أضحت ظاهرة الغلاء التي سادت أسواق المواد الأولية للبناء كالحديد والإسمنت، ترهن العديد من المشاريع السكنية بدائرة مغنية، حيث يزيد الكيس الواحد من الإسمنت العادي عن 1000 دينار، أما مادة الحديد فحدث ولا حرج، والسبب ندرته في الأسواق أمام تزايد الطلب وقلة العرض، وهو الأمر الذي أثّر سلبا على قطاع البناء، مما جعلت المقاولين يعزفون عن قبول أو الإقدام على إنجاز مشاريع جديدة، رغم توفرها على الساحة المحلية، وهم يحاولون التعامل مع هذه الظاهرة بكل خوف وتردد، كما أن ذلك سيؤثر سلبا على أسعار الشقق التي أصبحت بعيدة عن متناول المواطن العادي، وقد فاقت كل التوقعات، حيث بلغت الشقة الواحدة من نوع "F4" 800 مليون سنتيم، ويؤكد العارفون بقطاع البناء أن استمرار ظاهرة الغلاء سيعمق من الأزمة على المدى المتوسط والبعيد، وكل ذلك مرتبط بالأوضاع الاجتماعية للمواطنين التي تتعقد من يوم لآخر. ولعل الهاجس الأكبر الذي يواجهه المرقين في انجاز العديد من المشاريع السكنية بالولاية بدءا بالحصول على العقار وصولا إلى تذبذب سوق مواد البناء، كما هو الحال للعديد من المشاريع التي هي في طور الانجاز والمعطلة بسبب ارتفاع الأسعار المفاجئ لمواد البناء، حيث يتكرر في كل مرة سناريو غلاء مادة الاسمنت بولاية تلمسان، إذ تشهد ارتفاعا مذهلا في بورصة السوق السوداء، الأمر الذي أثار حفيظة وغضب المواطنين وأصحاب المقاولات الصغيرة وانجر عنه تعطل الكثير من المشاريع التنموية وسيرها بوتيرة بطيئة، ووجد أصحاب المقاولات الكبرى أنفسهم مجبرين على بيع حصصهم من هذه المادة في السوق السوداء مقارنة بما تدره عليهم مع صرفها في إتمام مشاريعهم، وفي غياب إستراتيجية واضحة واستثمار حقيقي في هذه المادة أو مخازن ذات طاقة استيعاب كبرى أو حلول استعجالية لتفادي ومواجهة مسلسل الصيانة والتوقف المتكرر لمصانع الاسمنت ومشتقاتها، وقفز سعر الحمولة الواحدة من تسعة ملايين سنتيم لدى المصلحة التجارية بذات المصنع إلى 24 مليون سنتيم ببضعة أمتار عن مخرج مقر تصنيعها، حسب ما صرّح به لنا بعض المقاولين ممّا خلف حالة من التذمر والاستياء الشديدين بين أصحاب مقاولات البناء جراء تقلص نشاطهم الذي أصبح مهدّدا بالتوقف، فضلا عن هذا وصل ثمن القنطار الواحد من الحديد صنف 12 بمختلف المتاجر المختصة إلى حدود 6200 دج بعدما كان لا يتعدى 5400 دج خلال الشهور الفارطة، وقد أثّرت هذه الزيادات على المواطنين الذين هم في طور البناء، حيث عجز أغلبهم على إقتناء هذه المادة وهو ما أكده العديد منهم ل "الجمهورية"، وقد بات هؤلاء يترقبون ترمومتر الأسعار لعلها تتراجع، إضافة إلى إرتفاع سعر الحصى والرمل. ولتفادي سيناريو السنة الماضية، حيث مرّت غالبية ورشات البناء بفترة جمود وأجبر أصحابها على إحالة عمالهم على البطالة الإجبارية لفترة طويلة وقد طالبوا من الجهات المركزية بضرورة التدخل لرفع الحواجز في أقرب الآجال لتفادي تراكمات واتخاذها إجراءات جدية لتوفير هذه المادة بأسعار معقولة وفتحها الاستثمار للخواص لإنتاج مادة الاسمنت، في الوقت الذي كان من المنتظر أن تتولى المؤسسات العمومية لتوزيع مواد البناء تكسير حاجز الاحتكار ورفع الأسعار، بعدما تحوّلت بعض ورشات المشاريع المتوقفة إلى ما يشبه مقابر لهياكل إسمنتية مهجورة.