لا يحلو شواء لحم الأضحية أو ما يعرف عند الوهرانيين ب "الملفوف" إلا على نيران هادئة مصدرها قطع الفحم التي تزداد مبيعاتها ويكثر عليها الطلب من قبل المواطنين مع اقتراب إحياء عيد الأضحى المبارك. وبالفعل مع حلول شهر ذي الحجة الذي يصادف "العيد الكبير" ينتشر تجار الفحم الذين يتجولون بعرباتهم عبر شوارع مدينة وهران ويربضون بالقرب من ساحات العمارات والأزقة وبالأماكن المخصصة لبيع الماشية للترويج لسلعتهم. وتعتبر تجارة الفحم من الأنشطة القديمة التي لاتزال مدينة وهران تحافظ عليها حيث نجد سكانها يتزاحمون لاقتناء هذه المادة بالرغم من امتلاك أغلبية العائلات للأفران الغازية والكهربائية السريعة الطهي. وبعد أن كان بيع الفحم يقتصر على الشيوخ في زمن غير بعيد امتد هذا النشاط إلى شريحة الشباب الذين اتخذه البعض مصدر رزق له كما لم يعد يمارس في المناسبات فحسب بل أصبح الفحم يعرض على مدار السنة بالمحلات المتخصصة لبيع الأعشاب الطبية والتوابل والمواد التجميلية التقليدية. وهكذا يمضي على سبيل المثال الشاب خالد الذي يخرج من البيت باكرا لاقتناء حصته من البضاعة لدى الممونين على مستوى حي "نجمة" (شطيبو سابقا) طيلة النهار تجوالا وراء عربة صغيرة مملوءة بأكياس من قطع الفحم. ولا أحد يستطيع من المارة وحتى الزبائن أن يميز لون بشرة هذا البائع التي "تغيرت" بسبب الغبار المتطاير من كثرة ملامسته لأكوام الفحم الا أنه لا يأبى بمظهره حيث يقول "المهم هو استنفاذ الكمية المعروضة وعدم كسادها بعد عيد الأضحى...إنها لقمة العيش ...". كما تعرف تجارة الفحم منافسة قوية بين الباعة المتجولين وأصحاب المحلات وكل واحد يعمل على ترويج بضاعته وتقديمها في أحسن حال غير أنه يلاحظ أن البعض من هذه المادة المعروضة تفتقد الى النوعية نظرا لهشاشتها مما يصعب اشتعالها أو تسبب دخانا كثيفا يؤذي العيون على حد تعبير أحد الزبائن. والمعروف أن هذه المادة السوداء الخفيفة الوزن تجلب من مناطق عديدة من غرب الوطن وتصنع من أغصان أشجار الصفصاف والزيتون والعرعار والكاليتوس التي تحول بعد ردمها في التراب وحرقها لمدة تتجاوز 20 يوما حسب أحد الباعة كما لا يزال يستعمل الفحم من قبل بعض الوهرانيين لأغراض أخرى منها تبييض الأسنان. ولم يعد استخدام الفحم بوهران يقتصر على الشواء خلال عيد الأضحى أو في مناسبات أخرى وإنما تفضله بعض العائلات الوهرانية في طهي بعض الآكلات الشعبية مثل "طجين الحلو" و"الفلفل" حيث يعطي لها مذاقا خاصا مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى كغاز البوتان على حد تعبير أحد الطباخين.