تدربت على صنع القنابل والمتفجرات في تربص نظم بالبليدة رفقة العربي بن مهيدي ديدوش مراد , بلوزداد وسويداني بوجمعة تكونت الافواج بعد فشل النضال السياسي وحل حزب الشعب وأغلبهم كانوا مناضلين في هذا التنظيم ومن خريجي مدرسة الكشافة الاسلامية لا أنسى شجاعة البطل العربي بن مهيدي عندما عقد تجمعا حزبيا ببلعباس وفر إلى حمام بوحجر أمام أنظار العدو الشهيد حمو بوتليليس هو من أشرف على تربص أول دفعة للمجاهدين عام 1946 متابعة "ل الربورتاج "الذي خصته يومية" الجمهورية " لتشريح أحداث ثورة نوفمبر الكبرى بولاية عين تموشنت تزامنا مع احتفالات الستينية, والذي صدر جزءه الأول في عدد يوم الأربعاء 8 أكتوبر 2014، حيث سلطنا الضوء على الملحمة البطولية التي صنعها بواسل المجموعة 17 بجبال تارقة , نواصل اليوم في سرد الوقائع التاريخية لتي عاشتها هذه المنطقة لعل وعسانا نكون قد وفقنا في بحثنا هذا حتى نلّم بكامل تفاصيل هذه القصة التي غيّبها التاريخ ولم يكن لصناعها نصيبا من العرفان والتقدير ومن خلال رحلتنا الأولى الى عين تموشنت اكتشفنا أن من بين هؤلاء الأبطال الذين فرّقهم الزمن فمنهم من سقط في ساحات الفداء والبقية عاشت في الظل بعد الاستقلال ومعظمهم يقضون بقية عمرهم بسطاء منعزلين تماما عن النشاط السياسي هو كويني عبد القادر المدعو سي ناصر الذي بقي على قيد الحياة اطال الله في عمره , الذي أخبرنا رفيق دربه في الكفاح المجاهد عبيد عبد القادر أن سي الناصر كان الرجل الاول المبحوث عنه من قبل البوليس الفرنسي في أحداث تارقة من عام 1954 وأرشدنا سي البرقشي عن مكان إقامته الكائن ببلدية سيدي على وبمجرد أن علمنا أنه حي يرزق غيّرنا وجهتنا في اليوم الموالي نحو عروس المتوسط مدينة مستغانم غانم واصطحبنا معنا صديقه الوفى المجاهد عبيد الذي لم يمانع بمصاحبتنا إلى بيت قائده لسابق حيث تنقلنا بسيارة العمل نحو بلدية سيدي علي التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 45 كلم. استغرقت الرحلة من وهران نحو مدينة مستغانم باتجاه بلدية سيدي المترامية بشرق المدينة أكثر من ساعة ونصف إلى غاية وصولنا إلى البيت المقصود ، ونحن في طريق توجهنا إلى مستغانم كان المجاهد عبيد يتذّكر الأوقات التي قضاها مع زملاءه في الفوج وعند دخولنا بلدية سيدي علي لم نتعرف مباشرة على منزل "كويني" حيث تفاجأ مرشدنا بالتغييّر الكبير الذي عرفته هذه المنطقة التي أصبحت تضم العديد من المجمعات السكنية وكان" البرقشي" يبحث عن السجن القديم الذي يقع بالقرب من مسكن زميله لكن الذاكرة خانته بعض الشيء وبعدما سألنا أحد المواطنين دلّنا بسرعة على مكانه لأنه غني عن التعريف في تلك المنطقة وصلنا عنده وتركنا زمام المبادرة للرفيق المجاهد بطرق الباب بينما نحن نترقب لقاء الرجلين بعد طول فراق وكم كانت اللقطة معبرة بل مؤثرة عندما فتح سي ناصر للبرقشي باب منزله و ارتمى الاثنان في الأحضان ورحب بنا هذا الرجل الذي يعيش في منزل بسيط وسط أولاده وأحفاده وعلمنا أنه دائم الحركة لكن مرض زوجته شفاها الله أقعده بجانبها لرعايتها ورغم ارتباطاته العائلية إلا أن زعيم أبطال المجموعة استقبلنا بصدر رحب وفتح قلبه وبيته " للجمهورية "... * في البداية نشكرك سيدي على حسن الضيافة وفي الحقيقة نحن بصدد إعداد تحقيق حول الفوج 17 الذي شارك في أحداث الفاتح نوفمبر بتارقة يا حبذا لو تزودنا بأهم المعلومات بماأنك كنت زعيم هذه الكتيبة ؟ - لا شكر على واجب ومرحبا بكم في منزلي في أي وقت تريدون وقبل أن أتحدث عن انطلاق الثورة ومشاركة الفوج 17 في تفجيرها، يجب الإشارة إلى الأحداث التي سبقتها والتي مهدت للعملية فبوادر الحركة الوطنية ظهرت بعد الانشقاق الذي عرفه حزب الشعب بقيادة ميصالي الحاج في الوقت الذي كانت فيه حركة انتصار الحريات الديمقراطية غطاءا لهذا التيار بعدما فعلت فرنسا الكثير لحل الحزب، حيث اعتقلت قادته وعرقلت نشاط مناضليه وكنت آنذاك منتميا للحركة فتقرر خلال هذه الفترة إنشاء المنظمة السرية المنبثقة عن التنظيمين المذكورين بعدما تبين أن نشاط حركة انتصار الحريات الديمقراطية لا جدوى منه في ظل التزوير الذي عرفته الانتخابات في سنة 1946 و بات من الصعب تحقيق أهداف الحزب بسبب العراقيل التي كانت تشل نشاطنا ومن ثم انطلق العمل السري تحث شعار الكتمان. خصوصا وأن هذه الفترة أعقبت أحداث 8 ماي 1945 التي شهدت مجازر عظمى خلّفت 45 ألف شهيدا كما تعلمون وهي القطرة التي أفاضت الكأس بعدما اقتنعنا أن فرنسا لا تعترف بالحوار وكان لابد من التفكير في أسلوب يخرج البلاد من عقدة الهيمنة الاستعمارية، وبحكم نشاطي النضالي في الحزب كلفت من طرف قائد الولاية الخامسة الشهيد العربي بن مهيدي بتكوين فرقة من المجاهدين بعين تموشنت باعتباري أحد أبناء المنطقة . * أتقصد هكذا كانت بداية تشكيل الفوج 17؟ - في بادئ الأمر كان الفوج يضم 12 مجاهدا قدموا من منطقة المالح وعاصمة الولاية و قبل الحديث عن الفوج لا يفوتني أن أقول لكم بان الذين شاركوا في هذه الواقعة كانوا منخرطين في حزب الشعب بعدما تخرجوا من مدرسة الكشافة الاسلامية سنة 1944 وكنت واحدا منهم ، حيث كنا نعمل لصاح هذا التيار دون تردد أو محاولة الاستفسار عن طبيعة النشاط الذي كان في بداياته واقتصر عملي على توزيع جريدة الامة والبرلمان اللتين كانا يصدرهما الحزب وذلك لتوسيع نطاق العمل السياسي وبدأنا نفهم توجهات الحركة بعد احداث 8 ماي 1945واتضحت الأهداف في سنة 1946 وهي الفترة ارتبطت بشرعية النضال السياسي لحزب "بي بي يا " الذي كسب سمعة كبيرة لاسيما في سنة 1948. * كيف تكونت الأفواج وما هي المهمة التي كلفت بها بعد ذلك ؟ - لما بدأ الحزب يعمل في شرعية أصبح قوّيا واشتّد عوده حيث كان يملك مقاعدا في المجالس وأتذّكر أنه تحصل بعد الانتخابات التي انعقدت في سنة 1947 على 1786 صوت وجاء متفوقا على حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري بقيادة فرحات عباس الذي حاز آنذاك على 96 صوت، لكن التزوير منع الحركة من التقدم والإدلاء بكلمتها في المجلس الأعلى واتضح أن الانتخابات التي كانت تدّعي فرنسا بشرعيتها لا تقودنا للحوار ولا تكاد تكون سوى مجرد مضيعة للوقت. * وماذا حدث بعد ذلك وكيف عينت على رأس الفوج 17 ؟ - بعدما اتضحت نوايا العدو السيئة حيال القضية الجزائرية وعدم اعتراف فرنسا بالنضال السياسي للأحزاب عقد قادة اللجنة الثورية للوحدة والعمل العزم على العمل السري من التخطيط للثورة وفي هذه الفترة كلفت بتكوين الفوج الذي كان يضم مجاهدين سبق وان تدربوا على الكفاح ورسخت في قلوبهم وعقولهم روح الوطنية في مدارس الكشافة الإسلامية وتواصل العمل السياسي الى غاية سنة 1951 التي عرفت حدثا سياسيا هاما متمثلا في الانتخابات وأنوه ها هنا أن الشهيد العربي بن مهيدي الذي دوخ فرنسا ناب عن مرشحنا في ولاية بلعباس، حيث عقد تجمعا هناك وعاد إلى حمام بوحجر دون أن ينكشف أمره في الوقت الذي كلف فيه الثنائي بوبالة محمد وبن عودة واضح بالإشراف على الحملة الانتخابية في حمام بوحجر وعرفت هذه المنطقة اشتباكات بين الأمن الفرنسي، حيث تعرض مفتش شرطة للضرب وتم اعتقال مناضلي الحزب ومنعنا من التجمعات أو رفع الشعارات وكنت من بين الذين قبض عليهم حيث تعرضنا للضرب في مركز الأمن وسرحت في 2 فيفري 1954 تزامنا مع حدوث الأزمة في الحزب. وتكونت كما أسلفت الذكر اللجنة الثورية للوحدة والعمل وفي هذا الصدد أعلمكم أنه ليسوا كامل أعضاءها 22 لبوا النداء في تلك الفترة والمهم تكونت الولايات الخمس وتم تعيين القادة المعروفين تم تأسست الجبهات العسكرية وفي هذه الفترة أشرف الشهيد حمو بوتليليس على تربص أول دفعة للمجاهدين في سنة 1949 تم تلقينا تعليمات بإنشاء افواج خلال مرحلة التحضير و الاستعداد للثورة . وكان المجاهد بن عودة واضح مسؤولا على ناحية عين تموشنت، فقد كان على اتصال بالقادة العربي بن مهيدي ورابح بيطاط ومن ثم اسندت لي مهام توعية مجموعة من المجاهدين لانضمام إلى الخلايا ووحدات الكفاح وكان عددهم 32 فردا واستجاب 150 مناضلا وضعوا في قائمة الجاهزين عند الضرورة. وبدأت الأمور الجديّة للحرب عندما عينت ضمن المنظمين باختياري للمشاركة في تربص تكويني حول كيفية صنع المتفجرات والقنابل داخل مزرعة بقرية "الخرايصية" بمنطقة البليدة، حيث التقيت بالعقيد اوعمران وزملاء الكفاح الذين كانوا يتدربون على تركيب القنابل في صورة بلوزداد، مرزوقي، لعجايم قدور وهو صاحب المكان وكان إلى جانبي العربي بن مهيدي، رابح بيطاط، ديدوش مراد. وسويداني بوجمعة ومباشرة بعد ذلك وظفت خبرتي في تشكيل مختصين في هذا المجال ضمن أفراد الفوج 17 واتخذت من قرية المساعدة الواقعة بين منطقة المالح وحاسي الغلة مكانا لصنع هذه القنابل. * من أين كنتم تتحصّلون على المواد التي كانت تستعمل في تركيب وصنع المتفجرات ؟ - كانت هناك مجموعة أخرى كلفت بهذه المهمة وجعلنا من بلدية الشنتوف مصدرا للتمويل بالأنابيب والمواد التي تستعمل في تركيب العبوة من بينهم البرقشي الذي كان يجمع اجزاء الانابيب وتصلنا مقطعة بالحجم المطلوب وساهم الشهيد احمد زبانة الذي كان متخصصا في التلحيم في تركيب المتفجرات رفقة زوقاوي بينما كنت مختصا في ضبط معايير المواد الكيميائية التي تدخل في تركيبها وقمنا في ذلك الوقت بصنع 57 عبوة ناسفة حولت منها 53 وحدة إلى وهران وأربعة احتفظنا بها للقيام بعمليات كانت مبرمجة عشية الفاتح نوفمبر بعين تموشنت. * وكيف سارت الأمور بعد ذلك ؟ وهل نفذت بقية المخططات ام احبطت مثلما حدث في قضية التموين بالأسلحة ؟ - ما يجدر ذكره أنّ الفوج 17 راح ضحية سوء التنسيق رغم الترتيبات التي ضبطت على أساس النجاح في بلوغ الاهداف والاستجابة لبيان أول نوفمبر وراح أيضا ضحية الخونة الذين أفسدوا العملية بداية من عدم تشغيل المتفجرات بطريق السكة الحديدية حيث اختفى المفجر فجأة وانتهى بفضح امري عند هروبي مع بقية المجاهدين باتجاه الجبل ... * أستسمحك سيدي ، قبل أن تكمل حديثك عن مطاردتكم من طرف عساكر فرنسا اثناء هروبكم نحو جبل سدي قاسم بتارقة هل بإمكانك التطرق للأحداث التي سبقتها وكيف اجتمعتم من أجل التحضير للعملية ؟ - عشية الفاتح نوفمبر اجتمعنا في مركز سري تابع لسيد يدعى بلخشعي وانتظرنا قدوم السلاح من وهران لكن عملية التموين بالذخيرة لم تتم واضطررنا للبقاء أربعة أيام مختبئين نترقب أوامر من القيادة إلى أن كشفتنا صاحبة محل كنا نشتري منه، حيث لمح المجاهدان أسعد صالح و بن ذلة عندما حاولا جلب الماء من البئر قدوم الدرك باتجاه المكان الذي كنا نتوارى وراءه ولم يكن أمامنا سوى الهروب والانتشار في الغابة قبل ان يسقط القائد برحو قادة شهيدا على تبادل إطلاق النار حيث كان الفوج بحوزته بندقية واحدة ومسدس لا يعمل. * لكنك وقعت في قبضة العدو اثناء المطاردة وتم اعتقال جميع أفراد الفوج أليس كذلك ؟ - 4 من زملائي قبض عليهم لحظة الهروب بينما بقيت انا رفقة المجاهد عبيد عبد القادر نركض في وسط الغابة وفي تلك الليلة توجهت الى حي مولاي مصطفى تم إلى منطقة الحساسنة اختبأت في "الكانة" وهو مكان سري مخصص للاختباء ويعرفه الكثير من المجاهدين وكان يزورني بين الفينة والأخرى رفيقي البرقشي الذي هرب معي لكنني أصبت بمرض أقعدني طريح الفراش وعجزت عن الحركة وفي ليلة ممطرة بتاريخ 2 ديسمبر القي عليّ القبض بوشاية من أحد سكان القرية واذكر أن احد جنود الاحتلال أجبرني على الجثو على ركبتي وصوّب مسدسه نحو رأسي وفي هذه اللحظات نطقت بالشهادتين لكن قائد الفرقة أمر الجندي بسحب سلاحه تم كبلوني ونقلوني إلى الحافلة التي كان على متنها بعض الخونة الذين كانوا يدوسون بأحذيتهم على جسدي اثناء اقتيادي لمركز الدرك. وبعد ذلك تمت محاكمتي بالمحكمة العسكرية بوهران في ال 15 ديسمبر من نفس السنة ، حيث عوقبت ب 20 سنة سجنا نافذة وحولت بين سجن وهران ، سركاجي و البرواقية وقضيت مدة 8 سنوات وراء القضبان تحت طائلة التعذيب الى غاية الافراج عني في 07 ماي 1962. * في الواقع لم نكن نتوقع كل هذه الأحداث التي غابت عن التاريخ ومن حسن حظ جريدتنا انه كان لها الشرف بمحاورة بطل من ابطال هذا الفوج الممثل في شخصيتك التي لم تحظ بحقها على صفحات التاريخ ؟ - صحيح ما تقولينه وأعتقد أنه من الواجب سرد كل هذه الأحداث التي وقعت في تلك الفترة من أجل تنوير الجيل الحالي الذي يجهل العديد من الحقائق التاريخية وأظن أنه من يبحث ويتعمق وقائع الحرب التحريرية الكبرى التي عاشتها الجزائر سيكتشف المزيد من الحقائق التي غابت عن المسامع.