11 طفلا تم إدماجهم في أقسام محو الأمية في 2013 يقول ايميل دوركايم أحد رواد علم الاجتماع "أعطوني 10 أطفال اجعل منهم الطبيب و الشرطي و المجرم..." في إشارة الى أنً المحيط و البيئة يعملان على صقل شخصية الفرد و بدوره هو يعمل على نقل تجاربه إلى أفراد أخرى من محيطه و يؤثر بشكل من الأشكال فيه و عليه على مدى مراحل عمره و تعد مرحلة الطفولة القاعدة الأساسية التي تحدد معالم تلك الشخصية التي تؤثر في مراحلها المستقبلية في المجتمع سلبا أو إيجابا، و عليه يظل العلماء و رجال الدين على مر الأزمنة يحثون الآباء و الأولياء على توفير العناية اللازمة لأبنائهم و ترسيخ وغرس أرقى قيم و مبادئ الإنسانية في نفوسهم لأنً نشئ اليوم هو أمةَ الغد،لكن حين يلقى بالطفل خارجا ليحتضنه الشارع ليل نهار فإنَ البراءة حينها ستضطر لنزع ثوب الإنسان و دخول عالم الافتراس مجبرة لا مخيرة عبر بوابة الشارع و هذا الأخير لا يرد زائرا و لا مقيما و كلما زاد العدد اختل توازن المجتمع و علا صوت صافرة تنذر بحلول كارثة تهدد استقراره ترسم ملامح أمَة فاسدة ، و يبدو أنً عدد أطفال الشوارع في وهران يسير خلال السنوات الأخيرة عبر خط تصاعدي رهيب آن الأوان لدق ناقوس خطره كمرض يستلزم الكي... لكن يبقى السؤال المطروح ما هي الأسباب و الدوافع التي أدت إلى تأزم الوضع وعلى عاتق من تقع مسؤولية العلاج و هل اتخذت الجهات الوصية التدابير اللازمة و الإجراءات المطلوبة من اجل حماية الطفل و المجتمع يد ممدودة للتغيير من أجل إيجاد حل إيجابي لمثل هذه الآفة و الوقوف على واقع الظاهرة حاولنا التقرب من بعض الاطفال المتواجدين بالشارع بشكل كبير لممارسة نشاط من النشاطات مهما كان نوعها على الطرقات و الأرصفة و بالأسواق سواء نشاطات في سوق العمالة او التسول أو طفولة سائرة على طريق الإجرام بين الأزقة و الدروب الا اننا لم نستطع كسب ثقتهم بالشكل الكافي الذي يتيح لنا التعمق في الموضوع و أثناء تحقيقنا و في مرحلة من مراحل البحث من أجل تدعيم موضوعنا بالأرقام و الإحصائيات توجهنا نحو مديرية النشاط الاجتماعي لم تكتف العناصر المكلفة بذلك بتزويدنا بالإحصائيات و الإجابة عن تساؤلاتنا و إنما سهلت لنا مهمة الوقوف على الوضع بالتوجيه وجعلتنا نختصر طريق البحث و أمدتنا بيد العون خاصة بعد التحاقنا بمركز فرقة المساعدة الاجتماعية الإستعجالية بالكميل و المتكونة من عناصر على درجة عالية من الديناميكية و اللباقة في التعامل من بينهم مختصين في علم النفس و علم الاجتماع، بعد الإجابة عن بعض التساؤلات تتبعنا خطوات الفرقة من بعيد ليلة 4 من شهر فيفري الجاري وحظينا بخرجة ميدانية مما مكننا من نيل فرصة الإرشاد دون كلل حاولنا بين الفينة و الفينة التقرب من العناصر أثناء تأدية مهمتهم و مما لاحظناه أنَ المجموعة معروفة لدى المتسولين فمنهم من لاذ بالفرار فور لمحه لسيارة الخدمة و منهم من اقترب منهم طالبا تزويده بالملابس و الأفرشة ، هذه الخرجة أتاحت لنا إلقاء نظرة على عالم آخر لم و لن يرأف بالبراءة و لن يتوانى لحظة في تشويه جواهر زينة الحياة اتضح أنَ هناك على الهامش و في الظلمة العتماء مجموعات تشكل مجتمعا أخرا قائم بذاته ينمو و يكبر يوما بعد يوم مجتمع لا يعترف بالقواعد و الضوابط والالتزام، يعمل على تطوير نفسه على حساب نخر أساس المجتمع الطبيعي و المنظم كراء الاطفال للتسول بهم و حسب ما أفادت به مصادر مسؤولة فإنَ فرقة المساعدة الاجتماعية الإستعجالية المتنقلة تقوم بخرجات يومية بواسطة مركبة خلال الفترة الصباحية في حوالي الساعة الثامنة الى ما بعد منتصف النهار من أجل الأشخاص المتسولين و خلال الفترة الليلية بدءا من الساعة السابعة مساءا إلى ما بعد منتصف الليل اهتماما بفئة الأشخاص من دون مأوى و المعروفة بفئة المتشردين في مهمة أكثر من صعبة لنقلهم إلى مراكز معينة أو في خرجات تحسيسية للتوعية وغالبا ما يرفض هؤلاء الدخول إلى مراكز أو الرجوع الى البيوت العائلية في حين توفرها و يفضلون البقاء في الشارع وصرحت ذات المصادر أنَها رغم ذلك تمكنت أن تنقل خلال سنة 2013 مجموعة من الأطفال رفقة أمهاتهم وقد بلغ عدد النساء التي تتراوح أعمارهن مابين 20 إلى 50 سنة 14 امرأة تم نقلها الى مركز ديار الرحمة رفقة 24 طفلا تتراوح أعمارهم مابين 4 أشهر إلى 12 سنة و ذلك من خلال خرجات ليلية استهدفت الأشخاص بدون مأوى أما خلال خرجات النهار فإنَ الأمر يتعلق بالفئة التي تمتهن التسول و ترجع عند آخر النهار إلى بيوتها فقد تم نقل حوالي 30 امرأة في سن تتراوح ما بين 18 إلى 80 سنة و 35 طفلا أعماهم ما بين 4 اشهر و 16 سنة و قد نقلوا على مستوى الآمن الحضري و على مستوى المصلحة من أجل التوعية و التوجيه و عرض المساعدة وهذه الأخيرة تعمل على إدماج و تقديم المساعدات المادية للفئة المحتاجة و يصل الأمر إلى حد تمكين المتشردين من الاستحمام وتزويدهم بالملابس وتمكين المرضى من الأدوية، هذا و تجدر الإشارة إلى أنَه و رغم الجهود المبذولة و المحاولات المتكررة الا انَ بعض المتسولين و إن تسنت لهم الفرصة لعيش حياة أكثر أمانا إلا أنهم يرفضونها و يصرون على البقاء في الشارع يفترشون بساط التسول ، و عليه تضطر الفرقة الناشطة لوضع حد لذلك بتحويلهم عند ثالث مرة على العدالة بعد فتح محاضر بتهم التسول و قد تم خلال السنة الفارطة متابعة عشرات المتسولين أقحموا معهم وجوها بريئة و أدخلوها في عالم حرمها من أدنى حقوقها و فصلت المحكمة في 87 قضية بأحكام نهائية قبل حلول السنة الجارية،و كشفت التحقيقات أنَ بعض المتسولين يقومون بكراء أطفال كسلعة تتقاضى عنها العائلات الفقيرة أجرة من أجل التسول بها و من جهة اخرى قد بلغ عدد الاطفال الذين تم ادماجهم مدرسيا و مهنيا و في أقسام محو الامية للسنة الجارية 11 طفلا تتراوح اعمارهم مابين 11 الى18 سنة انتشال 520 طفلا نيجيريا و 47 سوريا من الشارع هذا و قد استقبلت الجزائر بالأخص خلال سنة 2013 أفواجا من اللاجئين من دول شقيقة أو جارة ،و وهران كمدينة كبيرة و عاصمة للغرب الجزائري بدورها ستكون قبلة للاجئين و مهاجرين غير شرعيين و غالبا ما تكون النسوة بصحبة أطفال ، و فيما يخص الأفارقة اللاجئين من المالي و النيجر فقد اكتظت شوارع وهران بهم و أما بشأن القادمين من المالي فإنَ المحتكين بهم أشاروا أنَ معظمهم لا يطيلون البقاء دون عمل مهما كان نوعه و لو خالفوا القانون و العرف المهم أنهم يعتمدون على دخل ويسارعوا إلى كراء سكنات و نادرا ما يقومون بالتسول أما القادمين من النيجر فمعظمهم يعتمدون على ذلك و يفلحون فيه باستغلال الأطفال و قد استطاعت الفرقة المتنقلة أن تجمع انطلاقا من شهر جانفي الى غاية شهر سبتمبر من السنة الفارطة 261 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 18 و 70 سنة رفقة 520 طفل تم تحويلهم إلى مراكز التكفل و نقلوا من محطة المسافرين العثمانية بالاتجاه نحو و لايتي الأغواط و ورقلة أين يتم التكفل بهم لتخفيف الضغط أما بخصوص اللاجئين السوريين فقد اختلف وضعهم عن البقية نظرا لتعاطف المواطن الجزائري و اهتمامه المنفرد باللاجئ السوري ولو كان الأمر على حساب الجزائري في حد ذاته و عليه انخفض عدد الأطفال السوريين في الشوارع مقارنة بالأطفال الجزائريين و النيجريين و قد أحصت الفرقة المتنقلة خلال الأربع أشهر الأخيرة من السنة الفارطة 16 امرأة مابين 20و 40 سنة رفقة 47 طفلا أعمارهم مابين السنتين الى 15 سنة استفادوا من دروس في التوعية و التحسيس و تمَ نقلهم إلى مركز التكفل بولاية سطيف، و في الوقت الذي تمكن بعض اللاجئين السوريين من الحصول على عمل ومعظمهم مارسوا التجارة خاصة في الألبسة و القماش و فتحوا مطاعم وتمكنوا من كراء منازل و منهم من بات يقيم في فنادق متوسطة الى فاخرة و رفضوا اللجوء الى التسول إلاَ أنَ البعض وجد ضالته فيه و كانت على الأغلب أبواب و مداخل المساجد مقصدهم على عكس النيجيريين الذين انتشروا في كل مكان خاصة في الطرقات و الأسواق و امام مراكز البريد و البنوك. تعاطف المجتمع بين النقمة و النعمة ونذكر أنَ حوالي تسع عائلات سورية رفقة عدد من الأطفال كانوا يتمركزون بحديقة بحي الزيتون و أثناء محاولة نقلهم و تحويلهم نحو مركز بولاية سعيدة رفضوا الذهاب و تدخل سكان الحي و طالبوا بتركهم و شأنهم و بعد تطور الوضع قام سكان الحي بجمع أموال وصلت إلى 60 مليون سنتيم مكَنتهم من دفع إيجار سكنات ببلدية حاسي بونيف ، و يشهد بعض القاطنين ببلدية السانيا أنً هناك امرأة نيجيرية و هي أم لحوالي 10 أطفال تلتحق بالمكان بالقرب من الجامعة بالطريق المؤدية إلى مطار أحمد بن بلة و تقوم بتوزيع أطفالها على مستوى الطريق بشكل متباعد و تزود كل واحد منهم بإيناء معدني وعند اخر النهار تقوم بجمعهم و تبين أنَ بعضهم يحوز على هواتف نقالة تسهل عملية التقائهم و المغادرة سوية ، و لا يمكن لأحد منعهم من التسول لأنً المجتمع متعاطف معهم ، و هناك عائلة معروفة بالمنطقة ذاتها قد اشتهرت بالتسول منذ سنوات متكونة من أم و أولادها تمكنت من شراء فيلا و عندها بيوت للكراء و لاتزال تمارس مهنة التسول و بناتها البالغات اللواتي سرن على ذات الدرب هن على قدر من الجمال دخلن عالم الانحراف و منهن من توبعت قضائيا بأخطر التهم. مختصون: طفل الشارع "مشروع مجرم" من أجل معرفة وجهة نظرة ذوي الاختصاص في علم النفس و الاجتماع لم نجد أحسن من العناصر الناشطة في الفرقة المهتمة الاستعجالية للأخذ بآرائها نظرا لتعاملها اليومي مع فئة المتسولين والمتشردين وهي أكثر دراية بأمورهم الذين يرون أنَ الإهمال العائلي الذي يوَلّد النفور الحرمان العاطفي سواء بالنسبة للعائلة المتفككة بطلاق الوالدين أو وفاة أحدهما أو المجتمعة هو السبب الرئيسي في دفع الطفل نحو الشارع كما أنَ المراقبة الشديدة و تضييق الخناق بالحد من حريته الى حد الضغط يجعل منه متمردا يرى في الشارع فضاءا مناسبا للعيش دون قيود فمفهوم القانون و الانضباط و النظام و القيد لا مكان له في حياة من جعل الشارع بيتا له فبذلك يسير بخطى أكثر حيوانية و شراسة تجرده من ثوب الإنسانية يوما بعد يوم و عليه أن يدخل دنيا الافتراس حفاظا على استمراريته و من تم يمثل كل طفل يعيش في الشارع" مشروع مجرم " يدخل تجربة مشحونة بمغامرات و اندفاعات نحو عالم الإجرام يتأقلم مع محيطه مع مرور الوقت و يعيش من دراهم التسول أو السرقة يتعلم يوما بعد يوم سبل النهب و الاحتيال يكبر على القسوة التي تعلمها من قساوة الشارع تجده مخدرا أو مخمورا و معظم أطفال الشوارع جعلوا من أكياس الغراء الدرجة الأولى لصعود سلم الإدمان ،و طفل الشارع ينمو عليلا من قساوة البرد و شدة الحرارة و انتشار الأمراض ، عرضة على الدوام للاغتصاب و الكثير من الحوادث و الامراض العضوية و النفسية، و أطفال الشوارع لهم عالمهم الخاص يتقاسمون الأدوار و المهام و يتبادلون الزيارات ، و يحدث أن يزور متشردا من حي آخر أو ولاية أخرى صديقه و يمضي كلاهما فترة الزيارة في العراء ّ،و حتى اولئك الذين لديهم أهل و أقارب مثل الإخوة أو الأبوين و لديهم سكن يقومون بزيارة أهلهم من وقت إلى آخر و أحيانا يقوم أهلهم بزيارتهم في الشارع و البقاء معهم لساعات ،كما تمت الاشارة الى فكرة اشد خطورة على المجتمع خلقت نفسها تلقائيا في عالم المشردين و المتسولين و هي حين يتخطى طفل الشارع مرحلة الطفولة الى مرحلة الشباب و الكهولة متبنيا افكارا يسعى لنقلها و يطمح بطبيعة الغريزة البشرية الحيوانية إلى تكوين أسرة سيكون الشارع بيته و بيتا لأطفاله و حين لا يجد المتسول شريكة لحياته سوى متسولة سيسعى كلاهما لبناء عش من الشحاتة و بعدها لتأسيس مؤسسة تسول مصغرة يتم تطويرها تدريجيا و يسري حب المال في العروق و يشوه المنظر الحضاري للمدينة و تضيع ثروة بشرية هائلة الأطفال أمانة و تبقى مسؤولية تحصين الطفولة ملقاة على عاتق الجميع ،حين تعتمد الأسرة على منهاج تربوي سليم عن سهر بوعي و حزم بجدية، برعاية لا يبلغ فيها العطف و الحنان مبلغ الدلال المفرط، و لا الصرامة و الشدة مبلغ القسوة و الضغط فيتولد العقوق و الانحلال ،و أن تسد فجوة الإهمال حتى لا تفلح في حرمان فلذات الأكباد من حقهم في الاستقامة ،و أن لا يخرجوها إلى الشارع إلا بعد أن تكتمل تدريباتها الأساسية في البيت و أن لا يجعل الأهل كل همهم بطونهم،حين تتفطن الأسرة التربوية لعقم مناهجها المدرسية و فشلها في صقل شخصية الطفل ، حين يحرص الإعلاميون على تنقية و انتقاء ما يبث و ينشر ، حين يشعر الجار و الصديق و المار بالطريق بشيء من المسؤولية تجاه طفل ضائع، حين يصل أرباب البيوت و قادة الأمة إعلاميوها و فنانوها الى درجة وعي كافية تجعلهم يصنفون الظاهرة كمرض داخلي خطير لابد من علاجه و يتفطن جميعهم إلى أنَ تلك الطفولة التائهة تمثل ثروة حقيقية لا تعوضها براميل البترول و مناجم الذهب و كنوز العالم و أنها سلاح فتاك قد يقتل وطنهم أو يحميه و ذلك كله حين يرجع البيت إلى إطاره الإسلامي و يؤخذ الإسلام بتعاليمه نظاما متبعا في البيت و المدرسة و الشارع حينها فقط تحصن الطفولة و بغير ذلك تخان الأمانة .