أمير الأخوة تحت هذا العنوان نشرت مجلة أرامكو التي تصدرها الشركة البترولية العالمية بنفس الإسم في عددها الأخير (جويلية / أوت) ملفا خصصته لحياة الأمير عبد القادر الجزائري بقلم الكاتب والسينمائي الأمريكي لويس ورن المتعاون الدائم مع المجلة، والذي يكتب أيضا لمجلة منظمة دول أمريكا. الملف ومن خلال عدة مقالات إستعرض مختلف جوانب حياة الأمير عبد القادر مع التركيز في البداية على ما اشتهر به من خصال للدفاع عن الحرية، والتسامح الديني والإنفتاح الثقافي مذكرا بالسجل الحافل للأمير بالأوسمة والنياشين و الهدايا ورسائل الشكر التي تلقاها من كبار العالم من معاصريه تعترف له بمثل هذه الخصال الحميدة خاصا بالذكر رئيس بلدهم »أ. لينكولن« وقساوة فرنسا ونبلاء بريطانيا. الكاتب النيويوركي تحدث أيضا عن مكانة الأمير عبد القادر لدى جزائري اليوم الدين يعتبرونه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ورمزا لمستقبلها. قبل الإنتقال إلى الحديث عن سكان مدينة ألكادر بولاية إيوا المدينةالأمريكية الوحيدة التي تحمل اسم عربي والتي أحيت ذكراه العام الماضي بتنظيم مسابقة مدرسية بين تلاميذ الإكماليات في كتابة أفضل موضوع إنشائي حول » التفاهم الديني« ويؤكد الكاتب لويس ورنر في استعراضه الإنتقائي لتاريخ الأمير عبد القادر أنه في حين لم يحالف الحظ الأمير في المقاومة المسلحة فإنه نجح في اكتساب شهرة فيما تعلق بالصرامة في التمسك بالمبادئ كما استمر في نيل الاحترام في جميع أنحاء العالم بإعتباره مجسدا للحوار بين الإسلام والمسيحية وهو ما جعله يحظى بصداقة الغربيين الذين عملوا على تقليص الهوة بين الشرق والغرب من أمثال» آل بلنت« و» ويلغريد سكاون« ومنجز قناة السويس » فرديناند دولوس«، حيث أكد الكاتب أن الأمير مثل هؤلاء أعتقد أن المسلمين والمسيحيين لا يمكنهم أن يبقوا على خلاف مدى الحياة ليعيشوا حروبا صليبية أخرى في الوقت الحاضر . أراء معاصرة حول الأمير ورنر أبرز بعد ذلك أساليب ورسائل الأمير عبد القادر ولا سيما منها تلك الموجهة لرجال الدين الكاثوليك، ملاحظا أنها تبحث دائما عن القواسم المشتركة بين الأديان التوحيدية الأخرى مستدلا بمقولته عام 1949 :» لو أن المسلمين والمسيحيين إستمعوا لي لأنهيت خلافاتهم ولأصبحوا إخوة...« مضيفا أنه حتى بين الجزائريين كان الأمير فعّالا في وساطته بين مختلف القبائل، أما في المشرق العربي فقد أصبح صانع السلم بين المسلمين والمسيحيين والدروز خلال الفتنة الدينية الطائفية التي اندلعت في دمشق عام 1860 عندما ساهم في انقاذ حوالي 12 ألف كاثوليكي من القتل، وهو العمل الذي استحق عليه رسالة شكر من لينكولن بل حتى الفلاحين الأمريكيين سكان ولاية إيوا. قد أعجبوا بتاريخه إلى درجة منحهم إسمه (بعد أمركته ) لقريتهم »ألكادر« وينقل الكاتب بعد ذلك بعض الأراء المعاصرة في الأمير ومنها رأي الأمير حسين بن طلال الذي تحدث عن إدراك الأمير عبد القادر للمفهوم الحقيقي للجهاد الذي هو جهاد النفس مع البقاء وفيا للدين وتعالميه وهو مفهوم يقدم الدواء- كما لاحظ- للمفهوم الخاطئ للجهاد السائد حاليا والذي يغلب عليه الحقد، العنف، والسياسة، ومنها رأي أسقف الجزائر السابق هنري تيسيي القائل بأن مثال العلاقات الجيدة بين الأمير وبين رجال الدين الفرنسيين يعطينا خيار الإجابة بالقول أنه حتى وسط المواجهات الجد عنيفة، يجب العمل دائما من أجل السلم. أما الأستاذ:» أسامة أبي مرشد« الذي يدرس تاريخ شمال إفريقيا بجامعة جورج تاون بواشنطن فيؤكد أن كل الجزائريين المسنين يعتبرون الأمير المؤسس السياسي لدولتهم، أما الشباب منهم فيعتبرونه شخصية يبحث دائما عن القواسم المشتركة مع الأوروبيين أكثر من بحثة عن نقاط الخلاف بمعنى أنه كان رجلا عصريا مثلهم. سفير الحوار بين الديانات الكاتب الأمريكي أثار أيضا جانب معاملة الأمير للأسرى مشيرا الى حرصه على حسن تغذيتهم أكثر من تغذية جيشه، وعند نقص الغذاء كان الأمير يفضل إطلاق سراح أسراه، كما كان يستغل مناسبات تبادل الأسرى لمباشرة حوار مع رجال الدين الذين لعبوا دور الوساطة لأن الفرنسيين كانوا يعترفون بالأمير كرجل دين فقط وليس كرجل سياسي، وهنا نقل الكاتب ورنر ما دار بين الأمير وبين القس أنطوان أودولف دوبوش من مراسلات بخصوص الأسرى. وبعد إشارته الى أبرز الكتب المؤلفة في سيرة الأمير عبد القادر توقف عند آخرها الصادر عام 2008 تحت عنوان "الأمير قائد المؤمنين" من تأليف الكاتب الأمريكي جون كايزر الذي ركز فيه على دور الأمير كسفير للحوار بين الديانات« استنادا الى ما صرح به الأمير شخصيا الى أحد أصدقائه الفرنسيين فيما معناه »أني الآن أكثر تسامحا، أحترم كل الناس مهما كانت دياناتهم أو معتقداتهم، بل أسعى حتى لأصبح حاميا للحيوانات البكماء، لقد خلق اللّه الناس ليكونوا عبادا له لا أن يكونوا عبادا لغيره...« (ولم يشر وزير الى مصدر هذا القول المنسوب للأمير). بعد هذه المقتطفات من تاريخ الأمير، يشير الكاتب لويس ورنر أنه بعد 150 عاما عن فتنة دمشق، فإن إسم الأمير عبد القادر مازال يتردد في كل المنتديات العالمية الداعية الى السلم والتفاهم، بل إن معتقدات الأمير في هذا الموضوع وجدت صداها حتى في أعماق أمريكا، لدى "ستيفاي فوكس ديكسون بنت ال 17 ربيعا من المدرسة المركزية بقرية الكادر، والفائزة في مسابقة الإنشاء التي نظمتها المدينة (الكادر) حول تسامح الأمير، عندما كتبت تقول: إن جوهر الإنسانية يكمن في قدرة كل إمرىء على تقوية شخصيته، وأن الشخصية تنمو بنمو صاحبها، غير أن الإنسانية تختص بالقدرة على الإستلهام من خبرة وتجارب شخصيات أخرى متميزة، والأمير عبد القادر. تشبيه الأمير بغاندي ولوثركينغ تميز بقوة شخصيته وبالتالي ضرورة التعلم من تجاربه في الحياة، إني أعتبر الآن عبد القادر، ضمن كبار الأسلاف من الوطنيين والإنسانيين من أمثال غاندي ومارتن لوثركينغ«.. وعلى الذين يدافعون عن إرث الأمير في إيوا وفي الجزائر أن يحافظوا عليه... مجلة أرامكو نقلت أيضا في نفس الملف ما يمكن إعتباره تغطية لوقائع تسليم الجوائز لصاحبه أحسن موضوع إنشائي حول الأمير المتسامح بقرية "آلكادر" بقاعة الأوبيرا للمدينة وفي حضور الكاتب جون كايزر والسفير الجزائري عبد اللّه بعلي وسلطات ألكادرو وإيوا وهو الحفل الذي صرح خلاله الكاتب كايزر أن "الأمير كمشروع تربوي قد تجاوز الكادر، إذ أنه خلال مؤتمر للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية مؤخرا (ISNA) دعم الأساتذة الحضور فكرة قيام تلامذتهم بكتابة محاولات حول الأمير عبد القادر من منطلق "أن يكون المرء مسلما في عالم اليوم" كما أن جامعات مسيحية وإسلامية داخل وخارج أمريكا، وكذا جماعات مختلفة الأديان اتخذت من دراسة الأمير كأداة لتعليم إحترام الأديان الأخرى من وجهة نظر إسلامية. الأمير عبد القادر كما أضاف كايزر كان مثال المسلم الصارم في عبادته والمنضبط جدا إذ عاش طبقا لتعاليم القرآن ولكنه يختلف في نفس الوقت عن كل النماذج النمطية للمتطرفين. هذا بعض ما جاء في مجلة "أرامكو" في عددها الأخير، حول الأمير عبد القادر بقلم الكاتب والسينمائي الأمريكي لويس ورنر، وكله محرر باللغة الإنجليزية »المحسنة« ذلك لأن موضوع "أمير الأخوة" ماهو إلا جزء من سلسلة مواضيع تحت عناوين مختلفة مثل "الأندلس 2.0" و"الصوبنة لأعلى، وإيجاد التوازن، و"قصور منقولة" لكنها تصب في وثقة واحدة والتي هي التعلم لتقبل الآخر". هل تستفيد من هذه الإدارة التربوية؟ والأهم في كل هذه المواضيع الخمسة تشكل النصوص التطبيقية التي اعتمدها »دليل مدرسي« أعدّه مكتب استشارة دولي في التربية للدكتورة جولي وايس، المختص في تطوير الدراسات الإجتماعية التربوية الإعلامية ولبرامج تعلم اللغة الإنجليزية كلغة ثانية، فضلا عن صنع الوسائل والتوثيق المدرسي، حيث سارعت شركة »أرامكو« إلى تبني هذا الدليل المدرسي الجديد، لتدريس عمالها وإطاراتها اللغة الإنجليزية وتعميق معارفهم فيها، وفي نفس الوقت تدريبهم على الإنفتاح الثقافي على الآخرين. ويهدف الدليل المدرسي حسب واضعيه إلى »مساعدة الطالب« على صقل مهاراته الخاصة في القراءة وتعميق فهمه الشخصي للقضية التي تطرحها النصوص التطبيقية والمتمثلة في التفاهم بين الديانات المختلفة كما شجع أصحاب الدليل المدرسي، المعلمين على الإستفادة منه والتكيف مع أفكاره في تدريسهم لتلامذتهم بكل حرية ودون الحاجة إلى إذن مسبق منهم أو من شركة أرامكو العالمية بمعنى أن هذا المنتوج التقني الفكري أصبح ملكا مشاعا بين الناس، وهوفي متناولهم على شبكة الانترنت. وبالتالي يمكن لكل مربي العالم أن يستفيدوا من تاريخ الأمير عبد القادر في التعامل مع الثقافات والديانات المختلفة وهو الأمر الإيجابي في هذا الدليل المدرسي، الذي لايقتصر تطبيقه في تدريس اللغات فقط، وإنما يتعداه الى تدريس عدة مواد أخرى كالتاريخ والجغرافيا والتكنولوجيا والفلسفة، والإقتصاد وغيرها إلا أن الهدف العام في نهاية المطاف يمكن في غرس ثقافة التفاهم والتعايش بين الناس أيا كانت دياناتهم أو معتقداتهم وثقافاتهم. والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن بعد قراءة ما تقدم، هو »هل سيستفيد قطاع التربية الوطنية من هذا الدليل المدرسي المجاني ولو في مجال تعليم اللغات الأجنبية لتلامذتها الذين ما فتئوا يتقهقرون في هذه المواد التي تعتبر مفتاح الإنفتاح على العالم الذي نصبوا اليه؟ ماذا لو أكملوا خيرهم وأنتجوا فيلم الأمير؟ وهذا وبينما يتحوّل الأمير من خلال هذه المبادرات »الخارجية« الى شخصية عالمية بامتياز، مازلنا في الجزائر، متوقفين عند إشكالية ما إذا كنا سننجز يوما فيلما عن الأمير أم لا؟ والأقرب الى الواقع أننا لن ننجزه أبدا، إذا ما سايرنا إجابة الدكتور الأستاذ واسيني لعرج حول هذا التساؤل في إحدى حواراته بإحدى الفضائيات العربية بحجة أن أحد المسؤولين »المتنفذين« صرح له باستحالة مثل هذا المشروع. ولكن ليسمح لي هؤلاء أن أذكرهم بأن السينما ليست بهذا التقييد الجغرافي الضيق، فكما تحوّل الأمير الى درس في التسامح والتعايش السلمي في المنظومة التربوية العالمية يمكنه وبسهولة أن يتحوّل إلى موضوع فيلم عالمي ستصدره لنا يوما شركات إنتاج عالمية، تحسن استغلال الشخصيات والأحداث المتميزة، ولا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا في هذا السياق أن كاتب موضوع »أمير الأخوة« في مجلة أرامكو، هو سينمائي الى جانب كونه كاتبا، وقد حوّل مؤخرا كتابه حول رهبان تسييرن إلى فيلم سينمائي نال عدة جوائز في المهرجانات الدولية وبالتالي قد يستهويه تاريخ الأمير عبد القادر بعد أن تعرف عليه، ليحوله الى فيلم، لكن كل الخشية في هذه الحالة أن يقدّم لنا »أميرا أمريكيا قلبا وقالبا« كون الأمريكيين بارعين في »أمركة« كل ما يلمسونه...