يعتبر مسلسل »الذكرى الأخيرة« الدراما الوحيدة التي تعرض على قنواتنا الوطنية في شهر رمضان مما جعل نسبة المشاهدة كبيرة كما حاز على اهتمام ملحوظا من طرف المشاهدين منذ الحلقة الأولى في الوقت الذي صنّفه النقاد على أنها أهم دراما عرف بها المخرج الجزائري مسعود العايب كونها تعالج احدى القضايا الإجتماعية الهامة وهي العنف الأسري الذي كتبت قصته من طرف الكاتبة فاطمة وزّان والتي تمكنت من إعطاء هذه الظاهرة حقها من المعالجة والتحليل بتسلية الضوء على شخصيات عادية جسد دورها نخبة هامة من الممثلين على رأسهم المتمثل الموهوب عز الدين بورغدة وكل من أحمد بن عيسى، مليكة بلباي نوال زعتر، سارة رزيقة والطفلة »زنيدة« التي تألّقت في دورها البسيط وأعطت للقصة طابعا ملائكيا ومؤثرا ضاعف من موضوعية المسلسل. وحسبما أكده المخرج مسعود العايب في عدد من اللقاءات التي جمعته بالإعلام فإن هذه الدراما تضم لأول مرة 10 أدوار رئيسية وهذه الورقة نادرا ما تستعمل في الدراما الجزائرية وقد كانت خطوة حاسمة بالنسبة للطاقم الفني بأكمله وحتى بالنسبة للمشاهد الذي تعود على رؤية بطل واحد في المسلسل وهو الذي تدور حوله القصّة لكن الأمر تغير مع »الذكرى الأخيرة« الذي صوّرت مشاهده بين الجزائر العاصمة ومنطقة زموري ببومرداس أين تم الإعتماد على 13 ديكورا داخليا ومشاهد خارجية أخرى كالمدرسة والمطعم وكذا الورشة الميكانيكية والمقهى وغيرها من الأماكن المساعدة لحياكة القصة وتقديمها في قالب اجتماعي بحت، خال من أي تعقيدات مرئية أوسمعية، علما أن الإنتاج التنفيذي لهذه الدراما عاد لشركة »طامريس فيلم« والتلفزيون الجزائري. وعن مجريات »الذكرى الأخيرة« فهي تتحدث عن واقع العنف الأسري وما يترتب عنه من تأثيرات سلبية وهي في الواقع نفسية بالدرجة الأولى مثلما حدث تماما مع »رشيد« الذي يقوم بدوره »عز الدين بورغدة« فبعد أن عاش هذا الأخير أحداث موجعة ومؤلمة بسبب والده غير المسؤول الذي لم يكن يأبه لأسرته الصغيرة وفضل معاقرة الخمر ليدخل ثملا الى المنزل ويضرب أولاده وزوجته خصوصا ابنه الصغير رشيد الذي وجد نفسه مجبرا على ترك دراسته والعمل في سنّ مبكرة لتحمّل مسؤولية أخواته البنات خصوصا بعد وفاة والدته التي فقدت حياتها إثر الولادة وكانت قبلها قد طلبت منه الإعتناء بهن لأن والدهن عديم المسؤولية لتتواصل معاناة رشيد مع زوجة الأب الظالمة التي عملت المستحيل لتجرح مشاعره وتهيئته ومع مرور السنوات كبر »رشيد« وأصبح ضابط شرطة مرموق في الوقت الذي شقت فيه البنات طريقا واضحا في حياتهن، فمنهن من تزوجت والأخرى اصبحت طبيبة لامعة في أحد المستشفيات. لكن الجوهر الحقيقي الذي يقدمه هذا المسلسل هو تأثيرات العنف الأسري على الحياة المستقبلية للأبناء، حيث لم يستطع رشيد الخروج من شبح المعاناة التي واجهها في صغره لدرجة أنه أصبحت لديه عقدة في حياته الشخصية مع زوجته وبناته لكنه في نفس الوقت يحاول التخلص من مطاردة ذكريات الماضي له حتى لا تعيش أسرته نفس المشكل. أما فيما يخص شقيقته التي تعمل بالمستشفى فلم تستطع هي الاخرى التخلص من الماضي بدليل أنها ترفض فكرة الزواج تماما رغم تقدم أحد الأطباء لخطبتها لكنها تأبى أن ترتبط به خوفا من الحياة الزوجية وبالأخص الولادة لأنها تهاب أن تموت مثل والدتها. في الوقت التي تحاول فيه مساعدة زوجة أخيها لإجراء عملية اجهاض. وبعيدا عن »الذكرى الأخيرة« فلا يمكن الإنكار أن التلفزيون الجزائري لا يملك سوى هذه الدراما في رمضان مع تسجيل غياب واضح لانتاجات تلفزيونية اخرى مما يدل على الرّكود الفني خلال هذه السنة وهو ما جعل المهتمين يدقون ناقوس الخطر خوفا من أن تنعدم الدراما بشكل نهائي الموسم المقبل وبالتالي لا يمكن أن نقول »اليتيمة« بل نطلق عليها اسم »الأرملة« لتبقى الآمال معلقة حول تقديم كل ما هو أفضل وإرضاء المشاهد الجزائري بكل ما هو أحسن. ولكن ما يعاب عليه في قنواتنا الوطنية هو أنها لم تتمكن لحد الان من ارضاء المشاهد الجزائري، وربما الأمر يعود لضعف الإنتاج لدينا فيما يخص المسلسلات والبرامج، فقد أجمع الكثيرون أنها لم تصل بعد للمستوى المطلوب ولم نتمكن من منافسة الدول العربية الرائدة في هذا المجال والتي تألقت خلال هذا الشهر وقدمت منتوجا راقيا استقطب الالاف من المشاهدين عبر أنحاب الوطن العربي، عكس اليتيمة التي لم تحرز ولو هدفا واحدا في المرمى بل بالعكس لازالت تتخبّط في مكانها من خلال مسلسلات لم تصل بعد الى القمة ولم تبدع في الإخراج والتصوير الذي افتقر للأسف لأدنى الشروط الاحترافية الحديثة، كما هو الحال في مسلسل »الذكرى الأخيرة« الذي أبان الضعف الفني والتقني ومازاد الطين بلة هو وجود مسلسل درامي وحيد خلال هذا الشهر الكريم وكأننا لا نملك مخرجين ولا منتجين مما يجعلنا في الخانة السوداء أمام النجاح المبهر الذي حققته مختلف دور الإنتاج العربية وحتى المغاربية من خلال مسلسلات درامية حققت نسبة معتبرة من المشاهدة عكس اليتيمة التي تفتقر لهذا التجاوب الجماهيري فأين نحن من حداثة التصوير وابداعية الإخراج؟! أم سنكتفي بالوقوف في القائمة الإحتياطية أسفل المدّرجات لتصفق من بعيد على نجوم الدّراما السورية والخليجية منتظرين دورنا الذي يبدو أنه لم يحن لحد الآن.