الفنان الكبير نوبلي فاضل عاجز عن الكلام، يصارع مرض الزهايمر بصبر وعزيمة فلاذيتين، حاولنا قدر المستطاع صباح أمس، افتكاك ولو تصريح مقتضب منه ندعم به مقالنا، لكننا للأسف عجزنا عن استجوابه لشدة المرض الذي ألمّ به، وما استطعنا تلقّفه من حديثه معنا عبر الهاتف سوى عبارة "راني لاباس...!" هكذا تحولت مسيرة الفنان فاضل نوبلي الحبلى بالبذل والعطاء إلى نهاية مأساوية دراماتيكية وكأن قدر مبدعينا الكبار،بات اليوم مآله "نيران التهميش الحارقة" أو "فراش المستشفيات الموحشة"،صراحة وجدنا صعوبة في كتابة هذا المقال، نظرا لما تركته حالة عمي فاضل الصحية من حزن وأوجاع في نفسيتنا،عرفناه منذ نعومة أظافرنا ملحِّنا من طينة الكبار،وموسيقيا من معدن فني نادر ونفيس،فهل هكذا نكافئ هؤلاء المبدعين الجهابذة؟ولماذا بات مستقبل فنانينا المتمرسين أسودا "هيتشكوكيا" مخيفا؟ والدته للتكفل بفلذة كبدها قال لنا أخوه عماد الذي كان همزة وصل بيننا وبين الفنان نوبلي فضيل على سماعة الهاتف،"معذرة إن لم يتمكن أخي من الحديث معكم... أحيانا ينطق بسهولة وسلاسة... واليوم خانه المرض" وأضاف محدثنا وكلّه رضا بقضاء الله وقدره "صحيح أن أخي مصاب بالزهايمر المزمن،ولكن رغم ذلك فهو يمشي،يضحك، ويعيش حياته معنا بصفة عادية... لم يشعرنا رغم قساوة المرض وشدّته بأنه عليل ومنهك القوى،بل على العكس من ذلك استطاع بقوة إيمانه ورِفْعة جلُدِه،التغلب على البلوى التي امتحن بها"،موضحا أن فاضل أعزب ووالدته (أطال الله في عمرها) لا تزال إلى اليوم ترعاه وتكفله بالرغم من كبر سنّها وقلة حيلتها،وأنهم لا يريدون من الجهات المعنية لا جزاء ولا شكورا،بل أن عائلته أضحت اليوم مقتنعة أن ابنها فاضل نوبلي البالغ من العمر 63 سنة صار تحت رحمتها... فهي التي تعالجه،وهي التي تخفف عنه وجع المرض وآلامه،بل وهي من تحيي فيه أمل الحياة وزهرتها". وأوضح شقيق فاضل،أنه كان من الأجدر بالقائمين على قطاع الثقافة التكفل به دون أن اللجوء إلى نداءات الاستعجال والبكاء على الأطلال" لاسيما وأن شقيقه يعد أحد أعمدة الموسيقى والتلحين في الجزائر والوطن العربي. تقاعد لا يكفي لشراء الدواء ونفى محدثا أن تكون الوصاية قد قامت بالتكفل به أو تحويله للعلاج خارج الوطن،حيث أنه لا يزال إلى اليوم يعاني ويلات الزهايمر في صمت مطبق،وكأنه لم يخدم يوما الفن الجزائري ولم يضحِّ في سبيله أي جهد يذكر. حينها تساءل شقيقه هل تعلمون منذ متى وهو طريح الفراش؟ومن هم الأشخاص الذين زاروه؟وما هي أسباب مرضه المفاجئ؟عيب أن يترك ابن الجزائر البار بمفرده دون أية زيارة تذكر... متى نتذكر فاضل؟هل نتذكره يوم وفاته ورحيله عنّا؟أخي فاضل عانى الأمرين طيلة مشواره الإبداعي،ولم ينس يوم طُرد شرّ طردة من التلفزيون الجزائري عام 1992،وأنه لم يتحصل على منحة التقاعد المقدرة ب 14000دج إلا بعد أن طلبت عائلته حقوق معاشه وبشق الأنفس،مشيرا إلى أن هذه "المحنة" كما سماها شقيقه لا تكفيه حتى لشراء الدواء الذي تزيد تكلفته عن 12000دج شهريا.! منزله محج للفنانين الكبار خصاله الحميدة وأخلاقه السامية،كانت أحد الأسباب التي جعلت عمي "فاضل" يقاوم "الزهايمر" حيث أدرك وبقناعة تامة بأن الحياة البشرية ابتلاء واختبار للإنسان،وأنه يجب في مثل هذه الظروف مجابهة مثل هذه الظروف الصحية القاهرة،حتى يمكنه تجاوزها بسلام،ولكن ما حزّ كثيرا في نفسية عماد،هو عدم قيام المسؤولين في بلادنا بزيارته والاطمئنان على صحته،موضحا بأن "مثل هذه الزيارات من شأنها أن ترفع معنويات أخيه،وتمنحه دفعا بسيكولوجيا قويا لمجابهة آثار المرض الذي يعاني منه،مع العلم أن منزله بمدينة شرشال المضيافة،بات اليوم محجًّا للكثير من الفنانين الكبار من الجزائر أو خارجها على غرار المطرب السوفي محمد محبوب،المناعي، وحتى الفنانة المغربية هدى سعد ووالدها، المطربان التونسيان زياد غرسة،محسن الماطري والإذاعي التونسي الشهير سامي فرتونة وغيرهم. دولة عربية ستكرمه مطلع 2015 ليكشف لنا في سياق متصل عن دعوة تلقاها فاضل من قبل دولة عربية بغية تكريمه بداية السنة الجارية عرفانا لما قدمته هذه الأيقونة الموسيقية الخالدة من أعمال فنية خالدة،كيف لا وهو الذي عمل مع كبار المبدعين العرب على غرار الراحل وديع الصافي،الفنان الأردني مالك ماضي،لطفي بوشناق،الفنانة "أنوشكا" وعلاء الزلزلي...إلخ،واصفا أخاه بأنه "مِلْك لكل الدول العربية" وأن الإرث الفني الذي خلّفه وراءه يفوق ال200 لحن،ولكن ومن سخرية القدر أن هذه الألحان بقيت لحد اليوم غير مستغلة بسبب القيود البيروقراطية الخانقة،وأن هذه الأعمال كلّها ظلت حبيسة الأدراج بسبب التهميش والإقصاء الذي عانى منه فاضل نوبلي،ليبقى هذا الكنز ضائعا بين سراديب اللامبالاة وعدم اهتمام المعنيين بهذه الأعمال الفنية الراقية. قريبا بورتريه متلفز عن الفنان ولأن مرضه لم يعد خافيا على أحد،فقد بادر التلفزيون الجزائري بتصوير بورتريه مدته ساعتين ونصف خاص بحياة الفنان ابن مدينة الوادي وبالضبط حاسي خليفة، حيث سيتم التطرق إلى مسيرته الإبداعية ذات الصيت العربي. حيث من المنتظر تصوير بعض المناطق التي عاش فيها الفنان كالجزائر العاصمة،تونس ومصر، فيما سيتحدث شقيقه صلاح الدين عن مختلف مراحل حياة شقيقه المريض وكيف عاش متنقلا بين نغمات الموسيقى وإيقاعات التلحين. ومن بين أعماله التي تخلده نذكر مثلا تلحين أغنية "لأجل عيونك" للفنان الراحل وديع الصافي،وأغنية "عاشقين" للفنانة نهاد طربية،كما لحن للفنان اللبناني علاء الزلزلي أغنية باللهجة الجزائرية بعنوان "بزاف"،وكذا العديد من الألحان للفنانة المصرية أنوشكا،ولحن أيضا للفنان التونسي لطفي بوشناق على غرار "أمن السلام يعود " كما كان فاضل نجما ساطعا في سماء التلحين ولم تنحصر أعماله الإبداعية في الغناء فقط بل دخل عالم السينما من خلال تلحينه للعديد من الموسيقات التصويرية لأفلام ومسلسلات جزائرية منها "زهرة اللوتس" للمخرج عمار العسكري،والطاحونة إضافة إلى تلحين مسلسل "المصير" للمخرج جمال فزاز.