تعدّ الفنون التقليدية لمنطقة مسيردة، جوهرة رائعة في جيد العبقرية للفنون التقليدية للجزائر الخالدة، وأثرها عظيم لما فيها من فتنة أخادة والمقدرة الفائقة على تحدي الدهر وبعث غابر الأمجاد، وأصبح اليوم الفن التقليدي رمزا قائما بذاته يستوحي من عنفوانها، وقد صنعت في تناسق فاق التصور لانسجام هندستها التي تنم عن فن خالص مكتمل. ولقد ظل الحديث عن الفن التقليدي المسيردي مقصورا ووليد المناسبات الرسمية بعيدا عن الجدية، وللوصول إلى حقيقة هذا الفن الذي يفرض نفسه نظرا لأصالته المنحدرة من أعماق نفسية كل مسيردي عاش في أرضها الفيحاء و ربوعها، وقد يبدو عسيرا الحديث عن أي المدارس ينتمي إليها الفن التقليدي المسيردي، وذلك لأن لهذه الفنون مكانة هامة لما تشكله من نقوش ورسومات وأشكال من تعبير جمالي بديع، إلى جانب مجموعة من الألوان الزاهية التي تضفي عليه الطابع الجمالي و تشكل أعمالا لمدارس قديمة : فإنتاج الرسامين القدماء يوجد مثل رسامي عصر النهضة كمدرسة "كرافج" ومدرسة المتداخل في العصر الكلاسيكي والرومانتيكي: إلى جانب إنتاج الانطباعيين بفضل المذهب الرومنطقي، ولا سيما مدرسة المستشرقين، اتجه المغرب إلى رسم الأواني الذي تعتمد على مسد المحور ( شوفالي ). إن فن الخط الذي يعتمده فنانو مسيردة هو حركة معبرة عن رسم، قد تكون العوامل الأساسية التي انبثق منها الفن الإسلامي المحض، إلى جانب الإحساسات الداخلية التي يحياها الفن المسيردي في حياته اليومية والتي لا يمكن أن ينسلخ منها، وبين هذا وذاك فالفن المسيردي هو لوحات فنية جعلته مميزا ينفرد بخصوصيات فرضت نفسها على الساحة الثقافية. ويمتاز الفن التقليدي المسيردي بخصوصية خاصة، فالفنان المسيردي لا يخفي الشعور الأصلي الباطن في نفسه، ولا يداري جو الظروف التي يحياها برسومات وأشكال مبنية بطريقة متشابكة وبسيطة التكوين، لا متناهية التي تكن بدلائل روحية وشخصية، وهذا راجع لا محالة للطريقة البسيطة التي يعيش بها سكان مسيردة حياتهم. وقد يبدو عسيرا للناظر للمنسوجات والأواني المسيردية أنها رسوم ساذجة، وليدة تعبير مستقل على التأثيرات الخارجية، ولكن في حقيقة الأمر أن هذه العفوية والتلقائية موجهة وذات دلالة عميقة برزت في الأفق ولا يمكن لأحد أن يتنكر لأهل مسيردة هذا الفن الذي يعتبر امتداد لوجودهم الثقافي، وتعبير صريح عن أصالة متجذّرة في عاداتهم وتقاليدهم، ما زالت ملامحها ترافقهم سواء في لباسهم أو الأدوات التي يستعملونها. ويتعدد التراث المسيردي من حيث تنوعه وأشكال ممارسته، فنجد الأعمال التقليدية التي تأخذ حيزا مهما باعتبارها تشكل مصدر استرزاق بالإضافة، ويتعدد من منسوجات وما تزينها من رسوم وكذلك الأواني الخزفية التقليدية، كما .يتضمن الفن التقليدي المسيردي كل الصناعات الشعبية الفنية، كأعمال مادية وجمالية و فكرية تبرزها الأشكال والزخرفات من نسيج وتطريز وأثاث وأواني فخارية ... إلخ. فالفن التقليدي المسيردي هو عمل وليد عن التجمع و أصوله وهدفه له خاصية جماعية ويمكن تصنيفها في خانة الفنون التقليدية الريفية، فالفن التقليدي المسيردي خاضع لعوامل البيئة وبالتدقيق للموقع الجغرافي لمساحة معمورة و كذلك الطقس، مما ينعكس على الأعمال الفنية المنجزة، أما النشاط الفني الذي ترمز له الأشياء الفنية هي في حقيقة الأمر تعبير ثقافي جمالي، وهو الكاشف عن البيئة الإجتماعية، ومن فوق هذا الجمال تنبعث مجموعة من العادات، وتمثل جلّ الأعمال الفنية المنجزة عنصر من عناصر العلاقات العائلية، حيث إن الأواني الفخارية المنقوشة برسومها المختلفة الألوان، ورغم نشاطها فهي تشكل معان ذات أبعاد عميقة لا يعلمها إلا صانعها، فالأدوات، الآلات الفلاحية مثلا والأمتعة واللباس والفراش تعكس الحياة الإجتماعية. المنسوجات المسيردية وتتميز المنسوجات المسيردية التقليدية بالجودة، وما يلاحظ فيها تعدد الألوان ولا سيما الألوان الزاهية وكثرة الأشرطة المزركشة، ولكن مع ملاحظة بسيطة تتمثل في أن صيغة المنسوجات تتنقل من عائلة إلى أخرى. إن المنسوجات المسيردية من لحف، زرابي وغطاءات وبوشراوط تصنع بخيوط ذات ألوان متعددة بأشكال هندسية متباينة وهي ذات الاستعمال اليومي ليحتمي من قساوة البرد القارس في فصل الشتاء، حيث إنها توفر لمستعمليها الراحة النفسية، ومع أنه ليس لدينا أدنى شك هنا أن الحسن قد اقترن بالفائدة، إلا أن روعة المنسوج لا يتجزأ دوره في التزيين، و لكنه يبقى دوره في الاستعمال، فمن عادة أهالي مسيردة استقبال ضيوفهم على الفراش الموسدة على الأرض، و تستعمل للنوم للإحساس بالراحة و الترحاب و هو شيمة لصيقة بسكان منطقة مسيردة. وما يميّز المنسوجات المسيردية هو الخيوط المختلفة الألوان، ولا سيما لتزيين البرانيس وذلك بغية إبراز كل صانعة لمهارتها واعتنائها بأهلها لأجل مقاومة درجة البرد القارس في الأرياف والذين يقطنون الجبال وهذا ما تجده في اللحوف والبوشراوط. إن الفنان التقليدي المسيردي يستوحي رسوماته من مشاهد الحياة التي يعيشها من مناظر طبيعية كألوان الضوء، وما هي في حقيقة الأمر إلا تعبير عن خواطر وترجمة للمواضيع الخارجية أوالباطنية التي لها سيطرة إجتماعية أوفي بعض الأحيان تتعلق بالكفاح الثوري، وفي بعض الأحيان ترجمة حقيقية للحالة الانفعالية والنفسية للعائلة، بالإضافة إلى ما يختلج الفنان في نفسيته، وما يلاحظ على الرسومات المسيردية هو تعبير عن الإيقاع الذي يتصف به أسلوب، ويتفق والترتيب اللطيف للمساحات الملونة حتى ترتاح لها النفسية في انسجام لخطوط مائلة وعمودية ومنحنية. إن الفن الخزفي المسيردي فن قديم عبر جميع التسلسلات الزمنية، فالأواني الفخارية والفراش والعتاد الفلاحي والأغراض المنزلية توضح المصدر لهذا الشعب ذو الإحساس الراقي، وتعبّر عن الشعور الذي كان يعيشه الفرد المسيردي في تلك الحقبة. إن المواد التي يعتمد الفن الخزفي تتمثل في الطين وهي المادة الأولية المستخلصة من الغضار في العراء، وهي معروفة لدى صانعي الخزف في القرى والجبال والتجمعات البشرية، فصناعة الخزف المسيردي كغيره من الخزف الشعبي في بقية أنحاء الجزائر، حيث تزخرف الأواني الفخارية المصنوعة ثم تكوى في الأفران في الهواء الطلق ثم تدهن. ونجد أن زخرفة الأواني الفخارية متنوعة ذات أشكال هندسية معينة دوائر، خطوط منحنية ومنكسرة ونقاط موزعة بشكل خطوط على كثير من القطع تعبر عن معان حسب الحالات النفسية للصانعين، وما يميز الفن الخزفي المسيردي، هو تعدد الأشكال الهندسية وبالأخص الأشكال المثلثية الأشكال الدائرية، مع الاعتماد على الألوان الزاهية وكثرة الخطوط العمودية والأفقية، والمتشابكة، مع الارتكاز على اللون الأسود. إن الاعتماد على اللون الأسود يرجع بالضرورة الأولى للظروف القاسية التي يعيشها الفنان والصانع المسيردي أين يجد ذاته عما يختلج في خواطر نفسه من احتياجات واهتمامات وهذا ما نلمحه من كثرة الخطوط وتعدد المصنوعات و هذا ينم عن لمسات فنيه للصانع المسيردي، مما جعله يعتلي المكانة المرموقة في مجال الفنون التقليدية. ... و بعد أن قمنا بجولة في ظلال التراث المسيردي واستخرجنا منه ملامح الحسن والجمال وحقيقة معانيه المتأصلة في النفوس، وأشرنا إلى معالمه الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، والآن...وقبل أن نطرح القلم جانبا، نحاول جاهدين مجتهدين على هدي هذه الدراسة أن نقدم رؤية مستقبلية و بعيون متبصرة وبفراسة إيمانية نافذة، نستشرق هذا المستقبل وأن نحدد له معالمه وأن نرسم له حدوده في هدوء تام بعيدا عن الارتجال. إننا متيقنين كل الثقة أن التراث المسيردي يملك بذور وعوامل الاستمرار وعناصر البقاء ومؤهلات الحياة كامنة في أصالته في أعماق النفوس، وليس كما يعتقد البعض من أصحاب النظرة العجلى أنه تهاوى وسقط من أعلى قمته.