تتميز كثيرا يوميات الصائم في رمضان عن غيرها من الأيام العادية فهي أكثر مشقّة بالنسبة لأرباب العائلات في هذا الزمن الذي بات كل شيء فيه بثمن، والمسكين يفكر دائما كيف يمضي يومه وبماذا يستقبل الغد المجهول في الوقت ذاته يستمتع آخرون بميزة أيام وليالي رمضان ويعيشون أوقاتا خاصة جدا في رحاب الشهر الكريم وبين طبقة وأخرى قصص تُحْكَى تصف حال الصائم والصائم والفرق بينهما كبير جدا. ولليوم الأول من رمضان خصوصية لدى كل مسلم صائم وفي وهران ما يميز أكثر هذا اليوم فهي من الساعات الأولى للصباح تظهر بوجه جديد غير مألوف وقد يتساءل الكثيرين عما تغير في الباهية وفي الوا قع هي كما هي ولكن هناك بعض اللمسات والحركات والحضور المكثّف للمواطنين يغيب عن نهار وهران والميزة التي تجعل رمضان هذه السنة أكثر تجدّدا هو تصادفه مع فصل الصيف وأيام العطل ولعل ذلك ما سيعطيه نكهة جديدة بعض الشيء سنكتشفها بعد مضي بضع أيام من الصيام، ونخص بالحديث في هذه الأسطر برنامج الصائم في اليوم الأول من رمضان وكيف حضر لإستقبال هذا الضيف العزيز هي نماذج من وهران قد تكون شاملة لأن العادات نفسها التي تجمع أهل الباهية والجزائر عموما. التحضير قبل أسبوع قبل أسبوع من اليوم إنطلقت كل العائلات الوهرانية على غرارها في الولايات الجزائرية الأخرى في التحضير لقدوم الضيف الكريم والعزيز والعملية باتت من العادات المؤكدة لدى العائلات الجزائرية والبداية تكون بشن حملة واسعة لتنظيف المنزل بغسل الجدران أو دهنها وتنظيف الأثاث والإهتمام أكثر بالمطبخ وتلبية كل حاجاته وسد النقائص أو تحقيق الفائض فالبعض يضعون ميزانية خاصة وكأنهم يدخلون منازلهم لأول مرة، قد تكون هذه التقاليد مكلفة وتحمل تفاصيل ثانوية غير ضرورية ولكن العائلة الجزائرية متمكسة بها كل التمسك وإلا لن تشعر برمضان. المدينةالجديدة الملجأ الأكيد لا يمكن للمرأة الوهرانية أن تتخلى عن عملية التسوق قبيل رمضان على الأقل 4 مرات في آخر أسبوع من شعبان رغم أن العديد من السيدات يظهرن إستياءهن من الغلاء إلا أنهن يشترين كل شيء وأي شيء، والبداية تكون بالأواني فالعادة تقتضي أن يستقبل الضيف كل سنة بأواني منزلية جديدة والمرحلة الثانية من التسوّق إلى المدينةالجديدة لشراء الخضر والفواكه وبعض المواد الغذائية التي تستلزم المطبخ في رمضان، ومرحلة موالية تخصص لشراء كل أنواع التوابل والأعشاب التي تضاف إلى طبق »الحريرة« الشهير بوهران، أما عن آخر مرحلة فتخصص لآخر نظرة حول السوق وجديده وتارمومتر الأسعار والإنتهاء من بعض الرتوشات الخفيفة وهكذا حتى لا ينقص شيء في اليوم الأول فقط. جولة في السوق كل صباح لأن الصدفة جمعت بين الصيف ورمضان وكذا العطلة بالنسبة لكثير من العمال والموظفين فإن وجهة الصائم في صباح رمضان معلومة فدوره طيلة الشهر واضح وعليه أن يؤديه على أكمل وجه يحمل قفته ويتجول في السوق وعليه أيضا أن يحترم قائمة المشتريات ويلبي جميع الطلبات، وهنا يبدأ مؤشر الإنزعاج والنرفزة في الإرتفاع لأن السوق مصدر إزعاج كبير لدى أرباب العائلات خاصة في رمضان أمام إضطراب تارمومتر الأسعار فكل يوم يظهر سعر جديد وكلها أسعار مرتفعة والإنخفاض غير متوقع المهم أن يلتزم ويوفق بين مشترياته وبين الميزانية. العودة بعد التعب الرجوع من السوق عادة ما يكون في حدود منتصف النهار إلى الواحدة ويصل المتسوّق هالكا جسديا ومعنويا فكثرة التنقل مع الحرّ الشديد إضافة إلى الغلاء وعودة الجيوب خاوية على عروشها وأكثر من ذلك العودة بالقفة شبه فارغة أسباب كثيرة تعكّر مزاج الصائم الذي يسرع من أجل الهروب من زحمة السوق وفوضاها وقضاء بضع ساعات في التسوّق أشبه بساعات العمل المتواصلة ولكن بدون أجر وبعد الزوال يفضل الكثيرين الإستمتاع بالقيلولة والإرتياح بعدها تنطلق السيدات في برنامج الأشغال الشاقة داخل المطبخ مع الحرص الشديد على الإلتزام بالعادات والتقاليد وهنا يخلو المطبخ من كل شيء ليُضرب موعد آخر مع السوق. عند الإفطار.. يلتئم الشمل تلك هي إحدى أسرار عظمة رمضان فهو الشهر الوحيد الذي يجتمع فيه أفراد كل الأسرة لتناول الفطور في موعد واحد، وهو مشهد رائع يعطي نكهة وذوقا آخر للحياة، ولعل تلك هي أروع لحظات هذا الشهر الكريم فهو الوحيد الذي يلم الشمل ويوطد العلاقات وصور الألفة بين الناس ويخرج الصائم من رتابة الأيام العادية ليضعه في فسحة للراحة والفرحة المضاعفة، وتحافظ العائلة الوهرانية على هذه الصورة الرائعة في رمضان لنصنع منها أجواء حميمية أكثر تميزا لن نراها في في غير رمضان، ولحظة الإلتفاف حول المائدة ينسى الصائم كل ما عكّر وشغل يومه ويركز كل التركيز على تلك الأوقات التي تبعث فيه شعورا متواصلا بالفرحة. يوم آخر بعد التراويح بعد الإنتهاء من صلاة التراويح تضيء شمس الليل سماء وهران وتزيد الحركة التي انطلقت بعد الدقائق الأولى بعد الإفطار وتختلف وجهة العائلات فمنهم من يقصدون الأقارب والأحباب ليوطدوا صلة الرحم وقضاء سهرات عائلية، ومنهم من يفضل التجوّل في شوارع المدينة التي ترتدي حلة رائعة تبهر الناظرين ويحلو السهر مع اجتماع الصيف برمضان وتزيد الأجواء تألقا وتكون أولى الشهر الكريم مناسبة للخروج والإستمتاع في فضاءات مختلفة من أجل تلطيف أجواء الحر وإحياء ليالي رمضان، وهناك برامج فنية تضمن الفرجة والمتعة لعشاق الفن الرابع حيث تكون وجهة البعض إلى مسرح علولة الذي يقدم عروضا مسرحية طيلة ليالي رمضان فضلا على عروض فنية أخرى فالحركة والنشاط لا يسمح بالنوم في رمضان. العادات والتقاليد سيدة الموقف ربما قد تتجاهل العائلات الوهرانية بعض العادات والمعتقدات والتقاليد في الأيام العادية تحرص على تطبيقها في شهر البركة لأنها تصنع ذوقا خاصا جدّا يميز رمضان عن الشهور الأخرى، وثرية جدّا عاداتنا التي تبدأ بالأطباق التقليدية التي لا يمكن أن تتخلى عنها المرأة الوهرانية ولا يمكن أن تغيب من على مائدة الإفطار وتعتبر »الحريرة« الطبق الشهير بوهران بولايات الغرب الجزائري وهي إحدى أهم المأكولات الضرورية طيلة الشهر الكريم، هذا إلى تقاليد أخرى تتعلق باستقبال اليوم الأول والثاني لرمضان. الصائم لأول مرة.. أمير السهرة وتولي العائلة الوهرانية إهتماما كبيرا للطفل الذي يصوم لأول مرة وعادة ما يكون ذلك في اليوم الأول لرمضان ويعتبر ذلك حدثا هاما جدا ويخصّص له إحتفال بهيج، وفرحة لا توصف لأن الطفل خاض لأول مرة في حياته تجربة الصيام، وعند الإفطار يلبس الطفل أجمل لباس تقليدي لديه ويوضع له خاتم داخل كأس من الحليب وقد تربط له الحناء أيضا، ويلتف حوله كل أفراد العائلة إلى جانب أصدقائه الصغار، كلها مقتطفات عن عادات وتقاليد متوارثة عن الأجداد، لا تزال الأجيال تحافظ عليها لتظهر بقوة في رمضان شهر التواصل والبركة وأجندة العادات منوّعة وثرية جدا، ما ذكرناه شيء قليل وسيكون لنا الكثير من الحديث حولها في أعداد لاحقة خلال أيام هذا الشهر العظيم.