محمد خوان يتحادث مع رئيس الوفد الإيراني    هذه توجيهات الرئيس للحكومة الجديدة    النفقان الأرضيان يوضعان حيز الخدمة    رواد الأعمال الشباب محور يوم دراسي    توقيع 5 مذكرات تفاهم في مجال التكوين والبناء    الصحراء الغربية والريف آخر مستعمرتين في إفريقيا    مشاهد مرعبة من قلب جحيم غزّة    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس    على فرنسا الاعتراف بجرائمها منذ 1830    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    الخضر أبطال إفريقيا    ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغيّر المناخ    فلسطينيو شمال القطاع يكافحون من أجل البقاء    بوريل يدعو من بيروت لوقف فوري للإطلاق النار    "طوفان الأقصى" ساق الاحتلال إلى المحاكم الدولية    وكالة جديدة للقرض الشعبي الجزائري بوهران    الجزائر أول قوة اقتصادية في إفريقيا نهاية 2030    مازة يسجل سادس أهدافه مع هيرتا برلين    وداع تاريخي للراحل رشيد مخلوفي في سانت إيتيان    المنتخب الوطني العسكري يتوَّج بالذهب    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    مجلس الأمة يشارك في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    ندوات لتقييم التحول الرقمي في قطاع التربية    الرياضة جزء أساسي في علاج المرض    دورات تكوينية للاستفادة من تمويل "نازدا"    هلاك شخص ومصابان في حادثي مرور    باكستان والجزائر تتألقان    تشكيليّو "جمعية الفنون الجميلة" أوّل الضيوف    قافلة الذاكرة تحطّ بولاية البليدة    على درب الحياة بالحلو والمرّ    سقوط طفل من الطابق الرابع لعمارة    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    "ترقية حقوق المرأة الريفية" محور يوم دراسي    القرض الشعبي الجزائري يفتتح وكالة جديدة له بوادي تليلات (وهران)        مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر العربي العراقي د. فاضل الربيعي يدحض أكاذيب المستشرقين في حوار حصري ل "الجمهورية":
على الغرب و أوروبا الاعتذار للعرب، فلسطين و المسلمين عن نتائج تهويد التاريخ الفلسطيني
نشر في الجمهورية يوم 08 - 12 - 2013

* "السبي البابلي" و "المحرقة" ... تاريخ مزيف بسرد يهودي
* القدس ليست "أورشليم" أو "بيت بوس" و اليهودية دين عربي من اليمن !
* التوراة كتاب إخباري - ديني مقدس و لم تتضمن أي شيء يخص فلسطين
طالب المفكر العربي العراقي الدكتور فاضل الربيعي، من الغرب و أوروبا الاعتذار عن نتائج تهويد التاريخ الفلسطيني، وقال إن السردية الزائفة للكثير من الأحداث و الوقائع التاريخية الخاطئة سواء عن قصد أو غير قصد تسببت في مأساة حقيقية للشعب الفلسطيني الذي هجّر من وطنه قسرا و منح لآخر دخيل لا يملك موطأ قدم فيه، وأكد فاضل الربيعي في حوار حصري ل "الجمهورية" بالدلائل و الحجج العلمية أن القدس ليست أورشليم، كما يزعم العديد من المستشرقين الأوربيين، ولا هي "بيت بوس" التي قال إنها توجد أصلا في ضواحي دمشق باسم بيت يابوس، مشيرا إلى أن التوراة كتاب إخباري- ديني مقدس ولم تتضمن أي شيء يخص فلسطين، موضحا أن اليهودية دين عربي من اليمن و أن السبي البابلي منح ليهود أوروبا امتياز الضحية فضلا عن مسائل أخرى تابعوها في هذا الحوار:
الجمهورية: دعوتم في محاضرات وندوات سابقة إلى ضرورة إعادة تصحيح السردية التاريخية التي روّج لها بعض المستشرقين بخصوص تاريخ فلسطين، على غرار مسألة القدس التي قلت إنها ليست أورشليم و أنه لم يكن لليهود أي أثر في الأراضي الفلسطينية...إلخ من الناحية العملية كيف تساهم هذه الحقائق العلمية المثيرة التي أمطتم اللثام عنها في تكذيب أباطيل اليهود الكاذبة؟
الدكتور فاضل الربيعي: تأسسّت هيمنة السردية التوراتية على التاريخ في المنطقة والعالم بأسره، طبقاً لتصورات تاريخية زائفة لحادثتين وقعتا في عصرين، وتفصل بينهما مئات القرون. وقد أمكن بفضل دمجهما في سياق تاريخي واحد، الحصول على سردية جديدة متناسقة، لا تزال حتى اللحظة تهيمن على الدراسات التاريخية بالكامل. الحادث الأول وهو ما يعرف ب (السبي البابلي) الذي يزعم فيه أن اليهود تعرضوا للسبي والاضطهاد على يد الآشوريين. أما الحادث الثاني، فهو المعروف في الأدبيات السياسية والتاريخية ب (المحرقة) النازية التي تعرض لها يهود أوروبا على يد القوات النازية الألمانية. فما الذي يجمع بين الحادثتين؟ لقد جرى تلفيق الوقائع الخاصة بالسبي البابلي من خلال قراءة مغلوطة لنصوص التوراة والنقوش الآشورية انتهت إلى إنشاء سردية جديدة، لا تقول سوى الفكرة التالية: أن السبي الذي قام به الآشوريون استهدف اليهود وحدهم، وأن هؤلاء وقعوا ضحية اضطهاد لا سابق له في التاريخ، بينما تشير الوقائع والمعطيات العلمية المسكوت عنها إلى أن السبي شمل القبائل العربية الوثنية (البائدة) وأن الآشوريين استهدفوا هذه القبائل لضمان سيطرتهم على سواحل البحر الأحمر، وتأمين طرق التجارية الدولية القديمة، ولم يكن من بين أهداف الحملات العسكرية، أي هدف يتصل باضطهاد اليهود لأنهم يهود. لقد مهدت هذه السردية الزائفة، الطريق أمام حصول يهود أوروبا على (امتياز الضحية) الفريدة مننوعها، فهي وحدها التي تعرضت في التاريخ القديم لاضطهاد أكبر إمبراطورية بصفتها (جماعة يهودية). وهذه السردية مهدت الطريق بدورها لإنشاء سردية موازية عن اضطهاد جديد يقع هذه المرة في قلب أوروبا مع صعود النازية ووقوع ما يعرف ب (المحرقة النازية لليهود). وهكذا اكتملت فرادة الضحية، وامتلكت بقوة امتيازها الذي سوف يعليّ الفارق بينها وبين الضحايا الآخرين، فهي وحدها ضحية تتكرر مأساتها.
ولذلك، جرى استخدام مكثف لهاتين السرديتين المتلازمتين لتبرير البحث عن (وطن قومي) تستقر فيه هذه الجماعة. بيد أن سردية السبي البابلي التي سوف تتكرر بصورتها الرمزية مع المحرقة، وتتكامل معها، كانت جزءا من تزييف أوسع نطاقاً.
لقد ظهر اسمها الجديد القدس (بألف ولام) فقط بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام وليس قبله؟ ومن المؤكد أن الغرض من هذا الخداع الفظيع الذي مارسه المستشرقون في مطلع القرن ما قبل الماضي، كان وببساطة، حملنا على أن نؤمن مثل المستوطنين، بأن التوراة ذكرت القدس، وبذلك، تصبح كل الرواية الملفقة عن صراع بني إسرائيل مع الفلسطينيين قابلة للتصديق، كما تصبح رواية عبور الأردن وفتح أريحا ووجود اسم البحر الميت في التوراة، حقيقية ولا يطالها الشكّ؟ إن إعادة بناء الرواية التاريخية وإنشاء سردية جديدة تقطع مع الرواية الزائفة السائدة، يتطلب أولاً وقبل كل شئ، تحطيم كل أساس زائف قامت عليه أسطورة عبور الأردن وفتح أريحا. وفي هذا الإطار، سأعيد التذكير بما نقله البكري في (معجم ما استعجم ) من حديث عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله أقطع بلال بن الحارث المزني (معادن القبلية، جلسيّها وغوريّه إلى حيث يصلح الزرع من القدس). وفي هذا الكتاب الذي كتبه النبي- صلى الله عليه و سلم - إشارة صريحة لجبل القدس في وادي الرمّة ، وليس لأي مكان آخر. وفي كتاب البكري كذلك - باب ذكر جزيرة العرب - قال ( فنزلت جهينة تلك البلاد، وتلاقت قبائلهم وفضائلهم، فصارت نحواً من عشرين بطناً، وتفرّقت قبائل جهينة في تلك الجبال، وهي الأشعر والأجرد وقدس وآرة ورضوى وصندد).كما ينقل البكري عن يعقوب بن السكيت (ت 243ه) قوله (قدس وآره: جبلان لجهينة، بين حرة بنى سليم وبين المدينة) وهما جبلان يقال لهما: القدسان ، قدس الأبيض، وقدس الأسود. وأما قدس الأبيض فيقطع بينه وبين ورقان عقبة يقال لها ركوبة، وهو جبل شامخ ينقاد إلى المتعشىّ بين العرج والسقيا، وأما قدس الأسود فيقطع بينه وبين ورقان عقبة يقال لها : حَمت، والقدسان لمزينة - لقبيلة مزينة- .
هذا هو بإيجاز، تصوّر المسلمين لقدس الجبل في الحجاز. وبموازاته، هناك تصوّر آخر عند اليمنيين عن جبل مقدس هو جبل قدس- دون ألف ولام- في تعز ، وهو من أعظم جبالها وأقدسها وأكثرها شهرة في التاريخ؟
هذه الأوهام والأكاذيب المستمرة والمتواصلة من جانب التوراتيين - وللأسف من جانب العرب والمسلمين كذلك- على حدّ سواء، خلقت فوضى عارمة في التاريخ لا سبيل للخروج من دوامتها، فلا أحد استدّل على بيت بوس التي يزعم أنها القدس القديمة، حتى بعد نحو قرن كامل من التنقيبات الأثرية؟ ولا أحد ما، وجد دليلاً مادياً يؤكد أن القدس عُرفت بهذا الاسم. وبكل يقين، فقد نشأت هذه المزاعم والأوهام عن وهم أكبر، أشاعته رواية عبور نهر الأردن. وفي هذا السياق- ثمة أفكار وصور أخرى خاطئة ورائجة في مؤلفات التاريخ القديم بشكل عام، وتاريخ المنطقة العربية بوجه الخصوص مثلاَ، الخلط بين العبرانيين وبني إسرائيل، ومعاملتهما على أنهما شيء واحد، وأن كلاً منهما دالٌّ بذاته على الآخر. وهذا غير صحيح في مطلق الأحوال. كما تتردد في الكثير من المؤلفات والدراسات أفكار مزيفة أخرى، مفادها أن العبرانيين اشتقوا اسمهم من حادثة عبور نهر الأردن، وأنهم عُرفوا بالعبرانيين بسبب هذه الواقعة المزعومة التي لا أساس علمياً لها .
1: إن يوشع بن نون لم يعبر الأردن- النهر والبلد- ولم يفتح أريحا الفلسطينية، والتوراة لا تعرف هذين الاسمين في صورتهما هذه، بل في صورة مختلفة كليّة ولها علاقة بجغرافية أخرى. كما أن العبرانيين لم يعبروا هذا النهر من قبل، وهم لم يعرفوه قط. إن مسرح الأحدات- التي تخيّلها واختلقها الاستشراقيون من التيار التوراتي وقاموا بالترويج له كمسرح تاريخيّ- لا يتضمن ولا بأيّ شكل من الأشكال، المواضع والأماكن واسماء القبائل الواردة في النصوص التوراتية. وفي الواقع، لا توجد في التاريخ القديم برمته، حادثة من هذا النوع، نجم عنها ظهور جماعة بشرية، سوف ُتعّرف نفسها بأنها جماعة عبرانية نسبة لعبور الأردن. وكل ما قيل وكتب من مؤلفات ضخمة وكتب ودراسات وبحوث عن هذا الحادث، سواء في الثقافة العربية أم الغربية، لا يتعدى في هذا النطاق من الفكرة، حدود التلفيق المؤسس على الوهم والهوس الممزوج بالإعجاب بإسرائيل المعاصرة.
الجمهورية: ما المقصود إذن بكلمتي العبرانيين و بني إسرائيل ؟
الدكتور فاضل الربيعي: برأينا، أن المقصود من (العبرانيين) و (بني إسرائيل) الإشارة إلى جماعتين بشريتين منفصلتين لا جماعة واحدة. وهذا التمييز هامٌ للغاية لفّك الارتباط التعسفي الذي جمعهما وأوحى لأجيال وأجيال من البشر في مختلف أرجاء العالم، بأن الإسرائيليين أحفاد العبرانيين، وأن هؤلاء أخذوا من أجدادهم، لغتهم العبرية (لسانهم القديم) الذي يعرفون به.
2: وفي سياق هذا الزعم، شاع في مختلف الأوساط، حتى الأكاديمية والعلمية منها، القول إن يهود اليوم في العالم كله، إنما ينحدرون من سلالة بني إسرائيل. ولذلك، حدث دمج جديد ومزيف يماثل بين القبيلة (بني إسرائيل) وبين معتنقي الديانة اليهودية؟ وبحيث صار كل منهما دالاً بذاته ولذاته على الآخر، فعندما تقول (يهودي) سيُفهم من قولك، أنك تعني بني إسرائيل الذين ورد ذكرهم في التوراة والقرآن، وأن قولك (بنو إسرائيل) يعني أنك تقصد اليهود عامّة.
3: كما شاع القول- وهو خاطئ جملة وتفصيلاً ولا أساس له، سواء في الأنثروبولوجيا أم في السجلات التاريخية، أن العرب واليهود أبناء عمومة ترتفع إلى الجد المشترك إبراهيم، حتى باتت عبارة (أولاد عمّنا) شائعة ومألوفة في الحياة الثقافية والعامّة. وهذا غير منطقي، لأن قرابة الدم لايمكن أن تقوم بين قبائل عربية، وجماعات من شعوب أخرى أوروبية اعتنق أجدادها اليهودية؟ وكيف يمكن تخيّل أن المصري المسلم والمعاصر مثلاً، هو ابن عم ليهودي إيرلندي؟ كما سيبدو من المنظور الأنثروبولوجي ذاته، أمراً يخلو من أي منطق، تخيّل وجود قرابة دم على أساس الدين بين أبناء قبيلتين عربيتين، أحداهما من طىء وآخرى من حمير اليمنية، ذلك أن القرابات تقوم على أساس العرق لا المعتقد؟
4: وفي إطار هذه الالتباسات، حدث تكريس منهجي لفكرة زائفة موازية، تقول إن الذين عبروا نهر الأردن هم بنو إسرائيل، وهو استطراد مضلل ناجم عن الدمج التعسفي بينهم وبين العبرانيين، وراجت في هذا النطاق داخل المؤلفات التي لا تعد ولا تحصى، أسطورة أن العبرانيين هم أبناء شخص تاريخي، حقيقي اسمه عابر، وإليهم تنسب اللغة العبرية، وأن أحفادهم، هم الإسرائيليون؟
5: وأن هؤلاء أخذوا اسمهم من حادث (عبور الأردن) النهر العربي، حين دخلوا فلسطين بقيادة يوشع بن نون بعد معركة فتح أريحا. وهكذا، جرت سلسلة لا تكاد تنقطع من التماثلات بين أعراق وجماعات ولهجات ولغات، عاشت في عصور وفترات مختلفة، ولم تجمعها روابط أو قرابات حقيقة.
6: وفي سياق هذه التماثلات الزائفة أيضاً، تناسى الكثيرون الحقيقة البسيطة التالية:
إن اليهودية دين عربي قديم من ديانات العرب، بزغ فجرها في أوساط العرب الجنوبيين (اليمنيين) ولم تكن ديناً غريباً، أو وافداً عليهم من خارج الجزيرة العربية، وهي انتشرت في اليمن في فترات ومراحل لا يعرف التاريخ المكتوب عنها الكثير. والتوراة كما عرفها العرب القدماء، كتاب إخباري - ديني مقدس من كتب يهود اليمن، يتضمن التشريعات الدينية والقصص والأخبار والأشعار التي سجلها بنو إسرائيل. كما أنها، شأنها شأن الكتب المقدسة الأخرى، تتضمن قصص وأشعار وأخبار الأولين من القبائل والجماعات التي يعرفها العرب، وبعض قبائلهم تنتسب إلى هذه الجماعات اليمنية، مثل السلف (الشلف) وجشم، وعبد وسلمه وجبر والحواشب (حشبون) إلخ...
7: والأمر المؤكد بالنسبة لي، كما برهنت في مناسبات سابقة، أن التوراة لا تتضمن أي شيء يخصً فلسطين أو يلمح إلى ذكرها بأي صورة من الصور؛ بل ولا توجد أدنى صلة للتوراة بتاريخها. وكل ما ُيزعم عن وجود وصف لأرضها في التوراة، ليس أكثر من ترويج لأكاذيب وخدع استشراقية، تنتمي الى العصر الاستعماري وهي من نتاجه. والمثير للدهشة، أن التلاعب بالتاريخ و(اختراع تاريخ بديل) كان مؤسسّاً على ترجمة خاطئة وتأويل سطحي لكلمة ها- فلشتيم הפלשתים وتصويرها على أنها تعني الفلسطينيين. وهذا فهم خاطئ لأن العبرية تعرف حرف الطاء ولا تستبدله بالتاء. وقد بينّا في مؤلفاتنا السابقة أن الاسم ينصرف إلى الفلستيين، وهذه هي التهجئة الصحيحة لاسم جماعة وثنية عربية بائدة، عُرفت نسبة إلى عبادة الإله الفلس إله قبيلة طئ وقبائل أخرى، تركت اسم إلهها هذا في مكان معلوم لا يزال شاخصاً حتى اليوم في اليمن باسمه القديم بوادي المفاليس- الفلسيين، بمعاملة الميم الحميرية كأداة تعريف، مثل ءم رصاص: الرصاص، ءم سمّاق، السمّاق- وهذه اسماء بلدات أردنية معروفة.. والتوراة تؤكد أنهم بالفعل جماعة وثنية استولى داود على أصنامها. وقد بلغ التلاعب ذروته حين جرى الترويج لنظرية زائفة مفادها، أن الفلسطينيين دخلوا فلسطين متسللين عبر جزيرة كريت اليونانية؟ والمحزن في الأمر، أن المؤلفين والدارسين العرب راحوا يرددّون هذه الأكذوبة دون تدقيق، وبعضهم، ربما بسبب جهله باللغة العبرية، لم ينتبه إلى أن هذه الخرافة بُنيت، فقط على أساس كلمة واحدة وردت في سفر ثانوي كتبه الكهنة اليهود في وقت متأخر، وداخل نسق سردي يتضمن دعاءً دينياَ ضد (أمّة الكرتيين כרתים). والمقصود بهؤلاء جماعة تدعى الكرثيين (الكرثيون- بالثاء المثلثة) وهم جماعة يمنية ورد ذكرها في أنساب اليمنيين .
وعدا ذلك، لا توجد في التوراة أي إشارة أخرى مهما كانت عابرة، تدعم الفكرة المضللة عن تسلل الفلسطينيين من كريت (اليونانية).
8: لقد ميزّ القرآن- كما فعل العرب في الجاهلية - بين اليهودية وبني إسرائيل، تمييزاً دقيقاً ونهائياً لا يقبل أي جدل، فاليهودية دين، وبنو إسرائيل قبيلة. وذلك واضح كل الوضوح من الآيات والسور القرآنية التي نددّت باليهود، ولكنها مجّدت بني إسرائيل.
الجمهورية: ماهو الدليل العلمي الذي يؤكد الفرق بين اليهوية و بني إسرائيل؟
الدكتور فاضل الربيعي: إن هذا التمييز يستمد صلابته العلمية من حقيقة ثقافية ودينية معروفة عند العرب القدماء، بأن اليهودية دين عربي ولد في أرض العرب (اليمن) ولم يولد في أستراليا أو المكسيك. وبكل يقين، فلم يكن النبي موسى نبياً ألماني النشأة والمولد، ولا كان داود أميراً دانماركياً. وطبقاً لهذه البديهية التي طالما جرى التغاضي عنها أو إهمالها أثناء النقاش، فإن التوراة تتضمن أشعاراً وقصصاً وأساطير عن جماعات عربية قديمة، وهي لا تروي بأي صورة من الصور أي شئ من تاريخ فلسطين القديم؟ ولطالما جرى التغاضي أو حتى انعدام الفطنة عند قراءة الحديث الشريف الذي يذكر فيه النبيّ محمد - صلى الله عليه وسلم - اسم موسى كنبيّ يمني، فقد قال في حديث الإسراء أن موسى أشبه برجل جعد (أسود الشعر) من أزد شنوءة، وهؤلاء قبيلة من أشهر قبائل اليمن، إذ يذكر العسقلاني في صحيح البخاري نص الحديث على النحو الأتي :
(حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجل ضرب، رجل كأنه من رجال شنوءة). وهذا الحديث الصحيح يؤكد، أن الذاكرة التاريخية للعرب، تحتفظ بصورة خاصة لموسى النبي كرجل أشبه ما يكون بشخص يمني من قبيلة بعينها، هي من أقوى وأعظم قبائل العرب القديمة وتدعى أزد شنوءة
9: وإذا ما تقبلنا- مبدئياً -هاتين الفرضيتيين البديهيتين؛ فإن علينا التمييز بدقة بين القبيلة والدين، كما نميزّ مثلاً، بين قريش والإسلام، إذ لا تدّل قريش بإطلاق على الإسلام، ولا يمكن الافتراض أن كل قرشي هو مسلم، أو أن كل مسلم هو من قريش. ولذلك، يجب أن نميّز بين بني إسرائيل واليهودية، وأن ننشئ إطاراً مفهومياً يعيد وضعهما في إطارهما الصحيح كقبيلة ودين، إذ ليس كل من انتسب لبني إسرائيل هو يهودي، وليس كل يهودي هو من بني إسرائيل، لأن هذا المنطق المزيف سيفرض علينا القول، أن كل مسلم هو قرشي، وأن كل قرشي هو مسلم؟ وهذا أمر فظيع وغير مقبول؟.
فكيف يمكن قبول هذه الأكذوبة عن تطابق الوصف وهو يقلب جغرافيا التوراة؟
10: إن مصطلح العبرانيين، وبمعايير البحث التاريخي والعلمي، يدّل على جماعات بشرية كبيرة لا جماعة واحدة، بينما يدّل اسم (بني إسرائيل) على جماعة قبلية صغيرة بعينها. وكل خلط بين المفهومين سيؤدي لا محالة إلى نتائج خاطئة، مماثلة لما وصلت إليه دراسات وبحوث الاستشراق. والمؤسف أن علماء ومؤرخي العرب الكبار
11: مثل هذا التمييز الذي نقترحه، ضروري للغاية لأجل فهم صحيح لأحداث التاريخ، ذلك أن أسطورة عبور الأردن المزعوم ترتبط في الأصل بالعبرانيين وليس ببني إسرائيل؟ وهؤلاء أخذوا اسمهم، كما يقال عادة من هذه الواقعة المثيولوجية (الأسطورية). وبالرغم من عدم وجود أي دليل تاريخي يؤيد حدوثها، وأن كل ما ورد عنها في التوراة لا يشير بأي صورة من الصور إلى علاقة مباشرة ببني إسرائيل، فقد طغى في السرد التاريخي، الزعم بأنهم عبروا الأردن نحو أرض الميعاد الفلسطيني بعد فتح أريحا؟ وبالطبع، فقد كان من نتائج هذا الخلط التعسفي الذي قام به علماء آثار وباحثون ودارسون من الغرب والشرق وعلى امتداد عقود طويلة، أن جرى بشكل تعسفيّ تنسيب أسطورة العبور تلقائياً إلى بني إسرائيل. وذلك ما ساهم في خلق فوضى عارمة في التسلسل التاريخي للممالك والأحداث في المنطقة.
12: إن أكثر الأوهام الشائعة في التاريخ الفلسطيني، تسبّبا في إثارة الفوضى والتشوش؛ إنما هو الزعم القائل أن القدس دعيت أو عرفت ذات يوم باسم ( بيت بوس) وأن سكانها القدامى كانوا يبوسييين و(كنعانيين). لقد استند أصحاب هذا الزعم الرائج - دون دليل واحد- على ما أشاعه المستشرقون وبعض علماء الآثار من أفكار خاطئة، تربط بين فلسطين وقصص التوراة. وهذا محض كذب لا أساس له لا في العلم ولا في التاريخ المكتوب، ولا في النصّ التوراتي، فلا أورشليم كانت تدعى القدس- أو العكس- ولا كان اسمها القديم بيت بوس. ويتوجب علينا اليوم، أن نطالب كل من يدعيّ ويصرّ على ترداد هذا التصور المضلل، أن يقدم لنا دليلاً علمياً أو نقشاً ترد فيه هذه المعلومة؟ كل ما لدى هؤلاء، هو الذخيرة الفاسدة من المزاعم التي تركها الاستشراقيون خلفهم، بعد أن أنهوا معركتهم مع التاريخ الفلسطيني و- العربي القديم- وهي ذخيرة لا تصلح للقتال والسجال العلمي، لسبب بسيط للغاية، هو أن بيت بوس الحصن الجبليّ المنيع كما تصفه التوراة، لا وجود له في فلسطين قط؟ ولأن هؤلاء لم يعثروا عليه، فقد زعموا أنه قرية بيت يابوس في ضواحي دمشق. وهذا أمر عجيب حقاً، يكشف نوع الخداع والتلاعب، إذ كيف يمكن لعالم آثار يحترم العلم، أن يزعم بتطابق وصف القلعة الجبلية في التوراة، مع قرية في ضواحي دمشق لا تتصل بفلسطين بسلسلة جبلية، فقط بسبب وجود تشابه في الاسمين؟
13: في مؤلفي السابق(فلسطين المتخيّلة) كتبت ما يلي: (لقد آن الأوان لأن تتقدم أوروبا- والغرب بأسره- باعتذار صريح للفلسطينيين والعرب والمسلمين عن النتائج المأساوية التي تسبّب فيها الخيال الاستعماري المُفرط - ونزعات المستشرقين التوراتيين وعنجهيتهم وعنصريتهم السقيمة كذلك- في تدمير شعب وتشريده عن وطنه، فهذه النتائج أدّت إلى (تهويد) التاريخ الفلسطيني، وإلى وقوع مأساة شعب وأمة جرى الاستيلاء على أرضها وتاريخها وثقافتها بالقوة الغاشمة. بيد أن ذلك لن يكون ممكنا ً ولا كافيا ً من دون خطوة جريئة من علماء التوراة في العالم، بإعلان صريح لا لبس فيه، يؤكد بُطلان القراءة الاستعمارية للتوراة، والإقرار بالخطأ الفادح في هذه القراءة والاعتراف بحقيقة أن الانتساب الى دين بعينه، لا يبرر الحق في أي مُطالبة غير مشروعة بأراضي شعوبٍ أخرى، والإقرار بوجود حاجة إلى ترجمة جديدة للنص التوراتي المقدس، تزيل كل صلة وهمية بينه وبين فلسطين).
الجمهورية: قلتم في إحدى مقالاتكم السابقة، إن الجرائم التي تستهدف المساجد و مختلف دور العبادة في بعض الدول العربية، كالعراق، سورية، لبنان... إلخ، "لم تعد جريمة موجهة للتخلص من شخص... بل أن هذه الاغتيالات تستهدف بالأساس هذه الأماكن المقدسة"، ماهو السبب الرئيسي من ارتكاب هذه الجرائم؟ ومن يتحمل مسؤوليتها؟
الدكتور فاضل الربيعي: ما نراه اليوم من أعمال ارهابية فظيعة تقوم بها الجماعات المتطرفة، لم يعد مسألة صراع بين هؤلاء وبين أنظمة الحكم القائمة، كما أن محتواه لم يكن في الأصل محتوى اجتماعي- اقتصادي حقيقي. إنه بكلمة واحدة موجه لتدمير الدولة والمجتمع على حدّ سواء. وهذا هو جوهر المشروع الأمريكي كما جرى تطبيقه في العراق. كان الرئيس الأمريكي بوش يتحدث عن العراق ويقول (سنجعل من العراق نموذجا مشّعا). وبالفعل، تحققت نبوءة بوش وصار العراق نموذجا، ولكنه لا يشّع إلا بالموت، الخراب، الفوضى والفساد. وهذا النموذج يراد تعميمه. إن الموقف الأمريكي المنافق من المتطرفين الإسلاميين يكشف الحقيقة الخطيرة التالية: هناك تحالف غير معلن بين المتطرفين و الإمبريالية الأمريكية ، وربما تجري تغطيته بشعارات وعمليات وهمية ضد الأمريكيين. بهذا المعنى تجري عملية تدمير ممنهجة (للدين الشعبي) ليحل محله (دين جديد) هو إسلام المتطرفين المتوحشين. وفي سورية نموذج جديد قد لا يكون مجرد نسخة معدلة عن النموذج العراقي.
الجمهورية: قلت مؤخرا بأن "التاريخ سيكتب، أن الرئيس بشار الأسد قاتل بشجاعة نادرة، من أجل وحدة سورية، وبقاء المنطقة العربية بأسرها خارج العصر الإسرائيلي، وأنه انتصر بفضل الروح التاريخية التي تميّز الشعب السوري عن سواه...إلخ" ، لماذا هذا التكالب على سوريا؟ وهل نجاحها في الحرب هو بداية زوال إسرائيل؟
الدكتور فاضل الربيعي: نعم سوف يكتب التاريخ ذات يوم، أن الرئيس الأسد قاتل ببسالة دفاعاً عن وجود سورية. لقد واجه أعداء سورية بوعي تاريخي ولم يكن يدافع عن موقعه أو مركزه. وكل الذين يعتقدون أو يتوهمون أن الرئيس دافع عن (كرسيّه) يخطئون، لأن المعركة لم تكن لانتزاع المنصب؛ بل لانتزاع سورية من أمتها وإلحاقها في محور العداء للأمة وقضاياها. وصمود سورية لم يكن ليتحقق إلا بفضل هذا التلاحم التاريخي بين الشعب والجيش والقيادة. ولذلك، دافع الرئيس الأسد عن وحدة و وجود سورية، ولمنع أي محاولة لإدخال العرب في العصر الإسرائيلي كعبيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.