غابت الفكاهة الجزائرية الجادة عن القنوات الوطنية خلال هذا الشهر الكريم بعد أن تعود الجمهور على رؤية بعض الوجوه في برامج وحصص ترفيهية كانت في يوم ما مقنعة وأحيانا جيدة لكن الأمر اختلف الآن تماما فقد تحول التلفزيون الجزائري إلى محطة للبث لا غير بعد أن غاب المستوى الحقيقي لحس الفكاهة وصارت البرامج تحضر من طرف أشخاص مبتدئين لا علاقة لهم بضوابط هذا الفن الأصيل والمقاييس الحقيقية الواجب اتباعها لإخراج سلسلة فكاهية ذات أبعاد تربوية هادفة ليجد المشاهد نفسه أمام برامج محملة وبعيدة عن الترفيه والمتعة لا تعدوا أن تكون لا تهريجا متحسرا بذلك على الزمن الجميل الذي وقعه نجوم الفكاهة الحقيقيين أمثال المرحوم محمد التوري ورويشد وحسان الحساني وسيراط بومدين وغيرهم، فبعد أن رحل هؤلاء وجد الهواة فضاء واسعا للتدرب ظنا منهم أنهم يقدمون ما يسمى بالفكاهة وراحوا يعرضون »سكاتشات« غير مفهومة بل حتى أنها مملة ولا تحمل في لبّها أي متعة من شأنها أن ترسم الإبتسامة على وجوه مشاهديها وتخرجهم من الروتين الذي يعيشونه رفقة البرامج الأخرى خصوصا خلال شهر رمضان فبعد أن كان هؤلاء متعودين على مشاهدة »سكاتشات« وبرامج مسلية بعد الافطار صاروا الآن يفضلون متابعة حصص أخرى تعرض على محطات عربية يبدوا أنها تحسن كيفية إرضاءه مشاهديها وتقديم الأفضل لهم وليس مجرد برامج روتينية. وإذا أردنا التعمق أكثر في هذا الموضوع فنحن في الحقيقة لا ننكر المجهودات التي يبذلها بعض المخرجين الجزائريين لتقديم حصص ترفيهية مسلية وهادفة أمثال المخرج جعفر قاسم مثلا ولا تتجاهل الإبداعات التي يملكها بعض الممثلين الفكاهيين مثل بيونة ولخضر بوخرص وكذا صالح أوقرت وغيرهم لكن ربما الظروف لم تساعدهم للبروز أكثر بل بالعكس فإن هذه الأسماء غابت بدورها عن اليتيمة خلال هذا الشهر الكريم ، فمثلا »سي لخضر مول العمارة« لأسباب مجهولة حيث كانت تتطرف لمواضيع اجتماعية تهمهم وتتكلم عن مشاكلهم الاقتصادية في خضم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار كما أنها تطرح قضايا هامة تمس المواطن بالدرجة الأولى وتكشف عن مشاكله في مختلف المحلات. وقد فضل التلفزيون استبدال هذه السلسلة بأعمال أخرى وهي »على الخط« وهي بمثابة كارثة على الخط! وبرامج أخرى مثل »ساعد القط« و»كاميرا واش داني« للمخرج جعفر قاسم التي كانت المتنفس الوحيد للجزائريين في ظل انعدام برامج ترفيهية أخرى دون أن ننسى ذكر كاميرا» شوف الحيلة« التي تحطت كل الحدود وأعطت صورة سيئة عن مستوى الفكاهة، سواء تعلق الأمر بالأفكار أو التصوير والأسوأ في الأمر أن هذه الحيل تطبق على مواطنين بسطاء أين يتم التلاعب بمشاعرهم وكرامتهم، الأمر الذي سبب استياء الجمهور الذي لم يرض تماما عن هذه الحصة التي ابتعدت كثيرا عن المستوى المطلوب. وفي الوقت الذي تفتقر فيه اليتيمة لهذه الأسماء الفكاهية فإن قناة » نسمة« المغاربية تحتضنهم بكل حب من خلال حصص ترفيهية وسكاتشات من بطولة ألمع النجوم الجزائريين أمثال الممثلة القديرة »بيونة« التي شاركت في سلسلة » نسيبتي العزيزة« رفقة بعض الممثلين التونسيين لتجد هذه الممثلة الجزائرية مكانة لها في هذه القناة بعدأن اختفى أثرها تماما على شاشاتنا الوطنية ومباشرة بعد سلسلة » ناس ملاح سيتي« دون أن ننسى ذكر الممثل المعروف حميد عاشوري الذي احتضنته »نسمة« هو الآخر في احدى برامجها الترفيهية مع بعض الأسماء الجزائرية الأخرى التي يبدو أنها ذاقت ذرعا من الانتظار للظهور على اليتيمة وفضلت انتهاز الفرصة لتقديم عمل معين بقنوات أخرى تمكنهم من استرجاع الثقة وتقديم ما يملكونه من ابداع لجمهورهم الذواق. ومازاذ الطين بلة هو أن هذا المشكل لا يتعلق فقط بالفكاهة بل حتى بالدراما بعد أن سجل غياب مسلسلات درامية على التلفزيون الجزائري في رمضان بإستثناء » الذكرى الأخيرة« لمسعود العايب الذي يعتبر الدراما الوحيدة خلال هذا الموسم لتغيب فيه العديد من الأسماء اللامعة أمثال » فتيحة بربار«، » فريدة صابونجي« والممثل القدير محمد عجايمي وغيرهم من الممثلين الذين تعود المشاهد الجزائري على رؤيتهم في رمضان من خلال مسلسلات اجتماعية عديدة مثل » المصير« ومسلسل » القلادة« ولحسن الحظ فإن الفنان القدير عبد النور شلوش قد نفذ بجلده من البطالة بعدما أعطى له المخرج السوري نجدة اسماعيل أنزور دورا رئيسيا في مسلسل » ذاكرة الجسد« للروائية أحلام مستغانمي من خلال شخصية » سي شريف« فإذا قلنا أن الدراما الجزائرية غائبة فنحن على حق الأمر الذي فتح المجال أمام الدراما السورية والإيرانية لإكتساح قنواتنا وأخذ حصة الأسد من البرنامج الرمضاني للتلفزيون الجزائري، أما من » الفكاهة« فللأسف لم نجد بديلا آخر سوى المسلسل السوري »عشنا وشفنا« لياسر العظمة مما يترتب على المشاهد التوجه نحو قنوات عربية أخرى للتعويض عما فاته بعد أن فقد الأمل في مشاهدة أعمال محلية كانت من الممكن أن تجعله يغير رأيه فيما يتعلق بالبرامج الجزائرية ورغم هذا فإن آمالة تبقى موجودة في حصوله على مبتغاه خلال رمضان المقبل من السنة القادمة.