عرفت، مادة الإسمنت، في الآونة الأخيرة، ندرة حادة وارتفاعا مذهلا في بورصة السوق السوداء حيث تخطت عتبة 520 دج، ولا يزال منحناها في ارتفاع، الأمر الذي أثار حفيظة وغضب المواطنين وأصحاب المقاولات الصغيرة حيث وانجر عنه تعطل الكثير من المشاريع التنموية وتوقف سيرها الذي صار يواكب سرعة السلحفاة· بدورهم، أصحاب المقاولات الكبرى وجدوا أنفسهم مجبرين على بيع حصصهم من هذه المادة في السوق السوداء بالنظر لما تدره عليهم من أرباح· ففي غياب إستراتيجية واضحة واستثمار حقيقي في هذه المادة وفي مخازن ذات طاقة استيعاب كبيرة واعتماد حلول استعجالية لتفادي مسلسل الصيانة والتعطلات المتكررة لمصانع الإسمنت ومشتقاتها، تبقى مافيا المضاربة تصنع الحدث وذلك ببسط قبضتها على المبادلات التجارية لهذه المادة رغم الشروط التعجيزية التي فرضتها إدارة المصنع في محاولة منها لكبح جماح المضاربين والحد من نفوذهم، ورغم ذلك فقد قفز سعرها الحمولة الواحدة من تسعة ملايين سنتيم لدى المصلحة التجارية بذات المصنع إلى 24 مليون سنتيم ببضعة أمتار عن مقر تصنيعها، مما خلف حالة من التذمر والاستياء الشديدين وسط أصحاب مقاولات البناء جراء تقلص نشاطهم الذي أصبح مهددا بالتوقف، كما تسبب ذلك في موجة غضب لدى المستفيدين من السكنات الريفية الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن إتمام أشغالهم بسبب عدم توافق شرائح الإعانة الممنوحة لهم والارتفاع الفاحش والجنوني لمواد البناء وعدم استقرارها في الأسواق، ليتضاعف ارتفاع أسعارها، ولتفادي نسيج مشاهد سيناريو السنة الماضية جيث دخل أغلب ورشات البناء في فترة جمود واضطرت لإحالة عمالها على البطالة الإجبارية لفترة طويلة، وقد طالبوا الجهات المركزية بضرورة التدخل لإعادتها تسيير المصانع بكامل طاقاتها الإنتاجية في أقرب الآجال واتخاذ إجراءات صارمة لتوفير هذه المادة بأسعار معقولة وفتح الاستثمار للخواص· وتساؤل محدثونا عن وجهة الكميات الضخمة من أكياس الإسمنت التي تتحصل عليها مؤسسة توزيع مواد البناء ''إيديمكو'' والمقدّرة بأكثر من 8 آلاف طن شهريا، وهو ما يكفي لتشييد 450 منزلا ريفيا بثلاثة غرف· ورغم ذلك فإنها تعجز عن تلبية أدنى وأبسط طلبات من يقصدها يوميا بحجة نفاذ الكمية· وكان من المنتظر أن تتولى هذه المؤسسة العمومية لتوزيع مواد البناء تكسير حاجز الاحتكار، لكن ما يحدث هو العكس تماما حيث تتمتع بالإستقلالية على حد تعبير مسؤوليها وتخضع معاملاتها للعرض والطلب، ويطالب هؤلاء باعتبار أن المؤسسة ذات طابع عمومي بالإعتناء بها وتزويدها بحصة أكبر· مسؤولو المؤسسات الخاصة أبدوا امتعاضهم واتهموا مسؤولي ''إيديمكو'' جهات نافذة بالوقوف وراء ستار بيع حصتها في السوق السوداء لفائدة وسطاء· وأكدت مصادر موثوقة تورط بعض الشركات الأجنبية من خلال توجيه جزء كبير من حصتها للسوق السوداء مقارنة بما تدره عليهم المضاربة· للإشارة، فإن مسؤولي إنتاج هذه المادة أشاروابلغة الأرقام للزيادة المستمرة في طاقة إنتاج مصنع الشلف الأكبر في الجزائر، كما تبرأت مديرية المنافسة والأسعار من التدخل لتنظيم السوق بحجة خضوعها لمبدأ العرض والطلب· وفي المقابل يتوقع المضاربون استمرار ارتفاع سعر كيس الإسمنت واستقراره في عتبة 700دج في الأيام القليلة القادمة بالنظر لتحرك المشاريع التنموية الكبرى للدولة، وتقلص حجم إنتاج بعض المصانع بالولايات المجاورة بسبب أشغال الصيانة الجارية.