غادرنا منذ وقت قريب شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد الله ومن باب تسليط الضوء على وجوه غادرتنا أو ما زالت على قيد الحياة، خصصنا وقفتنا للدكتور يحيى بوعزيز الذي قدم حياته لكتابة تاريخنا الوطني والدكتور يحيى بوعزيز، أتذكره منذ سنوات خلت وعلامات الطموح الفياض بادية على محياه،وكنت أراه بين قاعات متحف المجاهد بوهران،مشاركا بمحاضراته التي ترسي فينا تقاليد حب التعمق في قضايا تاريخنا العتيق،حيث كانت نظراته إلينا توحي إلى أنه كان يسعى جاهدا من أجل أن نتمرس في مطالعة كتب التاريخ الوطني ولقد استطاع أن ينجح بنضاله هذا وصوته الذي لازال يرن في أذني ليفجر في قلبي طاقة حب التاريخ والتأريخ ،وكنت أتعطش دائما لسماع تداخلاته في عدة لقاءات اذاعية و صحفية جمعتني به والمرحوم يحي بوعزيز من مواليد 27 ماي 1929 بقرية "جعافرة" بولاية برج بوعريريج، حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ اللغة العربية على يد والده الحاج عبد الرحمن، ثم التحق سنة 1949 بجامع الزيتونة بتونس، حيث نال شهادة التحصيل عام 1956، كما نال شهادة ليسانس بجامعة القاهرة سنة 1962 ودكتوراه دولة في التاريخ الحديث سنة 1976 بالجزائر العاصمة. وقد كرس المرحوم الذي كان عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى حياته للتدريس الجامعي وفي البحث والكتابة في تاريخ الجزائر، حيث ترك الفقيد الذي كان يدرس التاريخ بجامعة وهران سجلا حافلا بالعطاء الفكري والتاريخي، حيث ألف 40 كتابا، كما كتب أزيد من 1000 مقالة معظمها في جريدة الشعب، وألقى أكثر من 1000 محاضرة في العديد من المناسبات الوطنية وشارك في الندوات الفكرية منها المحاضرات التي ألقيت في مؤتمر الفكر الإسلامي إلى جانب العلامة مولود قاسم نايت بلقاسم. كما شارك المرحوم في تظاهرة السنة الجزائرية بفرنسا، أين ألقي محاضرة بمعهد العالم العربي بباريس، وطبع له في إطار تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية، أربعة كتب منها تحقيق للمؤلف يحمل عنوان "طلوع سعد السعود" الذي كتبه أغابئ عودة المزاري. كما أثرى المرحوم المكتبة الجزائرية بعديد المؤلفات باعتباره مهتما بتاريخ الجزائر خلال القرن ال19 ومنها الموجز في تاريخ الجزائر (1966)، الأمير عبد القادر، رائد الكفاح الجزائري (1983)، كفاح الجزائر من خلال الوثائق (1986)، وصايا الشيخ الحداد ومذكرات إبنه سي عزيز (1989). هذا، وقد تمكن يحي بوعزيز بفضل حراكه الإنتاجي من الكشف عن خبايا تاريخنا من أحداث تسلسلية وعن خطط الاستعمار الجهنمية الراغبة في تحطيم الإرادة الجزائرية من أجل الحرية و الاستقلال فكان أن تبخرت مشاريعه وخابت آمالها وبهذا نجد أن يحي بوعزيز مرجعية ثورية رضع حليبها من مبادئ بيان الفاتح نوفمبر 1954 م وهي خصوصية ذاتية شخصية كان لها تأثير عميق في بناء عمارة فكرية لا يقطنها إلا أمثاله تنظر لمواقف فكرية من أعلامنا كمالك ابن نبي والتي كانت دائما منهل المسؤولين في تسيير الدولة الجزائرية على ضوء التجربة التاريخية. يحي بوعزيز ميزة إنسانية سامية لعبت دورا فعالا في كتابة التاريخ الوطني ،خاصة في حقلي الدراسات في ماقبل الاستعمار الكولونيالي حيث يبدو لنا جليا بأن أعماله التاريخية هي نضال استثماري لابد من تطورها على المستوى الأكاديمي،فهي ذلك الموروث المساعد على بناء الثقافة الوطنية كما لابد من التنبيه إلى نقطتين مهمتين من هذا القبيل وعلى رأسها كتابة التاريخ الوطني ونظرتنا إلى بوعزيز كمؤرخ . فبفضله ولدت مشاريع استثمارية في التاريخ الجزائري ليكسر بإشرافه عدد من الباحثين حواجز الجهل والتجهيل من تاريخ الجزائر كالباحث لخضر تومي مدني وأمثاله عديد. إن اعمال يحي بوعزيز نتاج لحرب ضروس خاضها ضد الجهل و التقاعس في كتابة التاريخ الوطني ، وحرب خاضها ضد مبادئ الاستعمار الغاشم فتحدى واقع ما آل إليه هذا التاريخ من إهمال وتستر فأقام بذلك مقاربة واقعية مع أحداثه المتسلسلة.