أبرز الدكتور" مونسي حبيب " من جامعة بلعباس خلال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز البحث في الأنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية أمس بوهران تحت عنوان " تاريخ الجزائر الثقافي من خلال أعمال الدكتور أبو القاسم سعد الله " ، مآثر الراحل ومنابعه التي يستلهم منها كتاباته و أبحاثه الفكرية منها و السياسية ، و أيضا المرجعية التي كان يعتمد عليها والتي وصفها الأستاذ " مونسي " بالمتضاربة والمتخلخلة ، حيث كان هذا الأخير يقرأ ل " العقاد" ، و " المازني " الذي عرف بثقافته العربية الكلاسيكية ، إضافة إلى " الرافعي " رائد السريالية العربية ، و أيضا توفيق الحكيم و رضا حوحو وغيرهم من الأدباء الآخرين ، كما طرح ذات المتحدث في مداخلته تساؤلات جمة حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء توجه " سعد الله " نحو الشعر الحر و تخليه عن القصيدة العمودية ، باعتباره ابن الصحراء الذي طالما تميز في هذا اللون الأدبي الجميل ، مرجعا ذلك ربما إلى تأثره الكبير ببعض شعراء مصر و اختلاطه مع بعض الشعراء الأمريكيين الذين التقى بهم هناك . من جهته ، قدم الباحث "محند عامر عمار" هو الآخر مداخلة قيمة حول أعمال الراحل سعد الله ، حيث سلط الضوء على كتابه الشهير " الحركة الوطنية " الذي أصدره عام 1965 ، وكشف بإيجاز الميزة الإيجابية التي اتسمت بها منذ ظهورها ، وعدد التيارات الفكرية بنواديها العلمية وجرائدها الإعلامية ، مبديا أسفه في نفس الوقت على اضمحلال و اندثار الحراك العلمي و السياسي و الديني الذي كان موجودا سابقا في هذه الأخيرة بسبب " أحادية الفكر" ، التي أثارت الكثير من الجدل في تلك الفترة ، مضيفا الباحث في مداخلته أن الراحل أعطى أهمية كبرى للمراجع والأرشيف باللغتين الفرنسية والانجليزية ، و كذا الأفكار الليبرالية الديمقراطية و السياق العالمي و الإيديولوجيات الكبرى . كما تحدث أيضا عن عملية تدوين التاريخ الجزائري ، واصفا إياها بالناقصة والمحدودة ، وذلك بسبب عدة عوامل أهمها قلة المؤرخين و الباحثين الجدد ،و كذا مشكل الأرشيف الذي بات يشكل هاجسا كبيرا لدى الباحثين الجزائريين ، خاصة فيما يتعلق بأرشيف الحركة الوطنية الذي لازال محتجزا بفرنسا ، إضافة إلى أن هناك بعض الكتابات الرسمية التي لم تزين وتنمق التاريخ الجزائري ، ولم تصوره حتى بالطريقة المناسبة ، الأمر الذي أثر على السجل التاريخي للبلاد ، وما زاد الطين بلة - في رأيه - هو أن كل من هب ودب أصبح يكتب في التاريخ ، والكثير منهم يعتقد أنهم مؤرخين ، لكن في الواقع هم لا يحترمون حتى شروط التأريخ ،كالدراسات العميقة والبحث الجاد ..الخ . أما الأستاذ الدكتور" بشير بويجرة " من جامعة وهران ، الذي عزز مشاركته بمداخلة قيمة عنونها ب " التراث و القضايا الفكرية لأبي القاسم سعد الله "، و التي أبرز فيها خصال شيخ المؤرخين و مآثره ، مشيرا في نفس الوقت إلى المصطلحات الأساسية التي يعتمد عليها في مناقشة " الظاهرة السعدلية " ، وهي – حسبه - التراث و التاريخ ، فالتراث على حد قوله هو المادة الدسمة الأولى للتأريخ ، وهو الذي يبني الظاهرة التاريخية في الأساس ، لأنه منتوج لا يخضع لمعطيات التقييم و التزيين و التنميق ، بل مرتبط أساسا بالوجود الإنساني ، إذ لا يمكن بناء فكر جزائري أصيل دون العناية بالتراث ، لأننا سنسقط حتما في مسألة " الأحادية وهي سم قاتل يؤدي بطبيعة الحال إلى الركود والجمود .. وعلى الرغم من إصرار الكثيرين على أن سعد الله مؤرخ فقط ، إلا أن " بويجرة " وجده أيضا قارئا ذكيا و منقبا ممتازا عن التراث الجزائري وأشياء أخرى هامة و أساسية في فهم الكثير من العلاقات ، فالمشكلة بالنسبة للأستاذ " بويجرة " ليست مع التاريخ ، وإنما تكمن في محاولة جمع التراث الجزائري المتفرق ، لغة ومضمونا و زمنا ، تماما مثلما أقر به المؤرخ الراحل " سعد الله " الذي جمع أمهات مصادره و مخطوطاته بصعوبة بالغة ..