تحف "عمي مسعود" كل واحدة منها تحكي حكاية يتنقل بين أرجاء ولاية قسنطينة، يسافر بين الحين و الآخر نحو مختلف ربوع الوطن بحثا عن تحفة نادرة عرضت للبيع لدى أشخاص لا يقدرون قيمتها الحقيقية أو بحثا عن أي شيء يخلد تاريخ و أصالة الجزائر، لتضاف إلى أرشيف ثمين ظل "عمي مسعود" يجمعه لعقود طويلة من الزمن و يحزن في كل مرة تباع احدى مقتنياته الثمينة. هواية جمع التحف تشهد تراجعا كبيرا في مجتمعنا وسط زخم العصرنة التي تمكنت من إزاحة كل ما هو تقليدي ببيوت الجزائريين و احتلت مكانه بامتياز، غير أن الاستثناء لا يزال مسجلا و إن لم يكن بشكل كبير، فأشخاص كثر ما زالوا يبحثون عن التحف الفنية و الأواني المنزلية القديمة جدا بمحلات الخردة أو محلات بيع التحف المعروفة بال"روبابيكيا" التي تقلص باعتها بشكل كبير في السنوات الأخيرة. عمي مسعود ذو ال80 عاما من هؤلاء الذين اختلطت دماؤهم بأصالة الجزائر و بكل ما هو عتيق، لا يزال يحافظ على ديكور محله الصغير بإحدى زوايا حي باردو بوسط مدينة قسنطينة بجوار حرفيي النحاس، أين يحتفظ بمئات إن لم نقل عددا أكبر من التحف الفنية ،ظل يجمعها ليضيفها إلى ما يملكه من أوان نحاسية كانت في الأول تشكل حرفته، قبل أن تحتل التحف الجزء الأكبر من المحل الذي أرغم عمي مسعود على التحول من هواية جمع التحف إلى بيعها بسبب ضيق المكان. قطع كثيرة و عتيقة تجذبك بمجرد الاقتراب من محل الشيخ الذي لا تغيب الابتسامة عن محياه و الذي كان قد طلق مهنة النجارة و هو في الثلاثين من العمر، أشياء كثيرة نادرة تزين واجهة المحل الزجاجية و تمنحك دعوة لتفقد ما هو موجود بالداخل، فمن محل لبيع النحاس لأكثر من 30 سنة، تحول المكان إلى ما يشبه المتحف أين وجدنا أشياء قديمة لم نكن نتوقع مشاهدتها في يوم من الأيام، بعضها عرفناه و أغلبها كانت أشياء نجهلها لشدة قدمها و التوقف عن استعمالها لعقود طويلة. يقول عمي مسعود بأن لكل قطعة بمحله الصغير حكاية حفظها و يسعد بسردها على كل زائر يطلب توضيحا منه، ف"السداية"،" الكانكي"، مصباح "الكاليش" النحاسي و قطع أخرى كثيرة كل لها حكايتها الخاصة و كيفية وصولها لعمي مسعود و مصدرها الأصلي و حتى تاريخ انشائها الذي غالبا ما يعود إلى قرون خلت، و يضيف بأن تجميعها لم يكن سهلا، فهذا نتاج رحلة سنوات طويلة و سفر بين مختلف الولايات حتى إلى الأماكن غير المتوقعة التي لا يعرفها إلا أهل المهنة الذين غالبا ما يتصلون فيما بينهم في حال وصلت إلى يد أحدهم قطعة نادرة. معظم القطع التي وجدناها عند عمي مسعود، أكد بأنها لم تكن على هذه الحال، فهو يقول بأنه قد اشتراها و هي في وضعية كارثية، البعض محطم و البعض الآخر متسخ ليقوم بتصليحها و إعادتها إلى سابق عهدها، و هي العملية التي تستغرق وقتا قبل عرضها للبيع. أما عن زبائنه فيؤكد عمي مسعود بأنهم من مختلف ولايات الوطن و حتى المغتربين يقصدونه شخصيا بعد أن اعتادوا على شراء أغراض من عنده، كما أنه يعمل على توفير بعض القطع إذا ما طلب منه ذلك. و يبقى الحرفي محافظا على تحفه العتيقة التي لا تجد فوقها حتى ذرة غبار لأنه لا يسمح بذلك، و يحزن لبيع أي قطعة بعد أن عاشت معه لفترة طويلة، و رغم صعوبة الحصول على هذه التحف و غلاء أسعارها إن وجدت ما يهدد هذا النوع من التجارة بالزوال، إلا أن عمي مسعود وهو أب ل11 شابا و شابة و جد لأكثر من 50 حفيدا، قد أبى إلا أن يورثها و إن كان ذلك لواحد فقط من أبنائه، حيث يزاول حاليا أحدهم هذا النشاط بشوارع حي سيدي مبروك و إن كان أرشيفه كما يقول عمي مسعود لا يزال فتيا مقارنة بأصالة أرشيف الوالد الثري.