يتسم محَل " عمَي الجيلالي " الواقع بإحدى أزَقة حي " مطلع الفجر" الهادئة بوهران بالبساطة والتواضع ، حيث لا يوحي مدخله الضيق و نوره الخافت أنَه محَل يجمع من القطع الأثرية ما يسلب العقول .، مررنا صدفة بالقرب من المحل الذي شدنا نحوه برميل خشبي قديم مركون بالطريق ، في حين كانت واجهة المحل مزينة بأواني نحاسية قديمة و شكوة " الماعز" معلقة على بابه .. تحف نادرة بأثمان متفاوتة تقدمنا نحو المحل ليستقبلنا حينها عمي " الجيلالي" بابتسامة عريضة و ترحيب ، وراح يروي لنا حكايته مع مهنة بيع الأثاث القديم و القطع الأثرية التي بينه و بينها عشرة بلغت ربع قرن من الزمن ، حيث أكَد أنَه يعمل رفقة مجموعة تتكوَن من 3 أشخاص من بينهم ابنه و ابنته ، يطرقون أبواب المنازل أينما أتيحت لهم الفرصة و يجولون مختلف ولايات الوطن و يلتحقون بالأسواق اجتهادا منهم لجلب و شراء ما استطاعوا من قطع و أثاث أثرية مختلفة سواء كانت أثاثا أو آلات موسيقية أو أدوات قديمة كالأواني والأجهزة الالكترونية و آلات التصوير ، إضافة إلى المذياع والقطع النقدية و المجسمات . وقد أوضح في ذات الصدد أن اقتناء هذه القطع هي مهنة و هواية في نفس الوقت ، و كثيرا ما يثمر مجهود هؤلاء بجلب تحف نادرة يصادفونها في طريقهم أحيانا ، وغالبا ما يشتَد بينهم النقاش بغية تنزيل السعر.. فمنهم من يطلب أسعارا خيالية مقابل قطعة قديمة لا تستحق دفع كل ذلك المال و مرات يقابلون أشخاصا فيتفقون على تحديد السعر بينهم .. و أحيانا يصادفون آخرين يعرضون تحف نادرة للبيع بأقل الأثمان ، و عليه أتى على ذكر ساعة " مقانة " المصنوعة من الخشب بطول الجدار، والتي قام بشرائها من أحد المواطنين بمنطقة حيدرة بالعاصمة ، حيث أتيحت له فرصة شرائها بسعر أقَل مما كان يتصَوره. كنوز البلد لا تباع للأجانب وعن طريقة تسويقه لهذه الحرفة قال عمي " الجيلالي " الذي تربطه بالقطع الأثرية المختلفة قصة حب عميقة إن بيع وشراء هذه التحف يتم وفق شروط محددة ومبادئ معينة ، فضميره لا يرتاح حين يبيع قطعة أثرية لشخص يحاول ننقلها إلى خارج الوطن ، لّأنَه يرى أنها تمثل كنزا من كنوز البلد ..خصوصا أن سعادته تتجلى بشكل كبير في بيعها لأبناء الجزائر حتى يركنوها في متحف ما أو يزينوا بها منازلهم ، معتبرا بيعها الأجنبي من سابع المستحيلات و كأنه يبيع قطعة من جسده ... وفي ختام لقائنا مع عمي " الجيلالي " ابن تيارت عاصمة الرستميين التقطنا بعض الصور للكنوز التي يحويها المحَل الصغير ، وتركنا البائع منشغلا في تقديم خدماته للزبائن الذين صاروا يترددون بين الحين و الآخر على محله الصغير.. غادرنا المحل ونحن فخورين بما يقدمه " عمي الجيلالي " ابن تيهرت الذي زاد وهران ضياءا بكنوزه التي كساها الغبار والتي تستحَق أن يمنحها المسؤولون مساحة شاسعة أو ركنا واسعا يحمل صفة " المعرض الساحر" أو المتحف الرائع" .