومة ونازحة تفتقر لأدنى شروط الحياة العادية ، لينهي فصول روايته التي اتسمت بالتماسك من حيث البناء واللغة ، بمشهد الشرطة وهي تقضي على الجماعات الإرهابية التي أدخلت الرعب في قلوب المواطنين و أنستهم لذة العيش الهنيء ، طارحا في نفس الوقت العديد من التساؤلات حول فيما إذا كانت قرية "عين الكرمة " ستعود كما كانت في السابق ؟ وهل سيعود السلام إلى أبنائها ؟ أم إن للحديث بقية .. تجدر الإشارة إلى أن الكاتب محمد ساري روائي ومترجم وأكاديمي جزائري ، نال عام 1982 جائزة الرواية في الذكرى العشرين للاستقلال ، نشر أولى كتبه في النقد "البحث عن النقد الأدبي الجديد " عام 1984 ، ، ، هذا إضافة إلى روايات أخرى نشرت باللغتين العربية والفرنسية ، نذكر منها "على جبال الظهرة " عام 1983 ، رواية ''السعير'' عام 1986 ، " الورم " عام 2002 ...الخ ، كما ترجم محمد ساري أكثر من 15 رواية من الفرنسية إلى العربية ، ،فأول رواية ترجمها '' العاشقان المنفصلان '' لأنور بن مالك ، ثمّ تلتها رواية " الممنوعة " لمليكة مقدّم ، إضافة إلى رواية '' قسم البرابرة " لبوعلام صنصال وغيرها من الروايات الأخرى ....