مشاركتي فيلم بوعمامة كان له وقع كبير في نفسي بوجود عمالقة الفن الجزائري الذين اغلبهم رحلوا نجل مدينة سيدي بلعباس ، أين يسير تجد الناس يكنون له الحب و الاحترام لأنه خدم مدينته كثيرا ثقافيا و فنيا فهو إنسان محب للخير ومتعاون ومخلص متفاني في عمله اجتماعي رومانسي حساس ،مرح ذكي سريع البديهة، متواضع لا يحب الروتين يضحي في سبيل من يحب غير مشاغب يخاف ربه فلسانه معطر بذكر الله ، جرئ وشجاع ، أحب الفن الرابع منذ نعومة أظافره حيث عشق الخشبة و السينما و الرقص الشعبي و قدم الكثير من الأعمال الخالدة وعاصر عبد القادر علولة و سيراط بومدين و عز الدين مجوبي.. و تحدثنا معه عن مساره الطويل في الفن وعن واقع المسرح الجزائري ورهاناته في هذا الحوار الشيق . + المسرح فضاء الإبداع المقدس كيف عاش الفنان جرفيل تجربتها المسرحية الأولى ومتى كان ذلك؟ ومتى روادك حلم الخشبة في وقت كانت العائلات محافظة جدا و الفن رغم قدسيته إلا أن الأهل يفضلون أبناءهم يتعلمون و يتخرجون من المدارس العالية ؟ _ كنت هاوي مسرح منذ الصغر و كنت أنداك دائم البحث عن شخص أو فرقة حتى أجد الفرصة لاندمج في أوساط الفنانين و البداية كانت صعبة جدا فيما يخص الاحتكاك و لكن استطعت الانخراط بدار الشباب و عمري لا يتجاوز 12 سنة و كان أنداك في سنة 1976 فشاركت في الحفلات المدرسية و في حصة الحديقة الساحرة و رغم المشاكل التي صادفتني في البيت إلا أنني واصلت مشواري مع بعض الزملاء حيث خلقنا فرقة مسرحية شرفت مؤسسة ابن زيدون ببلعباس . ثم انخرطت رسميا في جمعية العمارنة للرقص الشعبي الفلكلوري التابع للمركز الثقافي لمديرية التربية و من خلال هذه الفرقة شاركت في عدة مهرجانات وطنية و دولية خاصة التي جرت فعالياتها بوهران بالمركب الرياضي بعين الترك و هذا سنة 1980 . و راودني حلم الخشبة كثيرا ففي سنة 1981 عدت إلى الخشبة من جديد بعدما كونت رفقة بعض الزملاء جمعية ثقافية تحت اسم " الكلمة " و من هنا بدأ مشواري كممثل مسرحي رسميا حيث شاركت في عدة مسرحيات التي تلقت صدى كبير على الصعيد الوطني و ألمغاربي و هذا من حظي لأنني كنت عضو مؤسس لهذه الجمعية و من بين المسرحيات التي شاركت فيها العقارب و درب الفنانين و مكسور الجناحين و الوعدة و أخر إنتاج مع الجمعية الثقافية الكلمة هو الصرخة الذي اسند لي فيه الدور الرئيسي الذي كان تجربة جديدة في مشواري الفني فإضافة إلى محتوى المسرحية تميز دوري بشبه مونولوج و لقد تحصلت هذه المسرحية الصرخة على الجائزة الكبرى بالمهرجان ألمغاربي الذي نظمت فعالياته في مدينة عنابة و هذا في سنة 1991 و لقد تحصلت أنا كذلك إضافة إلى جائزة الكبرى على جائزة أحسن أداء رجالي . + ما هي أهم الأعمال المسرحية البارزة التي لعبت فيها و تم تسجيلها إذاعيا و تلفزيونيا ؟ _ من بين المسرحيات التي شاركت فيها و التي سجلتها الإذاعة و التلفزيون هناك مسرحية " درب الفنانين" سنة 1988 و مسرحية "مكسور الجناحين "عام 1989 و مسرحية " الوعدة "عام 1990 و ملحمة الشهيد عبد القادر بومليك الخ و يمكن القول و بدون مجاملة و أعود بالله من قول أنا، فإني كنت القلب النابض للجمعية و قد حاولت أن اخدمها بكل إمكانياتي ثم انقطعنا عن الإنتاج لظروف معينة . + مسارك الثقافي غني جدا خاصة في الحركة الجمعوية و الإدارية فماذا تقول لنا في هذا الباب ؟ _ لقد انتخبت من طرف الحركة المسرحية لمدينة سيدي بلعباس قي التسعينات من القرن الماضي و من ثمة بدأت في العمل لصالح جميع الفرق و الجمعيات المتواجدة في الولاية من أجل مشاركتها في برنامج ثقافي يخدم الثقافة و المدينة بالدرجة الأولى ثمن انتخبت كعضو مجلس استشاري في حقل الثقافة حيث قمت ببرمجة بكرنفال ثقافي عبر المدارس و هذا بعروض مسرحية للأطفال حيث قدمنا آنذاك استعراضات في كل مدارس سيدي بلعباس إلى جانب كنت من مؤسسي المهرجان الممتاز للمسرح المحترف و قد ساهمت في انجاز الفكرة و أنا جد سعيد بأنها تحققت و أصبحت في الواقع مجسدة إلى جانب هذا نظمنا مهرجان الطفل و كذلك مهرجان بني هلال للرقص الشعبي . + ما هي المسرحيات التي تركت أثرها فيك ؟ _ كل المسرحيات إن لم تكن رائعة فهي متسربة إلى العقل ، حين كنت أدخل خشبة المسرح كنت أدخل طفلا بريئا لأتمتع ، أنا أشتغل بعقل مقعر أجمع فيه ألوان أصدقائي الفنانين و أحرك ذاكرتي لتركيب المعادلة التي بحوزتي . + ماذا يعني المسرح بالنسبة إليك؟ _ المسرح بالنسبة لي مجموعة كوابيس تعلم الخوف و الخجل و تنقلب عليك بسرعة كالزوجة الكاذبة ..هذا عندما أكون مستيقظا و لكن حينما أفيق أداعبه هو كالكروم العذراء ألوي ساق ذكرياتي بسيقانها الحاضرة و أطاول السماء معها للمستقبل ألعقها حد الشبق .حتى ننجب..أنجبها و تنجبني طفلا متمردا و ملائكيا على الركح . + مصطفى كاتب ،عبد القادر علولة ،عز الدين مجوبي ، سليمان قندسي ، بن كابو خالد ، ماذا يعني هؤلاء الذين رحلوا بالنسبة للمسرح عندك ؟ _ سأجيبك بسؤال: كيف تحولت فئران البارحة إلى دود يعشش في عيون الذين نحبهم اليوم. + سيراط بومدين وعلولة و أمحمد بن قطاف وكاتب ياسين وطه العامري.. نجوم مروا على ما يمر عليه شباب اليوم، ولعل الناس كانوا لا يؤمنون بطاقاتهم لكنهم أصبحوا رموز المسرح الجزائري والعربي . فهل للشباب الهاوي فرصة للبروز في عالم الخشبة ؟ - لا يمكن أن نبقى واقفين على أطلال الماضي وأمجاد المسرح، هناك أجيال قادمة من حقها أن نأخذ بيدها ، لدينا حوالي 40 اسما يمكن أن نخرج منهم 10 من أمثال عز الدين مجوبي و 10 من أمثال علولة ... بدون أي مبالغة شرط أن نوفر لهم الإمكانيات التقنية و المالية . + يشهد المسرح الوطني إعادة بعثٍ جديد منذ سنوات ومع ذلك نلاحظ أن المسرح لم يستعد عافيته بعد . ماتعليقك ؟ - الجزائر مرت بفترة العشرية السوداء التي أتت على كل ما هو ثقافي بما فيه المسرح، وأعتقد أن ما وصل إليه المسرح اليوم ودعم هذا القطاع من قبل وزارة الثقافة التي أولت أهمية بالغة للمسرح، واعتقد أن إنتاجنا اليوم يسير في الطريق الصحيح حيث استطاع المسرح الجزائري اليوم أن يكوّن رصيدا مهما في حسابه. الجزائر اليوم تملك 14 مسرحا وما لا يقل عن 200 جمعية وتعاونية، مستوى أدائها أقرب إلى الاحترافية منه إلى الهواية، لو جمعنا كل هذا لوجدنا أن المسرح الجزائري يقدم 200 مسرحية كل سنة. غير أننا للأسف نفتقد لعامل الدعاية أو الإشهار فما يقدم على بعد 5 كلم من العاصمة أو وهران أو سيدي بلعباس ، لا يسمع به أحد ، ولو أنتجنا 100 مسرحية وقدمنا من بينها 10 مسرحيات مهمة ذات مستوى راق لكان لدينا رصيد يضاهي الأعمال المسرحية المقدمة في البلدان العربية وهو ما نسعى إليه. + هل تجاوز المسرح الجزائري مشكلة اللغة التي كانت في وقت مضى مطروحة بشدة في أوساط المسرحيين و الجمهور؟ _ المسرح في الجزائر تجاوز عائق اللغة منذ وقت طويل بدءا بمسرحيات كاتب ياسين التي كتبت بالجزائرية البسيطة ،المسرحيات الآن تقدم بالجزائرية ، العربية الفصحى، الأمازيغية و حتى بالفرنسية و يتلقاها الجمهور بشكل عادي و طبيعي. اللغة في الجزائر ليست عائقا و لا تطرح إشكالا لأن الشاب الجزائري المعرّب بإمكانه فهم أكثر من لغة، و الذي يحدد لغة المسرحية هو بالدرجة الأولى طبيعة نصها و ضرورتها الدرامية و لا وجود لأية اعتبارات أخرى في اختيار اللغة التي يتحاور بها الممثلين على الركح. + هل تعتقدون أن المسرح الجزائري يملك مقومات العالمية؟ _ أي مسرح يمكن أن يتعدى جغرافية الوطن، حيث يخرج من محليته، لكن لتحقيق ذلك لابد من توفير شروط من بينها أن يكون هذا المسرح يهتم بمواضيع إنسانية تنطلق من محيطها وخصوصيتها في التعبير المسرحي، مثلا المسرح في الجزائر عالج مجموعة من المواضيع غير أن القلة منها إنسانية، والإشكالية التي تطرح نفسها لماذا المسرح الجزائري لا يتوجه إلى المواضيع الإنسانية لكن بتقنيات إبداعية جميلة؟ جل المسرحيات التي شاهدنها بالمهرجانات هشة على المستوى الفكري، فهي لا تحمل أبعادا فكرية قادرة على التفاعل مع أي متفرج كان عبر المكان والزمان، هذه المسرحيات تموت بانتهاء المهرجان وكأن المسارح تنتج عروضا مسرحية من أجل المهرجان، وهنا يتحدد الإشكال هل المسرح الجزائري مسرح المهرجانات وثاني إشكال الذي يعرقل سير المسرح الجزائري أن الجزائر تملك طاقات شابة رائعة بينما عندنا مجموعة قليلة من المخرجين يعدون على الأصابع· علينا أن نوفر مجموعة من المعطيات من أجل الخروج بالمسرح الجزائري إلى بر الأمان، لا بد من خلق مدارس للفنون المسرحية عبر قطر التراب الوطني· + ما يلاحظ اليوم على المسرح الجزائري أن هناك مسرح وقاعات لكن هناك أيضا غياب الجمهور، ما تعليقك؟ _ بالفعل المسرح الجزائري يفتقر للجمهور، ويعود السبب إلى العشرية السوداء التي حطمت كل شيء مرتبط بالثقافة، فالطفل الذي كان عمره في تلك الفترة 10 سنوات يجهل ثقافة المسرح إذ لم ينشأ على حب المسرح، كيف لشخص لم يدخل يوما ليتفرج على عرض مسرحي أن يكون وفيا للخشبة؟! لكن هذا لا يمنعنا كمسرحيين من أن نطمح دائما لإعادة المسرح إلى الواجهة، كما أننا نطمح أيضا لصناعة جمهور مسرحي ذواق . + السينما كانت لها جانب من عشقك و شاركت في بعض الأعمال و منها فيلم التاريخي بوعمامة و غيره و ربما أدوارك هذه هي التي جعلتك تنشي نادي للسينما على مستوى جمعية الكلمة التي تترأسها حاليا ، فكيف كانت الرحلة إلى عالم الفن السابع ؟ _ فعلا مشاركة في فيلم بوعمامة كان له وقع كبير في نفسي بوجود عمالقة الفن الجزائري الذين اغلبهم رحلوا و أتمني للبقية الشفاء و طول الصحة كما شاركت في أعمال تلفزيونية أخرى و ربما عشقي للفن السابع و حبي الكبير للسينما جعلني أقرر الذهاب من سنوات إلى فرنسا و تلقيت تربصا مغلق لعدة شهور هناك و تعلمت الكثير عن هذا الفضاء الجميل و عدت إلى مدينتي متحمسا و أنشئت على مستوى الجمعية نادي السينما و بدأنا بعرض العديد من الأفلام في القاعات و المراكز الثقافية في البلديات النائية مع فتح مجال النقاش بين المختصين أو مخرجي الأفلام و لجمهور لكن بعد ذلك اكتشفنا أن الكثير يغادر القاعة أو لم نصل بعد إلى مستوى الفن السابع في بلدنا كما هو موجود في أوروبا و هذا ما لاحظته أنا موجود في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط أين استقريت لمد سنة من اجل نهل أكثر عن عالم السينما حيث أن هناك الكثير من القاعات السينمائية و جمهور يأخذ موعده عن طريق الحجز المبكر ليستطيع مشاهدة الفيلم الذي يحبه و يحضر للمناقشات التي تفتح بعد العرض و نحن هنا مازالتا نفتقر لثقافة سينمائية و الدليل أن مهرجان وهران للفيلم العربي يجلب إليه جمهور لا بأس به إلا في أيام المهرجان و بعد ذالك يعود الصمت يخيم على قاعات السينما ما عدا سينماتيك التي تنشط طول العام لكن لا تكفي أمام حجم مدينة كبرى تعتبر العاصمة الثانية للبلاد . + ما هي الأفلام التي استطاعت الدخول إلى العوالم الحقيقية للثورة الجزائرية وتمكنت من التعبير بكل جرأة وحداثة عن واقع الجزائري الثوري آنذاك؟ _على الرغم من التقرب والمعالجة السطحية لموضوع الثورة الجزائرية، لا يمكننا الجحود بأن السينما الجزائرية قدمت أعمالا جميلة خاصة في الجانب التقني صورة وإخراجا، جعلت منها آنذاك سينما رائدة في العالم العربي وعلقت عليها أمال تطور السينما العربية..مثل هذه الأعمال كثيرة جدا، وأكثرها جرأة هو فيلم "معركة الجزائر" الذي أخرجه الإيطالي "جيلو بنتي كروفو" الذي نال جائزة أوسكار، واعتمد كوثيقة تاريخية ضمن الأرشيف الإنساني..هذا النجاح هو نتيجة لتحرر المخرج الإيطالي من كل رقابة خصوصا الذاتية منها وهو العامل الذي وفر له إمكانية النقد السياسي والاجتماعي الجريء..الفيلم الذي اعتمد اللمسة الحداثية لدرجة أنه صنف كعمل تجاري، هو فيلم "الأفيون والعصا" الذي أخرجه "أحمد راشدي"، هو عمل في اعتقادي نجا من ظاهرة "الترويج" واعتنق صناعة السينما في مفهومها الفني والاستعراضي والتجاري أيضا، وهو بذلك توفر على جملة من المواصفات تجعله فيلما سينمائيا بامتياز، وتوغل في اللاشعور الجمعي عبر الكثير من المواقف التي يرددها الإنسان الجزائري العادي إلى يومنا هذا كمقولة "يا علي موت واقف" التي أصبحت بمثابة القول المأثور يعبر عن موقف معين قد يصادف الإنسان في حياته اليومية..هنالك أيضا، الكثير من الأفلام الجميلة التي اعتنقت موضوع حرب التحرير... + هل تروادك فكرة الوقوف من جديد على الخشبة بحكم أنكم الآن في منصب سياسي ؟ _ اجل كثيرا لأني أنا ابن الخشبة و في خدمة الثقافة حتى و أنا في موقعي هذا و في منصب سياسي . + ما هي النصيحة الثمينة التي قد تقدمينها لممثل مسرحي في بداية مشواره الفني في المسرح الجزائري في آخر كلمة لك من هذا الحوار ؟ _ أقول له ببساطة: التمثيل في المسرح مهنة صعبة و لكنها رائعة جدا أيضا و أنصحه أن يتحلى بالإرادة و العزيمة القوية ليتمكن من الصمود و لا يتخلى عن المسرح لأنه إذا لم يكن شغوفا به فستدفعه الصعوبات و العراقيل لتركه أو لاستبداله بأشياء أخرى.