تبحث العائلات الوهرانية في موسم الصيف عن الأماكن التي تقضي فيها فترة من الوقت قصد الراحة والاستجمام والخروج من الروتين الذي لاحقها طيلة شهور، فإيجاد فضاء مثل هذا النوع أمر ضروري لهاته الأخيرة التي تحاول العثور على متنفس لها وسط هذه الضوضاء التي تعرفها المدينة منذ بداية هذا الموسم وليس بالضروري أن تكون الشواطىء هي الملاذ الوحيد لهاته العائلات فالكثير منها ترغب في الذهاب للحدائق والغابات للإستمتاع بوقتها تحت ظلال الأشجار وسط جو عائلي وحميمي تماما مثلما توفره الحديقة العمومية التي تستقبل يوميا عدد كبير من الزوار الذين يأتون من كل الضواحي خصوصا أولئك الذين يقطنون وسط المدينة هربا من ظاهرة الإزدحام والضوضاء التي تحدثها السيارات ناهيك عن التلوث والأصوات المزعجة التي تسبب صداعا لدى السكان الأمر الذي يدفعهم للإتجاه نحو الحديقة العمومية بحثا عن الراحة وقضاء أوقات من السكينة والهدوء مصطحبين معهم أطفالهم الذين يستمتعون هم أيضا ويقضون ساعات في اللعب دون كلل أو ملل. ويمكن القول أن الحديقة العمومية لها إهتمام خاص من طرف الجهات المسؤولة التي سخرت جميع الشروط لتهيئتها والسهر على نظافتها مع تعزيز الأمن بها لخلق جو هادىء خال من المشاكل التي يمكن أن تعكر صفو الزوار، وليس هذا فحسب بل قامت هذه الأخيرة بتعزيز أقفاص الحيوانات وهذا بهدف ضمان راحة الزائرين وكذا سلامتهم من أي مكروه، كما يمكن للعديد من المواطنين أن يقتنون حاجياتهم من مأكولات ومشروبات بهذا المكان الذي يعود تشييده الى العهد الإستعماري الساحق. هذا الأمر سمح بمضاعفة عدد العائلات التي تأتي رفقة أطفالها للتمتع بالمناظر الخلابة للحديقة العمومية التي شيدت عن قصد بالقرب من حديقة الحيوانات وهذا حتى تتزاوج الطبيعة مع هذه المخلوقات، والمتجول في هذا المكان يلاحظ تلك الإصلاحات التي أدخلت عليها بعد أن عانت في الماضي تعاني الإهمال وكذا التسيب حتى وصل الأمر بها أن تحولت الى مرتع للمتشردين، وقد قامت المصالح المعنية بتطهير المكان وطرد هؤلاء الأشخاص نهائيا، كما تم تدعيم الحديقة بكراسي جديدة وإصلاح المكسرة منها حتى تبقى صالحة للعائلات التي تفضل الجلوس عليها بدلا من إلحاق الضرر بالعشب الطبيعي الذي يزين هذا الفضاء الخلاب. وعلى هذا الأساس ولتأكيد حسن نوايا المسؤولين تم إقتراح تنظيم مهرجان للورود كل سنة حيث تستقبل الآلاف من الزوار من مختلف ولايات الوطن لا سيما الغربية منها وذلك بمشاركة عدد كبير من البائعين والمهتمين بهذا المجال الأمر الذي أضفى جمالا آخر لهذه الحديقة التي كانت فعلا منسية. والجدير بالذكر أن مصالح بلدية وهران بإعتبارها الهيئة الوصية على هذه الأخيرة تقوم بتنظيف المكان يوميا من جميع الأوساخ والقاذورات التي كانت ترمى من لدن الزائرين زيادة على نزع الأعشاب الضارة والأغصان المرمية بجنبات الطريق وتطهير البركة المائية التي كانت هي الأخرى في وضعية مزرية وصورة منفرة. أجانب وفنانون منبهرون!! خلال زيارتنا لهذه الحديقة لاحظنا إهتماما كبيرا من لدن الأجانب بهذا الفضاء الطبيعي الفريد من نوعه حيث لمسنا فعلا إعجابهم بهذا المكان لا سيما البركة المائية التي تزينها طيور الإوز وكذا الدراجات البحرية حيث شاهدنا بأم أعيننا كيف كانوا يلتقطون في كل مرة صورا فوتوغرافية تذكارية وملامح البهجة بادية على وجوههم. وقد لاحظنا أن السياح كانوا معجبين كذلك بالمسبح الذي شيّد بطريقة فنية رائعة الأمر الذي يبرز مدى أهمية هذا المرفق الضخم وإحتلاله لمكانة هامة لدى المهتمين بفن السياحة. والجدير بالذكر أن الجهات المسؤولة لم تكتف فقط بتنظيم مهرجان خاص بالورود في هذا المكان السياحي بل خصصته أيضا لإحتضان تظاهرات أخرى لا سيما الفنية منها وخير دليل على ذلك مهرجان الفيلم العربي حيث تم الإعتماد على هذه الحديقة من خلال تنظيم مأدبة عشاء على شرف الفنانين العرب الذين أعجبوا بالمكان وتحمسوا لفكرة السهر عند البركة المائية ليلا والتي كانت مزدانة بمصابيح جميلة زيّنت المكان وجعلته يبدو فضاء ساحرا يليق بالنجوم الذين استمتعوا بوقتهم وأبدوا إعجابهم بالحديقة التي ظهرت في صورة مختلفة لم يسبق لنا نحن كإعلاميين رؤيتها من قبل. عندما تتزاوج الطبيعة بالحيوانات ما ينبغي الإشارة إليه هنا أن مشيّدوا هذه الحديقة العمومية كانوا بالفعل أذكياء حيث قاموا بتشييد حديقة للحيوانات في قلب الحديقة العمومية وقد أعطت هذه الفكرة تزاوجا جليا بين الطبيعة والحيوانات حيث يخيل للزائر أنه في غابة مليئة بالحيوانات الأليفة وحتى المتوحشة فيتجلى هنا سحر الطبيعة التي لا يمكنها أن تكون مبتورة عن المخلوقات الأخرى ونعني هنا الحيوانات سواء كانت مفترسة أم أليفة والقاصد لهذه الحديقة العمومية لا يمكنه أن يغادرها دون أن يزور حديقة الحيوانات فهي مكان للراحة والتأمل في مخلوقات اللّه، فالمتجول في أرجائها يمكنه أن يجد جميعه الحيوانات على غرار الأسود والفيلة والقردة وكذا مختلف الطيور الجارحة والأفناك التي يجذب الناس لمشاهدتها من خلال الأقفاص التي توضع بها، وما أضحى يريح الزوار هو تعزيز الشبابيك والقضبان الحديدية للأقفاص لا سيما بعد الحادثة المروعة التي شهدتهات هذه الحديقة سنة 2005 عندما حاول أسد أن يهاجم طفلا صغيرا ولولا وجود شرطي بعين المكان لوقعت الفاجعة حيث قام بإطلاق النار على هذا الحيوان المفترس كما قامت المصالح المعنية بتعزيز النظافة داخل هذا المكان بعد أن كان في السابق تنبعث منه روائح كريهة حيث لا تزال الأوساخ تشكل نقطة سوداء بهذه الحديقة. ألف زائر يوميا بحثا عن الهدوء ما تجدر الإشارة إليه هو أنه ومع الصخب والإختلاف الذي تعيشه هذه الأيام مدينة وهران أضحى الكثير من سكان المدينة يبحثون عن الهدوء والطمأنينة وراحة البال والأكيد أن المكان الوحيد الذي يجد فيه الإنسان الراحة هي الطبيعة هي الطبيعة فمنهم من يفضل الذهاب الى مختلف غابات المدينة ومنهم من يفضل الذهاب الى الشواطىء ومنهم من يقصد الحديقة العمومية حيث تشير الإحصائيات الى تسجيل حوالي ألف زائر يوميا لا سيما هذه الأيام التي تشهد حرارة مرتفعة مما يستوجب على هؤلاء الذهاب الى أماكن تمتاز ببرودة الطقس ونعومة الجو وفعلا لاحظنا ونحن نستطلع المكان وجود العديد من العائلات وهي جالسة تحت ظلال الأشجار الشامخة جالبة معها الأكل والشراب فشعرنا فعلا أن هذ المكان هو أحسن فضاء لنسيان مشاكل الحياة والروتين والطمأنينة وإسترجاع الأنفاس، ندعوكم إذا لزيارة المكان وستكتشفون فعلا نقاء الجو ولطافة الهواء.