لا يزال يتذكر الكثير من المجاهدين وقائع معظم الأحداث التي عاشوها خلال ثورة التحرير بالرغم من تقدم أعمارهم حيث يقول الأكثرية منهم أن جرائم فرنسا لا تُمحى من صفحات التاريخ وستبقى منقوشة في ذاكراتهم ومسجلة في ذكرياتهم المريرة خلال كفاحهم المسلح ضد المستعمر الفرنسي الذي إنهزم وطرد من هذه الأرض الطاهرة بإرادة الشعب الجزائري الذي وحد كل شرائحه من شباب ونسوة ورجال وأطفال انضموا في صفوف الثورة التي حققت هذا الإستقلال الذي كان شعاره (الشيء الذي يأخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة ) ***"السوفي" من قبيلة دفعت 35 شهيدا خلال الثورة .وفي سياق الثورة بمناطق الجنوب الغربي كان لنا لقاء خاص مع أحد المجاهدين البواسل بمدينة الأبيض سيدي الشيخ معقل المقاومات والثورات.. وهو العرابي براهيم بن أحمد الذي يعد من الشخصيات الثورية البارزة يحظي باحترام كبير في المنطقة عمره يتجاوز 83 حولا له سجل تاريخي ثوري متميز خدم الثورة بإخلاص حسب شهادات الكثير من المجاهدين عمل طيلة سنوات الكفاح المسلح بنوع من الصمود والشهامة والشجاعة حيث روى لنا جانبا من نضاله الثوري انطلاقا من جبل بونقطة بالأبيض سيدي الشيخ إلى منطقة مشرية لاسيما شهاداته على ما عاشه وعايشه من أحداث خصوصا جانبا من معركة جبل (عنتر) الشهيرة ولقد كان يُعرف المجاهد العرابي إبراهيم بإسمه الثوري السوفي ينحدر من عائلة عريقة الأصل معروفة بالجهاد والعلم والكرم،الجاه . ***تكليف بايصال الرسائل بين مشرية و جبل بونقطة مركز القيادة الثورية
العرابي إبراهيم من مواليد 1931 بعاصمة أولاد سيدي الشيخ قبيلته أولاد سيدي براهيم التي دفعت برصيد حوالي 35 شهيدا خلال ثورة التحرير. ألتحق بصفوف جيش التحرير خلال جويلية 1956 بجبل بونقطة شمال مدينة الأبيض سيدي الشيخ بقيادة المجاهد بوشريط (رحمه الله) كانت مهمته الإتصالات والإستعلامات وبريد الرسائل بين منطقتي مشرية وجبل بونقطة بالأبيض سيدي الشيخ لقد كلفه بوشريط بإيصال رسالة مهمة من بونقطة إلى قيادة الثورية بمنطقة مشرية على بعد حوالي 180 كم مشيا حيث كان المجاهد العرابي براهيم من المخلصين في تنفيذ مهام الثورة حيث قال له المجاهد بوشريط (( أنت لا يوجد لك سلاح لكن أكلفك بهذه الرسالة تأخذها إلى الأخوان هناك بمنطقة مشرية الذين بعثوا لنا رسالة من قبل إلى بونقطة ...)) ويقول المجاهد العرابي كنت صغيرا عمري حوالي 24 سنة بالنسبة لأفراد الجماعة التي كنت أتعامل معها بالرسائل أعمارهم لا تقل عن حوالي 40 سنة منهم سادة سياسيون ومسؤولون كإبراهيم طالب أحمد (شهيد) والمجاهد خيذري العيد (متوفي ) الذي حكم عليه بالسجن من قبل المستعمر الفرنسي بمشرية والمجاهد محمد اليعقوبي ورشيدي مولاي أحمد (متوفي ).. ****بعث رسائل تنص على تكوين مراكز الثورة على الحدود وللتذكير بان طالب أحمد أول شهيد آنذاك بمنطقة مشرية كان مسؤول مركز و استشهد بجبل (بلكروش) وكذلك يتذكر المجاهد العرابي الكلمة التي قالها له البطل المجاهد بوشريط باللهجة العامية (( بأن الاستقلال ما هوش ساهل باش أن شوفوه جيل كحنا وجيل ما بعدنا أي الثاني والجيل الثالث إذ ألحق على الاستقلال..) والرسالة التي حملها المجاهد محدثنا تنص على تكوين مراكز الثورة من اجل انطلاقها من الحدود المغربية إلى ناحية مشرية ودور هذه المراكز كان مهما في التمريض أي تقوم بتقديم العلاج للجرحى ورعايتهم وتوزيع المؤونة وتوزيع السلاح وكذلك تقوم بمهمة الإتصالات بين الداخل والخارج لاسيما المراكز التي أنشئت لتنظيم الثورة بالجهة منها مركز (بلكروش) الذي أنشئ بالحدود المغربية لتسهيل تمرير السلاح والمؤونة وغيرها.. ومركز المالحة بضواحي مشرية على بعد حوالي 45 كم ومركز جبل بوداود حيث تم تأسيس هذه المراكز خلال سنة 1957 م وأضاف المجاهد العرابي الحاج إبراهيم في حديثه عن مهمته بمنطقة مشرية حيث كلفته القيادة منهم المجاهد سي الطالب احمد بالبقاء بوسط مدينة مشرية ليقوم بمهام الاستعلامات السرية وجمع الأخبار عن تحركات العدو المستعمر وأعوانه من الحركى وكان السيد العرابي يعتمد في مهمته بإرسال رسائله عن طريق شاحنة التي كانت تجلب الحطب وتجوب مدينة مشرية وتتنقل نحو مراكز الثورة وهذه الخطة قام بها المجاهدون للتمويه عن أنظار العدو لاسيما تمرير الرسائل في الحطب عبر هذه الشاحنة كل 15 يوما و30 يوما تحمل بين طياتها أهم تحركات أفراد جيش الفرنسي داخل مدينة مشرية وكذلك يقول المجاهد *****استشهاد طالب أحمد فجّر الأوضاع العرابي كان يقوم بتوزيع المنشورات التوعوية في أوساط المواطنين خصوصا المواطنين الذين هم في بداية النضال والمخلصين لدعم نشاط حملة التحسيس لانطلاق الثورة بالجهة التي كانت ناجحة ويتذكر مقولة قالها الشهيد طالب أحمد رحمه الله (( بأن أبواب الجنة راها أتحلت وعلى كل مخلص للوطن من واجبه أن يقوم بالقتال ضد العدو الفرنسي لكي يموت دون تسريب سر للعدو..)) وفي أواخر سنة 1956 قدمت قوات فرنسا إلى مركز (بلكروش ) وحاصرته وقام أحد الضباط بضرب المجاهد طالب أحمد الذي لم يبق مكتوف الأيدي بالرغم من حضور مكثف لقوات الجيش الفرنسي التي كانت تحاصر المكان فرد عليه بالمثل بضربة قاضية فأطلقوا عليه الرصاص فإستشهد بعين المكان .وحينها تفجرت الأوضاع حيث قامت فرنسا بنفي بعض المجاهدين منهم المجاهد خيذري من تراب مشرية أما المجاهد رشيدي مولاي أحمد إلتحق بصفوف الثورة والمجاهد اليعقوبي سجن وكذلك ألقت القبض على المجاهد السيد كبير محمد كان من كبار السياسيين وله دور هام في تحصيل العلمي حيث كان مدير مدرسة..وفي سياق دعم الثورة وتنظيمها يقول السيد العرابي بان النظام قام بتكوين القسم الأول للثورة و مسؤول القسم ومسؤول الناحية في بداية 1956 وأواخر1957 حيث تم تكوين في كل عرش مركز للتموين والإشتراكات والتعليمات وبعد ذلك تم تكوين المنطقة حيث سميت مشرية بالمنطقة الثامنة من بشار إلى حدود المنطقة الثالثة والرابعة والخامسة ..وعلى صعيد النشاط الثوري أضاف المجاهد العرابي بأنه نفذ عمليتن مهمتين في قلب مدينة مشرية منها المهمة الأولى جرت قبل سنة 1958 حيث قام بوضع حد لنشاط احد الخونة الذي كان يعمل لصالح العدو الفرنسي يقوم بتوعية المواطنين للانخراط في صفوف الجيش الفرنسي وهذا ما رفضه المخلصون عامة ****استدراج الخونة و تسليمهم إلى المراكز السرية بالمنطقة حيث قال السيد العرابي بأنه قام باستدراج الخائن واحضر له حصانا ونقله إلى خارج المدينة تحديدا الوجهة نحو أحد المراكز السرية للثورة ..وبعد حوالي يومين من عملية تحويل هذا الخائن برفقة شخص أخر قد استسلم لقوات العدو من قبل حيث قدمت4 طائرات من نوع (هيلوكبتر) مدججة بقوات من العسكر حاصرت المركز وعثرت على الخائن حيا ومسؤول العرش ومسؤول القسم ..أما المهمة الثانية التي نفذها المجاهد العرابي بعد مرور حوالي عامين بعد الحادثة الأولى حيث ألقى القبض بتاريخ 27 ديسمبر 1959 على أحد الخونة (مرندي ) انضم إلى العدو ورفقائه منهم جنديان فرنسيان ويهودي وخلال سنة 1960 أصبح المجاهد العرابي مسؤول قسم نظرا لحنكته ونشاطه بمنطقة مشرية ..وخلال وقف إطلاق النار سنة 1962 خرج الشعب بقوة بضواحي مدينة مشرية تصدت له منظمة" لواس " بإطلاق النار عليهم ،ووقعت اشتباكات وكان حوالي 11 جنديا من صفوف البواسل الجزائريين يتمركزون وراء جبل (عنتر) شمال مدينة مشرية وعلى ضفاف الوادي يراقبون تحركات قوات المستعمر التي انقسمت إلى قسمين مجموعة اتجهت نحو الوادي حيث يتواجد المجاهدون ****استشهاد 4 شهداء و مقتل 15 عسكريا على ضفاف الوادي والأخرى نحو المنطقة ويقول الحاج العرابي براهيم كان برفقة المجاهد مولفرعة لحرش (مساعد ) يترصدان كذلك تحركات العدو حتى اندلعت اشتباكات معركة جبل (عنتر) وحينها أصيب ثائران بجروح خطيرة واستشهد 4 شهداء من المواطنين الذين خرجوا للتجنيد من اجل الثورة بمنطقة مشرية منهم الطالب من أولاد سيدي على بن يحيي أما الجانب الأخر من قوات الفرنسية فقدت حوالي أكثر من 15 جنديا (العدد غير مضبوط )وخسائر في العتاد وانهزمت ماديا ومعنويا على ضفاف الوادي بمحاذاة جبل عنتر الذي يبقى شاهدا إلى يومنا هذا على هذه الأحداث .وفي الأخير يحث الحاج إبراهيم العرابي الأجيال على ترسيخ الذاكرة الثورية والحفاظ على تاريخ الثورة المجيدة مثمنا دور الشعب الجزائري المخلص الذي صمد وكافح بالنفس والنفيس والتضحيات من أجل استقلال الجزائر