دخلت مختلف الفرق المنتمية للقسمين الأول والثاني لكرة القدم غمار أول بطولة إحترافية في تاريخ كرة القدم الجزائرية بعدما قررت الإتحادية الجزائرية لكرة القدم الموسم الكروي الفارط أن يكون موسم 2011/2010 تاريخا لأول بطولة إحترافية في البلاد ورغم أن مشروع دخول الكرة الجزائرية عالم الإحتراف ليس وليد اليوم حيث صرح رئيس الإتحادية السيد محمد روراوة في أكثر من مرة أنه إلى جانب تأهيل المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس العالم فدخول عالم الإحتراف يعد من بين الأهداف التي سطرها، إلا أن قرار الإتحادية للإنتقال إلى البطولة الإحترافية هذا الموسم كان إلزاميا بعد أن حددت الإتحادية الدولية لكرة القدم (الفيفا) موسم 2011/2010 كآخر آجل للبطولات التي لم تلج بعد عالم الإحتراف كي تخوض غمار البطولة الإحترافية وفي حالة العكس أي في حالة عدم دخولها الإحتراف هذا الموسم، فستتعرض إلى عقوبات من طرف الفيفا وستحرم من المشاركة في كل المنافسات الدولية وهو ما قد يعكر صفو الكرة الجزائرية التي عرفت في الآونة الأخيرة إستفاقة حقيقية بدء بالمنتخب الوطني الذي عاد إلى نهائيات كأس العالم بعد 28 سنة من الغياب كما وصل إلى نصف نهائي كأس إفريقيا بعد 20 سنة إلى جانب الأندية المحلية التي برزت مؤخرا في المنافسات القارية. من جهة يمكن القول أن الإحتراف في الجزائر جاء في وقته في ظل هذه الإستفاقة والإنطلاقة الجيدة لكرة القدم الوطنية وهذا في حال إذا ما طبق بأتم معنى الكلمة ومن جهة أخرى ، فالسؤال الذي قد يطرح هنا هو : هل يمكننا فعلا ولوج عالم الإحتراف ؟ أو بعبارة أخرى هل نحن مستعدون لتنظيم بطولة إحترافية وتطبيق الإحتراف بحذافره ؟ في البداية يجب الإشارة إلى أن المؤشرات والظروف الحالية لا توحي بنجاح أول بطولة إحترافية في الجزائر بشكل كامل فالإحتراف يلزم اللاعبين على التقيد بالقوانين والأنظمة الإحترافية من حيث أوقات التدريب التي تكون غالبا في الفترات الصباحية والمسائية وهي تدريبات قاسية نوعا ما يتعين على اللاعب تحملها ليكون في كامل لياقته البدنية لتقديم أداء راق يوم المقابلة كما يتعين على اللاعب التقيد ببرنامج غذائى معين وعدم السهر والنوم باكرا وهي كلها شروط لم يتعود عليها بعد أغلب لاعبي البطولة المحلية إذ لا تكاد تخلو كل الحصص التدريبية لفرق البطولة من الغيابات غير المبررة أحيانا ليطالب هؤلاء المتغيبون في نهاية كل أسبوع بإشراكهم في المقابلات الرسمية وهي ذهنيات وتصرفات تتنافى كلية مع مفهوم الإحتراف. ضف إلى هذا فمن بين أهم شروط الإحتراف إمتلاك النوادي لمراكز التكوين ، إذ يكلف كل ناد محترف بالقيام بعمليات التكوين لفائدة الرياضيين والتأطير وإحداث مراكز تكوين المواهب الرياضية وتكاد كل الأندية المحلية تفتقر لمثل هذه المراكز إذ يبقى نادي بارادو من القسم الثاني هو الأبرز الذي يمتلك مركز تكوين فهناك عدة فرق تفتقر حتى للملاعب كي تتدرب بإنتظام وتستقبل فيها الفرق الأخرى كما أن الفرق التي تمتلك الملاعب ليست أفضل حالا بكثير من سابقتها إذ أن غالبية الملاعب لا تتوفر على المعايير الدولية ولم يتم تجديدها منذ سنين عدة ما عدا عمليات الترميم والترقيع السطحية إلى درجة أنه هناك ملاعب يصعب فيها حتى النقل الإذاعي والتصوير التلفزيوني نظرا لضيقها وصغرها فمن شروط دخول الإحتراف إمتلاك ملعب يتسع لأكثر من 10 آلاف مقعد مع توفير قاعة للحكام وأخرى للندوات الصحفية إلى جانب قاعة للإسترجاع وهو ما لا يتوفر -على الأقل في الوقت الراهن- لدى العديد من الفرق التي قد تستقبل خارج قواعدها المعتادة نظرا لعدم توفر هذه الشروط بملاعبها على غرار جمعية الخروب ، إتحاد الحراش ،نصر حسين داي ، هذا الأخير الذي حرم من الإستقبال بملعب الزيوي وسيستقبل بملعب 20 أوت 1955 الذي يستقبل فيه كذلك شباب بلوزداد ، وما هو إلا مثال عن عدة حالات مماثلة. وبشكل عام، فمن أجل تنظيم بطولة إحترافية بشكل جيد، يجب توفر البنية التحتية والهياكل القاعدية هذه الأخيرة التي هي جد ضيقة إن لم نقل منعدمة في بلادنا حيث نرى الأندية الوطنية مع كل فترات الراحة الصيفية والشتوية تقوم بإجراء تربصاتها خارج أرض الوطن (تونس، المغرب، تركيا، الدول الأوربية....) وتضاف إلى كل هذه النقائص نقطة أو مشكلة أخرى لا تقل أهمية وهي الإنارة وإجراء المبارايات الليلية، فالمتتبع للبطولة الوطنية تعود على مشاهدة عدة مباريات تلعب في الظهيرة وفي درجة حرارة ونسبة رطوبة جد عاليتين كما لعبت مباريات في شهر رمضان الكريم في الظهيرة كذلك خلال المواسم الفارطة كل هذا بسبب إستحالة إقامة المباريات ليلا نظرا لعدم توفر الإنارة بالملاعب أحيانا وأحيانا أخرى بسبب تعطلها ، أو ضعفها وعدم مطابقتها للمقاييس الدولية ويظهر جليا مدى تأثير هذا المشكل على مستوى المباريات التي تلعب في حرارة لا تطاق إذ غالبا ما تكون مباريات ذات مستوى تحت المتوسط نظرا للتعب والإرهاق والعطش الذي ينال من اللاعبين بمجرد مرور بضعة دقائق من إنطلاق المباراة فهناك عدد قليل جدا من الملاعب التي تتوفر على الإنارة المناسبة لإقامة مباريات ليلية خلال الأيام التي تكون فيها درجة حرارة المرتفعة (مع قرب نهاية الموسم) أو خلال الشهر الفضيل ومن هذه الملاعب نذكر ملعب 8 ماي 1945 بسطيف ملعب 5 جويلية بالعاصمة وملعب مصطفى تشاكر بالبليدة. كما طفا إلى السّطح مؤخرا مشكل آخر يتمثل في دبلوم الكاف الذي يجب على المدربين حيازته وهو الأمر الذي يفتقده بعض المدربين بالمقابل عملت الإتحادية الجزائرية لكرة القدم على تسهيل دخول الأندية إلى عالم الإحتراف إذ وبعد الإعلان عن قرار الإتحادية للإنطلاق في البطولة الإحترافية بدء من موسم 2011/2010 والشروط التي يجب أن تتوفر في الفرق الراغبة في دخول الإحتراف حددت الفاف تاريخ 30 جوان 2010 كآخر أجل لهذه الفرق من أجل إيداع ملفاتها ثم قامت الإتحادية بتمديد المهلة إلى 15 جويلية 2010 لتقوم بتمديدها مرة أخرى إلى 12 أوت وهو ما سمح للفرق بتقديم ملفاتها في الموعد. فكرة القدم الجزائرية على موعد مع أول بطولة إحترافية في التاريخ ومن المنتظر أن تواجه الأندية المحترفة عدة صعوبات للتأقلم مع هذا النوع الجديد من المنافسة ولهذا إتخذت عدة إجراءات مستعجلة على مستوى أعلى هرم في الدولة، بهدف تقديم المساعدة اللازمة لكرة القدم الجزائرية عامة. وللفرق المحترفة التي تحولت إلى شركات ذات أسهم خاصة، هذه المساعدات من شأنها أن تعطي دفعة حقيقية لهذه الأندية من أجل ولوج عالم الإحتراف في أحسن الظروف. وفي هذا الصدد قررت الحكومة في شخص رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إتخاذ الإجراءات اللازمة أهمها تقديم قرض مالي للأندية التي ستدخل عالم الإحتراف مع منح إمتياز تسديد الديون بنسبة فائدة رمزية لا تتعدى 1 بالمائة، على مدى 15 سنة مع كونها العشر سنوات الأولى معفية من التسديد. كما قررت منح الأندية المحترفة أملاكا عقارية بمساحة هكتارين لإنجاز مراكز التكوين مع التنازل عنها بسعر رمزي قدره دينار واحد للمتر المربع، وفي هذا الإطار تقدم الدولة مساعدة بنسبة 80 بالمائة لإنجاز المنشآت القاعدية التي تضم أرضيات للعب وغرف تغيير الملابس ومرافق مختلفة كما ستتكفل الدولة بالفرق الشبانية للأندية المحترفة في مجالي النقل والإيواء وكذا برواتب مدربي الفرق الشبانية إلى جانب هذا، ستوضع تحت تصرف كل نادي حافلة فاخرة، وهو ما من شأنه أن يحل مشكل النقل الذي طرح لدى العديد من الفرق، خاصة من القسم الثاني. كما سيتم التخفيض بنسبة 50 بالمائة من مصاريف التنقل في المباريات التي تلعب خارج البلاد في مختلف المنافسات القارية والإقليمية (كأس أبطال إفريقيا، كأس العرب...الخ). كل هذه الإجراءات من شأنها أن تكون تحفيزية بالنسبة للأندية لكي تصبح أندية محترفة بمعنى الكلمة مع مرور الوقت، ويبقى الأهم في كل هذا هو تطبيق الإحتراف وشروطه بشكل جدي وبصرامة. وفي ظل كل هذا يلتزم كل نادي محترف بمجموعة من النقاط أهمها أن يمتثل للقوانين الأساسية وتنظيمات الإتحادية، وأن يضمن الحماية والمتابعة الطبية لرياضيي النادي وكذا التأطير الرياضي. كما يلتزم النادي بتقديم الحصيلة الأدبية والمالية، ويعمل على تفادي تعاطي المنشطات والعنف وفي حالة الإخلال بأحد الشروط المتفق عليها، فسيتعرض النادي إلى عقوبات تختلف بحسب نوع المخالفة، وتتراوح العقوبات بين الغرامات، التوقيف، خصم النقاط، الإقصاء...الخ. يهدف مسؤولو الكرة بالجزائر من الإنتقال إلى عالم الإحتراف للرفع من مستوى البطولة الوطنية في ظل الجدية والصرامة المرادفتان للإحتراف. وتكوين لاعبين في المستوى وصقل المواهب من خلال مراكز التكوين وهو ما سيعود بالمنفعة على المنتخب الوطني الذي يتشكل حاليا من لاعبين أغلبيتهم الساحقة متخرجين من مراكز التكوين الأوروبية عامة، والفرنسية خاصة. كما ستعرف كرة القدم الجزائرية في حال نجاح الإحتراف وتطبيقه بالشكل اللازم، نوعا من التنظيم والإنتظام بعيدا عن الفوضى والقيل والقال والتلاعبات، إذ أنه في البطولة الإحترافية تكون للأندية عدة إلتزامات وشروط تتقيد بها، وليس من مصلحتها إطلاقا الإخلال بهذه الإلتزامات، خاصة وأن هذه الأندية هي عبارة عن شركات ذات طابع تجاري، وفي حالة التعرض إلى العقوبات فقد يكون مصير النادي الإفلاس. سعيا منها للإسراع في ترتيب كل الأمور اللازمة من أجل إنطلاقة جيدة للبطولة ونجاح أول بطولة إحترافية، أبرمت الإتحادية الجزائرية لكرة القدم (الفاف) يوم 18 سبتمبر الفارط إتفاقا مع التلفزيون الجزائري »لمساندة وتطوير الإحتراف بالجزائر، هذا الإتفاق يخص البطولة الإحترافية للقسم الأول، المنتخبات الوطنية وكأس الجزائر« حسبما جاء في بيان للتلفزيون الوطني. وتعلق الجماهير الجزائرية المتتبعة للكرة الوطنية آمالا كبيرة على الإحتراف الذي ينتظر منه الرفع من مستوى البطولة، وضمان النزاهة والتنافس الرياضي المحض والتحلي بالروح الرياضية، وكذا الرفع من مستوى اللاعب المحلي حتى يمكن مستقبلا إستفادة المنتخب الوطني من خدماته. كما ينتظر القضاء على مشكل المستحقات الذي تعاني منه تقريبا كل موسم الأندية. وينتظر الإتحادية الجزائرية عمل كبير جدا من أجل إنجاح أول بطولة إحترافية وتطبيق الإحتراف بمعناه الحقيقي إذ يجب تغيير الذهنيات وتوعية الأندية بضرورة تطبيق الإحتراف بجدية وإنتهاء عهد البريكولاج والكولسة ومجموعة أخرى من المشاكل التي نخرت جسم الكرة الجزائرية سابقا. ويبقى المتتبع الجزائري في ظل كل هذا يترقب ما ستسفر عنه أول بطولة إحترافية بالبلاد. للإشارة ستختتم البطولة الإحترافية لموسم 2011/2010 يوم 17 جوان 2011 علما أن التسمية الرسمية للقسمين الأول والثاني: الرابطة 1 والرابطة 2 ويضم كل قسم 16 فريقا، بمجموع 32 نادي محترف. وكان رئيس الرابطة الوطنية لكرة القدم محمد مشرارة صرح مؤخرا أن كل الترتيبات اللازمة إنتهت من أجل ضمان إنطلاقة جيدة للبطولة الإحترافية برابطتيها الأولى والثانية، وأن أول بطولة إحترافية بالجزائر ستسيّر من طرف الرابطة الوطنية الحالية، على أن يتم إنشاء رابطة إحترافية لاحقا. أما رئيس الإتحادية محمد روراوة فقد بعث قبل إنطلاق البطولة برسالة إلى أندية الرابطتين الأولى والثانية، ذكر فيها بأن »الموسم الكروي 2011/2010 يعد موسما تاريخيا، سيميزه إنطلاق الإحتراف في بلادنا في شكل رابطتين إحترافيتين ب 16 ناديا في كل واحدة، وهو ما يشكل سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الكرة العربية والإفريقية« على حسب المسؤول الأول في الإتحادية. كما أكد بأن هذا النوع الجديد من المنافسة هو ثمار عدة إجراءات أتخذت السنة الفارطة »بهدف تطبيق قرارات الفيفا والكاف اللذين يلزمان الأندية بدخول الإحتراف من أجل المشاركة في المنافسات الدولية«. كما أشاد في رسالتة بمجهودات المسؤولين عن الأندية والمستثمرين، مؤكدا بأن الإحتراف هو مفتوح ومشروع لكل الفرق التي تستوفي الشروط المنصوص عليها في دفتر الشروط. وفي الوقت نفسه طالب محمد روراوة رؤساء ومسيري الأندية بإحترام القوانين والعمل على تجسيدها بالشكل المطلوب.