الرجل الذي ننعاه اليوم، في هذا اليوم الأغر، يوم التروية هو عالم من علماء وأعلام الجزائر الأفذاذ، وقطب من أقطابها، شاءت مشيئة الله تعالى أن يرحل عنا في الأيام الأولى من أيام شهر الحج، ذي الحجة إنه المرحوم الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، رحمه الله وأحسن مثواه، الذي ووري الثرى يوم الجمعة الأخير بمقبرة سيدي أمحمد بالجزائر العاصمة، عن عمر يناهز المائة وثلاث سنوات... ويعود نسب الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، الذي ولد سنة 1908 بالجزائر العاصمة، إلى الشجرة الموسوية القادرية وفروعها الأشراف القاطنين بسهول متيجة (بولاية البليدة حاليا) والذين تصل سلالتهم إلى القطب الرباني والولي الصالح، سيدي عبد القادر الجيلالي الذي ينتهي نسبه إلى سيدنا الحسن بن علي بن أبي طالب، وابن السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علما أن ضريح الولي سيدي عبد القادر الجيلالي المتوفى عام 1077م يوجد في العاصمة العراقية بغداد. وعن البيئة العلمية التي نشأ وترعرع فيها الفقيد، تذكر بعض المصادر أن كلا من الجامع الكبير وجامع سيدي رمضان بالعاصمة، ومسجد ضريح سيدي عبد الرحمان الثعالبي كانت رياضا للعلم والتفقه في الدين الإسلامي وعلومه المختلفة، وكان المرحوم عبد الرحمن الجيلالي واحدا من الذين تلقوا تعليمهم الديني في هذه الرحاب وقد أعد المرحوم دراسات دقيقة ركز فيها على الفنيات المعمارية والصناعية التي كانت تزخر بها هذه القلاع العلمية، مما فتح له باب البحث والتعمق في دراسة حركة المجتمع الجزائري في جوانبها السياسية والعلمية في لجنة الفتوى التي كانت تنشط تحت رئاسة الشيخ أحمد حماني، رحمه الله، وكان للمرحوم دور فعال، مع نخبة من العلماء في إنشاء وتنظيم نظارات الشؤون الدينية بمختلف ولايات الوطن، وكذلك في المساهمة في تأسيس مجلة "الأصالة" التي كانت تصدر عن المجلس الإسلامي الأعلى، والتي ساهمت -بدورها- مساهمة فعالة في الترويج لملتقى الفكر الإسلامي، كما كانت منبرا هاما للمناقشة الهادفة، مع التذكير هنا بأن المرحوم ساهم بمحاضرات قيمة في 14 طبعة من مؤتمرات الفكر الإسلامي، وكان عضوا نشطا في الديوان الوطني لحقوق التأليف. وساهم الشيخ عبد الرحمن الجيلالي بقلمه في الصحف والمجلات الجزائرية، كما ساهم في تزويد المكتبة الجزائرية بالعديد من العناوين الهامة، منها كتاب تاريخ الجزائر العام المنشور في جزئين، والذي يعتبر مرجعا لا يمكن لدارسي تاريخ الجزائر الإستغناء عنه، وهو الآن في طبعته الثامنة. ومن كتبه أيضا كتاب تاريخ المدن الثلاث: الجزائر والمدية ومليانة، وكتاب خاص بذكرى العلامة الدكتور بن أبي شنب، وكتاب حول العملة الجزائرية في عهد الأمير عبد القادر، وكتاب ابن خلدون في الجزائر. دكتوراه فخرية بتوصية من الرئيس بوتفليقة وبتوصية من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كرمت جامعة الجزائر الشيخ عبد الرحمن الجيلالي بمنحه شهادة دكتوراه فخرية، وقد عبر عن غبطته وإبتهاجه الكبير بهذا التكريم الذي إعتبره من أهم المحطات في حياته في سلسلة عمره الطويل. بعض تصريحاته رحمه الله كانت أسئلة المستمعين تصلني بكثافة، وكنت أحاول الإجابة عنها بدقة، مستعملا أسلوبا سهلا يتماشى وثقافة المواطنين. كنت أعد البرنامج مع الأساتذة عثمان بوقطاية وأحمد مكحل ومحمد الأخضر السائحي كان أسلوب التعليم في مدرسة الشبيبة الإسلامية بدائيا قبل 1923، لكن بعد هذا التاريخ تطورت وسائل التعليم وأصبحنا نستعمل المنضدة والسبورة. والدي كان تاجرا ليعيش ، لكن حياته كانت القرآن الكريم أجمل ذكريات حياتي هي تلك الفترة التي قضيتها بالمدرسة الإبتدائية القرآنية مع شيخي عبد الحليم بن سماية وشيخي محمد بن البشير البوزيدي. لا أستطيع بجواب مرتجل أن أتحدث في موضوع مفتي الجمهورية، لابد لي من تفكير وتأمل عميق الأخلاق تبنى بالتهذيب والإحسان. علاقتي بالشيخ شيبان عمرها أكثر من نصف قرن، وأنا مبتهج ومسرور غاية المسرة بهذه الأخوة في الله، أتمنى أن يبارك الله في عمره وحياته وأقول له رمضان مبارك ألفت كتاب تاريخ المدن الثلاث بمناسبة مرور ألف سنة على تأسيس هذه المدن على يد بولوغين بن زيري الصنهاجي. إلى أن أصبحت كتاباته وبحوثه في هذا المضمار مرجعا للدارسين والباحثين، لما تتميز به من دقة وشمولية، ومنهم الباحث المستشرق الفرنسي الشهير »جورج مارسي«. دوره في تحويل الإذاعة إلى مدرسة للتربية والتوجيه عندما إلتحق فقيدنا المرحوم الشيخ عبد الرحمن الجيلالي بالإذاعة الوطنية التي كان يقدم بها برامجه المجيبة على تساؤلات المستمعين الدينية، اشتهر أول ما اشتهر ببرنامج »لكل سؤال جواب« وكان يركز فيه على مفاخر التاريخ القومي والإسلامي، وحيث أن هذا البرنامج نال إستحسان الجماهير ورضاها، ققرت إدارة الإذاعة، لقاء نجاحه، انتاج برنامج آخر هو »رأي الدين في أسئلة المستمعين« الذي كان له الدور المشهود في توعية المجتمع بحكم اعتماده على نهج الإصلاح الديني، ثم تحولت أحاديثه رحمه الله إلى دروس ونشريات دقيقة مباشرة مكتوبة بأسلوب متميز سهل الفهم بعيد عن التعقيد، ومع مرور الزمن تحولت الإذاعة بفضل الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، إلى مدرسة للتربية والتوجيه، كانت ترد إليها كل يوم، عشرات الرسائل إلى أن أصبحت برامجه تذاع كل أسبوع، بصفة منتظمة وقارة يجد فيها المستمعون الإجابة عن تساؤلاتهم الدينية والدنيوية، على أساس شرعي معتدل، وقد إبتدأت برامجه تلك منذ عام 1940م ، ويحتفظ أرشيف الإذاعة إلى اليوم بكم هائل من التسجيلات الصوتية لتلك البرامج. وفي سياق متمثل، تمكن الشيخ عبد الرحمن الجيلالي من إنتاج عشرات الأعمال في مختلف الميادين الدينية وحقول المعرفة الفكرية الأخرى كالآداب والفن والتاريخ أتاحت له الحصول على جوائز وأوسمة إستحقاق من مؤسسات علمية ومتخصصة، وقد حاز عضوية المجلس الإسلامي الأعلى بعد نيل الجزائر استقلالها.