يقص نهاية هذا الأسبوع، شريط أول بطولة احترافية لكرة القدم في الجزائر، بمشاركة 32 فريقا قسمت إلى مجموعتين، فضلت الرابطة الوطنية لكرة القدم تسميتها بالرابطة الاحترافية الأولى والثانية، مراعية منزلة الفرق عند نهاية بطولة الموسم الماضي. ويأمل محبو الكرة المستديرة في بلادنا، أن يكون مشروع الاحتراف طلة خير على الكرة الجزائرية، التي يقر الجميع بتدني مستواها بشكل كبير حتى أضحى مخيفا في السنوات الأخيرة، بعدما كانت مضرب الأمثال برنامجا، وعملا ونتائج، خصوصا في عقد ثمانينيات القرن الماضي. وقد كانت أولى تلميحات الانقياد إلى هذه الخطوة الاحترافية، تصريحات متتالية لوزير الشباب والرياضة، السيد الهاشمي جيار، العام الماضي ( 2009 )، أولها في اللقاء الذي جمعه برؤساء القسم الوطني الأول حيث قال :''الكرة الجزائرية تمر بأزمة ولا نجد لها الحل إلا في الاحتراف، وللأسف فإن بلادنا متأخرة في هذا الجانب مقارنة مع دول عربية عديدة''. وقد اعتبر هذا التصريح للمسؤول الأول عن قطاع الرياضة في بلادنا، بمثابة إعلان عن تعبئة شاملة ''لإنقاذ الكرة الجزائرية مما هي فيه'' كما قال، بالتعاون مع مسؤولي الأندية. ولم يفوت السيد جيار أية فرصة للتذكير والتأكيد على نيته في الاعتماد على الاحتراف كحل، خاصة في خرجاته الميدانية في ذات السنة، حيث قال في إحداها : ''احتراف الأندية الجزائرية هو المنقذ للكرة في بلادنا التي مرت بصعوبات جمة، فصحيح أن الاحتراف هو الحل الوحيد، لكن وراء احترافية الفرق أشياء كثيرة مخبأة، وإذا اعتبرنا أن كل شيء احترافي، فمن الضروري أن يعيش من مهنته وما يقدمه من عمل ''. وقد جاء تأكيد وزير الشباب والرياضة ليضع الجميع - حسب المتتبعين - أمام مسؤولياتهم، من حيث ضرورة رص كل الجهود من أجل إخراج الكرة الجزائرية من سباتها العميق، وذلك عبر الحوار والشفافية وهيكلة الأندية ومدها بكل القواعد الأساسية والقوية، خاصة من جانب التنظيم الإداري، لأن الكثير من أنديتنا تعاني في مجال تأطير التسيير، وكذا قلة المنشآت الرياضية، حتى أن بعض الأندية تقاسي الأمرين في إيجاد مساحة لعب قصد التدريب، والقلة القليلة من الملاعب تعاني ضغطا كبيرا عاد بالسلب وتفاقم حالة ميادينها، وحتى هذه الملاعب لم تعد تستغل بالكيفية اللازمة حتى تكون ممولا هاما للأندية من المداخيل التي تحصلها في المباريات التي تحتضنها، علما أن قلة المنشآت الرياضية مس رياضات أخرى ولم يقتصر على رياضة كرة القدم فقط. وحتى التكوين الذي أضحى مفتاحا ومقياسا لا تفريط فيه لتطور أي بلد في الجانب الرياضي، وخاصة تكوين المواهب الشابة، أهمل حتى أننا افتقدنا ولسنوات لنتائج باهرة تشفي الغليل على مستوى الفئات العمرية، كما هو حاصل لدى منتخبات إفريقية عتيدة كغانا ونيجيريا وكوت ديفوار وأخرى. كما لا يجب إهمال الجانب المالي الذي له علاقة وطيدة بالتكوين، لأن التطلع إلى تأطير وتكوين مواهب شابة للمستقبل لابد وأن يرتبط بضخ مبالغ هامة للاستثمار في التكوين القاعدي.ولم يكن السيد الهاشمي جيار وحده الذي رفع الصوت عاليا منذ أكثر من سنة من أجل تطبيق الاحتراف في الكرة الجزائرية، بل وسار على نفس المسار والدرب السيد محمد روراوة، رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، الذي كان قد صرح في تدخل له أمام أعضاء الجمعية العامة ل''لفاف'' فور اعتلائه سدة رئاسة هذه الهيئة الرياضية في شهر فيفري ,2009 حيث قال حرفيا : '' يجب إنشاء رابطة احترافية لكرة القدم حتى وإن كان ذلك بعشرة فرق فقط ''. وأردف تصريحه هذا بعد ذلك بأفعال وإجراءات تطبيقية متتالية لكن بصفة تدريجية، كان أولها التشديد على الأندية على ضرورة حيازتها على وسائل الإعلام الآلي التي تمكنها من تطبيق كل التوصيات وتسيير أمورها بطريقة احترافية حتى تتفادى بعض التعقيدات والمشاكل. وما ساعد '' الفاف'' على تنفيذ برامجها وبالتالي توطئة أكبر لتطبيق مشروع الاحتراف، إغذاق الكثير من المال عليها من خلال إبرامها للعديد من عقود الإشهار في إطار ما يعرف بالسبونسورينغ مع عديد المؤسسات، على أنه يجب الاعتراف بأن الجنوح إلى الاحتراف في بلادنا كان تطبيقا لنشرية الاتحادية الدولية لكرة القدم رقم 1128 المتضمنة كيفية منح إجازات الاحتراف للفرق والأندية، والتي كانت حددت موسم 2010 / 2011 آخر أجل لتطبيق هذه النشرية، ما ضيق هامش المناورة أمام كل الاتحادات الوطنية وليس ''الفاف '' وحدها، علما وأن هذه النشرية استندت وتستند على خمسة محاور هي : المقاييس الرياضية، والمقاييس الخاصة بالمنشآت الرياضية، والمقاييس البشرية، والمقاييس القانونية، والمقاييس المالية. ومن الواضح أن هذه النشرية، بقدر ما ما نتعمق فيها بقدر ما تتجلى صعوبة تطبيقها على كل ناد هاو غير مستقيم ألف التسيير الفوضوي. كما أن هذه النشرية تشير إلى عقوبات قد تصل إلى حد الإقصاء من المشاركة في مختلف المنافسات الدولية ما لم يستجب أي ناد لتطبيق أدنى هذه المقاييس.الآن، مشروع الاحتراف انتقل من أروقة الاتحادية الجزائرية لكرة القدم ومن الجلسات الخاصة به إلى التطبيق الفعلي الميداني في خطوة جديدة، والذي سيكون المحك بعدما تم التعامل مع بعض جوانبه القانونية والتنظيمية، والكل يرقب المحيط ورد فعله. وأن التقنيين العاملين في الحقل الكروي، هم أول من رافق هذا المشروع منذ أن كان قولا، وتابعوا تعامل الأندية الجزائرية المعنية به مع بعض خطواته الأولى، وليس بخفي أنهم أحد الفاعلين المهمين... وكان لابد من الاقتراب من بعضهم لمعرفة رأيهم في هذا الوافد الرياضي الجديد عشية انطلاق أول بطولة احترافية لكرة القدم في الجزائر، وكان أول من اتصلنا به هو السيد مغفور فرحات المدير التقني لفريق مولودية وهران، الذي يعد أحد ركائز كرة القدم الجزائرية والمعنيين بمشروع الاحتراف، حيث قال: ''أرى أن الاحتراف في الجزائر موجود على الورق فقط، لأن تطبيقه يتطلب إمكانيات كبيرة مادية وبشرية، والاحتراف ليس هو عقد احترافي يبرم مع اللاعب، ولا يستحم بعد التداريب التي تجري في ميادين غير صالحة تماما، والاحتراف ليس هو تصرفات وسلوكات غير رياضية تصدر من لدن الأنصار فوق المدرجات، ففي هذه الحالة لن تقوم قائمة للاحتراف في بلادنا حتى ولو رصد له مال قارون ''.زميله خلادي محيمدة، المدير التقني الجهوي بالرابطة الجهوية الغربية لكرة القدم، لا يخرج عن نفس الرأي، حيث قال :'' أظن أن بعض الفرق استجابت لدفتر الشروط، وكذا لما هو قانوني، لكن أرى أن الاحتراف في الجزائر سيكون حبرا على ورق، تغييرا في التسمية فقط، لأن المنظومة القانونية وجدت لتسهل الأمور، و أن تعطي لكل ذي حق حقه ولجميع مكونات الفريق، سواء من جانب التسيير أو الإمكانيات المالية وحتى التقني المحض (مستوى الفريق) أي قابلة للتطبيق، وأن تحترم من طرف كل المشاركين لا من أجل أن تستغل ويعتدى عليها، وصدقني أنني تابعت مؤخرا مباراة ودية بين فريقين دخلا عالم الاحتراف وصدقني أنني رأيت كل شيئ إلا الاحتراف''. ويتفق التقنيان الوهرانيان كذلك على نقاط أخرى، تتصدرها ضرورة تغيير الذهنيات عند كل معني بهذا الموضوع، إذ لا يعقل - حسب ضيفينا - أن يسير هواة مشروعا هاما كالاحتراف. كما ألحا على نقطتين أخريين قالا إنهما مهمتان، الأولى يشرحها مغفور بقوله : '' لا مناص من توفير كل الإمكانيات للفئات العمرية، لأن تحضيرها وفي مراكز التكوين، سيعود بالفائدة على الفرق في المستقبل، وأنا أعتبره الركيزة الأساسية في مشروع الاحتراف، وقد أتيحت للجزائر فرصة الوقوف على فوائد ونتائج الاحتراف مع تطبيق مشروع الإصلاح الرياضي لعام ,1977 الذي كانت فيه فرقنا عبارة عن مؤسسات، وبفضل هذا المشروع حققت الرياضة الجزائرية ككل وليس كرة القدم فحسب، قفزة نوعية، وستبقى تلك النتائج الفنية المحققة في ذلك الوقت الأفضل في تاريخ الرياضة الجزائرية ''. أما النقطة الثانية فيشرحها خلادي بقوله : '' نحن لسنا مهيئين لتنفيذ مشروع الاحتراف، وأرى أن الاتحادية الجزائرية ارتكبت خطأ فادحا عندما لم تضع في حسبانها المرور على مرحلة انتقالية بسنتين أو ثلاث سنوات قبل الدخول الفعلي والجدي في تطبيق مشروع الاحتراف، لأن ما نقف عنده حاليا هو رؤية أصحاب الرداءة وأناس متخلفين في الصفوف الأمامية، هم أنفسهم من كانوا يسيرون فرقهم لما كانت هاوية ولم يجنوا معها أي حصاد مرض، فكيف سيجنون الثمار الجيدة في عالم الاحتراف ورغم ذلك يحظون بالاهتمام والتقدير مقابل إهمال تام للكفاءات، التي كان من المفترض أن تتصدر وتقود هذا المشروع ''.ولم يخف مغفور وخلادي خوفهما وتشاؤهما من فشل مشروع الاحتراف في الكرة الجزائرية عشية انطلاق أول بطولة احترافية، حيث يريا أن التسمية فقط هي التي تغيرت، فالمسيرون هم أنفسهم، وكذلك اللاعبين والجمهور، ونفس التصرفات والسلوكات، ويتوجسا خيفة من أن تؤدي إلى الانحراف بدل الاحتراف، الذي قد ينجح في السنوات المقبلة إذا ما تخلص الجميع مما لصق بهم من كل شيئ مشين.