تبلغ اليوم ثورة التحرير سن الستين وقد أنجبت دولة فتية هي الآن في الثانية والخمسين.لكن حكاية الثورة لم ترو كلها، إذ لا تزال الكثير من الفصول مجهولة ومنسية، تماما كما جراحها التي لا تزال مفتوحة. مرت ستون سنة على قرار المرور إلى الكفاح المسلح بعدما استنفد الجزائريون أساليب النضال من أجل الاستقلال، ولا تزال فرنسا ترفض الاعتذار عن جرائمها، حتى وإن اعترف بعض ساستها، تحت الضغط الجزائري، ببشاعة الاستعمار، لكن ما نطقت به الألسن لم تؤيده القلوب، بدليل أن الطبقة السياسية الفرنسية لم تشف بعد من الايديولوجيا الاستعمارية، بل أن رياضة الصيد في الجنوب لازالت تستهوي صناع القرار في باريس.وحتى وإن سجلنا وجود إلحاح جزائري على طلب التوبة من فرنسا في السنوات الأخيرة، فإن عملا كبيرا لازال ينتظر الضحية لتوثيق جرائم الجلاد، خصوصا وان جيل الثورة يسير في طريق الانقراض.النصر قامت في هذا العدد بتسجيل شهادات عن الثورة إلى جانب محاورة مؤرخين، كما أعطت الكلمة للأجيال الجديدة، واكتشفنا لدى إنجاز هذا العدد أن الآجيال الجديدة من الجزائريين لا تعرف إلا أشياء بسيطة عن الثورة ووقفنا على عدم اكتراث من جيل يريد أن يعيش فحسب. وقد يكون للاخفاقات التي صاحبت بناء الدولة الوطنية والاستخدام المفرط للشرعية الثورية من طرف ساسة استخدموا شعارات الثورة خلال ممارستهم للحكم دور في النظرة السلبية للتاريخ أمام جيل يريد أن يعيش الرفاه والحرية دون النظر في المرآة العاكسة. الفرنسيون وعقدتهم الكولونيالية... من هولاند إلى دوفونتني حكاية مجازر ترفض فرنسا الاعتراف بها يرفض ساسة فرنسا على اختلاف توجهاتهم، استعمال مصطلح «التوبة الكولونيالية» والاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ويعتبرون بان كل ما ارتكبته آلة الموت الاستعمارية مجرد صفحة تاريخية من سياسة فرنسا الاستعمارية يجب نسيانها من دون الاكتراث بما خلفه استعمارها للجزائر لأكثر من عقد من الزمن عاثت فيه فسادا فخربت وقتلت وشردت ونكلت بمئات الآلاف من الجزائريين. يجمع المؤرخون بأن الاعتراف بالخطأ ليس بجريمة بل هو تعبير إنساني وأخلاقي عن فعل ارتكب ولا يتوجب أن يتكرر في المستقبل، ففرنسا التي حرصت على مطالبة الأتراك بالاعتراف بجرائم الإبادة ضد «الأرمن» ترفض أن تتقمص الدور نفسه وتعتذر عن جرائمها الاستعمارية في الجزائر، بل أكثر من ذالك فان هذا الرفض يكاد يكون المبدأ الوحيد الذي يجمع اليسار واليمين بشقيه المعتدل والمتطرف. فكلمة «توبة» مصطلح يلتقي عند رفضه اليمين واليسار، فلا جاك شيراك ولا بعده ساركوزي ولا حتى الاشتراكي فرانسوا هولاند، استطاعوا تجاوز الحاجز النفسي والإقرار بالحقيقة والاعتذار عن جرائم الاستعمار الفرنسي، فالرئيس ساركوزي قال بأنه «لم يأتي للاعتذار، وهي العبارة نفسها تقريبا رددها هولاند عندما زار الجزائر وقال حينها « لم آت إلى هنا من أجل التوبة أو الاعتذار، وليس هذا ما طلب مني أو ما أريد القيام به، جئت لأقول ما هي الحقيقة، ما هو التاريخ»، لان التاريخ عند الفرنسيين هو إنكار الجرائم والتنكيل وقتل الأبرياء. فرغم انقضاء أكثر من نصف قرن على استقلال الجزائر لا يزال أنصار «الجزائر فرنسية» يتحسرون على ضياع الجزائر، إحساس ظهر «عن قصد أو عن غير قصد» من خلال التصريحات التي أطلقها سياسيون وكتاب وحتى من الوسط الفني، ولعل أخرها تصريحات جونوفياف دو فونتوني، مديرة مسابقات الجمال بفرنسا سابقا وضيفة شرف مسابقة ملكة جمال الجزائر 2014، في خطاب تزكية ملكة الجمال حين قالت: (الجزائر الفرنسية). ويقول الكثير من المؤرخين، أن إصرار الحكومة الفرنسية على عدم الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر وتقديم اعتذاراتها، له مبرر واحد وهو تجنب المتابعة القضائية ضد الذين ارتكبوا هذه الجرائم. ويؤكدون بان مسألة التوبة تعني بالنسبة للطرف الجزائري محاولة إحقاق العدالة، والشروع في علاقات جديدة مع الطرف الفرنسي تكون خالية من الحقد. ويرى آخرون بأن مسألة "التوبة" التي يطالب بها الجزائريون لا تهم، بقدر ما تهم معرفة التاريخ الحقيقي للاستعمار، وتوضيح تجاوزاته. وبرأي وزير المجاهدين الطيب زيتوني، أن فرنسا لم تتقبل خروجها من الجزائر بقوة السلاح، وقال في تصريح صحفي مؤخرا، بان فرنسا لن تهضم أبدا أن شوكتها انكسرت في الجزائر، ولن تهضم أبدا أنها طردت مكسورة من الجزائر. أن الجزائر لن تطلب من فرنسا الاعتذار وإنما ستجبرها من خلال كشف جرائمها التي طالت الشعب أثناء حقبة الاستعمار. وبدل اعتراف السلطات الفرنسية على جرائم الاستعمار، طرحت مصطلح مبتدع يتمثل في «الاعتراف المتبادل» أو بالأحرى المساواة بين الضحية والجلاد، فالسلطات الفرنسية قالتها صراحة وعلى لسان أكثر من مسؤول، بأنها تريد اعتذارا متبادلا «يكون اخف بالنسبة لهم على اللسان إذا كان ما يقابلها من اعتراف جزائري مماثل».. لكن على ماذا يعتذر الجزائريون، على تحرير وطنهم من الاستعمار أم استرداد ملكية ثرواتهم. ورغم مقترح «المقايضة السياسية والتاريخية» أو «الاعتراف المتبادل» الذي طرحه الفرنسيون، هناك الكثير من أنصار اليمين يرفضون الفكرة أصلا، واللافت أن الخطاب المتعصب الذي يرفض الحديث عن «الإقرار بالذنب» قد أصبح يلقى شعبية واسعة في فرنسا. يكشف عن حقد دفين للجزائر وشعبها في أوساط من لا يزالون يؤمنون بان الجزائر سرقت من فرنسا وباعها ديغول للجزائريين. هذا الفكر المتعصب انفجر في إحدى الحصص التلفزيونية، وكان بطلها وزير الدفاع الفرنسي في حكومة ساركوزي، جيرارد لونغيه، والذي قام بحركة يد بذيئة، في رد منه على تصريح صدر عن وزير المجاهدين يطالب فرنسا بالاعتذار، تلك الحركة أثارت حينها الذهول، وأكدت تدني المستوى السياسي في فرنسا، حركة أثارت جدلا في باريس، وأدانها الكثيرون باستثناء زعيمة التيار اليميني المتطرف مارين لوبان التي أبدت سعادتها، وراح الكثير من حزبها يقلدون لونغيه ويتفاخرون بذلك. كما لم يتوان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في طعن الجزائر من خلال تصريحات مهينة وساخرة خلقت موجة استياء سياسي وإعلامي في الجزائر واعتبرت مسيئة وجارحة للجزائر، حيث هنّأ الرئيس الفرنسي وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس على عودته سالما من الجزائر بعد زيارته رفقة الوزير الأوّل جون مارك آيرو، وقال هولاند خلال الكلمة التي ألقاها في احتفال الذكرى ال 70 لعيد المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا في قصر الإليزيه: (أظنّ أن وزير الداخلية مانويل فالس سيقوم بزيارة للجزائر)، لكنه تدارك سريعا وقال بابتسامة ساخرة: (عفوا.. لقد عاد مانويل فالس مؤخّرا من الجزائر، أمر جيّد أن يعود وزير الداخلية سالما معافى..). واللافت أن هذه الذهنية الكولونيالية لا تزال تطبع الكثير من الفرنسيين الذين لم يهضموا بعد بان الجزائر مستقلة، فلم تعد مثل هذه التصريحات عن سياسيين أو مسؤولين بل تعدت إلى رجال الفن وسيداته، وخير مثال التصريح الصادر عن جونوفياف دو فونتوني، مديرة مسابقات الجمال بفرنسا سابقا وضيفة شرف مسابقة ملكة جمال الجزائر 2014، في خطاب تزكية ملكة الجمال حين قالت: (الجزائر الفرنسية)، ما أثار استياء كلّ من حضر الحفل النّهائي. أنيس نواري الحرب التي لا تنتهي بين الجزائر وفرنسا على الرغم من دعوته إلى إنهاء حرب الذاكرة بين البلدين عندما اختير مرشحا للحزب الاشتراكي لانتخابات الرئاسة الفرنسية في مارس 2012 إلا أن الرئيس فرانسوا هولاند لم يملك الجرأة بعد لإنهاء هذا الملف ويعترف بالجرائم المرتكبة في حق الجزائريين خلال الحقبة الاستعمارية، وكان الجميع هنا في الجزائر ينتظرون منه موقفا حاسما وجريئا ينهي الجدال الذي أثير حول هذه الملف، عندما زار الجزائر في ديسمبر من العام 2012 إلا انه خيب أمال الجميع واكتفى بإشارة بسيطة لم تقنع لا الرسميين ولا المواطنين في بلد المليون ونصف المليون شهيد. وعلى هذا المنوال ظل ملف الجرائم ومنها التعذيب المرتكب في حق الجزائريات والجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية ومطلب الجزائريين الاعتراف به والتعويض عنه من اعقد النقاط السوداء التي تعكر العلاقات بين البلدين بعد 60 سنة عن الثورة التحريرية التي أزالت الوجود الفرنسي من الجزائر، ولم يتمكن كل الأبناء الورثة المتعاقبين على الكرسي من تجاوز عصا الأم الممدودة دائما فوق رؤوسهم، رغم ما يظهرونه في كل مناسبة من لين وشبه الاعتراف بما اقترفته تلك الأم يوما ما. في الجزائر رسميا وشعبيا لا تنازل عن مطلب الاعتراف بالجرائم الكبيرة والوحشية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الملايين من الجزائريين طيلة 132 سنة وبخاصة خلال فترة حرب التحرير الوطني التي خلفت لوحدها مليون ونصف المليون شهيد، ولن يكل ولن يمل الجزائريون عن مطالبة فرنسا الرسمية بمثل هذا الاعتراف على الرغم من أن هذا الاعتراف لن يضيف شيئا لاهتمام الجزائريين بتاريخهم وخاصة بتاريخ ثورة أول نوفمبر، لأن الجزائر كدولة ماضية في تلقين أبناءها التاريخ الحقيقي الذي كتبه أسلافهم بالدم والتراب، وفي الحقيقة فإن الاعتراف له معنى معنوي وسياسي بالدرجة الأولى كونه يدين فرنسا المجرمة، لكن وكما يقول المثل فإن الاعتراف سيد الأدلة. أما فرنسا الرسمية الحالية فإنها تبدو مرتبكة حيال هذا الأمر، وهي تحاول المشي كالعذراء المغشوشة التي تحاول إظهار عذرية مفقودة في الأصل، ويجتهد قادتها عند كل فرصة تتاح لهم للحديث عن هذا الملف في البحث عن مفردات جديدة علها ربما تغالط المتلقي في الجهة الأخرى أو تبدو له لطيفة- والفرنسيون معروفون بأنهم من أكثر الشعوب ثرثرة في العالم، وباحتشام بدأوا يصفون ما وقع في الجزائر بين 1954 و 1962 "حربا" أسموها "حرب الجزائر"، بعدما كانوا ينعتوها "بأحداث الجزائر"، ولم يتمكن الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند من الاعتراف هو الآخر بما اقترفته فرنسا الاستعمارية بحق الجزائريين، وكان يعول عليه خلال زيارة الدولة التي قادته إلى بلادنا نهاية العام 2012 بعد ستة أشهر عن انتخابه سيدا لقصر الاليزيه أن يخطو على الأقل خطوة جريئة في هذا الاتجاه عله ربما يقلل من التوتر السياسي الحاصل في العلاقات بين البلدين الذي يطفو في فترات معينة بدرجة عنيفة. وبدلا من الذهاب رأسا نحو الموضوع اجتهد هولاند في اللجوء إلى قاموس "لاروس" الغني عله يعثر على كلمات رقيقة يبسكن بها هيجان منظمات وأحزاب سياسية في الجزائر بخصوص هذا الموضوع، ورغم ما كتبه في جريدة "الوطن" الجزائرية في مارس من العام 2012 بعدما اختاره الحزب الاشتراكي مرشحا لرئاسة الجمهورية من «أن حرب الجزائر تحتل مكانة هامة في التاريخ الفرنسي المعاصر، والدليل على ذلك أنها أدت إلى سقوط الجمهورية الرابعة وظهور الخامسة، وتميزت بإرسال مليون ونصف جندي فرنسي إلى الجزائر ومقتل 30 الفا منهم إضافة إلى مقتل الآلاف من الحركي»، لكنه فشل وظلت منظمات الأسرة الثورية وأحزاب سياسية عديدة ومواطنون يلحون في كل مرة على ضرورة تجريم الاستعمار وضرورة أن يعترف الفرنسيون اليوم بالجرائم التي ارتكبوها في حق جزائريين أبرياء. ومن هذا المنطلق لا تسير العلاقات السياسية بين الجزائر وفرنسا على خط مواز مع العلاقات الاقتصادية، الأولى تتعثر وتقف في كل مرة عند حاجز الذاكرة و ورفض الطرف الفرنسي الاعتراف بفظائعه في بلاد الجزائريين، والثانية تسير بسرعة فائقة كاشفة الوجه الآخر الذي يريد الفرنسيون تسويقه لنا المتمثل في النظر إلى المستقبل، لكن المستقبل لا يبنى إلا على أساس ماض واضح. محمد عدنان هل حققت الثورة أهدافها؟... مؤرخون ومجاهدون يتحدثون للنصر الثورة حققت الاستقلال.. و إرثها التاريخي يواجه مؤامرة فرنسية جديدة يعترف العالم بأسره بأن الثورة التحريرية، التي مر عليها ستة عقود، كانت من أعظم الثورات في التاريخ ويسجل المؤرخون مراحلها بحروف من ذهب، ويجزم جل المؤرخين، بان الثورة الجزائرية كانت المنبع الذي ارتوت منه الكثير من الثورات عبر العالم في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ولكن بعد مرور كل هذه الفترة لا يحق للجزائريين التساؤل: هل حققت هذه الثورة العظيمة أهدافها ؟ وهل نجح جيل الاستقلال في المحافظة على الرصيد التاريخي لثورة عظيمة ، أسئلة يصعب على الكثيرين طرحها لحسابات سياسية، أو لغيرها، فهل سيأتي اليوم الذي يلتقي فيه السياسي والمؤرخ والباحث للحديث عن ارث هذه الثورة . يجمع كل المؤرخين والكتاب داخل الوطن أو خارجه، بأن ثورة 1 نوفمبر قد حققت هدفها الأول وهو دحر الاستعمار الفرنسي وطرده من الجزائر بعد 130 سنة من الاحتلال الفرنسي والذي لم يكن مجرد إخضاع عسكري ونفوذ سياسي، بل كان ذا أبعاد حضارية وثقافية واسعة، أرادت فرنسا من خلالها طمس الشخصية العربية والإسلامية للجزائر، وجعلها تابعا يدور في الفلك الفرنسي بلا إرادة ولا انتماء خاص، سياسة تجلت في أبشع صورها، لأن فرنسا كانت تزعم أن الجزائر امتداد للأرض الفرنسية . الثورة التي فجرها رجال يذكرهم التاريخ واحتضنها الشعب، رسم مهندسوها أهدافا وردت في بيان 1 نوفمبر 1954، لأجل تحقيقها، ولعل أهمها هو تحقيق الاستقلال، و "إقامة دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية".. ولكن هل تجسّد هذا الهدفُ بعد مرور أكثر من ستين سنة على اندلاع الثورة. وبعد نصف قرن على استعادة الجزائر استقلالها؟ الكثير ممن صنعوا الثورة، بل وحتى الكتاب يرفضون الخوض في مسألة كهذه كونها تثير الكثير من الحساسيات، وقد تفتح الباب أمام "صراعات سياسية غير محمودة"، بل أن الكثير من المجاهدين وصناع الثورة يرفضون الخوض في الملف، وقد رفض الكثير منهم الحديث عنها لمجرد أن الأمر يتعلق بقضية يرونها "مقدسة ولا يجب التفكير حتى في إثارتها"، فيما يرى آخرون بان الإخفاقات لا يمكن تحميلها إطلاقا للثورة بل هي نتاج سياسات خاطئة يتحمل مسؤوليتها من وضعها. ففي الجانب الاجتماعي مثلا، يرى كثيرون بان الكثير من الانجازات تحققت فالجزائري اليوم يدخل المدرسة بالمجان ويعالج بالمجان وله الحق في سكن لائق و وظيفة، ولكن يتساءل آخرون هل العدالة الاجتماعية التي تُرسي دعائم الدول وتضمن استقرار المجتمعات مكتملة الأركان بالجزائر؟ ويستدلون في ذالك بالطريقة المعتمدة في توزيع السكنات و مناصب العمل وقطع الأراضي. وكذا الاختلال في التنمية بين جهات الوطن، وبين المدن والأرياف، ودليلهم في ذالك كثرة الاحتجاجات وقطع الطرقات، حتى أصبحت تعد بالآلاف في السنة الواحدة. أما "القيم الإسلامية" التي تحدّث عنها بيان أول نوفمبر، وتعني في نظر الكثيرين أخْلَقة الدولة والمجتمع، فقد تجسّد جانبٌ منها، ولكن يشير كثيرون بالمقابل إلى التفشي غير المسبوق للفساد في المجتمع واستشراء الرشوة والاختلاسات والتزوير ونهب المال العام واستغلال النفوذ للحصول على امتيازات غير مستحقة وكذا الاستئثار بالامتيازات والريوع. ما انعكس سلبا على المجتمع وأدى إلى تفاقم الجريمة وتعاطي المخدرات والتهريب والانتحار والحرقة. ويرى كثيرون أن بيان أول نوفمبر، كان ولا يزال مشروع دولة ومجتمع، ويعتقدون بان تجسيده لا يزال يراود الملايين من الجزائريين، في إقامة "دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار القيم الإسلامية"، وإرساء العدالة الاجتماعية وأخْلقة الدولة والمجتمع معاً. ورد الحقوق لأصحابها، بعد انتزاعها من الذين أخذوها عنوة. المجاهد الطاهر بودهان: هناك مؤامرة للقضاء على رصيد الثورة الجزائرية يقول المجاهد والسفير السابق الطاهر بودهان، في معرض حديثه عن الذكرى الستين لاندلاع الثورة التحريرية، بان الثورة الجزائرية "لها فضل ليس في تحرير الجزائر فقط بل دول كثيرة"، مستدلا بمقولة الجنرال الفيتنامي، فو نغوين جياب، بطل استقلال فيتنام، الذي قال في تصريح له "بان الثورة الجزائرية أعظم ثورة في العالم" فهي التي حررت العالم الثالث وإفريقيا. ويضيف الدبلوماسي السابق "الثورة الجزائرية حررت فرنسا قبل أن نتحرر نحن فهي التي حررت الفرنسيين من الجمهورية الرابعة وبفضلها وصل ديغول إلى الحكم ولكن عوض أن يتجاوز عدة التفوق الاستعماري ويعطي الجزائريين حقوقهم جاء بفكرة إبادة الجزائريين وأطلق سياسة الأرض المحروقة"، وقال بان ديغول عكس ما يردده البعض كان مع سياسة الإبادة الجماعية "فهو من وضع المحتشدات وبلغ عددها 84 محتشدا وزج بالآلاف من الجزائريين فيها كما استعان ب 300 ألف حركي لإجهاض الثورة وساهم في بروز فئة للسيطرة على الجزائر وجعلها تابعة لفرنسا وبقي مفعول هذه السياسة الماكرة إلى اليوم". ويتأسف المجاهد والدبلوماسي السابق، على "ضياع ثورة التحرير خلال السنوات الأخيرة" ويقول "هناك جهل بالثورة الجزائرية والرجال الذين صنعوها بل أكثر من ذالك تحولت الثورة إلى قضية مناسباتية نتذكرها فقط في بعض المواعيد والتواريخ رغم أن الجزائر صنعت أجيالا وقادة ثوريين عبر العالم"، ويرى المتحدث بان الثورة الجزائرية "تعرضت لمؤامرة حتى ننساها حتى أن البعض ادخل على الثورة مغالطات مثل الجهوية وهي مسائل لم تكن مطروحة أصلا فالثورة حاربت الجهوية والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد". ويجزم الطاهر بودهان، بان فرنسا تقف وراء المؤامرة التي يراد من ورائها ضرب رصيد الثورة ويقول "هناك مؤامرة تقف خلفها فرنسا والتي لها أيادي نافذة مكنتها من تشويه صورة الثورة وحرفت حقائق تاريخية ودفعت بخلافات مزعومة إلى السطح حتى نقول بان الخلافات كانت السمة الأبرز بين صناع الثورة التحريرية كل ذالك من اجل القضاء على الذاكرة الجزائرية وربما مستقبلا تستحي الأجيال القادمة من الحديث عن ثورتهم لان المعلومات التي ستصلهم مشوهة ولا تبرز إلا النقائص والأكاذيب". ويؤكد الطاهر بودهان، بان اندلاع الثورة في أول نوفمبر، كان محصلة محطات كثيرة، وجاءت بعد تحضير استمر فترة طويلة، ويرى بان الشهيدين مصطفى بن بولعيد و زيغود يوسف هما الرجلان اللذان صنعا الثورة، من دون التقليل من الأدوار التي لعبتها أسماء أخرى، ويرى الطاهر بودهان، أن الكثير من أهداف الثورة تحققت وعلى رأسها إخراج المحتل من البلاد واستقلال الجزائر، لكنه يرى أن الانجازات لم تكن في مستوى الطموحات، فالكثير من المجالات لا تزال تعاني انعكاسات قرارات خاطئة، رافضا الحديث عن أخطاء شخصية، وقال بان "المسؤولية تقع على الجميع"، مضيفا بان الفشل في بعض السياسات استغله أعداء الثورة لاستهداف الإرث التاريخي وما حققته جزائر ما بعد الاستقلال. المجاهد محمد بشار : الاستقلال نعمة لا يعرفها إلا من عاش ويلات الاحتلال من جانبه يرى المجاهد محمد بشار، بان الاستقلال الذي ينعم بها الجزائريون "نعمة" وهي من بين الأهداف الكبرى لبيان أول نوفمبر، والتي تحققت بعدما كان الشعب الجزائري ممنوع من الحرية والهوية، وقال "كنا نحمل الهوية الفرنسية كما كان مدونا في بطاقة التعريف ( فرنسي مسلم ) واليوم ها نحن نحمل بكل فخر واعتزاز الهوية الوطنية كاملا وننعم بنعمة الحرية والاستقلال". ويرد المجاهد محمد باشر على الأطراف التي تحاول استهداف رصيد الثورة، بالقول "أن الاستقلال نعمة لا يعرفها إلا من عاش ويلات الاحتلال" وأضاف "كنا أذلة مثل العبيد لا يسمحون لنا بمواصلة الدراسة إلا لأبناء الشخصيات والباشغات والقياد"،أما اليوم فالتعليم والصحة بالمجان ومدارسنا ومستشفياتنا مفتوحة أمام كافة الشعب، إلى جانب وجود عدالة اجتماعية وتسهيلات في الحصول على سكن بعد أن كان الجزائريون يعيشون في أكواخ تفتقد لكل متطلبات الحياة. إضافة إلى تمكين الجزائريين من الحصول على فرصة عمل، فضلا عن تبني الدولة لسياسة اجتماعية تترجمها التحويلات الاجتماعية الضخمة لمختلف الفئات الاجتماعية. وقال محمد بشار، بان الدولة الجزائرية أصبحت متمسكة بقراراتها السيادية في الدفاع عن السيادة الوطنية وحماية ترابها، كما أن الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير، يؤدي مهامه المتمثلة فقط في الدفاع عن التراب الوطني ضد أي اعتداء خارجي، دون أن يقحم نفسه في شؤون الدول الأخرى كما نص عليه بيان أول نوفمبر. مشددا على ضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية التي دفع من اجلها الجزائريون ثمنا باهظا بالدم والشهداء صالح قوجيل :أول نوفمبر نجح والمشككون لهم خلفيات سياسية ويرى المجاهد وعضو مجلس الأمة صالح قوجيل، بان ثورة أول نوفمبر نجحت وحققت هدفها الأول وهو تحرير البلاد من المستعمر، وقال بان بيان أول نوفمبر "حمل أفكار ومبادئ تغذت منها الثورة بل أكثر من ذالك هناك شعوب و أمم أخرى أطلقت ثوراتها انطلاقا من بيان أول نوفمبر لان كل شيء تضمنه البيان كان لصالح الشعب والوطن" ويجزم صالح قوجيل، بان بعض الأطراف التي تحاول تشويه الثورة لها خلفيات سياسية، وقال بان الحديث عن الثورة يجب أن يبقى في نطاقه التاريخي ولا يبنى على حسابات سياسية قد تشوه الحقائق، مضيفا بان النداء "كان موجها لكل الشعب الجزائري وهو ما مكن الجزائر من تحقيق الانتصار وطرد المستعمر الفرنسي". ويؤكد عضو مجلس الأمة، بان المشاكل التي اعترضت الجزائر فيما بعد لم تكن أبدا "بسبب الخلاف حول مرجعية البيان بل لحسابات سياسية" المؤرخ فؤاد سوفي :لا يمكن إطلاقا الحديث عن فشل لأن الثورة حققت الاستقلال يرفض المؤرخ والباحث فؤاد سوفي، استعمال كلمة "فشل" في حديثه عن حصيلة 60 سنة من اندلاع الثورة التحريرية، ويقول بأنه "كمؤرخ يرفض الدخول في صراعات سياسية حول القضية" مفضلا التركيز على الهدف الأساسي الذي حرك ثورة أول نوفمبر ألا وهو الاستقلال، ويقول "كان هناك مشروع سياسي واحد وله هدف أساسي وهو الاستقلال ولا يوجد أي هدف أخر من وراء بيان أول نوفمبر". ويرى سوفي، بان الحلم الوحيد الذي كان يراود ملايين الجزائريين آنذاك هو الحصول على الاستقلال ثم بناء الدولة الجزائرية، وكانت بعد الاستقلال قرارات وتوجيهات أعطيت بناء على الأفكار التي كانت سائدة آنذاك، ويقول "يمكن أن نناقش هذه التوجهات و الأفكار لكن لا يمكن إطلاقا الحديث عن فشل لان لو كان هناك فشل كما يدعي البعض فلا يمكن الحديث عن دولة ولا عن تنمية ولا عن اقتصاد ولكن كل هذا موجود...إذا كانت هناك أخطاء في السياسات بعد الاستقلال فالجميع يتحمل المسؤولية لان بناء وطن ليس مسؤولية حزب أو فئة أو مجموعة بل هي مسؤولية مشتركة بين كل الجزائريين". أما النجاح الثاني الذي يحسب لصناع بيان نوفمبر يتمثل في وجود إجماع وطني حوله "فلا يوجد أشخاص أو أحزاب أو حتى حزب واحد أو فئة تقول أنما ضد بيان أول نوفمبر 54 وهذا الوضع مستمر إلى يومنا هذا أي هناك إجماع وطني وهذا بحد ذاته انتصار للثورة"، أما المبادئ الأخرى مثل الطابع الجمهوري والاجتماعي للدولة والمبادئ الإسلامية هي كلها مسائل يمكن مناقشتها أو الحديث عن القرارات التي اتخذت فيما بعد لتجسيدها على ارض الواقع. ويعتقد الباحث في التاريخ بان بعض الأطراف تحاول تحميل صناع الثورة أكثر مما يحتملون قائلا "قبل الثورة كانت هناك أطراف رافضة لها فالجزائريين في نظرهم لم يكونوا مستعدين لها رغم ذالك قامت الثورة والتحق بها الشعب فانتصرت ولكن فيما يعد لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمآل الأمور والتطورات لان الدول في حركية دائمة وما يصلح اليوم قد لا يصلح بالضرورة غدا". أنيس نواري الأجيال الجديدة غير مهتمة بالثورة ولا تعرف إلا القليل عنها أظهر استطلاع ، قامت به النصر أياما قبل تاريخ الفاتح نوفمبر ذكرى اندلاع ثورة التحرير، وجود هوة كبيرة جعلت جيل بأكمله لا يذكر عن ثورته التحريرية سوى بعض التواريخ البسيطة و أسماء شخصيات تتردد عند كل مناسبة تاريخية، و لا يجد حرجا في التعبير عن رفضه لوصايتها و التأكيد على أن الوقت قد حان لطي صفحة الماضي. التوجه العام لجل من سألناهم من شباب على اختلاف فئاتهم العمرية و مستوياتهم العلمية و الثقافية بين بأن ذكرى الثورة التحريرية مناسبة باتت تمر عليهم مرور الكرام، أما قيمها و مبادئها فقد تلاشت مع مرور السنوات كما أكد معظمهم، وذلك بسبب انشغالاتهم الاجتماعية و كثرة مشاكلهم اليومية، ما جعل التاريخ بكل تفاصيلة يفقد أهميته. حتحوت زين العابدين خريج كلية القانون بجامعة قسنطينة صاحب 26 عاما، تفاجأ لسؤالنا عن الثورة، ورد متهكما : « رحم الله شهدائنا الأحرار، اسألوني عن الحاضر فالماضي قد مضى و انتهى، ليعقب على قوله « عن أية ثورة تتحدثون حياتنا كشباب في حد ذاتها ثورة، حارب لتنهي دراستك، و حارب لتحصل على وظيفة محترمة و حارب لتتمكن من العيش بكرامة، أحيانا يجب أن نحارب لاستخراج وثيقة بسيطة من إحدى الإدارات». يضيف : « بالنسبة لي شخصيا لا أتذكر تاريخ الفاتح نوفمبر إلا من خلال وسائل الإعلام، و للأمانة لا أتوقف عنده كثيرا، فمفهوم الثورة في حد ذاته فقد تلك الهالة التي كانت تحيط به بسبب كثرة الثورات مؤخرا و ما أحدثه الربيع العربي. إذ تحولت الثورة إلى موضة و ما عدنا نهتم لتاريخها أو رمزيتها ، صحيح أننا لا ننكر فضلها ، إلا أننا و بصراحة لا نلمس الكثير من نتائجها، نحن إلى الآن نقاوم للحصول على العمل و العلاج و الأمن و حتى النقل». بالمقابل اعتبرت فئة قليلة من الشباب بأن الحديث عن الثورة لا زال مقدسا لأنها في النهاية عبدت لنا الطريق لنعيش بحرية اليوم، لذا فقد أورثت لنا أمانة يتوجب علينا صيانتها، لأنها خطت بدماء مليون و نصف مليون شهيد، كما أكدت ياسمين 28 سنة خريجة كلية الإعلام و الاتصال بقسنطينة. معبرة بأن تاريخ ثورتنا يفرض علينا مهمة مواصلة العمل لإعلاء راية الوطن عرفانا بتضحيات أجدادنا و اقتدءا بقيمهم و مبادئهم . و حسب عبد الله 28 سنة موظف بمؤسسة عمومية، فان ثورة التحرير ثورة مقدسة لا تجوز الإساءة لها حتى ولو من باب المزاح و التهكم كما يفعل الكثيرون، لأنها مسيرة نضال طويل دفع خلاله أجدادنا أرواحهم ثمنا لنعيش نحن بكرامة و حرية. ذلك حتى و إن كانت الصورة مشوشة و غير واضحة ، بسبب كثرة الحديث عن صراعات الجبهة الداخلية التي طفت إلى السطح مؤخرا من خلال شهادات بعض المجاهدين و المجاهدات، ممن باتوا في كل مرة يخرجون إلينا بتصريحات خطيرة تطعن في شرعية بعض الأسماء و تتهم أخرى. يضيف محدثنا :» جيلنا لا يعرف عن الثورة أكثر مما درسه في كتب التاريخ، لذلك فان غياب التأريخ و تناقض الشهادات أول سبب وراء جهلنا بها و عدم ثقتنا فيما يروى عنها من تفاصيل يفصلها كل حسب قياساته، كما يقيم شخصياتها و أسمائها بعيدا عن النظرة الموضوعية و حسب معاييره الشخصية لا وفقا لواقع حقيقي مبني على أسس علمية». مستطرد ا « السبب الثاني هو الشرعية الثورية التي خلفت أبوية ترفض منطق المناقشة مع الأجيال اللاحقة، لأنها قائمة على عقلية التفوق. فبات الشّك يساورنا بخصوص حقيقة الثورة " المثالية"، خصوصا في ظل اختلاط الأمور، بسبب تبادل التهم و الانتقادات بين المجاهدين "، يضيف " عن نفسي اظن أن الوقت قد حان لكتابة تاريخ الثورة و التخلص من عباءتها الثقيلة من أجل الانتقال إلى بناء الذات بسواعد جيل الحاضر حتى لا نبقى عالقين في الماضي و ننسى بأننا تحرننا منذ 60 سنة كاملة". نفس الموقف تبناه طلبة من قسم التاريخ، العلوم السياسية و الإعلام بجامعة قسنطينة، معبرين» في الآونة الأخيرة أصبحنا نستمع لتصريحات كثيرة تعيد النظر حتى في قناعات راسخة لدينا"، « ما جعلنا كشباب نختار العزوف لنحافظ على تلك الصورة الإيجابية عن مسيرة شاملة قام بها شعب من أجل الإستقلال". بين التواصل...و القطيعة على اختلاف تعليقاتهم التي اتسمت في معظمها بالتهكم ، يتفق جيل من الطلبة الجامعيين، تلاميذ المدارس و الثانويات وحتى شباب عاطل عن العمل على أن الثورة فقدت رمزيتها لكن احترامها لا يزال قائما لأنها ثورة الشهداء و مجد الأحياء. فالعديد ممن سألناهم عن معرفتهم بالثورة و رمزيتها أكدوا بأنها واحدة من بين "أشرف" و أعظم الثورات التحريرية ضد الاستعمار الغاشم. غير أن ثقافتهم حولها لم تتعدى بعض التواريخ البسيطة كتاريخ و مكان اندلاعها عند ساعة الصفر،مظاهرات 11 سبتمبر، 5جويلية 1962، أسماء مجاهدين من مجموعة 22، و بيان أول نوفمبر كوثيقة ثورية تعلقها بعض الإدارات و قل ما يفكر بعضهم في قراءتها، أما تاريخ 8 ماي 1945فبات يشكل خلطا لديهم مع مناسبة أخرى هي 8 مارس عيد المرأة. و الملاحظ أن الفئة كبيرة من تلاميذ الثانويات كانت الأكثر اطلاعا حول تاريخ ثورة التحرير، كما لمسنا لديها حسا وطنيا عاليا و احتراما كبيرا لذكرى شهدائها و مقاربة صحيحة لأحداثها و بعض محطاتها بحكم دراستهم لمادة التاريخ. بالرغم من أن بعضهم اعتبر الموضوع داعيا إلى السخرية، على غرار وليد 17 سنة طالب بكلوريا بمتقن مصطفى كاتب ببلدية عين السمارة، الذي انفجر ضاحكا بمجرد سماعه لسؤالنا عن ذكرى الثورة و رمزيتها، معلقا بأن الأمر لا يعنيه خصوصا وان يفكر فعليا في الهجرة. و حملت تعليقات باقي زملائه، بالإضافة إلى تلاميذ آخرين من ثانويتي ابن باديس و ابن تيمية بقسنطينة، صورة جد مؤسفة عن نظرة مراهقين للتاريخ عموما . بالمقابل اتسم النقاش مع الطلبة الجامعيين بالتنوع رغم أن غالبيتهم أكدوا أن ذكرى الثورة راسخة لكنها كمناسبة ما عاد يحتفل بها إلا الرسميون، مشيرين إلى مشكل غياب التأريخ و التوثيق و مؤكدين بأنهم ملوا اختزال ثورة دامت قراربه ثمان سنوات في فيلم «معركة الجزائر» الذي يعرض عند كل مناسبة. من جهة ثانية قليلون أشاروا إلى معرفتهم بوجود صراع بين الجناحين العسكري و السياسي للثورة، و الباقون أكدوا أن الثورة و تاريخها لا يهمهم أصلا، معلقين " بان هذا الوطن و ثورته لم يقدم لهم الكثير" طبعا مع احترامهم لتضحيات الشهداء، كما علق حمزة عامل بإحدى المقاهي بحي بوالصوف. فئة أخرى من البطالين و خريجي الجامعات و موظفي عقود ما قبل التشغيل، اختلفت آرائها بين مهتم و لا مبال، و آخرون تحدثوا عن استقلال غير كامل، كما عبروا، خصوصا وأن أذيال فرنسا لا زالوا موجودين ، حسب ما يردده آباؤهم و يتداوله الشارع. عشرينيون و ثلاثينينون، رفضوا بدورهم الخوض في الحديث من الأساس، واكتفوا بالتعليق بأنها ذاكرة لا تعنيهم، لأن حياتهم مليئة بمشاكل و تناقضات يتطلب التفكير فيها و التركيز على حلها كامل اهتمامهم. تقول عذراء30 سنة، نصف مشاكلنا اليوم هي نتاج لما خلفته هذه الثورة فما نعيشه الآن أفرزته، حسبها، رواسب كثيرة ظلت تفرض منطقها لعقود بعد الإستقلال منطق ترجم من خلال قرارات ربما لم يعد هذا زمانها. و رغم الاختلاف بخصوص ما إذا كانت قيمها ما تزال راسخة في أذهانهم ، و تحظى بنفس الإيمان في زمننا نتيجة لتغير المعطيات و تطور الإهتمامات و المطالب من البحث عن الإستقلال إلى العيش بكرامة، إلا أن السواد الأعظم من الشباب يتفقون على طرح موحد، هو أن بريق الثورة بدأ يخفت و ما عاد يلمع إلا عند المساس بها أو الإساءة لرموزها من قبل الغير، ذلك لأنها تظل حسب تعبيرهم، أول رصاصة أعلنت بداية نهاية الاستعمار. طلبة قسمي التاريخ و العلوم السياسية بجامعة قسنطينة عوامل إجتماعية و متغيرات كثيرة صنعت الهوة بيننا وبين التاريخ تباين الآراء حول رمزية الثورة عندهم، أرجعه طلبة ماستر من قسم العلوم و التاريخ بجامعة قسنطينة، إلى عوامل اجتماعية محضة، فمن اعتبر منهم بأن التفاعل بالشكل المطلوب مع المناسبات والأعياد الوطنية لم يعد قائما، علل ذلك بوجود اختلاف جذري عن شباب الأمس، من حيث طريقة التفكير والنظرة إلى الأمور. يقول الطالب خناوي عمر صاحب 23عاما سنة ثانية ماستر، في مرحلة معينة من حياة أبائنا كان التاريخ الوطني عبر كل محطاته يمثل مصدر إلهام وفخر واعتزاز وتطلّع نحو المستقبل المشرق، لكن الأمر اختلف بالنسبة للأجيال اللاحقة، فنحن لا نتقاسم الشعور والنظرة ذاتها. لا نعني بذلك بأننا نزدري تضحيات أجدادنا في سبيل نيل حرية ننعم بها نحن اليوم ، وإنما لأننا لا نرى في التاريخ ككل موضوعا ذا أهمية في حياتها الحاضرة والمستقبلية، أو لا يحقّق طموحاتها الاجتماعية ، معلقا إذا كان الأمر كذلك في الوسط الجامعي فكيف سيكون إذا بالنسبة لعامة المجتمع. و تضيف الطالبة نور الهدى صغيري 22سنة، سنة ثانية تاريخ، " فئة قليلة فقط منا كشباب لا تزال تهتم لتاريخ الثورة و تحترم ذاكرتها كما تقدس رموز النضال الثوري، ليس لأننا جيل جاهل أو ناكر لتاريخ حرب التحرير، بل لان عوامل و متغيرات اجتماعية كثيرة أثّرت على نظرة البعض لتاريخ الثورة التحريرية". التفكير في صعوبة الواقع المعاش،البطالة و المحسوبية و مشاكل كثيرة أخرى غطت على اهتمامنا بالتاريخ و جعلت أمور أخرى و مفاهيم راقية كالنضال و الروح الوطنية و التضحية و حتى الحرية تفقد قيمتها لدينا، لأننا نعتبر أنفسنا أسرى وضع إجماعي لا يبعث على التفاؤل بمستقبل أفضل. استطلاع : نور الهدى طابي لماذا لا يكتب صناع الثورة مذكراتهم؟ تعد المذكرات التي يكتبها القادة والسياسيون والضباط والجنود والموظفين وغيرهم من الروافد المهمة لكتابة التاريخ، وواحدة من الوثائق التي يعتمد عليها المؤرخون في التأريخ لأي مرحلة وأي عصر في أي دولة كانت، والمذكرات تعتبر في حد ذاتها فعلا ثقافيا وحضاريا يتيح الفرصة للجميع لاستغلاله في جميع مجالات الثقافة، مثل السينما والأدب والمسرح والصحافة والتدريس وغيره. غير أن كتابة المذكرات من طرف جيل أول نوفمبر عندنا لم ترتق بعد إلى مستوى التقليد الذي يمكن القول انه بدأ يترسخ، خاصة وان الجيل الذي فجر ثورة أول نوفمبر المجيدة سنة 1954 آخذ في الرحيل والانسحاب بهدوء، وتبقى كتابة المذكرات من طرف الذين خاضوا معركة تحرير الوطن محتشمة إلى حد كبير، بالنظر للزخم الكبير للأحداث التي عرفتها الثورة التحريرية وطول مدتها وتشابك وقائعها. ورغم كل هذا المحيط المواتي إلا أن القليلين جدا من قادة الثورة من الصف الأول ومن الصفوف التي تلت من كتبوا مذكراتهم، ويمكن في هذا الصدد القول أن المرحلة- أي بين 1954 و1962 لا تزال بيضاء، عذراء لأن كل قائد في جبهة التحرير و في جيش التحرير وكل ضابط كبير أو صغير وكل جندي، وكل موظف أو دبلوماسي وكل رجل أدب أو إعلام أو مهرب سلاح أو فنان عايش تلك الفترة بإمكانه تسجيل مذكراته والأحداث التي عاشها بكل تفصيل، وتركها للأجيال، وعلى المؤرخين بعد ذلك تقع مهمة الفحص والتدقيق. وما يثير الملاحظة أن القلة من قادة الثورة ممن كتبوا مذكراتهم لم يسلموا من نقد وانتقاد أطراف عدة حاولت تصفية حسابات قديمة بعيدا عن الموضوعية والعقل، رغم انه من الطبيعي جدا أن تثير أي مذكرات يصدرها أي شخص جدالا ونقاشا بين جيل الأمس أولا ثم بين المؤرخين، وبين الأجيال الجديدة، وهذا في حد ذاته دافع قوي للآخرين كي يكتبوا هم أيضا ما عايشوه من وقائع وأحداث، وبناء عليه يذهب الجميع نحو نقاشات واسعة و مفتوحة تثري التاريخ والثقافة وتنور الأجيال، وتعوّدهم على الحوار وثقافة السماع لما يقوله الآخر والاطلاع على ما يكتبه. إلا أن الأمور عندنا لم تسر في هذا الاتجاه بل وصلت إلى حد مقاضاة البعض ممن كتبوا مذكراتهم مثل الرئيس الراحل علي كافي، و قد غرست هذه الحادثة المؤلمة خوفا دفينا في نفوس قادة آخرين كانوا ربما مستعدين لكتابة مذكراتهم إلا أن الحادثة هذه دفعت بهم إلى التراجع ، مع أن الوقت ليس في صالحهم أبدا وليس في صالح الأجيال التي تركوها في هذا الوطن. وهذا الخوف والتوجس المتبادل بين قادة الأمس يدفع ثمنه بالتأكيد جيل ما بعد الاستقلال الذي يفضل تركة الآباء على تركة الكولون وضباط الجيش الفرنسي الذين عاثوا فسادا في أرضه. محمد عدنان الباحث والمؤرخ محند أرزقي فراد المستوى الثقافي وغياب التقاليد الديمقراطية وراء عزوف جيل الثورة عن كتابة المذكرات النصر- تبدو كتابة المذكرات الخاصة بالحرب التحريرية محتشمة إن لم نقل نادرة من قبل قادة الثورة، ومن شاركوا فيها، إلى ماذا يعود ذلك في رأيكم؟ محند ارزقي فراد: دعني في البداية أقدم تعريفا موجزا للمذكرات، فهي تستعرض الأحداث التاريخية الكبرى، من خلال حياة شخص باعتباره صانعا أو شاهدا لها، وعليه فالمذكرات هي تلك السيرة الذاتية التي تركز على الأحداث الكبرى التي طبعت المجتمع، وليس على الحياة الشخصية. وتكتب المذكرات عادة بعد انقضاء سنوات عديدة على الحادثة التاريخية المعيشة، أي في خريف العمر، بعد انسحاب صناعها من مركز الأحداث، وعليه فكتابة المذكرات تتم عادة في ظروف مريحة بمنأى عن الضغوط المختلفة، ولا شك أنها تكتسي أهمية كبيرة في عملية الكتابة العلمية التي يقوم بها المؤرخون. ويمكن تفسير ظاهرة العزوف عن كتابة المذكرات الخاصة بالثورة الجزائرية، بعوامل عدة، اجتماعية، ثقافية وسياسية. - هل تعتقدون أن تعقيدات وأسرار وخبايا الثورة التحريرية، هي التي تقف عائقا أمام القادة والمجاهدين لكتابة مذكراتهم؟ -هذا رأي صحيح، لكن الأمر أعمق من ذلك، ويبدو أن « ظاهرة التخلف « التي يعاني منها المجتمع قد ألقت بظلالها على موضوع كتابة المذكرات، فالمجاهدون الذين صنعوا الثورة معظمهم ريفيون كانوا محرومين من التعليم، لذا استعصت عليهم ملكة الكتابة، وإذا ألقينا نظرة فاحصة على ماضينا البعيد، فإننا نجد الكتابة التاريخية ضعيفة، أما كتابة المذكرات فهي شبه معدومة، وحسب علمي فإنها تنحصر في مذكرات خير الدين بربروس منقذ الجزائر من العدوان الاسباني في القرن 16م، وقد أملاها على سيد علي المرادي الذي كتبها باللغة التركية العثمانية، تلبية لطلب السلطان العثماني سليمان القانوني، وترجمها إلى اللغة العربية أخيرا المؤرخ الدكتور محمد درّاج، وكذا في مذكرات الأمير عبد القادر، الذي أملاها على الكاتب الإنجليزي هنري تشرشل سنة 1867م. ومما يؤكد علاقة التحصيل العلمي بكتابة المذكرات،أن قادة الثورة والمجاهدين المتعلمين قد كتبوا مذكراتهم حول ثورة نوفمبر، أذكر منهم على سبيل المثال: علي هارون،علي كافي، عبد الرحمن فارس، عمر بوداود، فرحات عباس، حسين آيت أحمد، لخضر بورقعة، بن يوسف بن خدة، أعمر أزواو، محمد الصالح الصديق، صالح ميكاشير، حسين بن معلم، عبد الحفيظ أمقران، وغيرهم. - البعض ممن صنعوا تاريخ الثورة والحركة الوطنية يخافون من كتابة مذكراتهم، إلى ماذا يرجع ذلك برأيكم؟ - يمكنني أن أضيف إلى العامل التعليمي- الثقافي، الذي سبقت الإشارة إليه، غياب الجرأة لدى هؤلاء، وعدم إدراكهم أن الكتابة بمسحة نقدية، فعل حضاري لا يفسد للودّ قضية، كما أن غياب الحرية والديمقراطية في المجتمع، يشكل عقبة كأداء تحول دون الإقبال على الكتابة التاريخية الموضوعية بثقة وآمان. - إلى مدى تساهم المذكرات في كتابة تاريخ الثورة أو أي تاريخ آخر؟ - لا شك أن للمذكرات أهمية قصوى في كتابة التاريخ، باعتبارها مصدرا هاما يستعين به المؤرخ في إعادة بناء الماضي، تمكنه من قراءة الحادثة التاريخية برؤى مختلفة ومتباينة، تساعد على الاقتراب من الحقيقة،غير أنها لا تغني عن الرجوع إلى مصادر أخرى كتابية ومادية وشفوية، خاصة إذا علمنا أن كتابة المذكرات تعاني في المجتمعات المتخلفة من الذاتية بشكل بارز. - هل تعتقدون أن كتابة تاريخ ثورة أول نوفمبر، سيأخذ وقتا طويلا قد يمتد إلى عشرات السنين؟ وهل لجيل الثورة علاقة بهذا التأخير؟ - نعم تتطلب كتابة تاريخ الثورة عقودا طويلة من الزمن، لاعتبارات موضوعية وعلمية، فمعظم أرشيفنا لا يزال خارج الجزائر، وبعضه محجوز لدى بعض الأفراد الذين شاركوا في الثورة. ومن المؤكد أن فرنسا ستبقى تعرقل الجهود الرامية إلى استرجاع أرشيفنا، وهذا من باب الحفاظ على مصالحها. ولا يتوقع زوال العوامل الذاتية المعرقلة للكتابة العلمية إلا ّ بعد رحيل جيل الثورة، ولعل أفضل مثال على ذلك عدم قبول المجاهدين بتنظيم ملتقى علمي حول شخصية مصالي الحاج في جامعة باتنة، والنرجسية المفرطة التي طبعت تصريحات قادة كبار لثورة نوفمبر، من حجم أحمد بن بلة وأحمد محساس وياسف سعدي، الذين حاولوا تقزيم أدوار رفقائهم بل وتخوين بعضهم، وتبخيس أمجاد الشعب، من أجل منح الزعامة لأنفسهم. حاوره: محمد عدنان أستاذ التاريخ مصطفى نويصر على مراكز البحث مساعدة صناع الثورة على كتابة مذكراتهم النصر: كباحث في التاريخ هل تعتقد أن ما كتب من مذكرات عن الثورة التحريرية كاف؟ مصطفى نويصر: بالنظر لعظمة الثورة وزخمها فإن ما كتب عنها قليل وقليل جدا إلى ماذا يرجع ذلك برأيك؟ هناك أسباب متعددة، في مرحلة من المراحل بعد الاستقلال- أي 20 إلى 30 سنة بعد استرجاع السيادة الوطنية كان هناك ما أسميه نوع من المنع غير المباشر- لا أحد يتكلم عن الثورة، لكن لما جاءت التعددية بدأت بعض الأقلام تكتب، لكن رغم ذلك يبقى هذا في غير المستوى المطلوب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عددا كبيرا جدا من الثوريين والقادة والضباط في جيش التحرير ليسوا في المستوى الذي يجعلهم يكتبون مذكراتهم بسهولة لأن مستواهم التعليمي لا يسمح لهم بذلك. إذن هناك سببان في اعتقادي الأول ظرفي متعلق بالوضع السياسي الذي ساد فترة ما بعد الاستقلال لعقدين أو ثلاثة من الزمن، ثم جاءت التعددية والانفتاح فوجدنا أن عدد الذين كتبوا المذكرات المتعلقة بالثورة التحريرية ضئيل وضعيف جدا. لكن من ليس له مستوى تعليمي يسمح له بالكتابة بإمكانه الاستعانة بكتاب لسرد وتدوين ما عاشه من أحداث كما هو معمول به في كل العالم؟ يفترض أن يكون الأمر كذلك، وهذا برأيي من مهام جهات أخرى، هي مهمة مراكز البحث والمؤرخين وطلبة الدراسات العليا وغيرها من الجهات التي يقع عليها واجب حث هؤلاء على كتابة مذكراتهم وتقديم المساعدة اللازمة لهم في هذا الجانب، لأن أصل مهمتها هي التاريخ. كمؤرخ ما هي أهمية المذكرات الشخصية في كتابة التاريخ؟ هي مادة خام وهي مهمة لكنها ليست التاريخ، المذكرات تساعد على الكشف وتسليط الضوء على الكثير من الحقائق التاريخية غير المعروفة وغير المدونة، وهي مصدر من المصادر التي يلجأ إليها المؤرخون لكتابة التاريخ. بصفتكم احد مرافقي المرحوم عبد الحميد مهري في سنواته الأخيرة هل لنا أن نعرف إلى أين وصل مشروع نشر مذكراته؟ لحد الآن لا علم لنا بوضع مذكرات الراحل عبد الحميد مهري، وهي لا تزال عند أفراد عائلته. بماذا تنصح صناع الثورة التحريرية في هذا الشأن؟ انصحهم بأن يسارعوا ويكتبوا ويدونوا سيرهم خلال الثورة و في مرحلة ما قبل الثورة، و أن يسردوا كل ما عاشوه وما عرفوه في تلك المرحلة. حاوره: محمد عدنان الباحث في تاريخ الثورة الجزائرية الدكتور محمد شرقي للنصر المجرم "لوموان" كان يقود وحدة إرهابية متخصصة في تصفية الثورة بقالمة و ارتكب مجازر بالإقليم الغربي مازالت جرائم الملازم أول الفرنسي "لوموان" و كتيبة الموت التي كان يقودها في مواجهة الثورة المتأججة بقالمة، تثير ردود فعل متواصلة بين سكان المناطق المحرمة الخاضعة لسيطرة الضابط المتطوع في كتيبة متخصصة في إجهاض الثورة و ضرب معاقلها بقوة، و بأساليب حربية بشعة يقول الباحثون و المتخصصون في القانون الجنائي الدولي بأنها ترقى لجرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية. قتلت كتيبة الموت السكان العزل بالمناطق الجبلية و أحرقت المنازل و بقرت بطون الحوامل و علمت جنودها فنون القنص مستخدمة البشر و الحيوان كأهداف ثابتة و متحركة، و سرقت قطعان المواشي و أحرقت المنازل و ارتكبت جرائم أخلاقية بشعة، و فتحت باب التطوع لكل خائن للثورة و مجرم خطير محكوم عليه بالمؤبد و الإعدام. بعد مرور 60 سنة على اندلاع الثورة الشعبية، عاد سكان المنطقة المحرمة الواقعة اليوم ببلديتي الركنية و بوحمدان و على الحدود الغربية مع ولاية سكيكدة إلى المطالبة بفتح تحقيق حول مجازر المنطقة المحرمة، و إنجاز أبحاث تاريخية و جمع الشهادات من بقايا سكان عايشوا وقائع الثورة بالمنطقة الساخنة و بناء نصب تذكاري يخلد ضحايا "لوموان" أحد أبرز قادة العدو بالمنطقة الممتدة من بوحمدان بقالمة إلى عزابة بولاية سكيكدة. و لتسليط الضوء أكثر على وقائع الحرب بالمنطقة المحرمة و الممارسات الوحشية لكتيبة الموت التقت النصر بالباحث المتخصص في تاريخ الثورة الجزائرية الدكتور محمد شرقي من جامعة 8 ماي 45 بقالمة، و نقلت عنه معلومات تاريخية حول "لوموان" الذي مازال اسمه يتردد بعدة مناطق غربية بقالمة إلى اليوم. يقول الباحث محمد شرقي بأن العدو الفرنسي أنشأ ثلاث فرق عسكرية متخصصة لضرب الثورة واحدة بالشلف و واحدة بسعيدة تحت قيادة "بيجار" و الثالثة بقالمة تحت قيادة "لوموان" و هي من أشد الفرق المتخصصة تأثيرا على الثورة بمنطقة الشمال القسنطيني. و أضاف المتحدث بأن فرقة "لوموان" تتكون من خائنين للثورة و أفراد من جيش التحرير فروا من الجبال و التحقوا بثكنات العدو بعد ارتكابهم أخطاء جسيمة و مضرة بالثورة و المساندين لها بالإضافة إلى سجناء الحق العام المحكوم علهم بالإعدام و المؤبد و المستعدين للعودة إلى الإجرام من جديد. و يشرف متخصصون في الطب العقلي و النفسي على فحص هؤلاء السجناء و إخضاعهم لاختبارات معقدة قبل التحاقهم بكتيبة "لوموان" المتكونة من 300 محارب حاقد على الثورة و جيش التحرير و الشعب المنخرط في العمل المسلح بالدعم و الإسناد المعنوي و المادي. و حدد الجنرال الفرنسي "فانو كسين" مهام الفرق المتخصصة بدقة تكسير شوكة جيش التحرير، و تجفيف مصادر الدعم و الإسناد، بالتركيز على ضرب السكان و القتل دون تمييز و دون محاكمة و من غير محاسبة مهما كانت الجرائم المرتكبة حتى و لو كانت إبادة جماعية لعائلات بأكملها كما حدث مع عائلة وراث بجبال طاية، حيث اعدم لوموان 6 من خيرة رجالها كانوا مساندين للثورة بالمنطقة المحرمة. و من مهام الفرقة أيضا إرهاب السكان العزل و تعريضهم لصدمات عنيفة عن طريق الإعدامات الميدانية العلنية و حرق المنازل و إتلاف المؤن و إفسادها و نهب المواشي و الاعتداء على الحرمات و اعتقال، و تعذيب المواطنين من أجل انتزاع معلومات حول جيش التحرير كما حدث يوم 4 أكتوبر 1957 عندما نجحت فرقة لومان في الوصول إلى رئيس اللجان الشرعية بجيش التحرير الشهيد سي السعيد حصران المصاب في معركة بجبال بوحمدان و قتلته قرب جبل القرار عندما كان متوجها إلى مزرعة معطى الله للعلاج رفقة مجموعة بين 8 و 9 مجاهدين. و أثرت كتيبة لوموان على الثورة تأثيرا كبيرا غير أن صمود الشعب و كتائب جيش التحرير بالمنطقة كسرت شوكة المجرم و جنوده من خونة الثورة و الوطن و قتل السفاح برصاصة من جنديه في موقعة جبل الشعايرية التاريخية قرب بلدية الركنية في يوم من أيام الثورة سنة 57. و صلت الكتيبة الإرهابية إلى منطقة جبلية صعبة أسفل الجبل و قرر "لوموان" دخول غار كبير كان يعتقد أن مجاهدين مختبئون فيه بناء على معلومات انتزعها بتعذيب مواطنين من مشاتي بوغدير ، الغرابة و حجر بوريون. و دخل لومان إلى عمق الغار و تبعه جندي من كتيبته تاه داخل الغار و أخذ مسلكا ثانيا و عندما قابله "لومان" و اعتقد أنه واحد من المجاهدين فصوب نحوه و خرج مذعورا و هو يصرخ لقد وجدت الفلاقة و عرف في ما بعد أنه قتل قائده "لوموان" و طوى صفحة من صفحات الدم و الدمار و الإبادة بالمنطقة. و أقام "لوموان" ثكنة بسيدي نصر قرب عزابة و المكان اليوم يعرف بمنزل الأبطال هنا كانت تعيش كتيبة الموت قبل أن يذهب ريحها، و تتبدد على يد كتائب جيش التحرير، من هنا كانوا ينطلقون باتجاه الركنية و بوحمدان و القرار و بوغدير و الملعب و العين الحمراء و عين براهم لقتل الجزائريين العزل و الاستيلاء على ممتلكاتهم و حرق منازلهم و الاعتداء على نسائهم و إقامة الرهان على الحوامل حول ما إذا كان في بطونهن ذكر أم أنثى، ثم يخرجون الأجنة بسكاكين رهيبة و هم منتشون فرحا. لقد ارتكب الاستعمار الفرنسي جرائم حرب بالجزائر و لم يخض حربا كلاسيكية مع جيش التحرير فقط بل خاض حربا من نوع آخر إبادة السكان العزل و انتهاك الحرمات و مصادرة الأراضي و الممتلكات و نهب المواشي و حرق المنازل و بقر البطون و إخراج الأجنة منها. و مهما مرت السنوات و تغيرت العلاقات بين الدول، فإن الشعوب ستبقى تتذكر و لن تنسى أبدا عدوها القذر، المتجرد من الحضارة و مبادئ الإنسانية. فريد.غ الباحث و المجاهد بلقاسم متيجي يتحدث عن بشاعة التعذيب داخل المعتقلات الاستعمارية بالولاية الرابعة استعملوا أسلوب الجوكي سبيسيال والإذلال على الطريقة الحيوانية ونسج قصة الحطب لتصفية المعتقلين بمجرد أن تتحدث عن بعض المعتقلات و السجون الاستعمارية بالولاية التاريخية الرابعة تنتاب من عايش تلك الفترة الحالكة قشعريرة الخوف و الرعب، فبداخل زنزاناتها مورست أبشع صور التعذيب و التنكيل بالمعتقلين، و التي منها استخدام أسلوب "جوكي سبيسيال "والإهانة و الإذلال " على الطريقة الحيوانية لتصل نزوة الانتقام من قبل الجلادين إلى نسج قصة جمع الحطب لتصفية المعتقلين . لا تزال السجون و المعتقلات الاستعمارية بالولاية التاريخية الرابعة، تشكل محور حديث المجاهدين بالملتقيات الوطنية وفي أحاديثهم الهامشية. و تحصي المنطقة وفق الباحث و المجاهد بلقاسم متيجي 21 معتقلا وسجنا خصصت كما قال للاستنطاق و تعذيب المجاهدين و المتعاطفين مع الثورة بأساليب وحشية. وتم في المقابل كما أضاف تحويل مزارع المعمرين إلى مراكز لاستقبال المزيد من الجزائريين، مشيرا إلى وجود ما يقارب ألفي جزائري حكم عليهم بالإعدام إبان الثورة دون محاكمة في هذه السجون و المعتقلات ولعل من بينها سجن "بوفيس " بالشلف "كامورا " و "موران" بالمدية "بوسيي" و "تفيشوا" و "سان لو" و "بول كزال" بالجلفة و "بني مسوس" و فيلا سوزيني بأعالي العاصمة (الأبيار)، ومصنع الحلوى بحسين داي، وحوش بوقندورة الواقع ببومرداس، و مزرعة باب القرط بالمدية، وكذا حظيرة العلف بولاية الشلف ومعتقل الغابة المقدسة بقوراية التابعة حاليا لولاية تيبازة، إضافة إلى معتقل "الجباسة" و "مولان سبورتيش" و "الكدية الحمراء" وغيرها من المعتقلات المعلومة. كما توجد عشرات المراكز السرية التي خصصت للتعذيب و التصفية الجسدية –يقول الباحث بلقاسم متيجي و التي أنشئت خصيصا لقمع الثورة. ويشير الباحث الذي سجن بمعتقل "موران " أن عددها قد تزايد كالفطر إبان الثورة التحريرية لترهيب الجزائريين ومحاولة ثنيهم عن تأييد الثورة أو الالتحاق بصفوفها. و يذكر محدثنا بعض الممارسات التي تتنافى و الضمير الإنساني، خصوصا بمركز الاعتقال "كامورا" بالبرواقية، من ذلك الضرب المبرح والدفع بالبندقية عقب الانتهاء من الأشغال الشاقة المتمثلة في كسر الحجر بالحجر منذ طلوع الشمس إلى مغيبها، و ترويض الكلاب البوليسية على الاعتداء باستعمال المعتقلين، فضلا عن السب و الشتم و الإهانة المستمرة. و يقول أن سجن كامورا كان يضم أزيد من 900 سجين، و أنه كان في السابق سجنا للمعتقلين الألمان و الايطاليين إبان الحرب العالمية الثانية. وقد سبق للمجاهد و الباحث بلقاسم متيجي أن أثارت مداخلته بالملتقى الوطني حول السجون و المعتقلات، المنعقد بولاية عين الدفلى مؤخرا، اهتماما كبيرا من طرف الأساتذة والحاضرين نظرا لحساسية الملف، حيث كشف فيها عن أبشع الممارسات الوحشية التي مورست من قبل ضباط وجنود فرنسيين ذكرهم بالاسم، كما تمكن ذات المجاهد من تحديد مواقع السجون والمعتقلات التي اندثر بعضها لعدة عوامل. ويتحدث المجاهد محمد ميلودي احد رفقاء الشهيد قائد الولاية التاريخية الرابعة أمحمد بوقرة، ابن مدينة خميس مليانة بعين الدفلى 1926 - 1959 عن بعض الممارسات الاستعمارية بمعتقل موران، وكان قد ألقي عليه القبض في معركة بوعشرة بين ولايتي عين الدفلى و المدية حاليا على اثر اشتباك مسلح مع العدو، و يذكر أن الممارسات الوحشية لا تقل شراسة وعدوانية عن الممارسات الحيوانية حيث استعملت كافة الوسائل و الأساليب لترويع الموقوفين منها استعمال كما قال نظام "جوكي سبيسيال " والمتمثل في الضرب الجماعي للمسجون إلى غاية فقدان الوعي ومحاولة إذلال السجناء و المعتقلين عن طريق تجريدهم من ثيابهم لتصل نزوة الانتقام من قبل الجلادين إلى نسج قصة جمع الحطب لتصفية المعتقلين. وتعد عملية جمع الحطب كما يروي بعض المجاهدين أسلوبا فريدا للتصفية الجسدية بدعوى محاولة الفرار الجماعي للمسجونين بوسط الغابة لتبرير فعلتهم أمام الجهات الوصية آنذاك، وقد قضى في هذه العملية التي جرت وقائعها بغابة مجبر بالمدية مصطفى خالف، مصطفى كلا وعبد الرحمان مدني و معمر سنوسي على بعد 15 كلم عن معتقل موران، بقصر البخاري حاليا. هشام ج د. إسماعيل سامعي أستاذ التاريخ وعميد كلية الآداب والحضارة الإسلامية بجامعة الأمير بقسنطينة بعض المذكرات وجهت لخدمة أغراض إيديولوجية وسياسية يرى أستاذ التاريخ أن المذكرات لتي تنشر وتسجل تباعا مند عقود تتباين من حيث مصداقيتها وموضوعيتها، ففي حين تحرى الكثير من القادة والمجاهدين الصدق والموضوعية وسعوا ولو بشيء من النرجسية إلى تقديم الحقيقة كما هي بحلوها ومرها طغت على البعض منهم نزعة الذاتية فلم يعودوا يروا على مسرح الأحداث التاريخية إلا أنفسهم ولم يعودوا يعترفوا ببطل آخر سواهم مما قد يؤدي إلى تغييب الحقيقة في أغوار الأنا المضخمة، لكنه أكد على أهمية تسجيل ونشر المذكرات وتبقى معمة الباحث والمؤرخ التحقيق والتنقيح والقابلة والمقارنة ووضع المذكرات على محك النقد العلمي والتاريخي حتى تتجلى الحقيقة وتغربل المعلومات، لكنه تأسف بالمقابل لمن سعى إلى توظيف التاريخ عموما والمذكرات خصوصا لأغراض إيديولوجية وحسابات سياسية بعيدا عما تقتضيه الحقيقة التاريخية وما تهدف إليه، مبرزا في هذا الحوار العوامل السياسية والثقافية والاجتماعية التي واكبت الاستقلال الوطني وحالت دون الإسراع في نشر مذكرات المجاهدين وقادة الثورة التحريرية. من خلال تصفحكم لما تم نشره من مذكرات المجاهدين مند الاستقلال ما تقييمكم الأولي لمستواها ومدى تحري أصحابها للصدق والموضوعية؟ بالنسبة لمذكرات المجاهدين خاصة الفاعلين إبان الثورة التحريرية سواء كانوا عسكريين أم سياسيين مثقفين أم غيرهم الذين كتبوا باللغة العربية أو بالفرنسية، كتابة مباشرة أو بالإملاء، نستطيع أن نصنف هذه المذكرات إلى أربعةأصناف هي: أولها: المذكرات التي كتبت بأقلام أصحابها أو أمليت وغابت فيها الذاتية والأنا فعندما تقرأها نقرأ تاريخ الثورة وتريخ الحركة الوطنية مثل مذكرات عبد الرحمن العقون حيث تعد تاريخا علميا موضوعيا اختفت فيه الذاتية، ومذكرات الرئيس علي كافي الذي التزم الموضوعية رغم ما أثير حولها إلا أنها تبقى من أفضل ما كتب حتى الآن وكذا مذكرات الرئيس الشاذلي بن جديد التي تمتاز بالتزام صاحبها الصدق في كل ما كتب. والصنف الثاني المذكرات التي برزت فيها الذاتية بشكل جلي إلى درجة المغالاة حتى بلغ الأمر بأصحابها إلى أن ينسبوا لأنفسهم كل البطولات والأحداث، ومنها مذكرات توفيق المدني (حياة كفاح) التي زعم فيها أن كل أورده في ثناياها من أحداث كان صانعه أو شاهدا عليه أو قريبا منه، وهو ما دعا البعض إلى الرد عليه على غرار الباهي فضلاء في كتابه التحريف والتزييف. ومن هذا الصنف أيضا مذكرات الطاهر زبيري الذي نجده يقدم فيها نفسه بطلا سواء في أبسط المواقف أو في أعقدها وأشدها، على غرار إلقاء القبض على بن بلة ليلة عزله ومحاولة الانقلاب على بومدين سنة 1967، ومنها أيضا شهادة الرئيس بن بلة للجزيرة. وثالثها: التي حاول أصحابها من الفاعلين الأقل مسؤولية في هرمية السلطة وقيادتها وهي الآن كثيرة واسعة الانتشار، لكن ما يلاحظ أن أغلب أصحابه قدموا معلوماتهم لكتاب آخرين لكتابتها، ومن هذا الصنف ما كتب على لسان بوضياف حيث ينتقي الكتاب ما يخدم توجهاتهم الفكرية والسياسية وما كتب على لسان شيباني والمقربين إليه. والصنف الرابع ما كتبه البعض ووظفه لخدمة أغراض إيديولوجية على غرار ما كتبه سعيد سعدي عن عميروش. ولكن على العموم فإن هذه المذكرات تعد شهادات تاريخية وعلى المؤرخ والباحث أن يعود إليها ولكن بشيء من الاحتراز والتحقيق والتدقيق والمقارنة والمقابلة والنقد حتى تتبين الحقيقة من الزيف ولا يمكن الأن أن تعد وثائق تاريخية بالدرجة الأولى لأن أصحابها ما زالوا على قيد الحياة وربما تتغير الشهادات والمعطيات وتتغير بالتالي الحقيقة التاريخية بين الحين والأخر فالظروف السياسية والاجتماعية ما فتئت تتحكم في عقلية الأبطال وكتاباتهم هؤلاء الذين نقدر تضحياتهم وتلتمس من أن يواصلوا الكتابة في هذا الاتجاه. إلى أي حد استفادت الجامعات ومراكز البحث والمؤرخين مما نشر وسجل من مذكرات وشهادات؟ الجامعات ومراكز البحث تعمل ضمن إطار جمع المادة التاريخية المصدرية وذلك بتوجيه الطلبة والباحثين إلى إنجاز بحوث كمذكرات ورسائل جامعية في هذا الاتجاه، حيث يتواصل الباحثون بالمجاهدين والمناضلين ليسجلوا شهاداتهم واعتماد المذكرات في بحوثهم. والجامعة الجزائرية تحصي العديد من الإنتاج في هذا المجال وشملت عدة جوانب من يوميات الثورة على غرار القضاء أثناء الثورة والتعليم وتسجيل انتهاكات حقوق الانسان والتعذيب من قبل المستعمر علاوة على الندوات والملتقيات وما تقوم به بعض الجامعات والمراكز من تسجيل شهادات وحياة المجاهدين بالصوت والصورة، وجامعة الأمير سجلت أزيد من 50 شهادة لمجاهدين بعضهم توفي بعد الانتهاء من تسجيل شهادته. ولكن مازلنا في طور تسجيل الشهادات ولما نشرع بعد في كتابة تاريخ الثورة. على غير عادة الثورات الكبرى في التاريخ الإنساني الحديث والمعاصر تأخر المجاهدون كثيرا في تسجيل ونشر مذكراتهم وشهاداتهم حتى غاب عن الكثير منهم بعامل السن حقائق ومعطيات وأحداث، في رأيكم لماذا تأخر المجاهدون كل هذه العقود قبل أن ينتبهوا إلى أن من حق الأجيال عليهم أن ينقلوا لها تاريخهم؟ إن التأخر في تدوين وكتابة تاريخ الثورة وتسجيل الشهادات بالشكل الواسع المطلوب لهذه العقود لا يخدم ثورة بحجم ثورة الجزائر ولا يخدم تضحيات الشعب والشهداء، ولكن ثمة عوامل متداخلة سببت هذا التأخر، ومنها العوامل السياسية الذي يرى بموجبه أصحابه أن الأولوية بعد الاستقلال مباشرة لتحقيق التنمية وإزالة مخلفات الحقبة الاستعمارية وآثارها المدمرة على واقع الأمة تنمويا وثقافيا وحضاريا واجتماعيا، إلى جانب ما واكب فترة الاستقلال وما بعدها من خلافات بين القادة وهي امتداد لإرهاصات الخلافات أثناء الثورة، ومنها العوامل الثقافية إذ أن العدد الأكبر من المجاهدين لم يكن متعلما أو كان محدود التعليم فلم يكن بوسعهم الكتابة، بل إن جل الجزائريين أنفسهم غداة الاستقلال لم يكونوا متعلمين فلا يوجد من يكتب أصلا ولا من يقرأ، فالجهود انصبت على النهوض بالتعليم فالأولوية لم تكن لكتابة مذكرة هذا المجاهد أو ذاك بل لبناء مدرسة وجامعة، وهو ما نجحت الجزائر في تحقيقه وأتى بثماره حيث بدأت تظهر الكتابات التاريخية والشهادات مع نهاية الثمانينيات غداة توفر الكادر المتعلم والمثقف والصحفي والقارئ والباحث، ومنها العوامل الاجتماعية حيث لم يكن أغلب المجاهدين مستقرين اجتماعيا على مسنى الأسر أو السكن فراحوا يسعون لتحقيق استقرارهم الاجتماعي. كلمة أخيرة إننا إذ نحتفل بالذكرى الستين لثورة التحرير يجب الافتخار أننا ننتمي إلى جيل عاش فيه صناعها ومجاهدوها لأنه بعد 60 سنة من الآن لن يكون لهؤلاء وجود ولن تتشرف الأجيال القادمة بمعايشتهم، لهذا وجب على نخبة الأمة من كتاب ومؤرخين ومثقفين وإعلاميين العمل على جمع المادة التاريخية والشهادات وتسجيل وقائع الثورة وعقد الندوات والملتقيات وإنشاء مراكز ومخابر البحث التي تعنى بهذا المجال. حاوره: ع- خلفة حداد احمد، قسم التاريخ جامعة قسنطينة 2 وفاة مجاهد دون أن تدون مذكراته بمثابة مكتبة احترقت يعد أستاذ التاريخ بجامعة قسنطينة2، حداد أحمد أن كتابة المجاهدين لمذكراتهم، ظاهرة إيجابية تدخل ضمن الصراع على الذاكرة والذي بدأ منذ احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830، ومازال مستمرا حتى اليوم. ولذلك فالمذكرات هي استمرار لثورة في حالة التنفيذ، الهدف منها ألا تنسى الأجيال معاناة وتضحيات آباءهم وأجدادهم، وحتى تظهر الطابع الحقيقي للاستعمار. وتشكل تلك المذكرات صمام أمان لذاكرة الجزائريين أمام محاولات الفرنسيين احتلال التاريخ الجزائري ضمن مشروع فرنسي قديم-جديد يكرس الوجه الآخر لاستعمار يختفي وراء الغطاء الأكاديمي. ويضيف الاستاذ حداد أن وفاة شخصية عادية أو مهمة دون أن تدون مذكراتها، فهو بمثابة مكتبة احترقت، لا يمكن استرجاعها، وللأسف الشديد التحق الكثير من المجاهدين بالدارالآخرة دون ان يتركوا خلاصةتجربتهم في ثورة عز نظيرها. وقد تعود أسباب ذلك الامتناع إلى عدم إحساسهم بقيمة الكتابة أو تعرضهم للضغط، أو تقاعسا وكسلا، بسبب التقدم في السن، في حين أن بعض المجاهدين في الآونة الأخيرة استجمعوا قواهم وقرروا مواصلة الجهاد على جبهة أخرى هي جبهة الكتابة والتدوين، بعدما أحسوا بأن النسيان يهدد تاريخ الثورة الجزائرية ، وأن الكتابات الفرنسية تقوم بتشويهها، فقرروا كتابة مذكراتهم، وفي هذا الصدد تقول المجاهدة زهرة الظريف أن فكرة كتابة مذكراتها انطلقت لما شاركت سنة 2012 في منتدى بمارسيليا حول ما اصطلح عليه" حرب الجزائر" حيث طلب منها بعض الفرنسيين" الاعتراف بأن الجزائريين لجأوا إلى وسائل إجرامية للحصول على استقلالهم " في إشارة منهم إلى إقدامها على وضع قنابل متفجرة في مقهى "ميلك بار" بالجزائر العاصمة. وقد رفضت زهرة الظريف الاستجابة لهذا المطلب رفضا قاطعا واعتبرته تجنيا على ذكرى الشهداء والثورة، موضحة أن الحرب بين فرنسا والجزائر ماتزال قائمة. وبعد ذلك المنتدى انكبت على كتابة مذكراتها للتوضيح ودحض الأكاذيب الفرنسية. وعن سؤال حول مدى مساهمة هذه المذكرات في كتابة تاريخ الجزائر، أجاب الاستاذ حداد أحمد بقوله: إن هذه المذكرات لا يمكن أن تحل محل العمل العلمي الذي يتمثل في كتابة التاريخ الذي هو من اختصاص الباحثين، ووجودها يدخل ضمن توفير الشروط الممكنة لتسهيل عمل المؤرخين. وان المذكرات والتاريخ يلتقيان في الماضي، غير أن المذكرات تريد أن تعيش هذا الماضي مرة أخرى بينما التاريخ يريد فهم هذا الماضي وتجديد هذا الفهم من خلال شهادات صانعيه. وعلى الباحث التعامل مع هذه المذكرات بطريقة عدم التنكر لإنجازات أصحابها وفي نفس الوقت عدم الانجرار وراء المدح العقيم المفضي للغرور، مع ضرورة التحلي بالموضوعية. وفي الأخير دعا الأستاذ حداد أحمد ما تبقى من المجاهدين إلى ضرورة الإسراع في كتابة مذكراتهم أو الإفراج عن أرشيفهم الشخصي، كما دعا أبناء المجاهدين للاهتمام بالتراث المادي والمعنوي لأباءهم. حاوره ع خلفة السيدة النبية الفدائية التي دوخت الاستعمار في وهران للنصر عذبوني عارية و أحرقوا جسمي بالكهرباء و السجائر و فقدت الإحساس بأطرافي و هم يقطعون لحمي رغم تعبها وحاجتها للراحة إلا أن المجاهدة النبية أو نبيهة، لم تمانع في استقبالنا في بيتها الذي تحس وأنت بداخله أنه متحف تاريخي يروي لك بعض تفاصيل الثورة والثوار، مثلما يشهد جسمها على بشاعة التعذيب الفرنسي لها حين وقعت أسيرة في مراكز تعذيبه، التي جمعت أيضا الكثير من الجزائريين رجالا ونساء مثلما روت لنا المتحدثة، التي تشعر من خلال كلامها بحرقة فقدانها "لإخوتها الثوار" في عمليات متفرقة، وبفرحتها أن حلم المجاهدين تحقق وينعم اليوم الجزائريون بالحرية. بقع بنية لازالت مرسومة في مختلف أنحاء جسمها لتخبرنا بأن جنود الاستعمار عذبوها بطريقة بشعة وهذا بكيها ببقايا السجائر. كما لازل معصميها يشهدان على شدة ربطها فوق سرير عسكري داخل الثكنة حيث تم توثيقها جيدا فيه وبدؤوا في تعذيبها بالكهرباء على مستوى المناطق الحساسة من جسمها وبغلق فمها بكرة قماشية مبللة لا تدري بماذا. تواصل السيدة النبية تلخيص قصة تعذيبها بأنها كانت من حين لآخر تشير بإصبعها ليعتقد المعذبون أنها تريد أن تعترف فيتوقفون، ويكررون طرح أسئلتهم حول مكان تواجد الفدائيين بوهران، ولكن بالنسبة للنبية كانت فرصة لتأخذ أنفاسها. ومع إصرارها على عدم الكلام رغم الشحنات الكهربائية التي كانت تحرق جسمها، سمعتهم ينادون على الشخص الذي دلهم على مكانها والذي أكد للمستعمر أنها هي، تروي النبية هذه اللحظة بألم شديد وتوضح " كنت شبه عارية ومربوطة في السرير الحديدي وأدخلوا الشخص ليتأكد من أنهم ألقوا القبض على الهدف الصحيح، ولكني تعذبت أكثر لأنني كنت أعرف ذلك الشخص كان يسكن قربنا أبلغ فرنسا عني ورآني عارية أمامه" ورغم هذه الذكريات المؤلمة رفضت المجاهدة أن تنعت ذلك الشخص بالحركي ذاكرة في هذا الصدد " لا أدري الظروف التي دفعته للإبلاغ عني، ولحد اليوم أعرفه و إذا التقيته صدفة فسأمشي وأتركه مع ضميره". عادت لتروي مراحل تعذيبها ، فتقول أنه بعد ثلاث ساعات من التعذيب تركوها على حالها وخرجوا ولم يعودوا إلا بعد ساعات طويلة، وأثناء محاولة ترحيلها للسجن، وبما أنها كانت في وضعية مزرية لم تر سلم الصعود للشاحنة العسكرية فتعرضت لإلتواء على مستوى الرجل زاد من آلامها ولازال يذكرها بتلك اللحظة لحد اليوم. أدخلوها في زنزانة منفردة كنوع آخر من التعذيب لدرجة أنها كانت تدعو الله أن يقتلوها وهي تفترش الإسمنت عارية، تروي بألم " انتبهت بأن دماء تسيل مني ففزعت اعتقادا مني أنهم اغتصبوني، ولكن وجدت على أرجلي آثار تعذيب بواسطة شفرة حلاقة أو ما شابهها كانو يقطعون بها أطرافي" فمن شدة التعذيب لم تكن تشعر بجسمها. وبعد أن فقدوا الأمل في أن تعترف حولوها للسجن مع العديد من النسوة المجاهدات، وهناك كان الجو تضامنيا بين الجميع ولم يعرفوا كم وقتا قضوا في سجن الثكنة العسكرية بوهران لغاية الاستقلال. هذه المرحلة كانت نتيجة لتحدٍ كبير قامت به النبية للإنتقام من المستعمر، تروي لنا قصتها مع العمل الفدائي في مدينة من أكبر المدن الجزائرية والخطر فيها أيضا كبير. تقول أنها منذ بدأت تعي ما حولها وجدت بيت أهلها المتواضع في قلب وهران بحي الدرب، يستقبل المجاهدين ويتستر عليهم من الإستعمار، ويأخذون معهم ما جمعه والداها من أدوية ومستلزمات. كانت وقتها تختبئ في الغرفة المجاورة كي لا يراها هؤلاء المجاهدون وينتابهم القلق وعندما بلغت سن ال 14 من عمرها، بدأت تتساءل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه لمساعدة الثوار، لم تكن تفهم ما معنى الثورة، ولكن كان هدفها هو قتل أكبر عدد من الفرنسيين الذين يحتقرون الجزائريين. وفي خضم حرقة الانتظار، جاء ذات يوم شخص لا تعرفه ولكن من الفدائيين الذين كان والدها يستقبلهم، وفجأة كلفها بمهمة، وطلب منها التحضير الجيد والتفكير في طريقة نقل طرد مغلق لمكان يحددونه هم وما عليها سوى تطبيق الأوامر. تقول نبيهة أنها فرحت كثيرا لأن حلمها بدأ يتحقق، مضيفة أنها لبست "الحايك" وحملت الطرد تحته وتتبعت رجلا كان يمشي قبلها لتصل عند محل عبارة عن مطعم تقليدي لأحد الجزائريين الذي كان فدائيا أيضا وسلمته الأمانة وانصرفت. لم تكن هذه المرة الوحيدة، بل تكررت العملية عدة مرات وبذات الطريقة ولكن تعددت الأماكن في مختلف أحياء وهران تقول السيدة النبية " كنت قنبلة متنقلة دون أن أدري، في البداية كانت وثائق خطيرة وبعدها سلاح". استمرت السيدة نبيهة في هذا العمل لمدة طويلة لتنتقل بعدها لتنفيذ العمليات الفدائية، تشرح كيفية دخولها العمل الفدائي، حيث تقول أنها لم تنفذ العمليات مباشرة، بل في البداية كلفت من طرف مسؤول الخلية السي عبد الباقي كما قالت لترافق الفدائيين أثناء تنفيذهم العمليات وهذا بحملها السلاح وتسليمه للمنفذ في الوقت المناسب ثم استرجاع السلاح ثانية. كانت العمليات تتم في وقت الغروب وبداية الظلام كي يتمكن الجميع من الفرار عبر الأزقة الضيقة دون أن يراهم الجنود الفرنسيون. تتحدث النبية بحسرة وافتخار في نفس الوقت عن "إخوتها" أي الفدائيين الذين عملت معهم " كان إخوتي شجعان لا يخافون، المهم بالنسبة لهم هو تحقيق الهدف وهو تنفيذ العمليات بنجاح وقتل أكبر عدد من الفرنسيين". هكذا كانت النبية ترافق الفدائيين وتساهم بقدر كبير في إنجاح العمليات بإخفاء السلاح مباشرة وإبعاد الشبهة عن المنفذين. هذه الفدائية المتحمسة لم تكتف بهذه المهمة التي أسندت لها، وهي لم تتجاوز ال 17 من عمرها. أصرت على دخول مرحلة تنفيذ العمليات رغم التحذيرات التي وجهها لها مسؤولها بسبب خطورة العمل الفدائي على المرأة لأنها يمكن أن ترتبك أو تخاف فينقلب الأمر ضدها. تواصل المتحدثة أنه ذات يوم اجتمع المسؤولون الذين لم تكن تعرف غالبيتهم، في بيتها وتم استدعاؤها لأول مرة لكي تحضر الإجتماع حيث سألها القائد " إذا كنت فعلا تريدين دخول العمل الفدائي، فيجب أن تعرفي خطورته عليك وعلينا إذا ألقى الفرنسيون القبض عليك" ورغم أنها وافقت وبإصرار، إلا أن المسؤولين كانوا متخوفين لو سقطت في يد المستعمر وعذبوها فستكشف الأسرار الخطيرة التي كانت تعرفها، ولكن عزمها وإصرارها جعلهم يوافقون. وفي اليوم الموالي لهذا الإجتماع تم تكليف النبية بأول عملية بعدما تأكدوا أنها تتقن استعمال السلاح. كانت أول مهمة ذات يوم بعد الغروب، والتنفيذ رفقة فدائيين "شتوكي وسيد علي". تقول المجاهدة النبية، أنهم ساروا متفرقين في الشارع الكبير للمدينة الجديدة حيث يتحرك الجنود الفرنسيون، وبمجرد أن صادفت أحدهم حتى صوبت المسدس خلف رأسه وقتلته، في تلك اللحظات تقول " لم أع ما كنت أفعل من الخوف ولكن نجحت في الإفلات من قبضة الفرنسيين". كانت بداية موفقة جعلت قيادة الثورة تكلفها بتنفيذ عمليات أخرى ونجحت، إلى أن جاء ذات يوم من أيام ديسمبر بداية الستينات، خرجت النبية لتنفيذ عملية رفقة الفدائيين " عبد الوهاب وسيد علي" لأن العمليات الفدائية لا تتم من طرف شخص واحد بل عدة أشخاص لتسهيل هروب المنفذ. ولكن في ذلك اليوم كان الوضع خطيرا بالمدينة الجديدة والدوريات الفرنسية لا تكف عن الدوران وكأنها تبحث عن شيء، فانتاب المجموعة الخوف ولكن "عبد الوهاب أصر على تنفيذ العملية، ليبدأ الفرنسيون في إطلاق الرصاص مباشرة بعد مقتل أحد أفرادهم على يد الفدائي عبد الوهاب، فأصيب زميله سيد علي على مستوى الظهر وسقط جريحا فوق الأسلاك الشائكة التي كانت فرنسا تغلق بها شوارع وهران. والدموع تنهمر من عينيها روت لنا السيدة نبية كيف أن سيد على كان ينزف ويصرخ كي نهرب ولا ننتظره، تقول "لا تزال صرخة أخي سيد علي وهو يطلب مني الهرب تدوي في أذني لحد اليوم". ورغم فقدانها لمرافقيها واصلت العمليات في ظروف مختلفة لغاية القبض عليها. عندما تم إلقاء القبض عليها، تقول أن كل جسمها بدأ يرتعد، لم تدر هل خوفا مما ينتظرها من عذاب أو بردا لأن الوقت كان فصل الشتاء وأخرجت من بيتها عارية. ولم تتمكن رفقة بعض المجاهدين من الفرار والصعود للجبل. ولكن كان العذاب لغاية الإستقلال. هوارية ب المجاهد زحاف كراردة عبد القادر فرنسا قتلت 400 بريء بوهران يوم وقف إطلاق النار بدأ المجاهد زحاف كراردة عبد القادر حدييثه معنا من النهاية يوم دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19مارس 1962، في هذا اليوم قامت المنظمة العسكرية السرية الفرنسية بإدخال شاحنة معبأة بالسلع والمواد الغذائية إلى حي المدينة الجديدة وسط وهران، فتدافع عليها الجزائريون لحاجتهم لهذه المواد، خاصة وأنهم سمعوا بدخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لكن كانت المفاجأة مفجعة حيث سرعان ما انفجرت الشاحنة مخلفة 400 قتيل من الأبرياء الجزائريين و400 جريح الذين وضعوا ثقتهم في العدو في آخر لحظاته التي أرادها هو دموية، خارقا كل القوانين الإنسانية بهذه الجريمة، التي أرشفتها إحدى الجرائد آنذاك حسب الحاج عبد القادر الذي يحتفظ بنسخ منها، ويواصل قصته بأن بشاعة الجريمة وصفت في الصحافة الفرنسية نفسها، ومنها جريدة لا يذكرها، قالت أن مواطنا جزائريا كان يصطحب إبنته الصغيرة طمعا في اقتناء بعض المواد الغذائية وأنه بعدما أفاق من شدة الإنفجار لم يجد سوى ذراع إبنته في يده مثلما كان يشده قبل الحادث. أما بداية المجاهد زحاف كراردة عبد القادر، فلم تكن مباشرة كون المنطقة التي يقطنها كانت نوعا ما معزولة ففي الفاتح من نوفمبر 1954 مثلما يقول، لم يحس سكان منطقة مرسى الحجاج شرق وهران باندلاع الثورة، كونهم فلاحين شبه معزولين عن بقية المناطق، لكن نواة الثورة كانت موجودة، ذاكرا عمه الذي كان يجمعهم وهم شباب ويحثهم على الالتحاق بالثورة، مستذكرا تلك الجلسات بقوله " أنا شخصيا لم أكن أفقه ما يقول عمي، كلامه كان كبيرا علينا نحن شباب المنطقة لم نستوعبه جيدا". وبعيدا عن هذا الكلام الكبير حسب المتحدث فقد فهم هؤلاء الشبان أنه حان الوقت لإخراج فرنسا من بلادنا لأنها تمثل استعمارا يستعبد الجزائريين الذين هم ملاّك الأراضي الفلاحية الحقيقيين. هذه الفكرة هي التي حركت سكان المنطقة المحصورة بين البحر والجبال وسط الأراضي الخصبة التي يستغل المعمر أغلبها. وأوضح المجاهد زحاف أن سكان مرسى الحجاج بادروا لوحدهم لتجسيد هدف إخراج المستعمر من بلادنا، حيث أن عددا كبيرا منهم في تلك المنطقة كانوا يعملون في حقول المعمرين وكانوا تقريبا أحسن حالا من بعض السكان الذين كان الجوع وتدني مستوى معيشتهم واضحا عليهم، ما عدا الفلاحين الذين يملكون أراضي ورثوها عن الأجداد، هذا الوضع مثلما يضيف الحاج زحاف، دفعه وشجعه على مكافحة الاستعمار والتصدي له بكل الوسائل، وبدايته كانت معنوية بتأييد كل العمليات التي يقوم بها الثوار، وفي سنة 1957 تحول منزلهم لمركز للمجاهدين والثوار، ومن هنا بدأ عملهم مع الثورة، إلا أن وقع أفراد الأسرة في أسر الفرنسيين. يحكي المجاهد عبد القادر أن المستعمر قام بإحصاء كل ما يوجد في المنزل وعندما يداهمه من أجل التفتيش يجلب معه القائمة وبالتالي حسب الشيخ عبد القادر لم تستطع أسرته تخصيص المطمورتين الموجودتين في ساحة المنزل لتخزين السلاح أو إخفاء المجاهدين. وأثناء التحقيق مع الرجال من أفراد الأسرة تضاربت معطياتهم لتغليط الجنود الفرنسيين، لكن هؤلاء المحققين لم يتوانوا عن استعمال العنف للحصول على المعطيات الصحيحة، فضربوا الجميع كما يقول المتحدث، الذي كان أصغر إخوته، كان يسمع صراخ والده وإخوته من شدة التعذيب فلما جاء دوره كان خائفا وأقنع المعذبين أنه سيعترف لهم فلم يعذبوه كثيرا وإعترف لهم حسب قوله "لقد قلت لهم أن المجاهدين الذين كانوا في بيتنا جلبهم الجيش الفرنسي و ذهبوا إلى جبل الأوراس"، يضحك قليلا ويواصل أنه حينها عرف هؤلاء الجنود أنهم لن ينالوا شيئا أمام إصرارنا على تغليطهم، فتم تحويل الأب وولديه إلى السجن بينما محدثنا الذي كان أصغر إخوته، عوقب بالأشغال في إحدى مزارع المعمرين لمدة أسبوع وهذا بعد أكثر من 8 ساعات من التحقيق في شهر ديسمبر. وبعدها قرر المجاهد عبد القادر التفكير في كيفية مساعدة هؤلاء الثوار أو الإلتحاق بهم، فتوصل لفكرة جمع الألغام والقنابل التي لم تنفجر وتزويد الثوار بمحتوياتها، العملية خطيرة ولكن أصر عليها. و يشرح لنا بالتفصيل، أن الفرنسيين كانوا يوميا يقيمون تدريبات عسكرية قرب شاطئ مرسى الحجاج حاليا، حيث يجربون مدى فعالية القنابل التي يقذفونها وتسقط قرب المساكن هناك حيث يقص علينا الحاج بقوله "ترصدتهم وجمعت كل التفاصيل الخاصة بتحركاتهم، ثم بدأت أخرج القنابل والألغام التي تسقط ولا تنفجر لأن التربة طينية، العملية خطيرة ولكن المهم عندي هو مساعدة الثوار وتزويدهم بذخيرة حربية". وفعلا قام بهذه المهمة لأنه كما قال كان يمتلك عزيمة قوية، واستمر لمدة طويلة يزود الثوار الذين يقصدونه من أغلب مناطق الوطن بالبارود وكل ما تحتويه تلك المتفجرات، إلى أن بلغ الأمر للإستعمار الفرنسي الذي دس وسط سكان المنطقة أحد أعوانه من الجزائريين والذي كان غريبا عن المنطقة، ويشير محدثنا إلى أنه عندما أحس بالخطر فر من المنطقة بنية الإلتحاق بالثوار في الجبل ولكن واجه صعوبات حالت دون ذلك، وبقي متخفيا من مكان لآخر وحكم عليه بالإعدام غيابيا، ولكن أدرك الإستقلال ولم يقع في يد المستعمر ولازال يتمتع بصحة جيدة. هوارية ب الرائد عمار جرمان مسؤول سابق بمنطقة أوراس النمامشة التجنيد وفقا لمعايير العروشية و المحسوبية نافذة استغلها المستعمر اعتبر المجاهد عمار جرمان الخلافات بين مناضلي الحركة الوطنية سببا رئيسيا في اندلاع ثورة 1 نوفمبر لكنه يرى أن الخلافات بين المجاهدين خلال فترة الثورة كانت سببا في تأخر تحقيق الاستقلال، المجاهد الذي تقلد عدة مسؤوليات في الحدود الجزائرية التونسية إبان الثورة، وبعد الإستقلال عين ضمن صفوف الأمن العسكري، وتدرج في مسؤوليات سامية آخرها مدير جهوي للأمن العسكري في عدة نواحي عسكرية برتبة رائد أكد أن اختراقات المستعمر مست القلب النابض للثورة . يقال أن الثورة كانت في بدايتها غير منظمة ومرتكزة في منطقة الأوراس فقط؟ ثورة التحريرلم تكن عشوائية بل كان يميزها نظام صارم وسري ودقيق ،حيث تم تقسيم المناطق إلى نواحي وعين على رأس كل ناحية مسؤولا يدير شؤونها، وأشير إلى أن الولاية الأولى هي التي تحملت الثورة في بدايتها حيث أن أعضاء لجنة 22+1 في اجتماعهم تساءلوا عمن سيتحمل الثورة في سنواتها الأولى، وهي حقائق تاريخية معروفة لدى العام والخاص آنذاك، الشهيد البطل مصطفى بن بولعيد قال بأنه سيتحمل الثورة في أشهرها الأولى وهو ما حدث ، إلى أن توسعت واحتضنها الشعب خاصة بعد أحداث الشمال القسنطيني. مثلا المنطقة التي كنت أزاول نشاطي الثوري بها، كانت مقسمة كالآتي ناحية لحراكتة وعرش السقينية وبني ملول، باشراف صالح سليماني المدعو بلحناشي وبمساعدة عبد الله لمزيطي، حيث كانت تضم مناطق أم البواقي، عين البيضاء، عين مليلة، مسكيانة، عين فكرون، قصر الصبيحي، تاملوكة، بريش عين اعبيد واد الشارف. كما قسمت إلى نواحي أشرف عليها مجاهدون وهم المجاهد خياري ارميلين المجاهد شعبان لغرور، المجاهد ابراهيم دلفي، المجاهد لمولدي عاشري، المجاهد لحسن مرير ثم استخلف هؤلاء القادة بعد تسير الثورة لمدة قصيرة بقادة جدد من نفس المنطقة بعد مؤتمر الصومام إضافة إلى وجود تنظيمات مدنية تتكون من مواطنين مختارين من مختلف العشائر المتميزين بسمعتهم الطيبة في أوساط الشعب والحركة الوطنية من قبل حيث كانوا يشرفون على إيواء المجاهدين وجمع الإعانات، وتجنيد الشباب، بالإضافة إلى جمع المعلومات عن تحركات العدو و الإشراف على مساعدة عائلات الشهداء والمسجونين والتنسيق مع جيش التحرير الوطني باتخاذ القرارات اللازمة. ما صحة ما يقال عن أن الثورة لم تكن تملك السلاح المطلوب عند اندلاعها؟ نوعية الأسلحة لم تكن أسلحة كثيرة حيث جمعت من الدوايير وهي عبارة عن أسلحة الصيد ومخلفات الحرب العالمية الثانية من نوع الخماسي والسداسي، كنا نشتريها وأخرى ننتزعها من المواطنين كما أنه كان 5 أو6 مجاهدين يشتركون في بندقية واحدة وكانت الهجومات في البداية على المعمرين ومزارعهم والخونة والقياد إضافة إلى بعض الكمائن البسيطة، بحكم أن المعارك المباشرة لم نكن نستطيع القيام بها نظرا إلى تفاوت القوى، إلا في الحالات الضرورية. أما طريقة التجنيد فكانت مبنية على قواعد وأسس صحيحة باعتبار أننا كنا نواجه أكبر الأنظمة العالمية، حيث كان التجنيد يقوم على اختبار مدى شجاعة المجاهد ويشترط في ذلك قيامه بقتل جندي أو معمر وأخذ سلاحه حتى يكون مطلوبا لدى فرنسا ولا يمكنه العودة، لكن مع تطور الثورة وقع انحلال في القانون أين كثر التجنيد وفقا لمعايير أخرى كالعروشية والمحسوبية وهي النافذة التي استغلها المستعمر وأدت لاختراق صفوف الثوار. هل كانت هناك اختراقات في صفوف الثورة؟ الاختراقات مست القلب النابض للثورة، كما أن نسبتها كانت قليلة في سنوات ما قبل 1956 مقارنة بما بعدها، كما أن بدايتها كانت في الحركات الوطنية والأحزاب وازدادت حدة بعد سنة 1958 كما أن الولاية الأولى والثانية لم تكن الاختراقات بها بنفس الحدة، وفي ولايات أخرى كان الأمر أخطر، حيث تشكلت جيوش وسط جيوش، من أهمها مجموعات «كوبيس» حيث جند الأشخاص بصفة مناضل في الحركة الوطنية وقام بهجومات ضد جبهة التحرير مع باشاغا بوعلام. الاختراقات شكلت جيوشا وسط جيوش إضافة إلى ما قام به جيلالي بلحاج والشخص المسمى خالد، الذي اخترق الطلبة، و أيضا الجنرال بلونيس في الولاية الثالثة ، و في الولاية السادسة كان ضابط صف مع فرنسا يسمى بن سعيد. كيف تم كشف الإخترقات؟ الفضل الكبير يعود للقائد عميروش في اكتشاف الخونة والأنظمة الموازية ، حيث عقد اجتماعا بجبال الطاهير بمسؤولي الولايات من بينهم العقيد محمد بوقرة قائد الولاية الرابعة، وأخبرهم بوجود اختراقات لكن العقيد لم يعطي للقضية أي أهمية، ولما عقد بوقرة أحد الاجتماعات بوحداته بالمدية، أشهر عليه أحد الجنود السلاح لكي يقتله، لكنه لم يتمكن من ذلك. إعدام 300 شخص في 4 أيام وبعد أن ألقي القبض عليه وتم التحقيق معه تبين بأنه تلقى أوامر من مسؤولين في الجيش بقتل العقيد، ليتم بعدها فتح تحقيق و إعدام 300 شخص في 4 أيام، كما كان لها أثر في الولاية الأولى حيث تمت التضحية بعدد من مجاهدي أول نوفمبر وذهبوا ضحية مغالطات. يقال أن قرارات مؤتمر الصومام لم تعجب الكثير من المجاهدين هل من الممكن أن تقدم لنا توضيحات؟ بعد تسجيل القضية الجزائرية للمناقشة في الأممالمتحدة ومشاركة الجبهة بوفد في مؤتمر «باندونغ» و الانتصارات التي حققتها الثورة في السنوات الأولى، اختار عدد من المناضلين الذين كان بعضهم معارضا للثورة عقد مؤتمر الصومام للوصول إلى مقاليد الحكم، وهو ما لم يرض مجاهدي المنطقة الأولى، حيث قامت آنذاك مجموعة من المجاهدين بكتابة رسالة تتعلق بعدم الاعتراف بنتائج المؤتمر، كون النصاب لم يكن كاملا وغيبت الولاية الأولى والخامسة والوفد الخارجي عن الاجتماع بالإضافة إلى الفدارلية الفرنسية المدعمة للثورة، وما سمعناه في المنطقة آنذاك أن بن بله لم يكن راضيا تماما عن المؤتمر،خاصة وأن جماعة المؤتمر اتصلوا به وقالوا له بأنهم سيقومون بإرسال أشخاص يتولون عملية نقله كعضو ممثل عن الوفد الخارجي إلى مقر الاجتماع ، إلا أنه انتظر مدة 20 يوما كاملة في طرابلس ولم يأت- أحد ليتفاجأ بعد مدة بإرسال نتائج الإجتماع وهو ما اعتبره بن بلة أمرا غير معقول. من جهة أخرى قيل أيضا أن الذين شاركوا في الإجتماع كانوا أناسا غير متحمسين للثورة بالإضافة إلى بعض معارضيها، كما أن الأغلبية ليسوا عسكريين، كما أن المؤتمر يعتبر انقلابا على مبادئ أول نوفمبر التي قامت من أجلها الثورة وتم من خلاله سحب البساط من مفجري الثورة الحقيقيين، وهو ما تسبب في اقتتال بين الإخوة المناضلين، كما أدى إلى انشقاقات في الولاية الاولى بالإضافة إلى أن المؤتمر حدد من يقف مع الثورة وضدها، حيث أنه من لا يوافق القرارات يصنف معها ومن يخالفها فهو ضدها، كما أن المناضلين أعطوا لأنفسهم صلاحيات وكأنهم هم من فجروا الثورة وأسسوا لأنفسهم نظاما ودستورا يحميهم. ونشير أيضا إلى أن مؤتمر الصومام له قرارات إيجابية منها ما تعلق بإعادة تنظيم و تأطير وهيكلة صفوف جيش التحرير بشكل جيد. وكيف كانت تداعيات القرارات على منطقة الأوراس؟ كان من المفترض أن يبلغ قرارات المؤتمر لمنطقة الأوراس أوعمران سي الشريف و عميروش وعمار بن عودة لكن لم يلتحق منهم سوى العقيد عميروش، و لما وصل العقيد وجد المنطقة على وقع الخلافات والصراعات والتي كانت في مجملها بخصوص الزعامة والسيادة ، خاصة بعد استشهاد بن بولعيد، حيث أن التعصب القبلي والعشائري أزم من الوضعية كثيرا، إلى أنني أود ان أذكر أن أغلبية القادة الموجودين بالمنطقة كانوا مخلصين ومجاهدين أكفاء من أمثال عباس لغرور بجهة النمامشة خنشلة، وعجول المتهم بقتل بن بولعيد بمنطقة غرب الأوراس وجماعات أخو بن بولعيد المسمى عمر، ونعود إلى حديثنا أنه وبدل أن يقوم عميروش بجمع المعلومات أو يرفع تقرير إلى لجنة التنسيق و التنفيد، وهي في الأصل المهمة التي جاء من أجلها، قام بقرارات فردية حيث أنه عزل ورقى أشخاصا كما حول آخرين إلى الولاية الثالثة، دون أن يعرف حقيقة الصراعات التي بالمنطقة وطبيعة سكانها. كما كان لمجموعة الطاهر نويشي وعقون، دورا في التأثير على قرارات العقيد التي لم تعجب أحد، حيث أنه ورغم أنه استدعى عجول وأمره بعدة أشياء ورضوخ الأخير إلى أوامره، إلا أن عميروش كلف جماعته بقتل عجول وهي الحادثة التي أدت بعجول إلى الهرب نحو الفرنسيين، وشئنا أو أبينا فإن عجول كان قائدا كبيرا كما أن المجاهدين تذمروا كثيرا من إرساله إلى المنطقة وقالوا بأنه ليس بمستوانا ولو أنهم أرسلوا إلينا مجاهدين يعرفوننا من أمثال عبد الحفيظ بوالصوف الذي سمي مبروك في الأوراس ، أو زيغود يوسف أو بن طوبال لكان أفضل. و ماذا ترتب عن الخلافات في المنطقة من عواقب؟ ظهرت بعض الخلافات الحادة بين عناصر قيادية في الولاية الأولى وأصبحت المجموعات تتكون من أفراد عشيرة وأقرباء القائد الذي يرى بأنه لا يحق لأحد أن يتدخل في شؤون المنطقة التي يحكمها، وأمام هذا الوضع قام القائد الصحراوي صالح، المدعو الثابتي رفقة عدد من قيادته من أفواج جيش التحرير بالإنتقال إلى الحدود التونسية، وطلب من قادة النظام إطلاق سراح المساجين الموجودين في السجون التونسية بأمر من لجنة التنسيق و التنفيذ، كما طلب من السلطات التونسية التدخل لدى لجنة التنسيق والتنفيذ من أجل إطلاق مجموعة من المساجين، من مختلف أفواج المجاهدين بالإضافة إلى مجموعة عباس لغرور. ولم يتمكن المدعو الثابتي من تحقيق أهدافه التي رسمها وخاصة ما تعلق منها بإطلاق سراح المجاهدين، وعاد إلى منطقة الأوراس دون مئونة ونفذ صبره وكانت هذه المجموعة حسب شهادة أحد المجاهدين تتكون مما يقارب 350 مجاهدا، وهو ما أدى به إلى الرضوخ لمؤامرة استعمارية خطيرة حيث اتصل بالسلطات العسكرية الفرنسية، بمنطقة تاميورت بخنشلة. عدد من مجاهدي أول نوفمبر ذهبوا ضحية مغالطات ومما نتج عن مفاوضته مع المستعمر هو إبرام هدنة لمدة 4 أشهر في مدينة خنشلة وكان من بين العسكريين الذين حضروا الاتفاق العقيد ألدوا، الملازم أول أريو، و الملازم الأول بوبية والملازم بوغرزول من جانب مجموعة صالح الثابتي، وأحمد عرعار بن المكي وكان من بين بنود الإتفاق، إحداث إدارة لصالح الثابتي وتعليق العلمين الفرنسي والجزائري عليها، تسليحه بالأسلحة التي حجزتها القوات الفرنسية من دوريات الحكومة المؤقتة ، تسليم أي مجاهد يلقي عليه القبض وهو ما رفضه صالح ثابتي وخاطب العقيد ألوا قائلا إن عليه أن يقبض على المجاهدين بنفسه في أماكن تواجدهم، وقد قامت تلك المجموعة بإلقاء القبض على عدد من المجاهدين وقامت بتجريدهم من الأسلحة دون أن يسلمهم للقوات الفرنسية، وكان رمزهم حرف M وقد رسمت في أعلام يستظهرونها أثناء عمليات التمشيط، وكذا أثناء قصف الطائرات.بعد قيام المجاهد حفصاوي بمهمته بإيصال السلاح إلى المنطقة الثالثة عاد إلى الأوراس وبالضبط إلى منطقة المحمل،حيث وجد صالح ثابت ومجموعته تقوم ،كما ورد في الاتفاقية، بنشاطات داخل العشائر والأهالي ولم يبق لانقضاء مدة الهدنة سوى 15 يوما، فبدأ المجاهد يخطط في كيفية الاتصال به، حيث تشاور مع عدد من القسمات والعشائر وقد رفض الجميع الإتصال بالمعني أو نائبه لأن العملية خطيرة وغير مضمونة، وبعد التشاور حملت المجموعة حفصاوي مسؤولية الإتصال نظرا للثقة التي سيمنحها الثابتي للمجاهد بلقاسم، باعتباره كان مسجونا في تونس رفقة عباس لغرور، ووفقا للإتفاق الحاصل بين المجموعة، أشعر الثابتي بأن حفصاوي هو الوسيط الوحيد بينهم في جميع الأمور الإجتماعية والسياسية والحربية وتزايدت ثقة الثابتي في حفصاوي، فاتصل به بمعية نائبه أحمد عرعرار، وتنقل الثلاثة على متن سيارة إلى مدينة خنشلة وقضوا الليلة هناك، وفي الطريق مروا بدورية مراقبة أين استظهر الثابتي ونائبه بطاقتيهما، فالأول كان يحمل بطاقة عقيد والثاني بطاقة مقدم وهنا تفطن المجاهد حفصاوي للمؤامرة والخيانة العظمى المحاكة ضد الثورة، وقضى المجاهد ليلته تحت الأعصاب وبدون نوم وهو يفكر في الحيلة التي تمكنه من قتل الخائن، إلى أن تمكن من تدبير عملية قتله فقد تولى قتله عمار الرافال بينما أطلق هو النار على سائقه ونائبه، وعمل حفصاوي على إعادة الأمور إلى نصابها وإلتحاق الأفواج مرة أخرى إلى صفوف جيش التحرير. قيل الكثير عن ملف المجاهدين المزيفين وتزايد عددهم ما هو تعليقك على هذه القضية؟ أود أن أقدم ملاحظة وعلى المختصين بهذا الشأن الإجابة أو التعليق لأن ذلك ليس من صلاحياتي، السؤال المطروح هل عدد المجاهدين وبعد مرور أكثر من خمسين سنة على الإستقلال في تزايد أو تناقص، إذ أن عدد المجاهدين بتقديري كان في الحدود الشرقية 30 ألف مجاهد والغربية بنفس العدد زائد 20 مناضل و 20 ألف مسبل ونفس العدد من الفدائيين، والسؤال الجوهري الآن كم عددهم الحقيقي الآن، الخلافات بين المناضلين أدت إلى اندلاع الثورة وأخرت الاستقلال دون أن أمس أي أحد أو أسيئ إلى أي شخص وأود أن ألفت الانتباه، أن العديد من المناضلين جاهدوا بأنفسهم وأولادهم و أموالهم دون أن يتحصلوا على حقوقهم إلى حد الآن كما أنهم قاموا بتضحيات جسام أكثر من المجاهدين أنفسهم إضافة إلى أن العديد منهم جعلوا جهادهم في سبيل الله ولم يطلبوا أي تعويضات. هل تتفق مع من يرون أن الخلافات أخرت الإستقلال ؟ لولا الخلافات التي كانت بين المناضلين في الحركة الوطنية لما اندلعت الثورة على المستعمر كما أنها كانت سببا في تأخر الاستقلال، الثابتي وقع هدنة لأربعة أشهر مع فرنسابخنشلة لكنه رفض تسليم المجاهدين لفرنسا وبرأيي فإن أول نوفمبر يعتبر المع جزة الكبرى في العالم وقد حقق أسمى أهدافه و هو الإستقلال والذي كان أكبر أهدافنا إذ أننا كنا نقول في الجبل المهم أن نستقل وتنعم بلادنا في الحرية، وأؤكد أن هذه التصريحات مجرد شهادات تاريخية عايشتها واطلعت عليها لما كنت في الجبل ولم أقصد أي إساءة لأي مناضل أو أي مجاهد فكل له قيمته ومكانته التاريخية. حاوره لقمان قوادري * تصوير: الشريف قليب المجاهدة الفدائية قمرة طرودي..ذكريات ممرضة بجبال الميلية لم تخف و هي تستقبلنا ببيتها الكائن بحي كدية عاتي بقسنطينة، حزنها و ألمها مما يرّدده بعض شباب اليوم من كلمات تقلّل من قيمة ما قدّمه جيلها من تضحيات و قالت بأنها تمنت» رؤية هؤلاء يتذكَّرون بوفاء أولئك الذين أدوا الرسالة الجهادية بأمانة وفخر واقتدار، رجال سطرّوا ملحمة التاريخ بشذى عطر الشُّهداء وصمود الأوفياء»..هي واحدة من أصحاب المهمات الجهادية النبيلة، عاشت من أجل الوطن أياما حبلى بالوطنية، حمستها على الانخراط في جبهة التحرير الوطني، كمجاهدة و ممرضة..تدعى قمرة طرودي التي التحقت و شقيقتيها منوبية و فاطمة الزهراء بصفوف المناضلين و اضطرت للهروب للجبل بعد أن اكتشف المحتل أمر خلية زوجها المجاهد المعروف بشير لحماري لتمكث هناك أكثر من أربع سنوات، قالت أن اليوم هناك بمقدار سنة. المناضلة قمرة طرودي فتحت لنا قلبها و باحت بما لا زالت تحتفظ به من ذكريات و مكتنزات و أسرار، و سردت بكلمات منسلة من الروح، أشعرتنا بتلقائية و جرأة شخص ذي همة و مبادئ، عزيز النفس، بعيد عن المراوغة و التملّق، كيف أنها كانت كالكثيرات من حرائر الجزائر يتطلعن للحرية، و أيقن بأن الثمن هو التضحية و الوقوف في وجه الظلم و الاستبداد بحمل السلاح، و التجنيد في الجبال و نقل الذخيرة في المدن و لعب دور الممرضة بالمراكز الصحية. بدأت النضال و عمرها لم يتجاوز العشرين سنة عندما ارتبطت بالمجاهد بشير لحماري قائد خلية سنوات الخمسينات بقسنطينة، حيث عملت رفقة العديد من بنات المدينة المتحصلات على مستوى تعليمي مقبول أو حسن على توزيع المناشير و توعية الناس و محاولة ضم أكبر عدد من المناضلات و الفدائيات إلى صفوف الجبهة. اضطرت زوجها للانتقال إلى مسكن جديد لكثرة مناوشاتها مع جارتها اليهودية لم تخل حياة المناضلة الشابة قمرة طرودي من المغامرات و المواقف الطريفة، في بداية زواجها، حيث حملتها غيرتها على المجاهدين إلى المناوشة و التشاحن مع جارتها اليهودية «رين»بمسكنها الأول بحي القصبة، أين بدأت تعقد أول الاجتماعات السرية لخلية بشير لحماري، حيث كان يستقبل رفاق الجهاد من حين إلى آخر، و لأن قمرة لم تكن تتحمل تلميحات جارتها اليهودية المدعوة «رين» التي كانت تتعمد انتقاد الثوار أمامها و تدعوهم باسم «الفلاقة»، مما كان يثير سخطها فترّد عليها. و هنا تتذكر المناضلة قمرة، يوم دعت اليهودية على المجاهدين قائلة «الفلاقة يعطيهم «قزيرة» ( حمى قاتلة)فسألتها قمرة عن سبب حقدها فردت عليها بأنها لن تنسى كباقي اليهود أحداث 5أوت، تعبيرا عن استمرار حقدها على المجاهدين، فقررت الانتقام منها لعلمها من خوفها من ظلها، و قالت لها «الفلاقة متواجدين في كل مكان و قد تلتفتين إلى الوراء فتجدينهم خلفك»فأسرعت اليهودية إلى بيتها و هي ترّدد»يا ما يعطيهم بقلة»و هي عبارات خاصة بيهود قسنطينة، و استرسلت المناضلة و هي تضحك و قالت بأن زوجها دخل و سمع حديثها مع جارتهم فعلّق»أنت ما تحكميش فمك (أي ثرثارة)و علينا الانتقال إلى مسكن جديد و إلا فضح أمرنا»خشية منه من وشاية اليهود. و بقيت قمرة يقظة و متفطنة لكون مسكنهما الجديد الكائن بشارع قريب من الجامع الكبير، كان وسط حي أغلب سكانه فرنسيين، حيث كانت تخشى أكثر من إحدى الجارات التي تطل شرفتها على مطبخها، لأنها كانت ترى ستار نافذة المطبخ يتحرّك كلما رأت زوارا يقصدون بيت لحماري، الذي كان يحتضن اجتماعات الخلية كل يوم جمعة مع المناضلين، أين كان يدعوهم لمأدبة غذاء تعدها قمرة، من باب التمويه. و استرجعت بعض أسماء الفدائيين الذين رأتهم في تلك الاجتماعات، لكنها نسيت الكثير منها و كانت تبدو منزعجة جدا من مشكلة النسيان، حيث لا تكف عن ترديد عبارة «فكرني يا ربي» و هنا تتذكر بعضها كالعربي بن مهيدي، الشيخ العيد المدعو «الحلاب» و صالح قديد و بشير ملاح. رحبة الصوف منبع الثوار و فضلت الفدائية و الممرضة قمرة الوقوف عند الحي الذي كبرت فيه و هو حي رحبة الصوف بالمدينة العتيقة، و هي تشيد بعدد المناضلين و المناضلات الذين خرجوا من هذا الحي رغم وجود مركز شرطة فرنسي فيه، كان يشرف عليه المحافظ الرئيسي سان مارسيي الذي اغتيل فيما على بعد أمتار من المركز. كما عادت بها ذاكرتها إلى بيت الأسرة أين حوّلوا فراش جدتها المقعدة إلى مخبأ لبعض الأغراض الممنوعة و حتى القنابل دون علمها، مستغلين الشهادة الطبية التي حرّرها الدكتور بن شريف يؤكد فيها بأن العجوز مصابة بمرض القلب و حالتها لا تتحمل القلق و الخوف، فكانوا يقدمونها للفرنسيين كلما جاءوا لتفتيش المنزل، فيتركون العجوز مكانها، و بالتالي نجا أهلها عديد المرات بفضل ذلك. ذكريات قمرة طرودي متشابكة و كثيرة و الوقت لا يكفي لتلخيصها مثلما تقول لأهمية كل محطة فيها، لكنها رغم ذلك اكتفت بالعودة إلى عام 1956تاريخ القبض على زوجها لحماري بشير ، بعد أن لم تتحمل غمري نيسا ويلات التعذيب و تنتهي بذكر اسم رئيس الخلية. تقول قمرة أن الطالبة غمري نيسا التي رغبت في النضال في صفوف الجبهة واجهت رفض والدتها لذلك، حيث قامت والدتها بالاتصال بقمرة و أخبرتها بضرورة إبعاد نيسا عن التفكير في النضال لتفادي المشاكل مع شقيقها، فكان عليها إخبار زوجها بذلك، فقام بكتابة رسالة لنيسا يخبرها فيها بأنهم ليسوا في حاجة إلى مساعدتها في الوقت الراهن لكنهم لن يتأخروا في استدعائها في حال احتاجوا إلى ذلك احتراما لشعورها، و حملت فاطمة الزهراء طرودي شقيقة قمرة الرسالة إلى نسيا التي قرأتها و بدل تمزيقها كما جرت العادة عند المناضلات خبأتها، و لسوء حظها جاءت الشرطة تبحث عن شقيقها فظنت أنها جاءت لأجلها فحملت الرسالة و رمتها من الشرفة فوقعت في شرفة بيت الجيران فرآها أحد الجنود الذي أسرع و أحضر الورقة اقتادوها إلى مركز الشرطة أين تعرضت للتعذيب، و نطقت باسم بشير لحماري و كشفت الخلية، و سجن لحماري و صدر في حقه حكم بالسجن لمدة 18سنة و آخر بالنفي خارج الوطن لمدة ثماني سنوات و حكم ثالث بسبع سنوات و ظل المجاهد بالسجن إلى غاية الاستقلال. و عن ليلة القبض على زوجها، قالت قمرة أيضا بأن الحظ كان حليفها، لأنها في نفس اليوم انتابها شعور غريب، عرفت بأن عليها إتباع حدسها فأخذت حقيبة بحرية كانت تحوي بعض الأغراض المحظورة، و حملتها إلى بيت شقيقتها فاطمة الزهراء بحي سيدي مبروك، وعادت إلى البيت و ما هي إلا ساعات حتى حاصر العسكر البيت فربطت الراية الوطنية تحت ملابس نومها و وضعت ختم الجبهة الذي كانوا يستعملونه في ختم المناشير بجيبها، و لما فتش الجنود المكان لم يجدوا شيئا فاقتادوا الزوج وحده، لتبقى هي تنتظر شروق الشمس لإخبار رفقائه، حيث أسرعت إلى بيت العائلة برحبة الصوف و أخبرت الكثير من رفاقه لكن بعضهم رفضوا مغادرة بيوتهم و الفرار إلى الجبل من بينهم المكي بن عزوز الذي ألقي عليه القبض في نفس الفترة مع 18شخصا آخرا، فيما نجا البعض الآخر. و لأن فضيلة سعدان كانت هي الأخرى مهددة فقد أسرعت فاطمة الزهراء طرودي و تركت لها رسالة ببيت خالتها بشارع السيدة بحي السويقة، باعتبارها كانت خارج البيت، و لما زارتهم برحبة الصوف طلبوا منها الاختفاء أو الصعود إلى الجبل لكنها فضلت العودة إلى المنزل أين ألقي القبض عليها هي الأخرى في الليلة ذاتها. و تذكرت قمرة تلك الأجواء خاصة عندما أوكلوا المحامي نيغاريس لأجل الدفاع عن بشير لحماري فيما اختارت والدة فضيلة سعدان «خديجة»المحامي «طوبيانا» لإنقاذ ابنتها من جحيم السجن، فكسب القضية باعتماده على قانون حماية القصّر. و توالت الذكريات، و فرضت بعضها فنسها على حديث المناضلة المتحمسة التي استعانت بورقة وكتبت عليها بعض ما تذكرته قبل أن تخونها الذاكرة من جديد و قالت بأنها بعد اعتقال زوجها سافرت إلى سوق أهراس و بقيت ببيت شقيقتها بضعة أيام ، قبل العودة إلى قسنطينة أين اتصل بها شرطي من باتنة و طلب مقابلتها، و لما التقى بها، قال بأنهم في حاجة إلى مساعدتها فوافقت دون تردد و بدأوا بتموين الإخوة بمنطقة الأوراس باللباس و السلاح، حيث كانوا يتصلون بمشتة أولاد ناصر بدعم من المدعو «عمي محمد». و تحدثت المناضلة عن لقائها بإسماعيل محجوب و الحاج لخضر، و داودي سليمان المدعو حملاوي، و عند تقسيم المدينة استمروا في العمل مع كل من اسماعيل محجوب و محمد لوصيف و علي بسباس، و بن حمدي عز الدين و بلعكروم المدعو شحميمة و عمار قيقاية و الطاهر عباس و طلحة شريف و مليكة حمروش التي كانت تمازحها بالقول بأن رصاصة واحدة ستقضي عليهما هما الاثنتين لقوة صداقتهما، لكن الله كتب لهما عمرا طويلا معا. دفن الرجل المبتورة و خنزير الغابة و من المحطات التي لن تنساها المناضلة أيضا ممارستها للتمريض عند التحاقها برفاق الجهاد بجبال الميلية ثم جبال بوحنش بجيجل أين عملت بعدة مستشفيات و التي قالت عنها أنها مجرّد أكواخ مغطاة بالحشيش، حيث عملت مع الطبيب لمين خان قبل أن يتم استدعاءه بتونس و يحل محله الطبيب عبد القادر بوشريط ثم حمروشي. و عادت صور الخوف و الجوع و العطش و صور القتلى و الحزن الذي كان ينتابهم عند رحيل كل رفيق في الكفاح و قالت أن أكثر ما رسخ في ذهنها من صور الجرحى يوم قدمت الإسعافات الأولية لمجاهد يوسف المدعو جحا و الذي أصيب برصاصة على مستوى الصدر قريبة جدا من القلب و كانت تتابع بعناء خطوات استخراج الرصاصة بتمزيق جلده على مستوى الثدي و هو يتألم، كما تذكرت صورة توديع الشهيد صالح بوجريو لرفاقه بعد تجمعهم كالعادة قبل كل عملية في شكل حلقة و أداء تحية العلم و إنشاد «إخواني لا تنسوا الشهداء». كما تذكرت الغارات الجوية التي تسببت في جرح أم و طفلتها التي توفيت في عين المكان فيما تم إنقاذ الوالدة بأعجوبة، و حادثة أخرى أصيبت خلالها بجروح لأنها أرادت أن تمنع إحدى النساء الخائفات من مغادرة المخبأ خلال غارة جوية بجبال جيجل تسببت في مقتل الكثير من الشهداء، و نجت هي و بعض النساء اللائي صمدن في مخبئهن، فيما أصيب الكثير من الفدائيين. و من اللحظات التي قالت بأنها تضحك كلما تذكرتها، رغم الحزن الشديد الذي انتابها و هي تساعد الطبيب بوشريط في إنقاذ روح جندي أصيب بالغانغارينا بعد أن أصيب برصاصة برجله خلال زيارته لعائلته، حيث اضطر الطبيب لبتر رجله، كالكثير من المصابين، لكن المثير في قصة هذا الجندي الذي وعده الطبيب بوشريط بأنه لن يموت لشدة إلحاحه بالسؤال «هل سأموت؟» ، حيث رد عليه الطبيب للتخفيف عنه «الأعمار بيد الله لكنني أعدك بأنك لن تموت»، و بعد بتر الساق طلبت قمرة من ممرضة ثانية أن ترافقها لدفن الساق المبتورة، و في الصباح أيقظتها و طلبت منها ساخرة «لابد من القيام بعادة صباح القبر»فصدقتها زميلتها و أسرعت للقيام بالواجب، تحت قهقهات قمرة التي أخبرتها بالحقيقة بخصوص شكها في استخراج خنزير الغابة للساق و خشية كشف العسكر الفرنسي لمكانهم، و كان شكها في محله، حيث لم يجدا أثرا للساق التي يبدو أن الخنزير استخرجها و التهمها لكثرة انتشار هذا الحيوان البري بالمنطقة، مما زاد من حذرهم و تفطنهم إلى أن غادروا المكان إلى مكان آخر. و أشادت بتفاني و تواضع الأطباء الذين كانوا يبنون المخابئ «كازمات» بأيديهم مثلما فعل الدكتور بوشريط. و التفتت المناضلة إلي و هي تستمع لأذان المغرب، و قالت « حتى لو بقينا الليل كله، فلن ننتهي من سرد كل المحطات المهمة» و فهمت من كلامها بأنه حان موعد المغادرة، لكنها مع ذلك لم تملك نفسها عن انتقاد مواقف المجاهدين «نعرف بعضنا نحن المجاهدات جيدا ك»طيّبات الحمام»فلا داعي لتزوير التاريخ و التملق و نسج الأدوار البطولية على حساب تاريخ أمة سنحاسب عليه أمام الله و الأجيال القادمة» و استرسلت قائلة بأنها صدمت مؤخرا برؤية عدد من المجاهدات يدعين بأنهن فدائيات و هي تملك الأدلة بأنهن كن مجرّد مرشدات. مريم/ب النصر تزور بيت المجاهدة بن مليّك حليمة و تنقل شهادات نادرة فدائية دوخّت «الكولون» و جابت قرى الشرق على قدميْها امرأة حديدية تمتلك شجاعة نادرة جعلتها من المطلوبين الأوائل لدى المستعمر الفرنسي بقسنطينة، هي المجاهدة بن مليّك حليمة الفدائية التي نفذت و عمرها لا يتعدى 20 سنة، عمليات دوخت "الكولون"، قبل أن تتجه نحو العمل الإرشادي و تجوب مشيا على الأقدام العديد من قرى الشرق لتوعية الجزائريين بمبادئ ثورة نوفمبر و لإخراجهم من حالة التخلف التي فرضها عليهم المستعمر الغاشم، «النصر» التقت بالمجاهدة بن مليّك التي روت لنا شهادات نادرة و مؤلمة يُكشف عنها لأول مرة. بفرحة كبيرة استقبلتنا السيدة بن مليّك حرم المجاهد المرحوم بلّعز داخل شقتها البسيطة الواقعة بوسط مدينة قسنطينة، الفدائية التي وصلنا إليها بالتنسيق مع مديرية المجاهدين و رغم بلوغها 77 سنة، بدت نشطة و محافظة على رشاقتها التي تظهر في صور شبابها المعلقة بزوايا الصالون.. و بكثير من الحزن فضلت الفدائية بن مليك البدء بالحديث عن شقيقها الفدائي عبد الرحمان الذي كان يكبرها بسنتين و أعدم بالمقصلة في عز شبابه، و هي حادثة تقول المجاهدة أنها أثرت على حياتها الثورية التي بدأت سنة 1955 و عمرها لا يتعدى 16 عاما، حيث ذكرت أن مهمتها في البداية كانت تقتصر على تطريز البدلات العسكرية للثوار و من بينهم الشهيد مسعود بوجريو، فقد كان شقيقها يتكفل بنقلها إليهم قبل أن يتحول إلى العمليات الفدائية و تصنيع القنابل اليدوية. و في إحدى ليالي سنة 1955 داهم الجيش الفرنسي مسكنها العائلي بشارع قيطوني عبد المالك «رود بيانفي» لكن شقيقها تمكن من الفرار في وقت كان الجنود يطرقون الباب بقوة، لتفتحها و تكون أول مواجهة مباشرة لها مع الفرنسيين، في تلك اللحظة تقول المجاهدة بن مليك أن الله منحها شجاعة كبيرة.. قالت حينها للجنود أن شقيقها ذهب ليزور عمته، ليهددها الضابط «سال» بكهربة جسمها بوضعه أسلاكا بيدها، لكنها ظلت محافظة على هدوئها و تمسكت بما قالته قبل أن يتدخل جزائري كان مع الجنود الفرنسيين: «ماذا ستقول لك..ستخبرك أنه نجا بنفسه..اذهبوا و أبحثوا عنه»! ليزيل الضابط السلك الكهربائي من جسمها و تنجو من التعذيب، بعد ذلك صعد شقيقها للجبل ثم عاد و هو فدائي متخفي، بينما عادت هي إلى تطريز بدلات المجاهدين و الأعلام الوطنية.. من تطريز بدلات المجاهدين إلى الانتقام من مُهدّدها بالتعذيب النقطة الفاصلة في حياة المجاهدة بن مليّك حليمة كانت عندما تم التبليغ عن المكان الذي يتردد عليه شقيقها الفدائي رفقة المجاهدين في مقهى ب «رود بيانفي»، حيث تم مداهمة المكان و القبض عليه، ليتم إعدامه بالمقصلة أواخر سنة 1956 بسجن القصبة، في حادثة نزلت على العائلة كالصاعقة و لا تزال المجاهدة ترويها و الدموع لا تفارق عينيها حزنا على أخ قتله المستعمر بكل وحشية و عمره 23 سنة.. قبل ذلك كانت المجاهدة تتواصل مع الشهيد حملاوي الذي كان يبلغ عائلتها بأخبار شقيقها و ذلك في رسائل تُخبؤ بإحكام في ملابس المسجونين قبل غسلها.. و في إحدى تلك الرسائل، تضيف السيدة بن مليك، طلب منها حملاوي أن تتحول إلى النضال الميداني بدل شقيقها و أن لا تستخرج بطاقة تعريف لكي لا يجد الفرنسيون لها أثرا في سجلاتهم، و هنا تقول المجاهدة أنها قبلت بالنضال و لم تتخوف أو تتردد.. بعدها واصلت المجاهدة مسيرة النضال حيث كانت تجتمع برفاق الثورة بمركز «دار بلحميدي»، إلى أن شاركت ذات يوم من صائفة 1958 مع الشهيد حملاوي و شقيقها الأصغر، في قتل مجموعة من الجنود الفرنسيين بوسط المدينة و من بينهم الضابط «سال» الذي هددها ذات مرة بالقتل، و هنا تقول المجاهدة و عينيها يشتعلان حماسا «أحسست لدى تنفيذ العملية بالعدالة الإلهية».. حيث كلفت يومها بحمل سلة محملة بالأسلحة و مشت قرب المجاهدين و قد كانت مهمتها وضع السلة داخل سيارة طاكسي كان شقيقها الأصغر قد جلبها، حيث أخذ الشهداء الشريف رحماني، الطاهر بن عباس و المدعو محمد المروكي السلة و حملوا السلاح الذي استعملوه في قتل الجنود بمجرد خروجهم من مركز الأمن، «لم أعلم حينها بما سيحدث لكني لم أشعر بالخوف من الموت..فقد كان كل شيء منظما و مضبوطا» تقول محدثنا.. استمرت المجاهدة في عملها الفدائي إلى أن كُلفت أواخر سنة 1958، بتقديم سلة محملة بالأسلحة و رسالة للمدعو «عمار الشانبيط»، و بالرغم من خطورة الوضع و اقتراب ساعة حظر التجول لم تردد في تنفيذ المهمة، حيث كان يفترض أن يتكفل هذا الشخص بقتل نقيب بسجن أمزيان الذي يحرس فيه، لكنها لم تجده لتسلم الرسالة لزوجته و تطلب منها أن تخبره بقراءة محتواها قبل أي تحرك، و خلال عودتها شاهدت «عمار الشانبيط» الذي لم يكن يعرفها و استغرب تجولها بوقت متأخر، حيث ظل يلاحقها و هو ما أثار استغرابها، حيث انتابها خوف شديد و ذهبت لمركز «بلحميدي» أين تخفت ثم عادت للمنزل بعد أن فقد أثرها، و بعد ذلك بحوالي 45 دقيقة حدث إنزال غير مسبوق للجنود الفرنسيين لتكتشف في اليوم الموالي أنهم قد ألقوا القبض على المدعو «الشانبيط»، و هو لغز محير تقول المجاهدة أنها لم تستطع إلى اليوم فهمه. قصة وشاح كاد يوصل المجاهدة الشابة للمشنقة قررت المجاهدة الهرب لأنها كانت تعلم أن الكولون سيكتشفون أمرها عاجلا أم آجلا.. قالت لوالدتها و شقيقها «لا تخافوا علي» و انصرفت لمنزل صديقتها طيلة أسبوع لم يداهم فيه الفرنسيون مسكن عائلتها، لتقرر العودة لكن شاءت الصدف أن يداهم المستعمر المنزل في اليوم نفسه حوالي الساعة الواحدة ليلا، حيث أخرجوا جميع النساء و البنات و طلبوا من «عمار الشانبيط» الذي كان برفقتهم التعرف على الفتاة التي سلمت الرسالة لزوجته، قبل أن يطلب منها النزول ليؤكد «الشانبيط» أنها هي الفاعلة و يصر على ذلك، غير أنها حافظت على هدوئها رغم أن بركانا من الخوف كان يفور بداخلها، حينها تحسس ضابط فرنسي يدها ليعرف إن كانت متوترة، ثم «قال ليست هي..ليس خائفة»، لتنجو بأعجوبة من بين أيديهم، لكن عمار عاد و قال للجنود أنها تعمل ممرضة لدى طبيب، و هو ما نفته مستشهدة بالضابط الذي كان حاضرا حيث قالت أنه كان دائما يجدها بالمنزل لدى التفتيش، و ما ساعدها على ذلك أنها كانت دائما تنهي عملياتها باكرا ثم تعود للمنزل. تقول السيدة بن مليك أن الضابط الفرنسي قال حينها «فعلا..كنت أجدها دائما بالمنزل»، ثم أخذ منها وشاحا و ظنت وقتها أنه أعجبه فأخذه، و قد دلتهم المجاهدة بن مليك إلى منزل الممرضة التي أكدت لهم أنها كانت محبوسة بسجن أمزيان لاستجوابها إن كان «الفلاقة» يدخلون مكتب الدكتور بوغرود، بعد ذلك عادت بن مليك لمنزلها و وجدت أمها و شقيقها اللذين كانا قد يئسا من عودتها، حيث مرضت من شدة و التوتر الذي تعرضت له و الخوف، لأنها كانت متيقنة أنهم سيعودون بعد اكتشاف أمرها، حليمة خرجت بعد ساعات من المنزل، الذي داهمه فيما بعد الفرنسيون و قالوا لوالدتها حينها «ابنتك نجت بنفسها»، و فعلا تمكنت المجاهدة الشابة من الافلات من المستعمرين بعناية ربانية، فقد شاهدت أثناء مرورها بالقرب من ساحة «لابريش» الجنود رفقة الضابط الفرنسي يفتشون النساء المارات بالشارع باستعمال كلاب مدربة، وُضع الوشاح الذي أخذه منها الضابط على أنوفها، قصد القبض عليها. بعد تنهيدة طويلة تضيف السيدة بن مليك التي لا تزال تتذكر أدق التفاصيل عن نضالها.. «جنود المستعمر ظلوا بعد الحادثة يكررون المداهمات على منزلنا».. وقتها كانت المجاهدة قد ذهبت إلى منزل صديقتها ثم تم تهربيها من قبل رفاق النضال أو كما تسميهم «الخاوة» إلى منطقة شلغوم العيد، لتنتقل بعد ذلك و رفقة عدد من المجاهدين و المجاهدات، إلى مسعود بوجريو مشيا على الأقدام خوفا من التعرض للتفتيش في حال ركوب الحافلات و السيارات.. الرحلة كانت صعبة عليها فقد انتفخت رجلاها و أصبحتا تقطران دما، لتصل إلى «عين كرمة» بعد ليلة كاملة من المشي، حيث ظلت هناك بضعة أشهر، بعدها ذهبت إلى القل مشيا على الأقدام أيضا و استطاعت حينها التأقلم مع الوضع إلى درجة أنها كانت الأسرع بين «الخاوة».. لدى الوصول إلى القل طلب منها مسؤول الولاية صالح بوبنيدر التنقل إلى المنطقة الأولى بأولاد عسكر بولاية جيجل للعمل كمرشدة مع المجاهدات، و هو طلب لم تترد الفدائية الشابة في تنفيذه، و ذلك مواصلة للنضال الذي بدأت فيه. «زغردن يا نسوة..اليوم عرفنا ما هي الجزائر» في الطريق إلى جيجل واجه المجاهدون صعوبات كثيرة، فقد ساروا، تضيف السيدة بن مليّك، مائات الكيلومترات مشيا على الأقدام بين الجبال و الشعاب، كما استطاعوا اجتياز وادي الزهور بسكيكدة بأعجوبة بعدما كادت مياهه المتفقدة بقوة أن تجرفهم.. حيث وصلوا لمنطقة أولاد عسكر بعد ليالي من السفر و الإنهاك، و قد وجدت حليمة هناك بنات من قسنطينة بينهن ريمة محزّم و ذباح لويزة و ليس بيدي لويزة كما هو شائع اليوم تؤكد المجاهدة، حيث قالت بأن اسم بيدي يعود إلى عائلة زوج عمة الشهيدة لويزة الذي رباها بعد وفاة والدها.. تعود محدثنا إلى تفاصيل وصولها إلى جيجل، فقد جلب صالح بوبنيدر للمجاهدات برنامج عمل على شكل كراسة أطلعتنا على محتواها، حيث قسمن إلى فرق أوكلت لها «أدوار الإرشاد» في المجالات العسكرية، الدينية، السياسية و الاجتماعية. المجاهدات كن يتنقلن مشيا على الأقدام و على الأحصنة بين قرى و جبال ميلة و جيجل و سطيف و سكيكدة، بحيث يجتمعن بالسكان، و يقلن «كلاما مثل البارود»، السيدة بن مليّك قالت أن الله أعطاها قدرة عجيبة على قول خطب قوية كانت توجهها للنساء و الرجال في الساحات لتوعيتهم حول أهداف الثورة، و تستذكر « كنا عندما ننتهي نغني النشيد الوطني.. لتبدأ النساء في البكاء من شدة التأثر لسماعه أول مرة.. أما الرجال فيهتفون قائلين زغردن يا نسوة.. فاليوم عرفنا لما نموت و ما هي الجزائر» تبكي المجاهدة..ثم تمسح دموعا حارة و تضيف «في دورنا الاجتماعي كان السعيد بن طوبال رئيس الناحية العسكرية التي عملت بها يقول أننا مثل من يحرث أرضا تنبت كل ما هو أخضر»، فقد كان سكان القرى النائية التي أطبق عليها الاستعمار و أغرقها في الجهل و التخلف، لا يعرفون ما هي الثورة بل و يخافون من المجاهدين و لا يقدمون لهم الإعانة، قبل أن يساهم الإرشاد في توعيتهم. «كانت النساء لا تغسلن الرضع منذ ازديادهن، كن لا يمشطن لأبنائهن..علمانهن أمورا كثيرة»، تقول السيدة حليمة قبل أن تنهض من مكانها و تجلب صورة لها تظهرها شابة ترتدي الزي العسكري و هي تحقن رضيعا باللقاح المضاد للجذري مُحاطة بنساء و أطفال، لتتابع.. «كنا نركب الخيل دون سراج و نطوف المنازل للقيام بدورنا حتى أذان المغرب.. وجدنا عائلات متأخرة كثيرا و تتبع عادات تمكنا أنا و رفيقاتي و من بينهن و المجاهدة ذباح لويزة، من كسرها..» عائلة تُباد حرقا لأنها دعمت «الفلاقة» «إبان الثورة التحريرية كانت فرنسا تحرق كل ما في طريقها.. كل شيء كان مبررا بحجة البحث عن الفلاقة»، لتضيف المجاهدة أنها شهدت على حادثة أليمة ظلت عالقة في ذهنها، حيث أدخل المستعمرون بمنطقة تاشودة بسطيف أفراد عائلة داخل كوخ ثم أحرقوه بدم برد.. لتُباد عائلة بأكملها جماعيا لأنها تكون قد دعمت المجاهدين، و ليس هذا سوى مثال من مآسي كثيرة عاشها الشعب الجزائري خاصة في القرى، إذ تقول المجاهدة أن النساء و الأطفال و الشيوخ كانوا يهربون للاحتماء من قنابل طائرات العدو في الكازمات و حتى تحت مياه الوديان، و في مرات عديدة تداهمهم القنابل قبل الاختباء لترديهم أمواتا أو تبتر أعضاءهم و تلحق بهم جروحا خطيرة، و كثيرا ما اضطرت المجاهدات للهروب و التخفي، و هنا تستذكر بن مليّك عندما اضطرت رفقة ذباح لويزة و المجاهدات للاختباء داخل «كازمة» أسفل كوخ.. «حرسنا رب العائلة حتى ذهاب جنود المستعمر، لكننا كدنا أن نموت بسبب نقص فتحات التنفس، و عشنا ساعات عصيبة جدا» تقول المجاهدة بن مليك بتأثر شديد. الفدائية و المرشدة بن مليّك روت لنا قصتها بقرية الواسطة بميلة، حينما وجدت فتاة اسمها نوارة كان عمرها آنذاك 18 سنة،..الشابة كانت تبدو نشيطة و قد أجابت عندما سألتها المجاهدة مذا يعني لها الحرية و الاستقلال و الجزائر، «الاستقلال راجل بشلاغمه»، أي بشواربه، سألتها بن مليك مندهشة كيف؟ فقالت لها « نعم هو لقد شاهدت الرجال يحملونه على أكتافهم و يرقصون مُطلقين البارود»، و الحقيقة أن ذلك كان خلال الاحتفال باندلاع الثورة دهشت لإجابتها، هنا تقول محدثنا أنها اكتشفت عمق حالة الجهل التي فرضها المستعمر على أبناء الشعب، الذين وعوا لأهداف الثورة و لمعنى التضحية بالنفس و النفيس لتحرير الأرض، فقد كان الفلاحون يستلفون الأموال من عند الكولون لشراء البذور، و في حال لم يسددوا ثمنها تأخذ منهم أراضيهم، كما كان الشيوخ يرسلون، جهلا، أبناءهم ليعملوا بفرنسا عوض تجنيدهم لإخراج المستعمر من أرضهم المغتصبة. «الاستقلال سرق منا.. فلا تجوعّوا الشعب أكثر مما فعل المستعمر» تقول المجاهدة بن مليّك أنها ظلت تعمل في دور المرشدة حتى سنة 1961 بصدور مخطط «شال»، الذي قضى على الأخضر و اليابس بالجبال و القرى، ما اضطر المجاهدات للتوقف عن الإرشاد، حيث قرر السعيد بن طوبال أن يعد للمرشدات بطاقات تعريف وطنية بأسماء نساء توفين لتحويلهن إلى تونس، و يتعلق الأمر بها و برشيدة شطاب، أنيسة غمري و لوزيرة ذباح، و هو مطلب رفضنه حيث قلن «لا لن نذهب..الحرب في الجزائر و ليس تونس». «ما زلت متأثرة كثيرا لما رأيته إبان الثورة، فمنذ سنة فقط استطعت التخلص من كوابيس كنت أراها كل ليلة.. كنت أحلم بالعسكر يجري خلفي و أنا أهرب من مكان لمكان و عندما أستفيق أقول الحمد لله إنه كابوس» تقول السيدة بن مليك بنبرة امرأة عانت الكثير في شبابها، الحاجة حليمة قالت أنها فرحت لدى سماع خبر الاستقلال، لكنها بكت خوفا على مصير هذا الشعب الذي جوعه الاستعمار ل 130 سنة و لا تريده أن يجوع مرة أخرى بعد أن أخذ حريته، و ذلك وفاء لدم شهداء ضحوا بأنفسهم و أكلتهم الخنازير بالجبال، لتضيف «تقريبا..دم الشهداء ذهب خسارة.. أين جيل الثورة الذي كان به مجاهدون يقتسمون التمرة و رغيف الخبز مع إخوانهم؟». الفدائية القسنطينية استغربت لماذا لم يحصل مواطنون إلى اليوم على راتب يحفظ كرامتهم و على سكن و وظيفة لائقتين، و أضافت «الاستقلال سرقوه.. أخذه أناس كانوا ينامون في الفنادق بقمصان النوم».. لتتابع «هؤلاء صفوا أسودا يخافون منهم لأنهم هزموا فرنسا و الحلف الأطلسي»...محدثتنا اتهمت بعض الأسماء بالقفز على إنجازات الثورة، و قدمت مثالا عن المعاملة المهينة التي لقتها عند عودتها إلى قسنطينة في 15 سبتمبر في 1962، حيث قدم لها مبلغ 100 دينار فقط للعودة في سيارة أجرة رفقة مجاهدة أخرى، و لم تقدم لها حتى ملابس بدل البذلات العسكرية، لتختم كلامها قائلة «لقد أخرجوا الناس الذين كانوا يحاربون فرنسا و عوضوهم من كانوا يخدمونها و من لا يتمتعون بالروح الوطنية». حاورتها: ياسمين بوالجدري عائلة الشهيد زيغود يوسف تستحضر ذكرياتها مع قائد الولاية التاريخية الثانية لم نستغل يوما اسم زيغود في الحصول على امتيازات سابقنا عقارب الساعة و درجات سلم العمارة العتيقة، الكائنة بحي الكدية، لنصل قبل دقائق من الموعد الذي حددته لنا شامة زيغود هاتفيا. تراءى لنا من بعيد أمام باب إحدى الشقق، ظلا لشخص شامخ و نحيف، اعترتنا قشعريرة و تصورنا للحظة بأننا قاب قوسين أو أدنى من حضرة الشهيد ، اقتربنا أكثر، فنادتنا سيدة تبدو في منتصف العمر ، نحيفة و جميلة بعينيها بحر متلاطم الأمواج و الذكريات، كأنها نسخة أنثوية، دون قبعة» كاوبوي» و بزة عسكرية، من مهندس الثورة التحريرية. حيتنا بابتسامة حزينة، و رحبت بنا بحرارة، و دعتنا لدخول بيت آل زيغود . رحبت بنا أيضا قطتها الصغيرة، الفاقدة لنعمة البصر، على طريقتها الناعمة بمدخل غرفة الاستقبال التي تتوسط شقة صغيرة و بسيطة، تفتقد لكل أشكال البذخ و الترف، لكنها مهيبة يشع منها وقار أهلها و روحهم الطيبة. في الجدار الذي يتصدر الغرفة، تقابلك صورة كبيرة للشهيد ،التقطت له من قبل زملائه خلال مؤتمر الصومام ، و لا بد أن يفاجئك الشبه المذهل بين والد شامة و الراحل هواري بومدين، خاصة النظرة الثاقبة التي تخترقك في العمق . تطالعك صور أخرى لرب الأسرة و لبومدين خلف زجاج خزانة، بركن آخر بذات الغرفة و ميداليات ، مصاحف و أعلام وطنية... دعتنا السيدة شامة للجلوس و أحضرت صينية قهوة و عصير برتقال و حلويات تقليدية، ثم أطلقت العنان لذاكرتها التي قالت بأن الضعف بدأ يعتريها...قالت بأنها تتذكر حرمانها و والدتها و إخوتها من الاستقرار في بيتهم، بمنطقة السمندو التي أطلق عليها اسم الشهيد، و إصرار والدها على نقلهم إلى منازل الأقارب لحمايتهم من بطش المستعمر.و كان الأب يأتي مرة كل شهرين تقريبا للاطمئنان عليهم ، و يمكث معهم كما أكدت حوالى أسبوع كأقصى تقدير. و توغلت أكثر في الماضي البعيد، صورة والدها الشاب القوي ، القليل الكلام الوسيم ذو العينين الزرقاوين ،الذي يرتدي زيا عسكريا أخضر اللون، و قبعة لا يكاد ينزعها، تلك الصورة لا تزال تسكنها. كان يتصفح باستمرار مجموعة من الوثائق ، أو يطالع كتبا، و تأتي لتجلس إلى جانبه، فيداعبها من حين لآخر بحنان، و يعطيها الحلوى. كلما انصرف، كانت تحزن، و أحيانا تبكي خوفا عليه. و أضافت بأن هناك صورا مرعبة لا تزال عالقة في ذهنها منذ طفولتها المبكرة ، وهي للجنود الفرنسيين الذين ينشرون الموت و الدمار، أينما حلوا في قريتهم، و كلما رأتهم هي و بقية الأطفال يبكون بحرقة، و لن تنسى يوم أضرموا النار في بيتهم، و اضطروا للمبيت أمام القمامة. كانت أمها تقول لها بأن والدها يعمل في مكان بعيد، لهذا لا يقيم معهم باستمرار، لكنها أدركت بأنه كان يحارب الأعداء الفرنسيين ، و لم يكن يحب التحدث عن نضاله السري أو العسكري. و أشارت شامة إلى أن والدها من مواليد 18فيفري 1921بمنطقة السمندو، تزوج في سنة 1942 من والدتها عائشة طريفة، المولودة في سنة 1925 بالحروش، و هي من قريباته، و قد أنجبا ستة أبناء هم على التوالي :السعيد و فاطمة الزهراء (أو مريم) و محمد العربي و هي شامة و طارق ثم مراد و قد توفى جميع إخوتها بعد شهور من ميلادهم ، باستثناء مراد الذي أطلق عليه زيغود اسم زميله ديدوش مراد تيمنا. بعد استشهاده في معركة بوكركر . قالت و قد استبد بها الوجع: «أتذكر جيدا مراد، كان قوي البنية يبدو أكبر من عمره، عاش سنتين لم توافه المنية، إلا بعد أكثر من سنة من استشهاد والدنا، و حزنت عليه كثيرا.لو بقي على قيد الحياة، لتغيرت أمور كثيرة في حياتنا أنا و والدتي.أفتقد كثيرا نعمة الأخوة، فلا أحد يعوض الأخ ، لكن ما شاء الله فعل.تألمت أكثر عندما ظهر شخص في التليفزيون ادعى بأنه ابن زيغود يوسف، ثم ظهر أشخاص آخرون أكدوا أنهم من أقاربه، طمعا في امتيازات و أموال و عقارات، و لا أعلم إذا تحصلوا عليها.» أشخاص يدعون أنهم أقارب الشهيد لتحصيل مكاسب أضافت بغضب: "أغتنم الفرصة لأوضح للرأي العام، بأن عائلة الشهيد زيغود يوسف تتكون مني أنا وحيدته، و من والدتي فقط ، بعد وفاة عمتي منذ حوالى سبع سنوات ، و كل من يدعي بأنه ابن الشهيد أو فردا من عائلته، محتال و مخادع."و استطردت قائلة: "والدي ناضل و استشهد من أجل الحرية و الكرامة، و ليس من أجل أغراض دنيوية فانية ، و كان يردد دائما بأنه لن يعيش ليرى الجزائر مستقلة ، و ترك لي و لوالدتي اسمه و سمعته كأمانة، و قد حافظنا على الأمانة ،فنحن لدينا منحة تضمن لنا العيش الكريم و لم نطلب يوما من أية جهة أي امتياز أو هبة و لم نستغل يوما اسمه." و صمتت السيدة للحظات، و اجتاح ملامحها الشقراء حزن أسود، فاغرورقت عيناها بالدموع...و قالت:»كنت في الثامنة من عمري، عندما طال غياب أبي، و طلبت مني أمي أن أذهب لأسأل عنه المجاهدين، فقالوا لي بأنه لم يمت، و لم نعلم إلا بعد شهور بأنه استشهد في 23 من سبتمبر 1956،بمنطقة سيدي مزغيش، و جاء رفاق والدي لاحقا و قالوا لأمي بأنهم سيأخذونني معهم إلى قسنطينة لأدرس ، لكنهم أخذوني أنا و ابن خالة أبي، و طفلا آخر معهم باتجاه تونس، كان الطريق طويلا مليئا بالأحراش و الغابات، و في الحدود كانت هناك أسلاك شائكة و مكهربة .انتظرنا طويلا، قبل أن نتمكن من اختراقها لننتقل للجهة المقابلة.عندما وصلنا إلى تونس، أخذ المجاهدون كل طفل منا لعائلة جزائرية، لتتكفل برعايته و تعليمه. رعتني عائلة المجاهد لخضر بن طوبال طيلة ثلاثة أشهر، ثم أخذوني إلى عائلتي عيساوي و منتوري...كنت أدرس و ألعب مع الأطفال، لكنني كنت أنزوي من حين لآخر لأبكي فراق والدي و والدتي، و تضاعفت معاناتي عندما سمعت بأن أخي مراد توفي.» ألحت علينا لنشرب العصير قبل أن تواصل حديثها: "في أفريل 1962 حضرت أمي و ابنة خالة والدي إلى تونس ، و كدت أطير من الفرح للقائها و علمت أنها عانت الأمرين في غيابي، و ظلت تتنقل من مكان لآخر، خشية بطش العدو.و في شهر جويلية ، بعد إعلان استقلال الجزائر رسميا، عدنا إلى الوطن. كنت في 14من عمري ، أدركت آنذاك بأن والدي كان شخصية ثورية كبيرة ،و كل البلاد تفتخر به.و كم فرحت عندما أطلق اسمه على شارع بقسنطينة، و على مسقط رأسه بالسمندو. لم نعلم بوفاته إلا بعد أشهر توجهت أمي ، كما قالت لي بعد عودتنا من تونس، إلى والي قسنطينة و طلبت منه مسكنا ليأوينا ، فمنحنا بأمر من الرئيس الأسبق بن بلة شقة من ثلاث غرف بحي سيدي مبروك، و ليس فيلا كما روجت بعض الجهات. و بأمر من الرئيس هواري بومدين تم التكفل بدفع تكاليف أداء أمي لمناسك الحج في السبعينات. و أشدد هنا ، بأن والدتي لم تحصل، باستثناء الشقة، و تكاليف الحج، على أية امتيازات أخرى من السلطات. كما أنني لم يحدث و أن طلبت أي شيء من أية جهة. بعد عودتنا من تونس أنا ووالدتي واصلت تعليمي بمقر جمعية السلام ،فكنت أصل متأخرة إلى البيت لأنه بعيد عن منزلنا، مما جعل أمي تتوجه مرة أخرى في 1964 إلى الوالي لتطلب منه مسكنا وسط المدينة، فمنحنا ،و ذلك بعد أن تنازلنا عن شقة سيدي مبروك، شقة أخرى في حي الكدية، و درست لفترة بثانوية الحرية و أؤكد هنا بأن أمي لا تملك أي عقار آخر . أما أنا فتزوجت في العشرين من عمري ، و أقمت مع زوجي بشقة متواضعة في ساقية سيدي يوسف، و لازلت أقيم هناك بعد رحيل زوجي منذ سنتين ، و أزور أمي يوميا لأرعاها، فهي الآن في 89 من عمرها، و تعاني من مرض في ساقيها، و تتحرك بصعوبة. لا أحد من منظمة المجاهدين لناحية قسنطينة يتذكرنا ، لكن في كل ذكرى لاستشهاد والدي يأتي رفاقه من المجاهدين و السلطات للترحم عليه في مقبرة الشهداء بسيدي مزغيش، أما عمي ابراهيم شيبوط فلم ينسانا قط ، منذ استشهاد والدي ،فهو يزورنا باستمرار و يتصل بنا هاتفيا للاطمئنان على أحوالنا.» عن أمنياتها قالت شامة بأنها قنوعة و راضية بما كتبه الله لأسرتها ،و لا تريد إلا الستر و الكفاف و العفاف و الصحة و العافية،مشيرة إلى أنها تعاني من فقر الدم و نقص الشهية للطعام منذ طفولتها الصعبة، و تدعو الله أن يحقق الاستقرار و الرفاهية و الهناء للجزائر، و يهدي أبناءها فهي ،كما أكدت ،تتأسف من انتشار الكلام البذيء في الشوارع و ضياع مكارم الأخلاق و التضامن و تفشي الفوضى و الاكتظاظ. الحاجة عائشة أرملة الشهيد أدعو وزارة المجاهدين للإفراج عن فيلم زيغود يوسف زرنا أرملة الشهيد ، الحاجة عائشة طريفة في غرفتها، فوجدناها ممدة بفراشها و قد أنهكها المرض و ثقل سنواتها 89 ، اعتذرت لنا لأن ذاكرتها بدأت تتعب، مثل جسدها النحيل، و ملامحها الحزينة التي حفر عليها الزمن تجاعيد وجع لا ينام ، و بدأت تنسى أحداثا كثيرة في حياتها، على حد قولها. لكنها أصرت على رفع نداء عاجل لوزارة المجاهدين لكي تخصص في القريب العاجل الميزانية اللازمة لتجسيد فيلم حول حياة شريك حياتها الشهيد، مؤكدة بأنها وابنتها شامة اطلعتا على السيناريو الذي كتبه الأستاذ الجامعي و المؤلف الدكتور احسن ثليلاني منذ سنتين و وافقتا على مضمونه بعد تصحيح و تلقيح ، فقدمه للوزارة المذكورة ، و حلمها الوحيد الآن أن تراه قبل أن تلتحق بالرفيق الأعلى.و تدخلت ابنتها لتوضح بأن الوزارة وافقت على السيناريو، و طلبت من السيناريست الانتظار، إلى حين توفير الميزانية، لكن الانتظار طال، و قد بلغت هي و والدتها على حد تعبيرها من العمر عتيا ، و تأملان تجسيد المشروع في القريب العاجل ،على يد طاقم جزائري بنسبة 100بالمائة، سواء تعلق الأمر بالممثلين أو المخرج ،و تساءلت :»لما لا يعرض الفيلم خلال تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية فهو سيخلد بلغة الصورة، شخصية ثورية ضحت لكي تستقل الجزائر و تنظم مثل هذه التظاهرات؟» لا أحد من منظمة المجاهدين يتذكرنا الحاجة عائشة حاولت رغم كل شيء ،أن تسترجع بعض ذكرياتها مع الشهيد، فقالت لنا بأنه درس في الكتاب و حفظ القرآن الكريم كما درس في المدارس الفرنسية، و حصل على الشهادة الابتدائية، ثم اضطر للتوقف عن التعليم للعمل في الحدادة من أجل إعالة أسرته، و ظل يمارسها لسنوات طويلة للتمويه لاحقا عن نشاطاته النضالية التي بدأها في 1940 في صفوف حزب الشعب، أي قبل سنتين من زواجهما .مؤكدة بأنه كان زوجا و أبا حنونا و رجلا متخلقا، و كتوما جدا، يحب كثيرا المطالعة و كان يناضل في سرية تامة من أجل استقلال الجزائر المحتلة ، و كانت تخجل من طرح أي سؤال عليه.لكنها كانت تدعم نضاله بخياطة الأعلام الوطنية، و تحضير الطعام للمجاهدين و الالتزام بالصمت و السرية .و عندما كان يعقد اجتماعات في بيتهما مع المجاهدين كان ينقلها و أطفالها إلى منازل أقاربهما ، بعد أن تحضر لهم الطعام، و أضافت بأن المطالعة و حب الوطن و الإيمان بالاستقلال ،عوامل ساعدته على التخطيط و التنظيم و التنفيذ و القيادة ، فكان هو مهندس مظاهرات ماي 1945 و منفذ هجومات 20أوت 1955 على ثكنات الجيش الفرنسي و هو أول من دعا إلى تنظيم مؤتمر الصومام لتعميم الثورة في أرجاء البلاد و تنظيمها و إسماع صداها في الخارج.و استطردت قائلة بأن زوجها كان يعلم بأنه سيستشهد و لن يرى الجزائر مستقلة لكنه واصل الكفاح حبا للجزائر و لأبنائها، لهذا تتمنى ألا يستغل أحد اسمه النقي الطاهر.مشيرة إلى أنها نذرت حياتها بعد استشهاده للحفاظ على اسمه و صيانة ذكراه و رعاية ابنتهما شامة بعد أن فقدت 5أبناء آخرين. إلهام.ط * تصوير: الشريف قليب المجاهدة تشاشي مسعودة في شهادة حية للنصر عذبت حتى تعفن جسدي و لم أبح للجلادين بأسرار الرفاق استرسلت تروي لنا حقائق مثيرة عمن صنعوا الثورة التحريرية بمنطقة السبت ببلدية عزابة ولاية سكيكدة، راحت تستذكر طرق تعذيب همجي للمستعمر الفرنسي في حق نسوة أبين إلا الصمت و قبلن بالموت دون أن تخرج كلمة من أفواههن من شأنها أن تعرقل عمل المجاهدين، كانت تكرر عبارة «لم نكن نعتقد بأن فرنسا ستخرج من الجزائر و هو ما زاد من إصرارنا في محاربتها»، و بين حزن يرتسم على وجهها عندما تتذكر شمسا رأتها نجمة داخل زنزانة السجن، و بين ابتسامة تزين وجها ملأته تجاعيد شيخوخة مجاهدة تشوه جسمها من التعذيب، تعود بنا المجاهدة تشاشي مسعودة إلى سنوات الثورة التحريرية لتنقلنا إلى ما صنعوه أبناء المنطقة و كيف غلبت النسوة العدو بصمت كان عاملا مهما في نجاح أبناء الجزائر في إخراج فرنسا من أرضهم. المجاهدة المعروفة بالعرزمية الساكنة حاليا ببلدية عين شرشار بذات البلدية و التي نجت من الموت على يد الاستعمار الغاشم مرتين، تنقلنا إلى بيتها أين استقبلتنا بصدر رحب و واجهتنا بحقائق تاريخية و تفاصيل لا تعكس تقدمها في السن و هي تعانق سن التسعين، ابنة بلدية السبت الذي لم تكن تدري و هي تحضر «الكسرة» ببيتها بأنها لأجل المجاهدين، كان يطلب منها زوجها مساعدته دون أن يكشف لها عن حقيقة عمله في إسناد و دعم المجاهدين القابعين في جبال المنطقة من أجل محاربة المستعمر. براءة الشابة في ذلك الوقت جعلها تواصل العمل دون أن تسأل عن الغاية، إلا أن تطور الأوضاع لم يسمح بالاستمرار على هذا النحو، فسرعان ما كشف الزوج النقاب عن وجهه الآخر بعد حادثة كادت لتودي بحياتهما الاثنين، عندما تحول بيتهما إلى مرقد لمجموعة كبيرة من المجاهدين تركوا خلفهم ألبستهم و أحذيتهم و أحزمتهم في ذات الغرفة لما فروا بوصول قوات فرنسية لحقتها معلومات بأن بيتهم يأوي مجاهدين. العرزمية و ببسالة المرأة الجزائرية، سارعت بمجرد دخول الغرفة إلى جمع أغراض المجاهدين، و قامت برميها داخل حفرة تسمى ب»الزرداب» دون أن تترك أثرا قد يساعد العدو الذي غادر دون الوصول إليه، هذه هي الحادثة التي كانت النواة الأولى لإشراك المجاهدة في بناء جزائر مستقلة بصفة رسمية، فذكاؤها و غيرتها على أبناء وطنها عندما حاولت حمايتهم، جعل من زوجها يغير طريقة تعامله معها و قادة المجاهدين الذين نزلوا في اليوم الموالي إلى بيتها و عرضوا عليها التوقيع فوق سجل يحمل أسماء كل بناة الجزائر الجديدة، لتوقع دون تردد معلنة عن قبولها بالحياة أو الموت مقابل استقلال الجزائر. دفتر المجاهدين ينقل العرزمية من الدعم إلى الجهاد بجبال السبت لم تبق طويلا المجاهدة الشابة ببيتها البسيط، بل قررت اللحاق بشقيقها حمدي تشاشي إلى الجبال خاصة و أن زوجها قد توفي بعد صراع من المرض، و هي تحمل بين أحشائها ابنتها البكر، صعدت مسعودة و هي كلها قوة و عزم على تقديم المزيد للوطن، عملت في جمع الاشتراكات و كممرضة، طاهية، خياطة، و تتحول إلى مسؤولة عن المعقل في غياب المسؤولين عندما كانوا ينزلون لتنفيذ مخططاتهم، كانت تنقل الأسلحة إلى المجاهدين و تساعدهم في الإيقاع بالخونة و هي ترتدي زي الجندي. المجاهدة و بعد مدة قصيرة حان موعد وضعها لجنينها، فتم تمكينها من وثائق مزيفة لشخصية أخرى حتى لا يتمكن العدو من الإيقاع بها، لتنقل إلى مستشفى بلدية عزابة أين وضعت مولودها و غادرته على جناح السرعة، لتعود للجهاد الذي لم تفارقه لمدة 7 سنوات كاملة و إلى غاية استقلال الجزائر. سجن نصر، سكيكدة و الكدية بقسنطينة محطات تاريخية في سجل العرزمية يلقبها سكان بلدية عزابة بالعرزمية، و هي كنية تحملها عن كنية لزوجها الثاني الذي كان يلقبه الفرنسيون بالعرزمي، يعرفونها بكفاحها و جهادها في سبيل الوطن و هي التي تنقلت بين جبال تانقوت، بوطيب، قندولة، لطاية، بوهمدان و دباغ بين ولايتي قالمة و سكيكدة، غير أن قليلون منهم من يعرفون حقيقة معاناتها مع السجون الجزائرية، هي رحلة و إن لم تطل، رحلة معاناة لشابة كانت في مقتبل عمرها بدأت مع كمين نصبه لها إحدى خونة الثورة، عندما طلب منها مجاهد تمكينه من ألبسة عسكرية و أسلحة بحوزة شقيقه الذي كان خائنا للثورة، فأعلم قوات العدو التي حضرت في الحين ووجدت كيس الملابس بجوار المجاهدة التي نفت أن يكون لها، غير أن ذلك لم يشفع لها ليتم توقيفها في ذلك اليوم المشئوم و اقتيادها إلى سجن نصر الذي ما تزال جدرانه المنهارة شاهدة على بشاعة التعذيب في تلك المنطقة هي و زوجة شقيقها المجاهدة المتوفاة حديثا بهتونة التي عثر بحوزتها على رسائل كثيرة لزوجها الشهيد كانت مخبأة بين قطع الآجر. نقلت المجاهدة إلى سجن نصر، و هنالك بدأ مسلسل التعذيب من أجل سلب حقائق عن شقيقها حمدي، كانت تجرد المجاهدات من ثيابهن و تربطن فوق طاولات التعذيب و تكمم أفواههن مع رميهن بالماء، و تحول ثيابهن إلى كرة يلعب بها جنود المستعمر، و هي العملية التي تتواصل لساعات إذا ما رفضن الكشف عن الحقيقة، المجاهدة تمكنت من الصمت لمدة شهر كامل بسجن نصر رغم بشاعة التعذيب، لتحول بعدها إلى سجن سكيكدة الذي بقيت فيه مدة 6 أشهر، و وضعت في الحبس الانفرادي داخل زنزانة باتت ترى فيها الشمس نجمة و تعفن جسمها النحيل من قطرات الماء و غياب الهواء. إصرار العرزمية على الصمت دفع بالفرنسيين إلى محاولة التجسس عليها عبر شابتين أدخلتا إلى السجن، لكنهما رفضتا ذلك و ادعتا عدم معرفتهما بها على الرغم من أنهما يعرفانها جيدا، ليتغير الأسلوب و يتحول إلى الضرب الذي أصابها بجرح بليغ على مستوى الرأس نقلت على إثره إلى مستشفى ولاية سكيكدة، لتحول بعدها إلى سجن الكدية بولاية قسنطينة أين قضت مدة سنتين تقريبا بعد أن حكم عليها في قضيتين، الأولى أدينت فيها و الثانية استفادت فيها من البراءة. خرجت العرزمية من سجن الكدية و قضت ليلتها الأولى من الحرية في بيت إحدى القسنطينيات اللائي كن رفيقاتها في سجن عانين فيه من المرض، الجوع و قساوة التعذيب، لتعود إلى بيتها و لم يتمكن الفرنسيون من سلب و لو حقيقة واحدة عن المجاهدين، إصرار، عزيمة و قوة شخصية لا تجدها إلا عند حرائر الجزائر، من وقفن جنبا إلى جنب لرفع راية الجزائر عاليا، و على الرغم من أن عجزها قد تجاوز ال 70 في المائة، إلا أن منحتها لا تتعدى ال1200 دينار شهريا لا تكفي حتى للتكفل الصحي الخاص بها و هي تعاني من مرض القلب و ارتفاع ضغط الدم، و تنهي المجاهدة حديثها معنا بتعبير تقشعر له الأبدان" لا يهمني المال، فالحمد لله مازلت قادرة على العمل لكسب قوتي، و بإذن الله سأجد ثوابي عند الله مع الشهداء الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لاستقلال الجزائر، و إن عادت فرنسا سأكون في الصفوف الأولى لمواجهتها و إن كنت فوق كرسي متحرك". إ.زياري المجاهد طاهر بن خلاف ثوري في سن 17 صالح بوبنيدر رفض التحاقي بالجيش لأنني كنت صغيرا أبي كان يعتقد أني استشهدت و لم يتعرف علي حين عدت الطاهر بن خلاف هو أحد المجاهدين الذين التحقوا بثورة التحرير وهو في سن مبكرة، حيث لم يتعد سنه 17 سنة، حين انضم أول مرة بصفوف المجاهدين بجبال وشتاتة بمدينة سكيكدة، بل ولقي رفضا من قبل مسؤول المنطقة حينها، والذي رأى أنه صغير جدا على الكفاح المسلح، غير أن عزيمته وروحه الوطنية التي لا زال يورثها لأبنائه وأحفاده بعده، وذلك من أجل الجزائر التي قال أنها وردة سقيت بدماء الشهداء. لم تنقطع دموع عمي الطاهر وهو يروي لنا تفاصيل التحاقه بثورة التحرير الوطني، وكيف أخبره العقيد صالح بوبنيدر أن عليه العودة من حيث جاء، وذلك لأنه صغير على الكفاح المسلح، وكيف تمكن من إقناعه بالبقاء في صفوف المجاهدين، بل والمشاركة في نفس اليوم في عملية لجلب السلاح من الحدود الشرقية مع تونس. عمي الطاهر، عاد بنا إلى تفاصيل كفاحه المسلح، وكيف كان أعمامه الأربعة سببا في التحاقه بثورة التحرير لأزيد من أربع سنوات وهو ابن السابعة عشر فقط، وكيف انتشر خبر وفاته بين أهله، حتى أن والده بعد الاستقلال لم يتعرف عليه بسهولة. كما لم ينس الطاهر بن خلاف استمراره في الكفاح بعد الاستقلال، وعدم عودته لمنزله العائلي الذي لم يزره ولا مرة خلال الثورة، وبقائه في صفوف جيش الحدود الذي حارب به إلى غاية سبتمبر 1962، إضافة إلى رباطه بالحدود الغربية بولاية بشار بعد حرب الرمال ضد المغرب. اعتقاله المتكرر كان سببا في التحاقه بالثورة كان لاعتقال عمي الطاهر بن خلاف ثلاث مرات من أجل التحقيق معه حول مكان تواجد أعمامه الأربعة الذين التحقوا سابقا بصفوف ثورة التحرير الوطني سببا في التحاقه بالثورة ، حيث أكد أن جنود الاستعمار حققوا معه بسجن إبن زياد ثلاث مرات متتالية بين سنة 1957 و1958، كانت فترة سجنه في إحداها 38 يوما، تعرض خلالها لجميع أنواع التعذيب والاستنطاق الهمجي. ولأنه ترعرع وسط عائلة تؤمن بحق الجزائريين ، أسرة مكافحة وثورية، قال عمي الطاهر الذي يستذكر تلك الأيام التي قضاها بالسجن أن كل ما قاله "لا أعلم ، لم أسمع ولم أرى شيئا"، حيث لم تمكن كل الأساليب المستعملة ضده في استنطاقه ولو بكلمة. يقول عمي الطاهر، أنه كان بالمنزل عندما قدم العسكر من أجل البحث عن أحد أعمامه والقبض عليه، حيث لجأ للاختباء تحت برنوس جده، والتمسك بجسده ، وبسبب نحافة جسمه لم يلحظ الجنود وجود، وهي اللحظة التي قرر بعدها الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني بالجبال. القرار لم يكن سهلا بالنسبة للعائلة مثلما كان اتخاذه عن قناعة كبيرة من الطاهر الذي كان كل من والده وجده متخوفين من مخاطره، ومن تأثيره على العائلة، سيما في حالة تسرّب الخبر للفرنسيين، غير أن نداء الوطن كان أكبر من كل شيء، وكانت الوجهة بعدها باتجاه جبل وشتاتة بمدينة سكيكدة. صالح بوبنيدر رفض التحاقي بالجيش في البداية يقول عمي الطاهر، أنه عندما بلغ مقصده بجبال وشتاتة بولاية سكيكدة رفقة 5 أشخاص من منطقة ابن زياد مع مسؤول الدوار، وتجمع أزيد من مائة شخص وسط ساحة كبيرة بإحدى الغابات، وكان حينها مسؤول التجنيد صالح بوبنيدر أو كما كان يناديه أغلب الجزائريين "صوت العرب" يراقب المجندين الجدد أثناء المناداة عليهم بالقائمة المسلمة إليه والتي كان يدون بها اسم الجندي الجديد واسم والده ووالدته. ليضيف عمي الطاهر أن بوبنيدر رفض في البداية التحاقه بصفوف الجيش، وقال له "أنت ترجع من حيث أتيت"، "لا تتوقع أن الأمور تسير كما هي عليه الآن، ستبقى بمفردك بالغابة وما فيها من حيوانات مفترسة" حيث أكد عمي الطاهر أن المسؤول المذكور كان رافضا لالتحاقه بالجيش وذلك لأنه كان صغير السن، غير أن جوابه برفض العودة وضرورة حمل السلاح في وجه المستعمر لاستعادة الاستقلال كانت الإجابة التي غيرت من موقف بوبنيدر 180 درجة. يقول عمي الطاهر بن خلاف أن صالح بوبنيدر انتفض والدموع تملأ عينيه والتفت إلى باقي الحاضرين وقال "تسمعون ما يقول هذا الفتى، لو يتبقى يوم واحد فقط في هذه الدنيا الجزائر ستستقل بفضل هذا الشاب وأمثاله كثيرون في هذا الوطن"، ليترسم عندها التحاق عمي الطاهر بالعمل الثوري، والذي أبعده عن العائلة لأزيد من 4 سنوات كاملة. وظل يتنقل بين جبال الجهة الشرقية للبلاد، واستقر بعدها في جيش الحدود إلى أن نالت الجزائر استقلالها، أين التقى بعدد من القادة الذين أصبح بعضهم فيما بعد من المسؤولين، بينهم عبد الرحمان بن سالم، العقيد هواري بومدين، صالح بوبنيدر. كما أكد أنه انضم في السنتين الأخيرتين لثورة التحرير إلى الفيلق رقم 21 الذي كان من بين مسؤوليه نائب وزير الدفاع السابق عبد المالك قنايزية، إضافة إلى قائد الأركان الحالي الفريق قايد صالح. اعتبر محدثنا أن من بين المهام الكبيرة التي كان يقوم بها جيش التحرير الوطني أثناء الثورة، ويخص بالذكر جيش الحدود، أن هذا الأخير من خلال جنوده المرابطين بالمناطق المحررة، كان للدور الذي يقوم به إسهام كبير في الدفاع على الحدود الغربية لتونس، وذلك أن قوات الاحتلال الفرنسي كانت لا تتمكن من بلوغ هذه المناطق. وأضاف "كان لنا دور كبير في استقلال دول الجوار عن فرنسا التي استأثرت بالجزائر ورأت عدم حاجتها للدول الأخرى، لقد كنا سببا في استقلالها، كما كنا بعدها نقوم بالدفاع عن حدودها، كون الفرنسيين لا يقوون على الزحف برا نحو الحدود الشرقية للجزائر". الشعب نال الاستقلال وجنود الجيش لم يغادروا أماكنهم كان شغف العودة إلى المنزل كبيرا لدى عمي الطاهر الذي لم ير والديه وإخوته منذ التحاقه بثورة التحرير سنة 1958، غير أن أوامر المسؤولين ببقاء الجنود مستعدين لأي طارئ منعه من العودة إلى المنزل، وبقي رفقة عدد كبير من الجنود بمراكز خاصة في المدن. وحل هذه القضية يؤكد محدثنا أن القيادات آنذاك كانت قد طلبت من الجنود البقاء في النهار بالمدن، ومحاولة جمع أكبر عدد من المعلومات، الخاصة بمصير البلاد والقيادة التي يمكن لها أن تترأس الدولة الجزائرية، عدى التخوّف من أي عمليات يمكن لها أن تؤدي بالجزائريين إلى حروب أهلية. وبقي عمي الطاهر حوالي شهرين متواصلين في التنقل بين مدينة قسنطينة في النهار، ثم العودة ليلا سيرا على الأقدام نحو إحدى المزارع بمدينة الخروب، والتي هيئت من أجل استقبال المجندين للمبيت بها ليلا، حيث شرح محدثنا طبيعة عمله حينها ب "الاستعلامات"، ليتواصل الأمر إلى غاية نهاية سبتمبر، حينها فقط تمكن من الحصول على إذن ب 24 ساعة لزيارة العائلة. وبعد عودته إلى منزل العائلة بدوار "وجل" بابن زياد، لم يجد حينها أي أحد، حيث كانت العائلة قد فرت من البيت نحو ما يعرف حاليا بحي بوذراع صالح، غير أن والده لم يتمكن من التعرف عليه، خصوصا وأن بعض المعلومات قد تحدثت سابقا عن وفاته بإحدى المعارك بشرق البلاد، كما أن عدم عودته بعد الاستقلال مباشرة غذت الإشاعة أكثر. الكفاح استمر إلى ما بعد الاستقلال لم يتوقف المسار النضالي لعمي الطاهر بن خلاف بعد الاستقلال مباشرة، حيث أنه كان من بين المجاهدين الذين استمروا في حمل السلاح، مكونين النواة الأولى للجيش الوطني الشعبي، حيث عمل في صفوف الجيش إلى غاية سنة 1969، وكانت له خلال هذه الفترة إسهامات كبيرة من بينها المشاركة في حماية الحدود الغربية بمدينة بشار بعد حرب الرمال. وفي هذا السياق يقول أن عمله بمنطقة "بولعظام" بولاية بشار مع الفيلق العسكري رقم 65 الذي انتقل من ولاية تبسة بأقصى الشرق، كان بعد هدوء الأوضاع الميدانية مقارنة مع التوتر الذي سبق قبل سنتين من ذلك الوقت، حيث اقتصر تحرك الجيش على تأمين الحدود من أي اختراق من الجهة المقابلة، غير أنه أوضح أن الفضل الكبير وتحرك الجنود يعود للتوارق الجزائريين الذين كانوا دليل الجيش في الصحراء ليلا ونهار. ليضيف "كنا في ذلك الوقت نتبع التوارق بشكل مطلق في تحديد أماكن تواجدنا ليلا، فهم كانوا يمتطون الجمال، ونحن نتبعهم بشاحنات ومركبات الجيش" وتابع "كان الرجل الترقي يحمل الرمل بيده فيعرف مكان تواجدنا بسهولة ودقة كبيرة، كان لهم فضل كبير في تحركاتنا وقتها وهو الأمر الذي لم أنساه ما حييت". عبد الله بودبابة * تصوير: الشريف قليب لا أحد من عائلتيهما عرف بمصيرهما، الباحث في التاريخ محمد رمضان عماري يكشف الشهيدان خراب محمد من الميلية و بولدام مختار من قسنطينة مدفونان في تيزي وزو أكد الباحث في التاريخ محمد رمضان عماري، أن الشهيدين خراب محمد من مدينة الميلية و بولدام مختار من قسنطينة، قد استشهدا رفقة 8 شهداء آخرين من أبطال ثورة التحرير، في يوم واحد بعد اشتباكات بطولية مع جيش الاحتلال الفرنسي بغابة أمجوظ الواقعة بين بلديتي آث زمنزر ومعاتقة ومنطقة بترونة في بلدية تيزي وزو يوم 15 أكتوبر 1960. وأشار الباحث عماري وهو ابن شهيد بأن الجيش الفرنسي قام بإحضار البطلين الشهيدين إلى منطقة بوعاصم ( آث زمنزر حاليا) التي ينحدر منها محدّثنا وجردهما من وثائقهما الشخصية على غرار ما فعل مع الأبطال الآخرين أثناء القبض عليهم، ووضعهم أمام الباب الرئيسي للثكنة العسكرية (في طريق عام) لمدة يومين كاملين ليشاهدهم سكان المنطقة حتى يشعروا بالخوف على أساس أنه من يخالف أوامر المستعمر يكون مصيره مثل هؤلاء الشهداء (القتل والتنكيل بالجثة). و بالنسبة للوثيقة التي تحمل أسماء الشهيدين وبقية الشهداء الذين استشهدوا معهم أوضح الباحث محمد رمضان عماري بأنه أحضرها من مصلحة الأرشيف بمدينة إكس اون بروفانس بفرنسا سنة 2012 . ويريد الباحث عمارى أن يُعلم عائلات هذين الشهيدين بأنهما مدفونان في مقبرة الشهداء في قرية آيت عنان التابعة لبلدية بني زمنزر، مشيرا إلى أنه قد، كتب فوق قبر كل واحد منهما عبارة '' مجهول'' وأنه على كل من يهمه الأمر أو يريد تفاصيل أكثر الاتصال به هاتفيا على الرقم 0556828715 ليتأكد فعلا بأن الشهيدين ينحدران من قسنطينة والميلية وأنهما استشهدا في تيزي وزو وهما مدفونان في المنطقة المذكورة رفقة الشهداء الذين سقطوا معهما في ميدان الشرف في نفس اليوم. سامية إخليف إبادة جماعية لسكان مزقن ببلدية إيلولة أومالو في تيزي وزو لا يزال مجاهدو سكان قرية مزقن ببلدية إيلولا أومالو الواقعة على بعد 70 كلم شرق مدينة تيزي وزو شاهدين على المجازر التي ارتكبها الجيش الفرنسي إبان الثورة التحريرية، والتي لن تقدر الأيام ولا السنوات أن تمحوها من ذاكرتهم بسبب فظاعتها الرهيبة ، و ذلك بالمكان المسمى أقوني نتيزي الواقع في مرتفعات منطقة فج شلاطة و الذي اتخذته فرنسا مكانا لتعذيب مواطني المنطقة. فقبل 56 سنة، وبالتحديد في صائفة 1958 هاجم جنود فرنسا قرية مزقن بإيلولة أومالو و اقتادوا 480 فردا من سكانها إلى المكان المسمى أقني تيزي لتعذيبهم بعدما تركتهم تحت أشعة الشمس الحارقة في شهر أوت لمدة أسبوعين كاملين مقيدين ومكبلين ذاقوا خلالها كل أنواع العذاب الذي مارسه عليهم جلادو فرنسا. ويقول مجاهدو المنطقة الذين كتب لهم العيش، أحرى بفرنسا أن تنحني اليوم أمام شهداء المنطقة وتطلب منهم العفو نظرا لبشاعة ما اقترفته في حقهم عندما رفضوا التنازل عن كرامتهم. ويضيف محدثونا أن فرنسا قامت بتدعيم قواتها بالعديد من الجنود لفرض الخناق على السكان الذين أجبرتهم على البقاء تحت رحمتها دون طعام ولا شراب لمدة 15 يوما، ولم تكتف بهذا القدر من التعذيب، بل تمادت في أعمالها الوحشية ضد الجزائريين من سكان مزقن عندما ربطت السجناء إلى الشاحنات وجرتهم لمسافات طويلة حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة. و يذكر مجاهدو مزقن الذين لامسوا الموت لعدة مرات أن المجازر التي اقترفتها فرنسا ضد أبرياء عزل من أبناء المنطقة في سجن التعذيب بأقني تيزي، لن تستطيع الأيام أن تمحوها من الذاكرة بسبب بشاعتها، فقدت فيها المنطقة في ظرف أيام قليلة المئات من المدنيين و تحولت القرية إلى مقبرة حقيقية، امتزج فيها التراب بالدم حتى أصبح لون الأرض احمرا لشدة التقتيل الذي لم يرحم لا الأطفال و لا الشيوخ و لا النساء حيث لم تقف فرنسا في سياستها القمعية عند أي أحد في ابادة المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ كان ذنبهم الوحيد أنهم دافعوا بشرف النضال، وباستماتة عن قيم الكرامة والتحرر. سامية إخليف شارك في العملية إلى جانب الشهيد العيشاوي و إيدير اعمر المجاهد بن شعبى محند أكلي يروي ظروف رقن و استنساخ بيان أول نوفمبر في قرية إيغيل إيمولا التاريخية الوثيقة كادت أن تصدر بخطأ فادح لولا تدخل كريم بلقاسم لتصحيحها يروي المجاهد بن شعبى محند أكلي الذي شارك في عملية استنساخ بيان أول نوفمبر إلى جانب الصحفي الشهيد محمد العيشاوي و المناضل إيدير أعمر، بعض تفاصيل المراحل التي سبقت استنساخ البيان والظروف التي استنسخ فيها ليلا في قريته إيغيل إيمولا التاريخية الواقعة على بعد 45 كلم جنوب مدينة تيزي وزو، وقال أن الجميع حرصوا على استنساخه بطريقة ذكية جدا وفي سرية تامة دون أن يتفطن لهم العدو الفرنسي. وفي ذات الشأن يقول دا محند أكلي، أنّه بعد أن تقرر صياغة بيان أول نوفمبر للإعلان عن بداية الثورة المسلحة والمصادقة يوم 24 أكتوبر 1954 على محتوى النداء من طرف لجنة الستة، لم يشأ محرروه وهم محمد بوضياف، العربي بن مهيدي وديدوش مراد منحه لأي كان، من باب الاحتياط، و خشية من أن يعلم الجيش بذلك، و تم تسليم البيان حسب محدثنا لكريم بلقاسم الذي يمثل منطقة القبائل (الصومام- جرجرة) و اختار هذا الأخير قرية ايغيل ايمولا الهادئة محطة لرقنه، وهي القرية التي تحيط بها أشجار كثيفة وتُعرف بانضباط رجالها و أقدميتهم في التنظيم. كلّف القائد كريم بلقاسم نائبه أعمر أوعمران بإحضار الصحفي الشهيد محمد العيشاوي المنحدر من بلدية سي مصطفى ولاية بومرداس من الجزائر العاصمة لرقن بيان أول نوفمبر في السر ، وكان هذا الأخير معروف عنه بأنه يتقن الكتابة على الآلة الراقنة بعدما كان يرقن الوثائق المتعلقة بالنشاط النظامي في حزب الشعب، وكذلك مقالات المسؤولين الموجهة إلى الصحافة وكان ذلك قبل حصوله على البطاقة المهنية في الصحافة من معهد الصحافة بباريس التي سافر إليها سنة 1950 للدراسة. ويضيف محدثنا، أنّه لا أحد يعلم أين يقع منزل الصحفي محمد العيشاوي في المرادية بالجزائر العاصمة عدا المناضل قاسي عبد الله مختار الذي ذهب إليه بعدما أخبره بأن ديدوش مراد في انتظاره حتى يخرج، كونه لا يثق في أحد وهو ما تم بالفعل، ولكن لدى خروجه لم يجد ديدوش مراد بل وجد أعمر أوعمران أسفل العمارة، وأجبراه على الصعود إلى السيارة رغما عنه قبل أن ينطلقوا به نحو منطقة القبائل، وعلى طول مسافة الطريق لم يكف العيشاوي عن السؤال عن الوجهة التي سيأخذونه إليها ولكنهم طمأنوه بأنهم لن يؤذوه وسيقوم بمهمة صغيرة ثم يعود لعائلته. ولدى وصولهم إلى تيزي وزو، استقبل محمد العيشاوي من طرف العقيد علي زعموم الذي رافقه ليلا عبر طريق معاتقة إلى منطقة آث عبد المومن الواقعتين جنوب غرب مدينة تيزي وزو ثم إلى منزل المجاهد بن رمضاني عمر، حيث أطلعوه على المهمة التاريخية التي جاؤوا به من أجلها من الجزائر العاصمة، و أمروه أن ينجزها في سرية تامة بالآلة الراقنة، وكانت تلك الوثيقة نداء للشعب الجزائري و إلى مناضلي القضية الوطنية لاندلاع الثورة في الفاتح نوفمبر 1954 يتضمن أسس إعادة بناء الدولة الجزائرية والقضاء على النظام الاستعماري. وأضاف المجاهد محند أكلي، أنّه تم تكليف كل من محمدي ساعد و بن رمضاني عمر بإحضار جهاز الرونيو من منزل عبان رمضان القابع بالسجن لاستنساخ البيان، و قد أعطى أمر لعائلته بتسيلمه لعلي زعموم، وقبل رقن الوثيقة في ليلة 27 أكتوبر 1954 اطلع الصحفي العيشاوي عليها و اكتشف خطأ في الصياغة طلب على إثرها من علي زعموم ضرورة تصحيحه إلا أن هذا الأخير رفض ذلك وطلب منه كتابتها كما هي وبعد إصرار من العيشاوي الذي أكّد له أنه من العار أن يطلع عليها المناضلون في الخارج وهي بذلك الخطأ الفادح ، أخذها زعموم إلى كريم بلقاسم المتواجد في قرية أيت عبد المومن وقام هذا الأخير بتصحيح الخطأ بعد تأكّد منه. و تحت ضوء المصباح التقليدي قام العيشاوي برقن النص، قبل أن يتنقل الجميع إلى منزل المناضل ايدير رابح المزوّد بالطاقة الكهربائية لسحب النداء، واستطرد محدّثنا قائلا " كنت أمام محل يقع أسفل المنزل عندما ناداني علي زعموم وأخذني معه إلى البيت الذي يتواجد فيه العيشاوي مع إيدير أعمر وقال لهما : "هذا من سيعمل معكما " وكان إيدير أعمر إنسانا أميا يجهل القراءة والكتابة ولم يكن يعلم بفحوى الوثيقة وهو ما ساعد على حفظ السر، علما بأن زعموم تلقى تعليمة بتصفية كل شخص يقوم بإفشاء محتوى الوثيقة قبل اليوم الموعود، وهو الفاتح نوفمبر 1954، وأبرز محدثنا أنّه كان من الصعب تشغيل جهاز الرونيو دون إحداث ضجيج وتجنبا لجلب الشكوك إلينا، طلبنا من بعض المناضلين السهر في المحل مع بعض الأطفال وخططوا للعبة الطمبولا في علب البسكويت حيث كتبوا أرقاما على كل قطعتي بسكويت من 1 إلى 25، وكلما سحب أحدهم رقما تتعالى أصواتهم للفوز بالجائزة الكبرى. وكان المناضلون في نفس الوقت يراقبون دوريات البوليس البلدي و كنا نحن طوال الليل منهمكين في سحب نداء الفاتح نوفمبر، ولم نتوقف ولو لثانية واحدة حتى الفجر، وكان علي زعموم أوصاني بمراقبة العيشاوي ورفض أي محاولة منه للخروج خوفا من هروبه. سكت عمي محند أكلي لبعض اللحظات بسبب الدموع التي كادت تخنق أنفاسه، ولم يتمكن من إخفائها عندما نبشنا في ماضي الثورة واسترجع ذكريات مروعة عن المجازر التي ارتكبها المستعمر الفرنسي الغاشم في حق رفاقه في الكفاح المسلّح وسكان قريته الصغيرة إيغيل إيمولا التي كانت سباقة في منطقة القبائل للإعداد للثورة التحريرية وتفجيرها، ويواصل كلامه عن البيان ويقول "عندما أنهينا عملية استنساخ البيان وسحبه وضعناه في حقيبة و الباقي تركناه جانبا ليتم توزيعه في قرى منطقة القبائل، وكلّفني علي زعموم بأخذ الحقيبة إلى الجزائر العاصمة لتسليمها إلى أحد المناضلين الذي لا أتذكر اسمه، وجدته ينتظرني داخل مقهى في حي بلكور وسلّمت له الأمانة. ويضيف محدثنا أنه عندما صعد إلى الحافلة المتجهة نحو الجزائر العاصمة في حدود الواحدة بعد زوال يوم 28 أكتوبر ، وضع الحقيبة خلف السائق حتى لا يكتشف أحد من صاحبها وما بداخلها سواء من طرف الركاب أو من طرف عناصر الجيش الفرنسي الذين يمكن أن يوقفوا الحافلة في الطريق، ولحسن حظي يضيف محدثنا "مررت مرور الكرام ولا أحد انتبه للأمر، مكثت بالعاصمة ليلة واحدة وعدت أدراجي إلى تيزي وزو في اليوم الموالي". تم توزيع البيان في الموعد الحاسم في الفاتح نوفمبر 1954 يوم اندلاع الكفاح المسلح على نطاق واسع عبر الوطن، وجاب مصر بواسطة محمد بوضياف، ورغم أننا حرصنا على حفظ السر إلا أن الوشاية كانت وراء القبض على الصحفي محمد العيشاوي الذي قام برقن بيان أول نوفمبر و الزج به في سجن تيزي وزو للتحقيق بعد ستة أيام كاملة من التعذيب، قبل امتثاله أمام المحكمة التي أصدرت في حقه حكما ب 18 شهرا سجنا نافذا، قضاها بين سجني سركاجي والبرواڤية. وبعد خروجه التحق مباشرة برفاقه في الكفاح بالجبل إلى غاية استشهاده في إحدى المعارك التي اشتبك فيها مع العدو سنة 1959. سامية إخليف عضو المجلس الوطني لمنظمة المجاهدين المجاهد آيت أحمد سي وعلي إيغيل إيمولا المنطقة التي انطلقت منها شرارة الثورة في الولاية التاريخية الثالثة يتحدث عضو المجلس الوطني لمنظمة المجاهدين المجاهد آيت أحمد سي وعلي، بكل تواضع عن كفاحه خلال الثورة بالولاية الثالثة التاريخية، التي عيّن فيها ضابطا في صفوف جيش التحرير الوطني نظرا لمستواه العلمي و الثقافي وحنكته في تسيير أمور الثورة في المنطقة. كما عرّج محدّثنا على أهم المحطات التاريخية التي شهدتها منطقة القبائل تحديدا، والظروف التي دفعت به إلى الالتحاق بالثورة التحريرية، وكشف عن دور قرية ايغيل ايمولا التاريخية التي تم فيها استنساخ بيان اول نوفمبر في تفجير الثورة في منطقة القبائل بالإضافة إلى مشاركة المرأة في الكفاح. هلا حدثتنا أولا عن ظروف التحاقك بثورة التحرير؟ التحقت بالثورة التحريرية تلبية لنداء الواجب الوطني والوقوف في وجه المستعمر الفرنسي الذي أراد تدنيس الهوية الوطنية و سلب حرية الشعب الجزائري وأرضه، رغم صغر سني عند الإعلان عن بداية ثورة الفاتح نوفمبر 1954 إلا أنني كنت ادرك جيدا معنى الثورة ومحاربة العدو ، كنت وقتها طالبا في ثانوية تيزي وزو الوحيدة على مستوى منطقة القبائل، والتي كانت تستقبل تلاميذ من ولايات بومرداس ، البويرة وغيرها وكانت الغيرة تتملكني على وطني لاسترجاع السيادة الوطنية مع زملائي الطلبة بكل الطرق المتاحة، شاركت في مسيرة الطلبة بتاريخ 19 ماي 1956 ،وقد تم اعتقالي من طرف المستعمر الفرنسي الذي زجّ بي في السجن يوم 28 نوفمبر 1956 بعدما عثروا بحوزتي على بطاقة طالب، وهناك كنت رفقة 8 سجناء آخرين من المجاهدين، وبعد بضعة أيام تم إطلاق سراحي قبل أن أعود إليه ثانية خلال عملية توقيف جميع سكان بلدية تيزي راشد التي أنحدر منها، حيث قام الجيش الفرنسي بتطويق المنطقة واستنطاق أبنائها ، و بتاريخ 24 ديسمبر 1956 تم تسريح الجميع، وفي سبتمبر 1957 عدت مجددا لمقاعد الدراسة قبل أن أغادرها نهائيا لألتحق بصفوف جيش جبهة التحرير الوطني، لم أكن أتجاوز ال 16 من العمر، عندما استدعاني المجاهدون للالتحاق. وأشرف على السكرتارية بمراكز القيادة التي كانت تتنقل بين منطقة وأخرى، وكنت أتقلد الرتب إلى أن تم تعييني ضابطا . ماهو دور الولاية التاريخية الثالثة في الثورة ؟ مثلت الولاية التاريخية الثالثة ( منطقة القبائل) أهمية بالغة في إشعال لهيب الثورة وساعدها على ذلك موقعها الإستراتيجي الهام فهي منطقة تتوسط شمال البلاد تحيط بها أربع ولايات تاريخية هامة، تتميّز بتضاريسها الوعرة ووقوعها في مرتفعات جبلية انطلاقا من سلسلة جبال جرجرة التي تحتل رقعة إستراتيجية هامة وواسعة، حيث تمتد من البحر الأبيض المتوسط في الشمال إلي سور الغزلان جنوبا – البويرة ، و مجرى نهر يسر غربا – بومرداس، و مجرى وادي الصومام شرقا وهي جبال شديدة الانحدار، كما تتميز بغطاء نباتي كثيف وقد ساعدت وحدة السكان في تفجير الثورة بقيادة كريم بلقاسم و نائبه اعمر أوعمران اللذين عرفا كيف ينظمان المناضلين ويقودان الثورة بإحكام ،و تعتبر قرية إيغيل إيمولا ببلدية تيزي نتلاثة في دائرة واضية الواقعة جنوب مدينة تيزي وزو، خير دليل على كفاح السكان فهي أوّل قرية تعلن الحرب ضد فرنسا وتفجر الثورة في منطقة القبائل بعدما اتفق 19 عضوا بقيادة العقيد علي زعموم مباشرة العمل الثوري لمحاربة الاستعمار الفرنسي الغاشم، و ساعدها على ذلك وقوع المنطقة فوق سفح جبلي. وقبل أيام قليلة عن اندلاع الثورة المسلحة شرع المسؤول الأول عن المنطقة في تقسيم الأعضاء ال 19 الشباب، وكلهم يتمتعون بصحة جيدة وقادرون على تحمل المسؤوليات، إلى أفواج كل فوج يضم أربعة أعضاء وكل عضو مكلف بمهمة لا يعلمها الآخر، ليتم بعدها تدريبهم على استعمال الأسلحة و كيفية صنع ووضع القنابل و نصب الكمائن ، وكان لهؤلاء المناضلين الدور الفعال في العمليات الأولى في الفاتح نوفمبر ، وأوّل ما قاموا به في ليلة الفاتح نوفمبر قطع خيوط الهاتف في المناطق المجاورة لإيغيل إيمولا على غرار ذراع الميزان، آيت عبد المومن، واضية تيزي نتلاثة وغيرها، حتى لا تتم الاتصالات بين جنود فرنسا. كما أقدم هؤلاء على حرق مخازن المعمرين، و مهاجمة مراكز الدرك إلى جانب قطع الأشجار على مستوى الطرقات الوطنية. وقد امتدت العمليات العسكرية بعد أيام إلى ضواحي عزازقة وسجل المناضلون خسائر فادحة في أملاك المستعمر، وهاجموا عدة مراكز تابعة لفرنسا في منطقة تادميت وتيزي غنيف وأحرقوا غابة التبغ في برج منايل لتكون الخسائر المادية ثقيلة جدا على فرنسا خاصة عندما امتدت العمليات الفدائية إلى كامل ربوع الولاية، ووصلت حتى إلى ولاية البليدة بفضل مناضلي منطقة القبائل الذين تنقلوا إليها لإعلان ثورتهم على فرنسا. وماذا عن كفاح المرأة القبائلية خلال الثورة ؟ لعبت المرأة القبائلية على غرار كل الجزائريات دورا رياديا إبان ثورة التحرير، وتمكنت من تقلد عدة مسؤوليات سياسية وعسكرية، كنّ يعوّضن الرجال في القرى ويلعبن دور الرجل والنساء في آن واحد، وتحملن لوحدهن مسئولية الأسرة وتربية الأبناء، و عندما أرادت فرنسا تضييق الخناق على النساء لم تكن تعلم بأنّهنّ كنّ أذكى منها، خاصة عندما فرضت عليهن الخروج إلى حقولهنّ ثلاث مرات في الأسبوع. وكنّ عندما يذهبن للقيام بأعمال الغرس والزرع يحملن سلاّت بأسفلها أسلحة أو أدوية أو طعام، و يحرصن على تغطية تلك السلات بمزروعات أو أدوات للغرس حتى لا يتفطن إليهن العدوّ. كما كانت النساء تنقل الأخبار إلى المجاهدين، و كنّ كذلك يكلفن في الجبل بعدة مهمات على غرار تقديم الإسعافات الأولية، تخبئة الأسلحة، كما كنّ يقمن بعمليات مراقبة المكان وغيرها من الأعمال الفدائية الأخرى، حتى بعض الفرنسيات شاركن إلى جانب المجاهدين في الجبال وعملن كممرضات، و هناك من استشهدت معهم ولا يمكن للتاريخ أن يمر مرور الكرام دون ذكر ما قامت به المرأة في سبيل تحرير الوطن إلى جانب الرجل. ومن بين النسوة اللّواتي دافعنّ عن كرامتهن السيدة جيدة، من الأربعاء ناث إيراثن التي قتلت عسكريين إثنين من جنود فرنسا داخل مسكنها عندما حاولا اقتحامه بالقوة وقد شبّهها سكان المنطقة بلالة فاطمة انسومر، نظرا لشخصيتها الشجاعة ووقوفها ضد المستعمر الفرنسي لإفشال مخططاته. وقد زج بها في السجن في العديد من المرات ولم يسلم منها العدو حتى وهي وراء القضبان ليكون مصيرها التعذيب الذي أخذت نصيبا كبيرا منه. كما اقتحمت النسوة 18 مركزا فرنسيا في ليلة واحدة في منطقة القبائل ليلة الفاتح نوفمبر وتمكنّ من قتل جنود فرنسا والاستيلاء على أسلحتهم التي سلّمنها للمجاهدين. سامية إخليف حي عبد النبي.. نصفه مجاهد والآخر شهيد رجل مبتورة و شظايا في جسمه لازالت تؤلمه و تذكره بجرائم الاستعمار فضل المجاهد ومعطوب حرب التحرير حي عبد النبي، أن يبدأ حديثه معنا بالتركيز على أن السيادة الوطنية ثمنها دفع غاليا بمليون ونصف المليون شهيد الذين سقوا هذه الأرض ب 7,5 مليون لتر من الدماء حسب تقديراته، موجها رسالة للأجيال الحالية والقادمة بأن يحافظوا على إرث الآباء والأجداد الذي دفع الثمن غاليا من أجل الحفاظ عليه. يقول المجاهد حي أن جسمه شاهد على ما فعلته فرنسا الإستعمارية في الجزائر، رجله مبتورة، وباقي جسمه لا زال لحد الآن يحوي بعض الشظايا التي مازالت تسبب له الآلام، كل هذا والمشكل النفسي أدهى وأمر مثلما تأوه عمي حي وهو يحدثنا عن الأثر النفسي الذي يسببه العطب للمجاهدين مثله ويشرح ذلك " كنا غداة الإستقلال نتألم ولدينا تخوف واحد يجمع المعطوبين وهو من تقبل الزواج بشخص نصف جسمه تحت الأرض، ولكن مع مرور الوقت عدنا نتألم من النعوت التي يطلقها المجتمع علينا، مثل الأعوج، الأعمى، المبتور وغيرها من الكلمات التي كانت تؤلم أولادنا ورسمت في ذواتنا إحساسا بالنقص لازال لحد الآن رغم التكفل الطبي الجيد بنا". فكما تركت فرنسا آثار جرائمها على أجسام سكان رقان من خلال تفجير القنبلة النووية، تركت آثارا نفسية تشهد على جرائمها ضد الجزائريين. يروي المجاهد حي عبد النبي قصة بتر رجله، حيث استرجع تلك المهمة الخطيرة جدا التي كان يشرف عليها في المناطق الحدودية الغربية، وهي تفكيك الألغام وإزالة السيلان أو الأسلاك المكهربة، كل هذا من أجل تسهيل تحركات المجاهدين وجيش التحرير وتمرير الأسلحة لتزويد باقي ولايات الوطن. يقول أنه كان من أنجب الطلبة في المدرسة القرآنية، ولكن فضل تلبية النداء والالتحاق بالثورة، بدأ كمسؤول خلية ينظم الصفوف ويقوم بمهام مكنته من الإلتحاق بجيش التحرير وعمره لا يتجاوز ال 18 سنة، وهناك خضع لتكوين في المراكز الخلفية التي كانت موجودة في المناطق الحدودية من الجهة المغربية، وتخصص في الكهرباء وتفكيك الألغام. هذا التكوين سمح لهذه المجموعة بنزع الألغام التي زرعتها فرنسا عبر المناطق الحدودية وإعادة زرعها في الأماكن التي يتجمع فيها الجيش الفرنسي. و يذكر عمي حي في هذه النقطة بقوله " كنا نواجه الموت مباشرة، ولكن الأهم بالنسبة لنا كان إخراج العدو". و يتذكر أول إصابة له بشظايا تفجير طائرة عسكرية فرنسية، حيث أن مجموعته كان لديها سلاح ثقيل تصدت به للطائرات العسكرية الفرنسية التي كانت تقوم بدوريات مكثفة عبر الشريط الحدودي، وهذه الإصابة أعطته دفعا كبيرا كي يواصل الكفاح ومهمته الخطيرة. أما بتر رجله فكان خلال أخطر عملية قام بها والتي كانت تنقسم لجزئين، إزالة الأسلاك المكهربة وتفجير مركز مراقبة، فضل القيام بها وحده بينما يبقى زملاؤه خلفه لدعمه، كما أن اللغم الذي كان يحمله كان بتقنية جديدة لم يتدرب عليها جيدا، ومن شدة قلقه وخوفه من دوريات الجيش الفرنسي وعند الإقتراب من إزالة الأسلاك رمى رجله دون أن يعي وبالتالي انفجر عليه لغم ترك معه رجله هناك وأخذه رفقاؤه للعلاج ثم حول لمركز علاج المعطوبين قرب الحدود أين كان الأطباء الجزائريون يقدمون كل الخدمات الإستشفائية للمصابين. يقول عمي حي، أنه في هذا المركز كان يوجد حتى المجاهدين الذين أصيبوا بإنهيارات عصبية بسبب التعذيب الذي تعرضوا له في مراكز العدو. و يقص علينا بعض الصور التي رسمت في ذاكرته ولم ينساها لبعض مرافقيه، منهم بن عيسى بن عمر الذي بترت يده ورجله أثناء قيامهم بنزع الأسلاك المكهربة التي علق بها ولم يستطع المجاهدون إبعاده عنها يقول حي " طلب من أحدنا قتله بالرصاص عوض أن يسقط في يد فرنسا، ولكن لم نستطع فعل ذلك من شدة تأثرنا، فررنا وتركناه حتى أخذه الجيش الفرنسي، وظل حيا شهد الاستقلال ومات مؤخرا فقط". وفي قصة أخرى يقول " كنا سنقوم بعملية ضد مركز مراقبة فرنسي ولكن تم اكتشاف أمرنا قبل ذلك، كان معنا مجاهد يسمى محند الشيخ، كان يهوى التقاط الصور رفقة مسؤولي الثورة، فلا يضيع الفرصة بواسطة آلة تصوير صغيرة كان دائما يحملها معه، قتل في هذه الحادثة وعند تفتيشه من طرف الجنود الفرنسيين وجدوا صوره رفقة قادة الثورة فلم يكتفوا بموته بالرصاص بل وضعوه فوق مجموعة حجارة وسط المدينة وصبوا عليه البنزين وأحرقوا جثته اعتقادا منهم أنه من قادة الثورة فأرادوا تخويف الشعب بهذا العمل الإجرامي". الولاية الخامسة كانت معبرا للأسلحة ومنفذا للخارج يقول المجاهد حي أن الثورة لم تبدأ بصفة كبيرة في الولاية الخامسة منذ 1954 وهذا لا يعني أبدا أننا كنا في راحة، أو لم تكن لدينا القدرة على الكفاح مثلما أشيع لدى البعض، بل أن الولاية الخامسة التي كانت تجمع المناطق الغربية أراد لها مخططوا الثورة أن تبقى دون معارك كبيرة كي تسمح بدخول السلاح عبر البحر وعبر الحدود لأن أساس الثورة هو السلاح ولو اندلعت بنفس الطريقة في كل الأرجاء لتمكنت منها القوة الإستعمارية. ويضيف أن عمه الذي كان مسؤول ناحية الحدود تلقى هذه الأوامر من قيادات الثورة وشكل في البداية مجموعة من المجاهدين الذين كانوا يحملون الأسلحة فوق الدواب عبر المسالك الوعرة تهربا من العدو لتوصيلها للنقاط التي تحددها القيادة. و كانت هذه الأسلحة تأتي بالبواخر من الدول الإشتراكية خاصة وتخزن في المناطق الحدودية وقتها كانت الحدود مفتوحة، ثم يتم التكفل بتوزيع تلك الأسلحة والذخيرة على باقي مناطق الوطن. ويذكر عمي حي أن هذا الوضع استمر لمدة أكثر من عامين لتتفطن فرنسا للخطة وتقيم خط موريس، ولكن لم تكتف بهذا، بل أعلنت المناطق الحدودية مناطق محرمة و شردت كل سكانها، منهم من فر للمغرب ومنهم من توزع عبر المناطق المجاورة. و عند هذا الحد مثلما أشار المجاهد حي، اشتعلت الولاية الخامسة بالمعارك، وسجلت بها أكبر معركة في تاريخ الثورة وهي معركة جبل فلاوسن التي تكبد فيها العدو خسائر في العتاد وفي الأرواح بمقتل 800 جندي من صفوفه، وهذا كما أضاف بفضل الجنود الجزائريين الذين كانوا مجندين في الجيش الفرنسي، وكانوا على اتصال بجيش التحرير حيث كان هؤلاء عند اشتعال المعركة، يصوبون السلاح نحو الفرنسيين ونحن نحميهم بما كان لدينا من سلاح، وفي الأخير التحقوا بجيش التحرير مباشرة وهذا حسب المتحدث موجود حتى في التقارير الفرنسية فبعدما حققوا في أسباب الهزيمة، وجدوا أن الرصاص من سلاح فرنسي وليس من الأسلحة التي كانت لدى الجزائريين، مشيرا إلى أن هذه المعارك لم تمنع تمرير الأسلحة ولكن عبر مسالك أخرى أكثر أمنا من الجهة الجنوبية لتلمسان ثم تدخل للمناطق السهبية وتصل للولايات الشرقية. هوارية ب المجاهد العربي بن مليك الاختلافات السياسية بين رفاق السلاح رهنت أهداف الثورة قال المجاهد عديل بن مليك المعروف بعمي العربي بأن الثورة التحريرية كانت ملهمة لجيل بكامله لكن الخلافات السياسية فيما بعد أنقصت من بريق الثورة لدى الأجيال. وذكر المجاهد المولود سنة 1941 والذي انخرط في الثورة سنة 1957 أنه دخل الثورة في عمر مبكرة جدا، وذلك لاعتبارات أسرية حيث كان والده وأخوه الأكبر من المجاهدين المعروفين في الثورة، حيث أن بيتهم المتواجد بحي رود براهم العتيق أو ما يعرف حاليا بنهج الثوار، كان مركزا مهما من مراكز اجتماع الفدائيين، كما كان نقطة مرور لمجاهدي الشرق حيث كانوا يرتاحون به ويتزودون منه وتابع عمي العربي حديثه بأنه كان ينشط ضمن المعلومات في الثورة التحريرية وكان يوزع الأموال التي تجمع للمجاهدين. وأضاف بأن الأخ الأكبر الشهيد الذي يحمل «لاري بانجي» سابقا اسمه اليوم كان ينسق العمليات ، حيث انخرط في الثورة التحريرية مبكرا وهو ما دفع أطفال العائلة وصغارها ينخرطون في الثورة بشكل مباشر وغير مباشر حيث تحدث عمي العربي بأنه كان يقوم بإيصال الرسائل للمجاهدين و ينسق ما بين العديد من الأحياء في وسط مدينة قسنطينة وذلك قبل بلوغه السن التي تسمح له بالمشاركة في الثورة التحريرية. وتحدث عمي العربي عن المنزل المجاور لمنزلهم والذي كان يرتاده كل من الأب والأخ الشهيد حيث قال بأنه كان مركزا كبيرا ويضم جل قادة الثورة في قسنطينة وفي الشرق الجزائري، حيث كانت تدار كل الخطط وتحركات الثوار في منطقة الشمال القسنطيني، وقد اطلقت تسمية الثوار على هذا الحي الشعبي العريق لما له من مساهمات في الثورة التحريرية. وعن انطباعه بعد مرور 60 سنة على الثورة التحريرية قال عمي العربي بأنها كانت ثورة ناجحة وقد وصلت لأهدافها لكن الخلافات السياسية ساهمت بشكل كبير في عدم قطف نتائج الثورة من قبل الأجيال المختلفة، حيث أن الاختلافات السياسية طغت على رفقاء الدرب الواحد وهو ما ساهم بشكل كبير في عدم ايصال أهداف الثورة السامية مضيفا أن الثورة سرقت من الثوار. وتحدث عمي العربي عن المعاناة التي مرت بها العائلة خاصة بعد متابعة الجيش للأخت صالحة بن مليك والتي صعدت للجبال لتنشط بعدها في منطقة القل كما ان اعتقال الأب سنة 1956 ونفيه للصحراء أثر على العائلة وهو ما عبر عنه عمي العربي بالقول أن الثورة كانت الحاضن الوحيد لما تبقى من العائلة، خاصة بعد استشهاد الأخ بن مليك عبد الرحمان سنة 1958 بعد الحكم عليه بالإعدام . المجاهد اعتبر بأن انجاح الثورة كان هدف كل الجزائريين حيث أنهم ضحوا بأسر وبعائلات من أجل أن يعيش الشعب في كرامة مضيفا ان منحة ابناء الشهداء كانت ضرورة في مرحلة تاريخية معينة لأنهم لم يكن لهم معيل أو مصدر مالي لكن الوقت الآن تغير وأصبح ابناء الشهداء يمكنهم ان يتدبروا امور حياتهم اليومية ولم تعد المنحة لديها معنى حقيقي ، حيث قال بأنه شاهد بأم عينيه كيف كان أبناء الشهداء وأرامل الشهداء يبحثون عن الطعام في المزابل في سنوات قليلة بعد الاستقلال وهو ما اعتبره عمي العربي صورة غير لائقة بجزائر الاستقلال. حمزة.د المجاهد الفدائي عبد الحميد سمومة من الولاية السابعة بفرنسا قمنا بتهريب لاعبي جبهة التحرير الوطني و طلب من الملاكم شريف حامية أن يخسر المنازلة حتى لا يرفع علم فرنسا في شهادة تاريخية عن الثورة التحريرية بالولاية السابعة في فرنسا، يكشف المجاهد الفدائي عبد الحميد سمومة تفاصيل جديدة عن تهريب لاعبي جبهة التحرير الوطني من فرنسا إلى العاصمة مرورا بتونس، بعد استجابتهم لنداء الواجب الوطني. وكان ذلك في 1957 حيث تم استقبال كل من لالماس، الشريف بوشاش، رشيد مخلوفي، وبراهيمي والآخرين، وقمنا بإيصالهم إلى الفندق، وتركوا حقائبهم عندنا حتى لا ينكشف أمرهم قبل أن نقوم بإيصالها لهم فيما بعد، ولما تأكدنا في اليوم الموالي بأن البوليس الفرنسي علم بأمرهم، تنقلنا إليهم خفية في الليل وأخبرناهم بأن البوليس الفرنسي يبحث عنهم، وقد اضطررنا إلى نقلهم إلى فندق آخر. وفي تلك الليلة قمنا بإجراءات تحضير وثائق جوازات السفر التي تكفل بها تونسيون وأتذكر حينها أن اثنين أو ثلاثة لاعبين رفضوا مرافقة زملائهم، مما اضطر قادة الجبهة إلى التدخل و إجبارهم على قبول الأمر الواقع حيث وصلوا إلى تونس وكانوا رجال ووطنيين بأتّم معنى الكلمة بحسب قول محدثنا. في ذات السياق، تحدث عمي عبد الحميد عن الملاكم شريف حامية الذي كان ملاكما بارزا في تلك الفترة، حيث كان في إحدى المرات على موعد مع منازلة ضد ملاكم أمريكي ورغم أن المنازلة كانت في متناول الشريف حامية إلا أن الجبهة تدخلت وأرغمته على أن يخسر المواجهة حتى لا يرفع علم فرنسا. كبلوني إلى كرسي لمدة 7 أيام بعدما فشلوا في افتكاك اعترافات مني ورفعنا العلم الوطني داخل السجن واصل عبد الحميد سمومة حديثه و قال بأنه تنقل إلى فرنسا في 1955 واندمج في الثورة في فيفري 1956 بعد أداء القسم، ليتولى منصب مسؤول قسمة بمقاطعة ليون، وبعد أن تحدث بإسهاب عن الخلافات والصراعات التي كانت سائدة بين المصاليين وجبهة التحرير، شرع في الحديث عن الهياكل التي نصبتها فدرالية جبهة التحرير عبر المدن الفرنسية، و التي كانت تسير بطريقة منظمة واحترافية، حيث كان نشاط الفدرالية مقسما في شكل خلايا، أفواج، مقاطعات، وولايات كبرى هي باريس، ليون، مارسيليا والغرب ووصلنا إلى 6 ولايات، وقد بدأ نشاطه كفدائي بمنطقة "أوت سافوا" بمدينة ليون، قبل أن يتم الاتصال به من طرف القيادة هناك، وبالتحديد بعد القبض على مسؤول الخلية هناك المدعو زغيدة حيث كلفوه بتولي تسيير شؤون القسمة وإعادة بعث نشاطها من جديد، وفي نفس الوقت مسؤول عن الفدائيين. وكانت أول عملية قاموا بها في 3 جانفي، و تمثلت في تصفية أحد الخونة وفي السابع من الشهر ذاته ألقي عليه القبض على الساعة الحادية عشرة ليلا بعد وشاية من طرف أحد الخونة وذلك بعد أيام من البحث، حيث تم نقله على متن سيارة إلى الفرقة الجنائية، وهناك تم استنطاقه وفي اليوم الموالي وضعوه في زنزانة وجردوه من الملابس، وكان أفراد البوليس يعتدون عليه وهم في حالة سكر، ليتم نقله إلى المستشفى في حالة يرثى لها بعد 7 أيام من المعاناة. وقد تفاجأ الطبيب بعد فحصه لحالته الصحية السيئة قبل أن يمنحه شهادة طبية وقام بإخفائها داخل ملابسه تحسبا لتقديمها إلى المحكمة من أجل فضحهم، لكنه لم يتمكن من ذلك، وبوصوله إلى الزنزانة تم تجريده من الملابس للمرة الثانية ليعثروا على الشهادة الطبية. معاناة عمي عبد الحميد بدأت مثلما قال لما رجع إلى السجن حيث وضعوه في كرسي وكبلوه وتم ربط الكرسي بالمدفأة المركزية وتركوه على تلك الوضعية طيلة 7 أيام و7 ليالي وبعد أن تأكدوا باستحالة الحصول على اعترافات منه، قاموا مثلما أضاف بإحضار أشخاص آخرين ولما شاهدوا آثار الضرب على جسمي تأكدوا بأنني لم أدل للفرنسيين بأي اعترافات عندها دلّوا البوليس على شخص ثانٍ على أساس أنه المشتبه به في عملية القتل، عندها تنفس الصعداء ورغم هذا فقد أدانته المحكمة العسكرية ب 8 سنوات سجنا نافذا، وكان ذلك أواخر أكتوبر 1958 وتزامن ذلك مع إضراب العشرة أيام، وبعدها بأسبوع قاموا باختيار 10 أشخاص محكوم عليهم كنت من بينهم، ليتم تحويلنا مباشرة عبر القطار وأيدينا وأرجلنا مكبلة، دون أن يكون لأي أحد فينا علم بالوجهة، وكان من بيننا أحد الأشخاص يعرف جيدا الجهة، فأخبرنا بأننا في طريقنا إلى الجزيرة وصلنا إلى مدينة بوردو، وركبنا الباخرة باتجاه منطقة "سان مارتا دوري" وهي عبارة عن سجن يعتبر مركز عبور باتجاه سجن "كايان" المشهور. وجدنا في السجن جزائريين محكوم عليهم ب 20 سنة سجنا، وشهدت فترة مكوثي وراء القضبان، أحداثا ساخنة، أبرزها رفعنا العلم الوطني في 1960 داخل السجن، الأمر الذي آثار غضب الفرنسيين. وأتذكر آنذاك أن عبد الرحمن بن حميدة الذي كان أستاذا للفرنسية والعربية، وشغل فيما بعد منصب وزير التربية في الحكومة المؤقتة الجزائرية، جلب معه الراية الوطنية وأخفاها في علبة للحلويات، وأخبرني بأنه يريد أن يريني شيئا، في البداية ظننت أنه سلاح لكن لما فتح العلبة وجدت العلم الوطني فأجهشت بالبكاء، فطلب مني تحضير الأمر مع الجماعة لرفع العلم في فناء السجن، وفي يوم جمعة في الصباح الباكر خرجنا ورفعنا العلم ورددنا النشيد الوطني آنذاك من جبالنا. مشهد أثار غضب مسؤولي وحراس السجن الذين أعلنوا حالة طوارئ، فحضر مدير السجن وتفوه بكلام مهين وغير لائق في حق العلم الوطني بقوله للحراس "انزعوا هذا الشيفون" وللتاريخ، أذكر أن حجاج زبير عضو مجموعة ال 22 الذي توفي مؤخرا، لم يحتمل ورد عليه بأن العلم لن ينزل وسيبقى يرفرف إلى أن يموت آخر جزائري. فجرنا باخرة محملة بالنفط بميناء مرسيليا وعبد الحميد بوالصوف تفاجأ لتواجدي بسفارة تونس بألمانيا وتطرق المجاهد سمومة في شهادته، إلى رحلته التي قادته إلى ألمانيا عند رضا مالك، و بالتحديد بسفارة تونس التي كانت ملتقى زعماء وقادة كنفدرالية الجبهة، أين التقى بقائد المخابرات الجزائرية آنذاك عبد الحفيظ بوالصوف، وكان ذلك في 1958 ولا أتذكر الشهر بالضبط، حيث مازحني بقوله "ما خفتش" فأجبته برغبتي في الذهاب إلى الجزائر لمواصلة الكفاح مع الإخوة في الجبل، فكان رده أن عمله هنا أفضل من عمله بالجزائر. كما عرج محدثنا في شهادته على العملية الكبرى التي شهدتها فرنسا يوم 25 أوت 1958 حيث تم تنفيذ 125 عملية في يوم واحد وكان وقتها يقضي عقوبته بالسجن، وكانت أبرزها عملية تفجير باخرة مملوءة بالوقود بميناء مرسيليا، و كانت شحنت الحمولة من سكيكدة، حيث تسللت آنذاك مجموعة من المناضلين بالجبهة إلى الميناء عبر قارب صغير، وقامت بوضع قنبلة بالباخرة وبعد لحظات وقع الانفجار، وألحق خسائر كبيرة، بالإضافة إلى عمليات أخرى قام خلالها مناضلو الجبهة من خلال مهاجمة مقرات لمؤسسات فرنسية هامة، للإشارة فإن هذه العملية الكبرى، تمت تحت قيادة شريف مزيان وزير كمال واسطة ابنته مليكة تتذكر بمرارة وحشية المستعمر الشهيد علي رحايل قتلوه ورموا بجثته للكلاب تروي مليكة رحايل ابنة الشهيد علي رحايل ببلدية امجاز الدشيش بسكيكدة للنصر، صور وأساليب تعذيب وحشية مارسها المستعمر ضد والدها منذ بداية مسيرته في النضال مع الثورة إلى غاية وفاته. وكان قد انطلق في نشاطه في أواخر 1955 وكانت مهمته جمع الاشتراكات، وتبليغ الرسائل والتقارير إلى المناضلين بمنطقة "أم قطيطة"، ليتكفلوا بدورهم بإيصالها إلى قادة الثورة. وبعد اكتشاف أمره ألقي عليه القبض وأدخل السجن رفقة شعبان بوروبة، الطاهر زياري، وبوقيقز المدعو خلفاوي، حيث قضى سنة ونصف بسجن المسيلة، ومثلها بسجن البرواقية بولاية المدية، لتخلفه في المهمة زوجته، حيث كنا كما تقول مليكة نجد صعوبة كبيرة في التنقل إلى "بوحلبس" و "أم قطية" لإيصال الاشتراكات والرسائل حيث كان جنود المستعمر يشترطون عليهم تراخيص. وتواصل ابنته مليكة سرد شهادتها بأنه عندما خرج والدها من السجن عاود النشاط من جديد، قبل أن يكتشف أمره مرة ثانية بعد أن وشى به أحد الخونة . وتتذكر جيدا أنه في إحدى ليالي شهر جوان 1958 في حدود الساعة العاشرة تفاجأنا بجنود فرنسيين يقتحمون المنزل، فأخذوه بالقوة، ولما حاولت رفقة شقيقاتها ووالدتها منعهم حرضوا عليهن الكلاب وشرعوا في تعذيبه بأساليب وحشية حيث قاموا بتكبيله وربطوه بحبل بالمركبة و قاموا بجره بالطريق وصولا إلى مركز التعذيب وهناك مارسوها عليه شتى أنواع التعذيب وفي حدود الساعة منتصف الليل وصلهم خبر استشهاده رميا بالرصاص قبل أن يرموا بجثته للكلاب أمام مرأى جمع من الناس. كمال واسطة مجزرة قرب المقبرة بحي عين حلوف وفي شهادة تاريخية يروي لنا عمي رابح حميدة أحد الناجين شهادته عن المجزرة البشعة والابادة الجماعية التي ارتكبتها فرنسا في حق مواطنين عزل وكان ذلك في شهر رمضان من سنة 1956 حينما اجتاحتهم الفيضانات واضطروا إلى المكوث في المنازل بمنطقة عين حلوف 3 كلم عن مقر البلدية، وفي صباح اليوم الموالي تفاجأنا بعشرات الجنود الفرنسيين يحاصرون المنازل، وظلوا ينتظرون خروج أي مواطن من منزله ليمسكوا به، وهناك من قاموا بقتله مباشرة أمام المنزل، فيما قاموا بتجميع مجموعة من السكان لم أتذكر العدد بالضبط، وفي الطريق قرب الوادي حاولوا قتلنا لكنهم أجلوا العملية، وتم تحويلنا مباشرة إلى مكان بالقرب المقبرة، وبجوار أشجار التين الشوكي أمرونا بالجلوس في شكل صف وفي تلك الأثناء كان برفقتنا شخص يسمي زادري سعيد يجيد الفرنسية، سمع جنديا فرنسيا يقول بأنه لا يمكنه قتلهم في هذه الوضعية وأمره بتغير وضعيتهم إلى الخلف حينها سمع سنغالي ينادي "أهربوا راح يقتلولكم" عندها قفز مباشرة خلف أشجار التين ولحقت به بسرعة البرق، وقد علمت فيما بعد أن عدد القتلى بلغ 13 شهيدا وقد نجا من هذه المجزرة 5 أشخاص بينهم أنا وابن عمي الذي نجا هو الآخر بأعجوبة بعد أن سقط مع القتلى وأوهم جنود المستعمر بأنه مات، قبل أن يخرج من تحت الجثث، ويغادر المنطقة. وأضاف محدثنا يقول بأن السبب الذي دفع الجنود الفرنسيين إلى ارتكاب هذه المجزرة هو إصابة أحد رفاقهم بجروح، فكان انتقامهم بارتكاب هذه الإبادة الجماعية التي وصل فيها عدد الشهداء إلى 36 في يوم واحد. كمال واسطة محتشد " السانك " مركز تعذيب بناه الاستعمار بعنابة لشل الثورة عبر الحدود التونسية المجاهدون كانوا يرمون في بئر مملوءة بالمياه تغزوها الثعابين و الجرذان ثم يدفنون أحياء في حفرة عمقها 3 أمتار روبورتاج : صالح فرطاس تحتفظ بلدية العلمة بولاية عنابة بالذكريات التاريخية التي صنعها أبناء المنطقة إبان الحقبة الإستعمارية، يتقدمهم عبد الله مراح و باقي رفقائه في الكفاح من أمثال سي مبروك بوعكة، رابح عزيزي، بهلولي عبد الحميد، محمد حداد، عاشور كانوني و السعيد موساوي إضافة إلى الكثيرين من الشهداء و المجاهدين، لكن من أبرز المعالم التي تبقى راسخة في الذاكرة و لا تزال شاهدا على الأهمية الكبيرة التي كانت تحظى بها هذه المنطقة في الخارطة الثورية طيلة فترة الجهاد ضد المستعمر الفرنسي محتشد " السانك " الذي شيده الاستعمار على أمل شل نشاط الثوار و الفدائيين الجزائريين في منطقة سكيكدة، عنابة، قالمة و الطارف، لأن هذا المحتشد كان مخصصا بالأساس لقصف الجبال و المناطق المجاورة بالمدفعية المنصوبة وسطه، فضلا عن سجن المئات من المواطنين الذين يشتبه في صلتهم بالثورة، و تعذيب المجاهدين في بئر مملوءة بالمياه و تغزوها الثعابين و الجرذان، في واحدة من أبشع صور تعدي المستعمر على الإنسانية. و لئن كان هذا المحتشد يبقى من المعالم التاريخية التي تشهد على نضال سكان هذه المنطقة أثناء ثورة التحرير فإن الوصول إليه ليس بالأمر السهل، كونه يتواجد وسط غابات كثيفة، و المسلك المؤدية إليه عبارة عن طريق جبلي ضيق، لكن المكانة التي يحتلها " السانك" في التاريخ الثوري أجبر السلطات المحلية على تعبيد الطريق، على مسافة تقارب 20 كيلومتر انطلاقا من قرية الحصحاصية، ليكون دوار بني حمزة و مشتة المخالفة من بين المناطق التي ينفض عنها الغبار كلما تعلق الأمر بذكرى تاريخية، لأن أهل المنطقة قرروا نصب مقبرة الشهداء بمحاذاة هذا المحتشد الإستعماري. انتقلنا إلى بلدية العلمة للبحث في عمق التاريخ عن معلومات تخص محتشد " السانك" ، مادام هذا المعلم يبقى رمزا من أهم ما تحتفظ به الذاكرة التاريخية بالجهة الجنوبية لولاية عنابة، فوجدنا المجاهد الحركاتي عزيزي من بين الشهود على ثورة التحرير و ما شهدته العلمة و ضواحيها من معارك إبان الحقبة الإستعمارية، استقبلنا في بيته بقرية الحصحاصية، و لما طلبنا منه مرافقتنا إلى محتشد " السانك" استغرب و أكد بأن المكان بعيد نسبيا، و أن المسلك المؤدي إليه ضيق، لكننا و بعد الإلحاح عليه تمكننا من إقناعه بمرافقتنا للغوص في أعماق تاريخ الثورة التحريرية بالمنطقة. و لم يكن الوصول إلى هذا المحتشد الإستعماري سهلا، لأن الرحلة من الحصحاصية إلى هذه المنطقة التاريخية كانت وسط غابات و الجبال في مسلك جبلي ضيق به الكثير من المنعرجات، مرورا ببعض المشاتي و القرى التي مازالت تعاني ويلات العزلة، بعدما كانت خلال الثورة من أبرز المناطق التي زعزعت الجيوش الفرنسية بنضال الكثير من أبنائها، إنطلاقا من الحصحصاية، مرورا بمشاتي أولاد تومي، الكواسمة، قرية عزيزي و البسابس وصولا إلى مشتة بني حمزة و المخالفة، و هي الرحلة التي حاول عمي " الحركاتي" التخفيف من متاعبها بإسترجاعه ذكريات الجهاد و سرده الكثير من الوقائع التي تحتفظ بها كظل قرية، رغم أنه اعترف بأنه لم يزر محتشد " السانك" منذ نحو 3 سنوات، غير أنه وافق على التنقل إليه مجددا لتمكيننا من إنجاز عمل صحفي من شأنه أن ينفض الغبار عن تاريخ النضال في هذه المنطقة، و الكشف عن معلم تاريخي سيبقى شاهدا على الجرائم التي إقترفها المستعمر الفرنسي في حق مواطنين جزائريين، لأن هذا المحتشد كان مخصصا لسجن كل من يشتبه في ضلوعه مع الفدائيين و الثوار. المستعمر اختار المكان لقصف الثوار في كل الجبال المجاورة و لعل من أهم ما جاء في حديث المجاهد الحركاتي عزيزي عن محتشد " السانك" أن المستعمر الفرنسي كان قد أعد دراسة شاملة بعد سنتين من إندلاع الثورة التحريرية فوجد بأن إقليم بلدية العلمة يبقى من أهم مناطق العبور بالنسبة لجيش التحرير الوطني، كون هذه المنطقة تتوسط عديد الجبال، منها الإيدوغ بسيرايدي، بئر المرجة، بوالروث، هوارة، بوعسلوج و جبل دباغ في الحدود مع ولاية قالمة، هذا فضلا عن النشاط الكبير الذي كانت تعرفه ضواحي عنابة، لأن الحدود مع تونس كانت المعبر الرئيسي لجلب السلاح، فكان قرار بناء محتشد بهذه المنطقة من بين الإجراءات التي بادرت قوات الإستعمار الفرنسي إلى إتخاذها على أمل شل نشاط الثوار و المجاهدين في منطقة ظلت بمثابة همزة الوصل بين المكلفين بجلب السلاح من تونس و الفدائيين الذين يتكفلون بالنضال في جبال هوارة، دباغ، الإيدوغ، وصولا إلى الشمال القسنطيني عبر بلدية بكوش لخضر بولاية سكيكدة. و حسب عمي الحركاتي عزيزي فإن اختيار قوات المستعمر الفرنسي لدوار بني حمزة و قرية المخالفة لتشييد هذا المحتشد كان بعد معاينة شاملة للمنطقة، حيث تقرر إنجاز " السانك" في أعلى نقطة جبلية، لأن الغاية التي من أجلها تم تشييد هذا المحتشد ليس فتح مقر لسجن الجزائريين الأبرياء فسحب، و إنما بحثا عن محطة تتخذ كمركز لقصف الجبال المجاورة بالمدفعية كلما كانت هناك حالة طوارئ في منطقة غير بعيدة، و هذا في محاولة لردع جنود جيش التحرير و منعهم من النشاط على مستوى منطقة العلمة. مدفعية تتوسط المحتشد و قذائف تنطلق منها كل ليلة لترهيب الفدائيين و أضاف ذات المتحدث في روايته بأن قوات الجيش الفرنسي كانت في سنة 1957 قد قررت بناء هذا المحتشد في أعالي دوار بني حمزة في مكان يطل على كل المناطق الجبلية المجاورة، و لو أن هذا المعلم ما يزال قائما و هندسته المعمارية الحالية تحتفظ بما يمكن أن يكون شاهدا على الجرائم التي اقترفتها فرسنا في حق الجزائريين، لأن الدخول إلى " السانك" يزرع الرعب في قلب كل أسير يسقط في قبضة وحدات المستعمر، مادام أن صورته الخارجية تدل على أنه مذبح للكرامة و الإنسانية، إختارت قوات الجيش الفرنسي لقهر الثوار و الفدائيين، لكنها و عندما فشلت في مسعاها حولته إلى وكر لسجن الكثير من سكان المنطقة إنتقاما من المجاهدين الذين ينحدرون من مختلف المشاتي و القرى التابعة لهذه الضاحية. إلى ذلك فإن هندسة " السانك" تؤكد على أن المستعمر الفرنسي درس المنطقة من جميع الجوانب قبل الشروع في إنجاز هذا المحتشد، لأن بوابته الخارجية شيدت على مستوى الجهة المقابلة لمشتة بني حمزة، و هذا لفرض مراقبة مستمرة و متواصلة على العائلات التي كانت تقيم في هذه القرية، بينما تم تخصيص غرفة محاذية للمدخل الرئيسي لتخزين السلاح، في الوقت الذي تتوسط فيه المركز منقطة دائرية الشكل مبنية بالحجارة لا تختلف في مظهرها الخارجي عن برج المراقبة، لكن عمي الحركاتي عزيزي كشف لنا بأن هذا المكان هو الذي استهدفته قوات الإحتلال في مسعاها الرامي إلى ضرب جيش التحرير الوطني و محاولة ترهيب الجنود و دفعهم إلى التوقف عن النشاط الثوري بكل الجبال المجاورة، إنطلاقا من الإيدوغ و بئر المرجة، مرورا بكاف مازوز و بوعسلوج وصولا إلى هوارة و دباغ، لأن المدفعية كانت منصوبة في هذه المنطقة الدائرية وسط محتشد " السانك" ، و كل ليلة كانت القوات الفرنسية تقوم بتوجيه مدافعها إلى منطقة معينة مع الإقدام على قصف الجبال على أمل ردع الثوار و الفدائيين الجزائريين، و كذا زرع الرعب في قلوب باقي سكان القرى المجاورة. الحبس في بئر مملوءة بالمياه و الثعابين قبل التعذيب في الساحة و توجد على مستوى هذا المحتشد غرفتان كبيرتان غير بعيد عن منطقة القصف بالمدفعية، و هما حجرتان خصصتهما وحدات المستعمر الفرنسي كمقر لمبيت الحركى، بينما كان الضباط و الجنود الفرنسيون يقيمون في غرف مقابلة للمدخل الرئيسي، حيث توجد بعض الغرف التي كانت قد اتخذت كمكاتب للقائد اردان الذي كان مكلفا بتسيير هذا المحتشد، لكن وسط هذا المبنى الحجري توجد معالم تبقى شاهدة على الجرائم التي اقترفها الإستعمار في حق الجزائريين، لأن الجهة اليمنى من هذه البناية كانت مخصصة لسجن الجنود و الفدائيين، حيث أنجز برج للمراقبة يطل على كل المناطق المجاورة، و أسفله كانت غرف التعذيب التي ما تزال قائمة تلعن المستعمر وتشهد على بشاعته، و هي غرف متوسطة الحجم جدرانها حجرية مخيفة، بها أعمدة مبنية بالحجارة الكبيرة، بها حلقات سلاسل، كانت تستعمل في تقييد المساجين وتعذيبهم وأعمدة حديدية تفصل بين كل سجين وآخر، لكن غير بعيد عن هذه الغرف توجد بئر مهجورة كانت بمثابة السجن الذي تتخذه وحدات المستعمر كمركز لردم الجنود الجزائريين و دفنهم أحياء في حفرة عمقها يقارب 3 أمتار بعد تعذيبهم في الساحة الرئيسية للمحتشد. و يروي عمي الحركاتي بأن الكثيرين من سكان قرى المخالفة، أولاد تومي، البسابس ، الكواسمة و مشتة عزيزي كانوا قد أدخلوا إلى هذا المحتشد خلال سنة 1959، لما قرر القائد أردان وضع كل سكان هذه المشاتي على مقربة من " السانك" لقطع صلتهم بالمجاهدين و الثوار، حيث تم تجميع العائلات على بعد أمتار قليلة من البوابة الخارجية للمحتشد و إحاطة مقر إقامتهم الجماعي بسياج كبير، في الوقت الذي تم فيه وضع عشرات المواطنين في السجن داخل البئر الموجودة وسط مقر مجمع القوات الفرنسية، مضيفا في نفس السياق بأن الفترة التي كان يقضيها كل مواطن في الحبس داخل " السانك" كانت عبارة عن تعذيب بطريقة خاصة، لأن الإنتهاء مع التحقيق مع كل محبوس يدفع بالمستعمر إلى وضع كل من يرفض الكشف عن علاقته بالمجاهدين و الأسرة الثورية داخل البئر، و ذلك بربطه بالحبال و رميه في بئر عمقها 3 أمتار، على أن يتم بعدها ملآ البئر بالمياه، و ترك المحبوس ليلة كاملة، كما أن البئر بها الكثير من الثعابين، و هذا بإيعاز من وحدات الإستعمار لترك المواطنين الجزائريين يتعذبون في بئر مملوءة بالمياه و الثعابين. بوشكيوة استشهد في المحتشد و آخرون نهشتهم الكلاب و يضيف ذات المتحدث و هو يروي بحرقة كبيرة بأن كل أشكال التعذيب كانت تمارس على المواطنين الجزائريين في محتشد " السانك" ، لأن الرمي بالحبل في البئر يعقب بالتعذيب اليومي وسط الساحة، و من بين الشهداء الذين توفي في هذا المحتشد برغوثي المدعو " بوشكيوة" الذي استشهد داخل البئر من شدة التأثر بشتى أنواع التعذيب التي تعرض لها، بينما كانت قوات الإحتلال تسخر الكلاب المفترسة لإعتماد أسلوب آخر في التعذيب، و يبقى من بين من نهشته الكلاب الفرنسية في محتشد " السانك" ببلدية العالمة المجاهد حسين قنفود الذي طرحه أردان و جماعته أرضا وسط المحتشد و تركوه فريسة للكلاب، مما أدى إلى نهش جزء من ساقه، قبل أن يوضع رهن الحبس داخل البئر، بينما كان الكثير من المواطنين يخضعون لتعذيب يومي، لأن التعذيب يكون على انفراد حسب حالة كل موقوف، و يكفي فقط استحضار الصراخ الذي يسمعه المحبوسون كل ليلة من مواطنين اشتبهت قوات المستعمر في وجودهم على علاقة بالثوار و الفدائيين. و في هذا الصدد فإن الملفت للإنتباه أن محتشد " السانك" توجد به 4 آبار، لكن قوات الإحتلال الفرنسي كانت تتخذ من البئر الموجودة أسفل برج المراقبة مركزا لتعذيب و حبس المواطنين الجزائريين، كونها لا تتوفر على نوافذ للتنفس، على عكس الآبار الثلاث الأخرى التي كانت عبارة عن مراكز فرعية للحراسة، تم على مستواها فتح نوافذ صغيرة تمكن عناصر الجيش الفرنسي من متابعة كل ما يحدث في محيط المحتشد، و هي أمور ما تزال قائمة بذاتها، رغم أن الدخول إليها صعب للغاية، لأن هذه الآبار مملوءة بالأتربة، و المكانة التاريخية لهذا المعلم دفعت بالسلطات المحلية لولاية عنابة إلى تخصيص غلاف مالي لترميم هذا المحتشد و إعطائه مكانة مرموقة تواكب أهميته التاريخية. التحويل إلى محتشد برج نام أو الشرفة مؤشر أولي على الإعدام إلى ذلك، أكد الحركاتي عزيزي في معرض شاهدته ل " النصر" عن هذا المحتشد بأنه كان بمثابة محطة لتجميع سكان المنطقة و تعذيبهم لفترة لا تتجاوز 3 أسابيع، لكن التحويل إلى مراكز تعذيب أخرى خاصة منها مركز الشرفة و كذا برج نام بمدخل بلدية الذرعان بولاية الطارف إضافة إلى محتشد وادي العنب كان يعني بأن الشخص المحول سيتم إعدامه، لأن القائد أردان يحاول في كل مرة الحصول على معلومات حول نشاط الثوار في جبال بئر المرجة و كاف مازوز لشل نشاط جيش التحرير الوطني، على اعتبار أن هذه المنطقة كانت بها مجموعة من المجاهدين أرعبت وحدات الإحتلال، تحت اشراف عبد الله مراح، و بمشاركة عديد المسلحين الذين إستشهدوا في ساحة الشرف من بينهم مبروك بوعكة، عبد الحميد بهلولي و محمد الربيعي بدبودي المدعو " حمدان . و انطلاقا من هذه المعطيات فقد رافقنا في هذه الرحلة الإستطلاعية المجاهد صالح بوراس الذي كان من بين المجاهدين الذين كانوا قد وضعوا رهن الحبس بمحتشد الشرفة، و قد أكد عمي صالح بأنه كان قد إلتحق بصفوف جيش التحرير بعد شهرين فقط من إندلاع الثورة، و كانت مهمته تحويل السلاح عبر الحدود البرية مع تونس، و هذا تحت قيادة يونس الشرقي، لكنه سقط في قبضة المستعمر الفرنسي سنة 1959 بمنطقة السبت بضواحي " موندوفيل" (الذرعان حاليا)، ليتم اقتياده برفقة 10 مجاهدين إلى محتشد الشرفة الذي كان يتسع لنحو 600 سجين، أين قضى نحو 4 أشهر خضع طيلتها لشتى أنواع التعذيب، من بينها الربط بالأسلاك و تسخير الكلاب لنهش المحبوسين في مختلف أنحاء الجسم. 35 شابا من المنطقة إلتحقوا بالثورة دفعة واحدة هروبا من الإستعمار على صعيد آخر، عاد عمي الحركاتي إلى ذكريات الماضي و أكد بأن شقيقه رابح عزيزي كان قد التحق بصفوف جيش التحرير الوطني في عام 1955، و كان بين الرجال الذين ظل مسؤول الناحية عبد الله مراح يعتمد عليهم في تنفيذ العمليات الفدائية، لكن وحدات المستعمر الفرنسي أصبحت تستهدف العائلات المقيمة في مشاتي بلدية العلمة بعد تصاعد نشاط المجاهدين في جبال بئر المرجة، كاف مازوز، هوارة و دباغ وصولا إلى سيرايدي، مضيفا في سياق متصل بأنه كان قد قرر الإلتحاق بصفوف حيش التحرير في سنة 1957، و عمره لم يكن بتجاوز 17 عاما، لأن المستعمر كان يريد إرغام الكثير من شبان المنطقة على الإنضمام إلى صفوفه، و هنا فتح محدثنا قوسا ليستطرد بأن مسؤول المنطقة عبد الله مراح كان في كل مرة يؤجل إلتحق شبان صغار بصفوف الجنود و المجاهدين بحجة صغر السن، إلا أن الضغوطات التي فرضتها قوات الإستعمار على هؤلاء الشبان دفعت بهم إلى التخطيط للتجند، و قد كانت دفعة تتشكل من 35 شابا قد قررت الصعود إلى الجبل ليلة واحدة انطلاقا من مشتة الحصحاصية، باتجاه وادي العنب، و هي الدفعة يضيف محدثنا التي ضمت كل من عمار رحيلة، بن تركي عبد الحميد و ثلاثة أفراد من عائلة عزيزي، و قد وجدت في إنتظارها موفدا تكفل باقتيادها إلى مركز التجنيد، لتخضع بعدها لعملية تدريب تحت قيادة المسؤول العسكري عاشور كانوني، و لو أن التدريب يؤكد ذات المتحدث كان على فترة استمرت لنحو 18 شهرا، تم خلالها القيام بعديد العمليات الفدائية على مستوى جبال الإيدوغ و كاف مازوز و هوارة، ليتم بعدها تحويل مجموعة منهم إلى الحدود مع تونس. التحويل لنشاط جلب السلاح عبر الحدود التونسية بعد التدرب 18 شهرا و في مغامرته المسلحة على مستوى الحدود التونسية أشار عمي الحركاتي إلى أن مهمة تحويل الأسلحة كانت صعبة للغاية، لأن تبادل الأدوار بين الشبان المجندين على مستوى الشريط الحدودي كان متواصلا، فتارة تسند مهمة قطع السياج المتواجد على مستوى خط موريس بآلة حادة " السيزاي" ، و تارة أخرى يتم اللجوء إلى الإستعانة ب " البنغالجو" و هو عبارة عن أنبوب طوله 6 أمتار يستعمل في التوصيل بين الأسلاك المكهربة 4 دفعة واحدة على طول 24 مترا، ليتم بعدها تفجير السلاك و كل الألغام المزروعة في الأرض على مسافة تضمن للجنود الجزائريين المرور بأمان أسفل السلك، رغم أن الخطر كان كبيرا، و هنا أضاف محدثنا بأن الأسلحة التي كانت تجلب من تونس كانت في البداية تقليدية، لكن و بداية من 1957 تطور السلاح المستقدم عبر الحدود الشرقية إلى عيار 55 ملم ثم 75 ملم. البسابس و السانك معالم شاهدة على مجازر اقترفتها فرنسا بالمنطقة من جهة أخرى، كشف عمي الحركاتي بأن الذاكرة التاريخية بمطنقة العلمة تحتفظ بالكثير من المجازر التي اقترفها المستعمر الفرنسي غير بعيد عن محتشد " السانك" ، من بينها حادثة تفجير منزل إحدى العائلات باستعمال لغم، و هدم محل صغير لسرة سنة 1957، بعد التأكد من التحاق المجاهد حداد محمد المدعو " سكارجو" بصفوف جيش التحرير الوطني، و هي الحادثة التي وقعت سنة 1957، كما أن مشتة البسابس كانت من بين المناطق التي قام فيها الإستعمار باقتراف مجزرة جماعية تم بعدها العثور على جثث 4 شهداء مدفونين داخل حفرة واحدة، في الوقت الذي أقدمت فيه وحدات الجيش الفرنسي على قصف معقل كان فيه 5 جنود جزائريين بعد وقف إطلاق النار على مستوى كاف مازوز، من بينهم رابح خاشة، شايب راسو و بوخدودة، لأن أردان و جنوده ظلوا يبحثون عن مجموعة من الجنود كانت تنشط على مستوى هذه المنطقة، غير أن فشلهم في مسعاهم دفع بهم إلى الانتقال من هؤلاء المجاهدين بعد وقف إطلاق النار. و تبقى مشتة المخالفة و دوار بني حمزة معزولتين وسط جبال و تضاريس وعرة، و الوصول إليهما يمر عبر مسلك جبل ضيق، لكن ما تخفيه هذه المناطق في عمق التاريخ ينفض عنهما الغبار، لأن محتشد " السانك" يبقى شاهدا على أبطال المنطقة و ما صنعوه، و السلطات المحلية أقدمت على نصب مقبرة الشهداء على مقربة من بوابة هذا المحتشد لاعطاء المنطقة بعدا تاريخيا يواكب المكانة التي كانت تحظى بها إبان الحقبة الإستعمارية. ص / فرطاس المجاهد محمد بلحواس في شهادته عن الثورة و التعذيب بالجنوب الشرقي لولاية البرج فرنسا أجبرت المساجين على الجلوس عراة على مواقد النار و الأفران و حرقت أجسادهم "بالشاليمو " تحتفظ منطقة برج الغدير ببرج بوعريريج في تاريخها الثوري بمشاهد مؤثرة لازالت راسخة في ذاكرة من عايشوا تلك الفترة، و هي تعكس بشاعة جرائم المستعمر الفرنسي، الذي سارع لإقامة المحتشدات و مراكز التعذيب بالمنطقة، في محاولة لترهيب سكانها و وضع حد للمد الثوري و تجفيف منابع الدعم و الإسناد للثوار في الجبال. بطولات ثورية راسخة من تاريخ المنطقة و ذكريات لازال المجاهد محمد بلحواس المدعو بلمنصوري يتذكرها و يرويها بالتفصيل في شهادته لجريدة " النصر" بكثير من التأثر، حيث لم يتوان في بداية حديثه عن إبداء استغرابه من إهمال جانب مهم في تاريخ الثورة التحريرية من طرف المؤرخين و كتاب التاريخ، و هو الجانب المتعلق بمراكز التعذيب و الاستنطاق التي أقامتها قوات العدو بعديد المناطق عبر الوطن، و التي لا تزال في طي النسيان رغم مرور أزيد من 52 سنة عن الإستقلال. شواهد على بشاعة جرائم المستعمر ببرج الغدير و يعود محدثنا بذاكرته إلى الممارسات القمعية و طرق التعذيب و الاستنطاق الوحشية التي كانت تمارسها قوات العدو الفرنسي بمراكز التعذيب المنتشرة بمنطقة برج الغدير التي ما زالت غائبة بحسبه عن أعين السلطات و منسية رغم ما تمثله من رمزية ثورية تعكس تضحيات و معاناة الشعب الجزائري بجميع فئاته في سبيل نيل الاستقلال. و أشار إلى بقاء عديد الشواهد عن طرق التعذيب المنتهجة من قبل العدو بهذه المراكز و هي مركز الدرك الاستعماري و مركز "لاصاس" و مركز حراس الغابات التابع لقوات العدو الفرنسي آنذاك، أين كانت تعتمد على طرق بشعة و وحشية في استنطاق المدنين و الثوار المسجونين، باستعمال أسلاك الكهرباء و إجبارهم بالجلوس و هم عراة على مواقد النار و الأفران و حرق أجسادهم ب "الشاليمو "، و كذا طرق أخرى تتمثل في إجبار المسجونين بمراكز التعذيب على الجلوس فوق قارورات زجاجية مكسرة و وضع رؤوسهم في براميل مملوءة بالمياه، و في حال المقاومة و عدم الاستسلام يتم انتهاج طرق أكثر وحشية في التعذيب . و زيادة على بشاعة التعذيب يتم التخلص من المسجونين في حال رفضهم الكشف عن أسرار الثورة برمي جثثهم داخل بئر عميقة كانت تسمى "الصوندا " و أطلق عليها فيما بعد تسمية بئر الأشراف، حسب شهادة المجاهد بلحواس محمد، الذي قال أيضا أن هذه البئر العميقة كان يستغلها المستعمر كمنفذ للنجدة يسهل خروج العمال في حال انهيار الخنادق التي أقامها لإنجاز منجم الفوسفات، قبل التأكد من فشل المشروع بسبب كثرة الانزلاقات الأرضية و انهيار الأنفاق الناجم عن تحجر كميات كبيرة من منسوب المياه الباطنية بداخلها، ما دفع بسلطات المستعمر إلى التخلي عن المشروع و تحويله إلى منطقة مزيطة برأس الوادي، لتستغل البئر فيما بعد في عمليات التعذيب و التخلص من المسجونين و اخفاء الجريمة من خلال رمي جثث الضحايا داخل البئر . بطولات في معارك مشهودة يزخر تاريخ بلدة برج الغدير و المناطق المجاورة لها، على امتداد السلاسل الجبلية بالجنوب الشرقي لولاية البرج على الحدود مع ولايتي المسيلة و سطيف، بالكثير من المعارك و التضحيات و البطولات الثورية التي استشهد فيها المئات من الجنود و الثوار و المدنيين العزل في مقاومة قوات العدو الفرنسي، بحيث تحصي بلدية برج الغدير لوحدها 557 شهيدا خلال فترة الثورة التحريرية، يذكر منها المجاهد محمد بلحواس المعروف بالاسم الثوري بلمنصوري معركة قرن الكبش الأولى سنة 1958 أين تمكن الثوار من القضاء على عدد من عساكر العدو، فيما أصيب في هذه المعركة الشهيد الطاهر بن طاهر و أحد مرافقيه من منطقة المعاضيد بجروح بليغة، و تمكنا من الفرار باتجاه منطقة أولاد تبان أين تم توقيفهما في الطريق من قبل قوات العدو التي قامت فيما بعد بنقلهما على متن طائرة و رميهما من علو شاهق في رسالة أرادت توجيهها إلى الثوار بعد تكبدها لخسائر فادحة في المعركة . و في شهر جويلية من عام 1959 قام الثوار بمعركة ثانية في جبل قرن الكبش، أين أعدوا العدة و نصبوا كمينا محكما بمنطقة رأس الماء للنيل من قوات العدو و قائدها النقيب " قيو " الذي ارتكب جرائم كبيرة في حق سكان المنطقة، بعد تحصلهم على معلومات بخروج قوات العدو نحو جبل قرن الكبش بمنطقة أولاد حناش المعروفة بصعوبة تضاريسها، حيث تم اعداد كمين بالقرب من منبع مائي برأس الماء تمكنت من خلاله قوات جيش التحرير من قتل عدد كبير من عساكر الكتيبة بمن فيهم النقيب " قيو" و غنم الأسلحة و الذخيرة، و تحرير المسجونين الذين كلفوا بحمل معدات ثقيلة. كما يروي لنا المجاهد بلحواس ذكرياته عن معركة أولاد مخلوف التي وقعت سنة 1957 و استشهد فيها 22 شهيدا معظمهم من المدنيين العزل، و ذلك بعد قيام قوات العدو التي عجزت عن مواجهة جنود جيش التحرير بإبادة جماعية للمدنيين بالمنطقة، و قتل أعوان الدعم و الإسناد من بينهم 06 إخوة من عائلة بن عيسى و استشهاد جنديين إثنين من منطقة أولاد سيدي منصور هما ابراهيم العقون و المختار العقون اللذان كانا في مهمة تنظيم عمليات فدائية لإطلاق سراح المساجين، بعد قيام قوات العدو بسجن 170 شخصا من سكان المنطقة، لكن العدو تفطن لهذه العملية بعد حصوله على جميع المعلومات و أماكن تواجد الثوار من طرف أحد الخونة، و قام بمعاقبة سكان المنطقة من خلال حرق منازلهم و تشريد العائلات و الاستلاء على ممتلكاتهم، و نهب الأموال و الاستيلاء على 170 رأسا من الغنم و 175 قنطارا من القمح و 35 رأسا من الماعز . و في شهر أوت من سنة 1957 وقعت معركة أولاد خلوف ، يقول محدثنا كنا في اجتماع مشترك يهدف إلى تنسيق العمل و الاتصالات بين قادة الولاية الأولى و الولاية الثالثة في منزل محمد بن ناصر بمنطقة الهلتالة الواقعة بين بليمور و برج الغدير، بحضور السياسي محمد الغلوش و محمد الهادي السويسي و أحمد تباني و الزايدي الشايب و مسؤولين عن اللجان السرية و الفدائيين، و بينما كنا في اتصال مع ناحية البرج قامت قوات العدو بتطويق المنزل في حدود الساعة التاسعة صباحا، أتذكر شجاعة و بسالة الشهيد الطاهر أزال في مواجهة قوات العدو و مقاومتهم لتأمين خروج الجنود و السياسيين من المنزل، حيث تمكن من قتل 07 عساكر فرنسيين قبل استشهاده في المعركة بعد قيام قوات العدو برمي لغم صوب المكان الذي كان يحتمي فيه تجنبا للإصابة برصاص العدو، فيما تواصل تطويق المنطقة و استنجدت قوات العدو بالعساكر و القوات الجوية و الطائرات ما مكنها من توقيف جندي مصاب و استشهد البطل بن صفية رابح في المعركة. و بينما كان الثوار في مواجهة قوات العدو تفطن الفدائي سويسي علي الذي كان في طريقه من الشانية لإيصال الرسائل، إلى الحصار المفروض على المجموعة المشاركة في الاجتماع و غير وجهته نحو جبل مزيطة برأس الوادي لإعلام الثوار المتمركزين في تلك المنطقة بالأمر، حيث قاموا بالتوجه إلى منطقة أولاد خلوف و دخلوا في اشتباكات مسلحة مع قوات العدو ما خفف من حدة الحصار . و في شتاء عام 1957 وقعت معركة أخرى بمنطقة أولاد سيدي سعيد، بعدما قامت قوات العدو بنصب كمين للثوار بينما كانوا في اجتماع سري بالمنطقة، يقول محدثنا " تعرضنا للخيانة في تلك المعركة" قام أحد الأشخاص بالتبليغ عن مكان تواجدنا و بعد رؤيتي لتقدم قوات العدو نبهت الجماعة بضرورة المغادرة، و بينما كنا نحاول الخروج من المنزل تعرضنا لهجوم من طرف قوات العدو، أتذكر أننا وجدنا صعوبة في مغادرة المكان لأن الثلوج كانت تغطي المنطقة و يصل سمكها إلى الركبة، و رغم ذلك كتبت لنا النجاة، و في المساء قررنا أن نضع لهم كمينا حيث عادوا أثناء الغروب و هم محملين بالأشياء المسلوبة من المواطنين، أين باغتناهم بهجوم مسلح جعلهم يتخلون عن الأغراض التي نهبوها و يفرون بعدما ألحق الثوار بهم خسائر كبيرة . و بعد هذه المعركة بأشهر، قام جنود جيش التحرير بنصب كمين لقوات العدو بمنطقة كوطة، بتخطيط من محمد بن جدة الذي اكتسب التجربة في قوات الجيش الفرنسي و التحق بعدها إلى جانب أربعة من رفقائه بصفوف جيش التحرير الوطني بعد استيلائهم على كمية من الأسلحة الثقيلة و الذخيرة من ثكنات قوات العدو، و تلت هذه المعركة معركة أخرى سنة 1958 بنفس المنطقة بقيادة الشهيد صالح سرسور و الثوار بمشاركة مجموعة من الفدائيينن، تمكنوا خلالها من حرق عتاد العدو من شاحنات و حافلات و قتل حوالي 17 عسكريا في صفوفه في كمين محكم و تحرير عدد كبير من المساجين، و ذلك من خلال التحضير الجيد للعملية حسب المجاهد بلحواس محمد بعد الحصول على معلومات تفيد بتحضير عساكر العدو لنقل المساجين على متن الشاحنات و الحافلات، و تم حينها التخطيط لتحرير المساجين و الاستنجاد بالثوار عبر المراكز المنتشرة بالمنطقة و نصب كمين لقوات العدو بمنطقة كوطة . يجدر الذكر، أن المجاهد بلحواس محمد أصر عند لقائنا به على الإشارة في نقل شهادته على أنه تحدث عن المعارك التي كان حاضرا فيها أو تحصل على معلومات دقيقة عنها كونه كان يعمل مراقبا باللجنة السرية منذ التحاقه بصفوف الثورة بمنطقة برج الغدير سنة 1955 و ترقيته سنة 1958 إلى شغل منصب مسؤول عام باللجنة، بحيث لا يمكن حصر تضحيات سكان المنطقة في هذه المعارك فقط بل توجد معارك أخرى لا يستطيع الحديث عنها لعدم إلمامه بتفاصليها . تنظيم محكم بين قادة الكفاح و اللجان السرية و زيادة على العمل الثوري و الكفاح المسلح يقول المجاهد بلحواس، أن نجاح الثورة التحريرية لم يقتصر على نجاح الثوار في معاركهم و كفاحهم المسلح، بل يتعدى الأمر إلى التفاف الشعب بجميع فئاته بالثورة و كذا التنظيم المحكم الذي ساد العمل الثوري من القاعدة إلى أعلى الهرم، من المواطن العادي و الفدائي و المسبل و الجندي إلى القادة العسكريين و السياسيين، منبها بالدور الكبير للأحزاب السياسية و عملها قبل اندلاع ثورة التحرير في توعية الشعب و زيادة الحس بالقضية الجزائرية و تقرير المصير، و أشار إلى معاناة الكثير من أبناء الشعب الجزائري من سياسة التجهيل و الأمية المنتهجة من طرف المستعمر الفرنسي، و اكتسابهم للوعي الثوري و السياسي بعد انخراطهم في الأحزاب، و أضاف بالقول لم أدخل إلى المدرسة على الإطلاق و كنت أرعى الغنم خلال طفولتي لكنني اكتسبت كغيري الكثير من التجربة و تعلمت بعد انخراطي في حزب الاتحاد الوطني للبيان الجزائري الذي كان يترأسه فرحات عباس دون إغفال الدور الكبير لجمعية العلماء المسلمين في تثقيف الشعب و الحفاظ على مقوماته الثقافية و الدينية، و هو ما سمح بتجنيد جميع فئات الشعب أثناء الثورة و التحاق الكثيرين بالجبال في العمل المسلح و كذا باللجان السرية في القرى و الأرياف التي كانت تتمثل مهامها في جمع التبرعات و الاشتراكات و اللباس و العتاد و اختيار أماكن اقامة جنود جيش التحرير أثناء تنقلاتهم بين مختلف المراكز و نقل الأسلحة و المؤونة، و تأمين أماكن الاتصالات للجيش، و توزيع المنح على عائلات الثوار و الشهداء و الجنود، بالإضافة إلى توزيع التبرعات و القمح من عائدات الزكاة على الفقراء و المعوزين، و عقد اجتماعات دورية مع المواطنين في كل شهر أو حسب التطورات الحاصلة بالمنطقة و الظروف. و أضاف أن التنظيم كان محكما على مستوى اللجان السرية بالقرى و المداشر، أين كان الثوار بالمنطقة " برج الغدير و المناطق المجاورة " ينسقون عملهم خلال بداية الثورة التحريرية في اجتماعات سرية داخل حمام الحاج أحمد الصديقي، حيث كانت توزع الأعمال و المهام في اجتماعات و اتصالات مع قادة المنظمة السرية، و بعد انعقاد مؤتمر الصومام بتاريخ 20 أوت 1956 تم اعتماد مخطط جديد، تم من خلاله تشكيل اللجان الخماسية بالقرى التي تنسق مع قادة الكفاح المسلح، و تتشكل هذه اللجان من رئيس اللجنة و النائب و الكاتب و أمين المال و مراقب اللجنة و تنطيم العمل عبر القسمات التي تتشكل من إخباري القسمة و القاضي و مسؤول التمويل و المساعد و مسؤول الفدائيين، حيث كانت مهام القسمات ترتكز على تنظيم اجتماعات خاصة بتوزيع الأعمال و سن القوانين و حل مشاكل المواطنين، و في حال تعدت هذه المشاكل مسؤولية اللجان و القسمات ترفع إلى مسؤول الناحية و القيادة العليا. ع/بوعبدالله عائدون من الموت في مجزرة غار أوشطوح يروون شهادتهم للنصر «ولدنا من جديد بعد أن عشنا الجحيم واليوم نحن منسيون» رغم مرور 52 سنة على نيل الجزائر لاستقلالها إلا أن جرائم الاستعمار الفرنسي وما خلفه من قتل واستدمار لا يزال راسخا في عقول الناجين من محرقة غار أوشطوح إحدى أبشع جرائم فرنسا الاستعمارية التي ارتكبتها بالأوراس، والتي أبانت خلالها عن همجيتها حيث لم تراع حتى مقدسات المسلمين بعد أن أبادت 138 فردا في يوم واحد ودفعة واحدة خلال شهر رمضان المقدس، حيث توفوا جميعا اختناقا بغازات القنابل الحارقة داخل غار أوشطوح بمنطقة جبل تارشيوين بدوار أولاد فاطمة بتاريخ 22 مارس 1959 ، وكان قد نجا من المجزرة 38 شخصا توفي 11 منهم في فترة الاستقلال، ومن لايزال على قيد الحياة لم تفارقه يوما صورة المحرقة التي ارتكبها الجنود الفرنسيين، وفي الذكرى الستين لاندلاع الثورة التحريرية يروي ناجون شهادتهم ل»النصر» ويعتبرون بأن الله كتب لهم حياة جديدة بعد الذي عاشوه، ولعل مما زاد في مأساة هؤلاء اليوم هو عدم حصولهم على الاعتراف ومنهم عزيزي مزغيش، الذي فقد شقيقه خلال المحرقة وأفراد آخرين من عائلته وشاء القدر أن ينجو هو والذي بدا وكأنه لايزال يعيش الصدمة حينما التقيناه بمنطقة شيدي بمروانة بعدما راح يستذكر لنا ما عاشه، وأكد بأنه راسل الجهات الوصية رفقة باقي الناجين حتى يحصلوا على اعتراف منذ سنوات إلا أنهم لم يتلقوا أي ردا حول مطالبهم، وكان أحد الناجين أيضا وهو عمي سليمان مزغيش الذي التقيناه بشيدي أبدى تأثره وراحت عيناه تذرف الدموع بمجرد أن راح يستحضر ذاكرة المجزرة التي تعرضوا لها داخل الغار والتي فقد خلالها والده وشقيقه، وبدوره المجاهد عمي محمد فريك أكد بأن صورة مجزرة غار أوشطوح التي نجا منها لن تمحى من ذاكرته إلى مماته. الناجي عزيز مزغيش: مجزرة غار أوشطوح كابوس أراه كل ليلة أكد الناجي عزيز مزغيش صاحب 70 سنة أن ما حدث له في غار أوشطوح رفقة أفراد من عائلته بينهم شقيقه الذي استشهد اختناقا داخل الغار لن يمحوه الزمن من ذاكرته رغم مرور السنوات على الحادثة المأساوية التي ارتكبتها فرنسا، وقال لنا بأن صورة المحرقة لم تفارقه يوما حيث يرى كابوسها كل ليلة ينامها، ومما زاده حرقة اليوم أضاف الناجي من المجزرة هو عدم اكتراث والتفات السلطات المعنية بمطالب الناجيين بتصنيفهم ضمن الفئات ذوي الحقوق من الضحايا المدنيين لحرب التحرير. عمي عزيز، كان أول من التقيناه أمام مقر سكناه العائلي الحالي بمدينة مروانة قبل أن نتنقل معه نحو قرية شيدي لملاقاة المجاهد محمد فريك وسليمان مزغيش الناجيين بدورهما من مجزرة ومحرقة غار أوشطوح، وما إن اجتمع الرفاق وبمجرد أن راح عمي عزيز يسرد ما عاشه ذات الثاني والعشرين من شهر مارس سنة 1959 بغار أوشطوح، حتى بدت على محياه علامات الحزن حيث راح يتنهد وشرد باله للحظات قبل أن تعود ذاكرته للماضي الأليم بالغار الذي قال بأنه كان مأوى لسكان قريته بتارشيوين يلجؤن إليه للاختباء كلما قام المستعمر بغارات، حيث كان يمثل بالنسبة لهم المكان الآمن وفي نفس الوقت كان مركز تموين المجاهدين إبان الثورة بالمؤونة. وأوضح بأنه كان أيضا عبارة عن ورشة لخياطة ألبسة المجاهدين من طرف الخياط محمد لمهل الذي كان من بين الضحايا الشهداء بعد وقوع المجزرة. وأضاف محدثنا بأنه لم يكن يتوقع أن ينكشف أمر الغار لموقعه الحصين وسط الجبال وكان متيقنا بأن قنابل الطائرات الفرنسية لا يمكنها الوصول للغار حتى وإن استمر القصف منذ ذلك التاريخ إلى الوقت الحالي، وهو ما جعل المستعمر الفرنسي حسبه، يحشد قواته برا ويستعين بالقنابل الغازية الحارقة التي دفعته هو إلى جانب آخرين كانوا مختبئين داخل الغار للخروج منه في وقت بقي آخرون بالداخل هلكوا فيما كان هو ومن نجا يظنون أنهم هالكون لا محالة حتى وإن خرجوا من الغار الذي يسع لاحتواء أزيد من 300 شخص. الناجي عزيز مزغيش أبدى حسرته لعدم التفات الجهات المعنية لمطالبهم التي رفعوها منذ سنة 1980 بعد أن أودعوا ملفات لتصنيفهم ضمن الضحايا المدنيين لحرب التحرير الوطني وأكد تجديدهم للملفات سنة 2002 وهم لا يزالوا ينتظرون ردا خاصة وأن غالبيتهم ممن بقي على قيد الحياة إن لم يكن معطوبا فهو لا يزال يعيش صدمة نفسية. الناجي سليمان مزغيش: لجأنا للبول في أحذيتنا ووضعها ككمامات حتى لا نختنق بالغاز عمي سليمان البالغ من العمر 78 سنة كتب الله له أن يعيش هو الآخر بعد أن كان أحد الناجين من مجزرة غار أوشطوح خاصة وأنه فقد خلال المجزرة والده وشقيقه، ولم يختلف حال عمي سليمان عن قريبه عمي عزيزي عندما راح يعود بذاكرته للماضي لدرجة أنه راح يذرف الدموع ولم يكن يقوى على الكلام لكن ومع ذلك أبى أن يسرد لنا تلك اللحظات المأساوية التي عاشها وسكان قريته بعد أن أبادت قوات المستعمر الفرنسي 138 منهم دون شفقة ولا رحمة ودون مراعاة لمشاعر ومقدسات المسلمين بعد أن ارتكبت أبشع جرائمها في شهر رمضان، وقال عمي سليمان بأن صورة المجزرة لن تمحى من ذاكرته خاصة وأنه فقد 14 شخصا من أقربائه وأفراد عائلته بينهم والده وشقيقه وذكر بأنه في ذلك اليوم تفاجأ بهجوم القوات الفرنسية عليهم داخل الغار الذي كان بمثابة الملجأ لسكان قريته وبدوره كان يعتقد بأن نهايته كانت محسومة، وقال بأنهم وبينما كانوا داخل الغار كانت قوات المستعمر تقذف في الداخل قنابل غازية حارقة دفعتهم للبول في الأحذية واستخدامها ككمامات على الأفواه حتى لا يختنقوا ومع ذلك اضطر هو وبعض من مرافقيه للخروج في وقت بقي آخرون بالداخل لقوا حتفهم فيما بعد أن ضاعفت القوات الفرنسية عملية التفجير ولم يكن هو ومن خرج ليتوقعوا أن ينجوا حيث تم تقييدهم وقال بأنه وبعد خروجه ارتوى مياه الوادي وبعدها راح يتقيأ سوادا ناتجا عن الغازات التي استنشقها قبل أن يتم اقتياده للمحاكمة بعين التوتة حيث تعرض لأبشع عمليات التعذيب بتهمة التعاون مع المجاهدين وجمع اشتراكات المؤونة لهم ليسجن لأشهر قبل أن يطلق وهو في حال مأساوية بعد أن فقد والده وشقيقه وكان قد ابتعد عن زوجته ووالدته وأخواته. الناجي الفدائي محمد فريك: ما عشته في غار أوشطوح لن أنساه إلى غاية الممات أكد الفدائي عمي محمد فريك في شهادته ل"النصر" عما عاشه في غار أوشطوح بأنه لن ينسى ما ارتكبته فرنسا بأهل قريته إلى الممات حيث وصف ما شاهده وعاشه بالجحيم واعتبر نفسه ولد مجددا بعد أن كان ضمن الناجيين من المجزرة من جهة، ومن جهة أخرى لعدم تفطن القوات الفرنسية له كونه كان فدائيا يقوم بدور نقل المؤونة من المواد الغذائية نحو الغار قادما بها من مناطق متفرقة من مروانة، نقاوس، ورأس العيون،. وقال الفدائي محمد فريك بأن بشاعة ما ارتكبته قوات الاستعمار لا ينسى ويتذكر عمي محمد جيدا حادثة أليمة وقعت في ذلك اليوم المأساوي عندما حاول جنود فرنسيين مستعينين بالقياد توجيه رسائل للأفراد الذين كانوا داخل الغار للخروج مطمئنة إياهم في حال خروجهم طواعية وكان من في الغار قد رفضوا في بداية الأمر الخروج قبل أن يضطر البعض للخروج لعدم القدرة على التحمل والتنفس بسبب الغازات الحارقة للقنابل التي كان يرمي بها الجنود الفرنسيين الذين لم يتوقف حد إجرامهم عند رمي القنابل داخل الغار وإنما تعداه لتحميل أحد الشبان يدعى مزغيش مسعود حسب شهادة محدثنا بالمواد المتفجرة وربطه بها ليجبروه على التقدم داخل الغار حتى يدعو من بداخله للخروج وما إن تقدم الشاب منتصف الغار حتى قام الفرنسيون بتفجيره ليتحول إلى أشلاء متناثرة وأضاف عمي محمد فريك بأنه في تلك اللحظات أغمي عليه لساعات وعندما استفاق وجد نفسه وسط أشلاء وأجسام مترامية وكان يرى ضوء صادر من مصباح كهربائي محمول يحمله شخصان أدرك أنهما من القياد وقد خرج من الغار عاريا بعد أن تمزقت ثيابه من شدة هول الانفجار وما إن خرج حتى قام الجنود الفرنسيين بعملية تفجير أخرى أخيرة كانت أقوى من سابقتها قتل على إثرها كل من بقي حيا داخل الغار ليعلموا فيما بعد أن حصيلة القتلى الذين راحوا شهداء داخل الغار بلغت 118 شهيدا. ياسين عبوبو في قصيدة من الشعر الملحون تنفرد النصر بنشرها المجاهد المرحوم سالم بوبكر يصف ليلة تفجير الثورة بخنشلة قلده رئيس الجمهورية وسام الأثير و كان آخر الراحلين من مجموعة الأربعين تنفرد النصر بنشر قصيدة من الشعر الملحون للمجاهد المرحوم سالم بوبكر، أحد أعضاء مجموعة الأربعين الذين فجروا الثورة التحريرية بمدينة خنشلة عبر الأفواج الخمسة المعروفة التي اقتحمت النقاط الخمس المحددة ليلة الفاتح من نوفمبر تحت قيادة الشهيد البطل عباس لغرور، وهو آخر أعضاء المجموعة الذي التحق بالرفيق الأعلى في جوان 2011 والوحيد بولاية خنشلة الذي قلده رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة وسام الأثير. في هذه القصيدة الشعبية يصف ويلخص المجاهد المرحوم تحضيرموعد الثورة و توحد أعراش وأبناء المنطقة والتفافهم حول الثورة منذ انطلاقتها، يقول: في خنشلة كنا ربعين ثوار خاوة متحدين متنظمين في نظام محكم ومتين مجاهدين طالبين من الله النصر المبين أعمالنا كلها تمت في سرية وجدية معقلنا في دوار بودرهم من ثم زال علينا الهم ستة أشهر عند لمحاشة أدربنا على الأسلحة ولفاشة جانا الوقت الموعود في ثلث الليل واحنا منتظرين النصر المبين أتى وعد الله عند أولاد عبد الله تنظيمات واستعدادات لفواج والاستماع إلى توجيهات سي عباس حدد المسؤوليات وكلف سي شعبان بتوزيع البيان من شعبة الغولة من ثم انطلقت الهولة الى خنشلة المهولة مطولك ياليل على الجندي الفرنسي القليل أصبح في حيرة خايف وذليل بعد العمليات أرجعنا إلى المكان منتصرين وفارحين بفجر نوفمبر المبين شربنا وارتحنا في عين السيلان وبتنا في جبل كيسان عند أولاد عبد الرحمن في آمان عشاونا في داموس وسرنا إلى دوار يابوس معقل الثورة أولحرار قرب المدينة بن بولعيد فرحان ينتظر فينا قالوا ياعباس، ياعباس الثورة نجحت في الأوراس روح نظمها وأنشرها في جبل المامشة أوعالي الناس بببعد هذه التعليمات انطلقت الدوريات وباشرت العمليات عند أولاد يعقوب لقاونا بالفرحة وكانوا رجال مستعدين للحرب والبارود عند بني عمران وخيران اقرينا عليهم البيان جندنا الشعب وأعطيناه البالة والفيسان الولجة كانت يامس محقورة وغير معروفة برجالها واعمالها أصبحت مشهورة من عند لبراجة وبني يملول من ثم خرجت الرجال لفحول أولاد المجاهد بن رحمون أصحاب المكحلة والبارود جندوا المامشة وبني معافة والتحقوا بهم السوافة شعلت النار في جبل ششار وأتى لهيبها إلى المامشة لحرار في عين القلعة وآغير جندنا الشعب وأتانا بكل خير. ع بوهلاله الشهيد سي أحمد بن الرشيدي من صانعي أمجاد الثورة في ميلة نسف المستعمر منزله ومحله التجاري بزغاية و قام بتقطيع جسد ابنه البكر بالساطور بعد تعذيب الشهيد البطل سي أو سيدي أحمد بن الرشيدي كما يحلوا لجميع معارفه تسميته واسمه الحقيقي أحمد قادري عاش أيام فترة الاستعمار الغاشم متنقلا بين بلدتي زغاية وباينان ومنخرطا رفقة مجموعة من رجال الحركة الوطنية أمثال سي الطاهر قردون , بوزول , وغيرهما في التأطير والتحضير داخل محله التجاري الكائن بزغاية والاستعداد لثورة التحرير وانتظار شرارتها الأولى وخلال مساره هذا تعرض للظلم مرتين أنتقم في الأولى وعفا في الثانية. ولأن بلدية زغاية أيام الاستعمار الفرنسي قبل الثورة وإلى غاية تحقيق الاستقلال كان يحكمها موريس فور كرئيس للبلدية و الذي أنزل الرعب في النفوس، فإن التعامل معه كان يحتاج للكثير من الحكمة والدهاء والفطنة وهي صفات لم تكن غائبة على سي أحمد بن الرشيدي الذي تعرض مرة قبل انطلاق الثورة للصفع من قبل هذا «المير» وهي الحادثة التي تأثر لها وتعهد بقتل هذا المستعمر إن عاود هذا الأخير الكرة خاصة وأنه كان يملك مسدسا يخفيه ليوم الحسم و توجه لفور قائلا «يمكنكم حتى قتلنا لكن تأكد بأننا سنبعث من جديد لمحاربتكم وإخراجكم من بلدنا» و كان هذا المير عندما يحضر لزغاية كونه يقطن برجاص، يجبر السكان على تحيته. وحدث أن جاء في أحد الأيام وقت صلاة المغرب وكان سي أحمد يصلي بالناس فلما أحس بحضور المير أطال الصلاة، لعله يعفي الناس من التحية الإجبارية، و تنبه المير فور لهذه الحيلة . مثل هذه المواقف للرجل المتعلم المتفتح الذي كانت له الجرأة مثلما يقول الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين جعلت الجيش الفرنسي يقوم عقب اندلاع الثورة بنسف منزل قادري بزغاية ومحله التجاري وكذا قام بتقطيع جسد ابنه البكر محمود الذي كان يساعده في المحل بالساطور بعد تعذيب شديد بمركز زغاية ونفس الشيء فعله برفاق نضال سي أحمد أمثال الشهيد بوزول الذي تعرض لنفس فعل التقطيع والتقسيط بالساطور بثكنة باينان كما صرح لنا بذلك المجاهد مختار شباح، الذي أضاف أنه بعد اكتشاف أمر سي أحمد قادري وافتقاده لمنزله بزغاية فر بعائلته نحو باينان حيث ترك أفرادها والأبناء في وضعية لا يحسدون عليها بينما تحول هو للجبل مع المجاهدين الأوائل. ورفقة المجاهدين بمنطقة برزيز كانت له مواقف أخرى بلغت حد الصدام مع أحد المجاهدين (ب.نوار) هذا الأخير لكم هو الآخر سي أحمد في وجهه أمام مراى السكان وهي الحادثة التي تأثر بها الشهيد كثيرا كونها جاءته من رجل أقل منه رتبة ومكانة، لكنه كتمها في نفسه وصرح لكل من سأله عن طبيعة الخدش الذي لحق بوجهه جراء تلك اللكمة بالقول «صكني بغل « حتى لا يثير فتنة بين المجاهدين وللحفاظ على لحمة الثورة وتماسك رجالها خاصة، لكنه في المقابل صمم على أمر جعله تحت تأثير الغضب يتحول باتجاه الثكنة العسكرية لباينان، حيث أخبر الجيش الفرنسي أنه جاء للانخراط معهم والتحول لصفهم الأمر الذي أحدث ضجة كبرى عند الطرفين ولكن قبل وصوله للثكنة يقول المجاهد مختار شباح ترك البندقية التي كان يحملها عند بعض المجاهدين الذين وجدهم في طريقه بغابة البهلول دون أن يكونوا على علم بوجهته وأكتفى بحمل سكين. الجيش الفرنسي أستغل هذه الحادثة التي تركت أثرها عند الطرفين فراح يروج وسط السكان عبر كل وسائط الاتصال التي كانت متاحة ذلك الوقت من مكبرات صوت وقصاصات الدعاية والخطب، بأن سي أحمد التحق بالجيش الفرنسي. أما المير موريس فور ولسابق معرفته بالشهيد يضيف السيد بنداس، فقد أوصى قائد الثكنة العسكرية بأن لا يثق في الرجل وأنه جاء لفرنسا ليس حبا فيها وإنما لأمر ما لذلك عكس بقية « القومية « الموجودين في الثكنة فقد حرم من حمل السلاح وكلف بأشغال البستنة وتعليم أبناء « القومية» أبجديات اللغة العربية. أما هو فمباشرة بعد دخوله وضعه الجديد، شرع في تحسيس « القومية العرب « بخطئهم بالتخندق في صف فرنسا، داعيا إياهم للتفكير بجدية في الأمر، و قال لهم بأن مقامه بالثكنة لن يطول وحدث أن ألقى الجيش الفرنسي القبض إثر وشاية على ذلك المجاهد الذي لكمه وطلب من سي أحمد الالتقاء به وبمجرد أن تواجها وعكس ما كانت تريد فرنسا تقدم من ابن جلدته وأعطاه الأمان بالقول بأن ما بينهما لن يدفعه للانتقام منه. المقام لم يطل بسي أحمد - يقول المجاهد شباح - داخل الثكنة الفرنسية إذ و بعد أشهر قليلة جدا من عام 1958 تدبر أمر عودته لموقعه الطبيعي بين المجاهدين بعد مراسلات مع المجاهدين مختار شباح وبخبخ عبد الرحمن عن طريق مواطن يدعى بلحيمر، و كذلك بعد أن اقنع عددا من القومية بضرورة الالتحاق بالثورة وقد رافقه في ليلة هروبه عدد منهم بعدما أستولى على سلاح ناري وكذا على منظار عسكري وآلة تصوير، غير أن كثافة النيران التي كانت تلاحق الفارين جعلتهم يفترقون كل لجهة وبعد وصوله لمنطقة برزيزة، نزعت القيادة هناك سلاحه كإجراء احترازي، لكن سرعان ما أعيد له بعدما تأكدوا من صدق مقصده ونواياه. الشهيد قادري ظل مرابطا في محاربة فرنسا إلى أن جاءه الأجل بعد وشاية من أحد الخونة حيث سقط في ميدان الشرف رفقة جعقور محمد عشية 17 ديسمبر 1959 بعد معركة ضارية شملت تجمعات خديجة , المربع والعوينات، استعمل فيها العدو الطائرات، و جرح فيها مختار شباح وبخبخ عبد الرحمن ورزايقي أحمد وأسر مجاهدون آخرون من قبل القوة الاستعمارية. إبراهيم شليغم مقر القيادة العامة للولاية التاريخية الأولى بغابة بني يملول في خنشلة شاهد على سقوط 98 شهيدا في معركة طاحنة مع الجيش الاستعماري هذه الصورة تمثل أحد أكبر معاقل الثورة التحريرية حيث يظهر النصب المخلد لمآثر الثورة المقام على انقاض مركز قيادة الولاية الأولى بالمكان المسمى ( امان نحمذ أونصر) بغابة بني يملول الواقعة بإقليم بلدية لمصارة ولاية خنشلة على بعد نحو75 كلم من مقر عاصمة الولاية غربا، وقد أقيم هذا النصب لتخليد واحدة من أكبر المعارك التي خاضها جيش التحرير الوطني ضد المستعمر الفرنسي، واستشهد فيها 98 شهيدا من خيرة أبناء هذا الوطن من بينهم الشهيد البطل والقائد السياسي للولاية علي سوايعي وهو الاسم الذي أطلق على هذا المكان والشهيدان فرحاتي محمد الدراجي أحد أبرز قادة المنطقة، والشريف جلالي. كما أصيب القائد العسكري للولاية الطاهر زبيري بجروح وتكبد الاستعمار الفرنسي فيها خسائر فادحة. وتعود المعركة إلى أواخر الثورة في أحد أيام الشتاء الباردة التي تميز المنطقة حين اكتشف الاستعمار الفرنسي مركز القيادة بعد ما أشعل المجاهدون المكلفون بالحراسة النار من أجل التدفئة، واستغلت الرياح القوية تلك الليلة لتحشد قواتها في المنطقة التي طوقت من جميع الجهات لتنطلق المعركة في الصباح. وتمكنت مجموعة كبيرة من كسر الطوق والتسلل إلى خارج مسرح المعركة بقيادة فرحاتي محمد الدراجي، لكن سرعان ماعادت هذه المجموعة إلى المعركة بعدما علم أفرادها أن القائد علي سوايعي لايزال محاصرا. وغير بعيد عن هذا المقر التاريخي، هناك نصب تذكاري لشهداء المنطقة ومتحف يتضمن صور المجاهدين والشهداء وأصداء الثورة وبطولات المجاهدين في الإعلام الفرنسي، وبقايا لمحركات طائرات ومروحيات عسكرية أسقطها المجاهدون الأبطال، وقنابل كانت تلقيها الطائرات على المواطنين العزل وعلى المجاهدين خلال المعارك. هذا المتحف ينقلنا الى أمجاد الثورة الجزائرية والى بطولات المجاهدين الذين لقنوا المستعمر درسا في التضحية والبطولة. ع / ب المرحوم راجعي عبيد شارك في عدة معارك و استشهد قائد الولاية الأولى علي سوايعي بين يديه كانت للمجاهد المرحوم راجعي عبيد بطولات في عدة معارك ضد القوات الاستعمارية أهمها معركة جبل بوتخمة سنة1957 ومعركة جبل مسلولة سنة1958 ، وتخريب الخط المكهرب « موريس» في سنة 1959 على طول الحدود تحت قيادة الرائد الشهيد عمار راجعي، ومعركة حماية مقر قيادة الولاية الأولى التاريخية سنة في فيفري 1961 والتي استشهد فيها قائد الولاية الأولى الشهيد علي سوايعي بين أيدي المجاهد المرحوم راجعي عبيد رفقة خيرة أسود الأوراس نذكر منهم الشهيدين جيلالي الشريف، وفرحاتي محمد. ولد المجاهد المرحوم راجعي عبيد في الفاتح جويلية من سنة 1929 بقرية عين بنيوش ببلدية مسكيانة ولاية أم البواقي, وينحدر من عائلة ميسورة الحال، كان أصغر إخوته الخمسة ويتمتع بشخصية قوية وذكاء خارق دون إخوته وأترابه من أبناء القرية. ودرس في الكتاتيب القرآنية كغيره من أبناء الجزائر، ثم انتقل من إلى القرية إلى مدينة مسكيانة التي درس بها حتى الشهادة الابتدائية. في سنة 1948 انخرط في حزب الشعب الجزائري،ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية إلى غاية سنة 1954 حيث انخرط كبقية المركزيين بعد الانشقاق الذي حصل للحزب في اللجنة للوحدة والعمل، وبعد تفجير الثورة التحريرية التحق بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1956 وعمل بالمنطقة الرابعة للولاية الأولى التاريخية أوراس النمامشة( مسكيانة تبسة الونزة) مع مجموعة من زملائه المجاهدين، وكان مرافقا للرائد الشهيد عمار راجعي خلال المشاركة في مؤتمر الصومام ، ثم انتقل إلى منطقة الأوراس وعمل بها إلى غاية الاستقلال، حيث كان بمقر قيادة الولاية الأولى رفقة الشهيد علي سوايعي، والعقيد الطاهر زبيري وبعد الاستقلال واصل المرحوم نشاطه في البناء الوطني في صفوف الجيش الوطي الشعبي برتبة ملازم أول بثكنة عين أرنات بولاية سطيف مكونا للأجيال إلى غاية سنة 1970 ثم غادر الجيش لأسباب صحية، وبقي يساهم في تقديم حقائق عن الثورة التحريرية بالولاية التاريخية الأولى إلى أن وافته المنية في أواخر شهر أوت من سنة 2008 عن عمر يناهز 78 سنة. ولعائلة المرحوم دور كبير في الثورة التحريرية حيث قدمت ثلاثة إخوة استشهدوا من أجل الحرية والاستقلال وهم عبد الكريم الرزقي عزة، والأخ الرابع «داود « كان مجاهدا في جيش التحرير توفي بعد الاستقلال.