يطفئ القدر شمعة من شموع أنارت طريق الجزائريين لعقود طويلة من الإرشاد و الوعظ و التوجيه . الشيخ عبد الرحمان الجيلالي رحمة الله عليه ،عالم ئجليل وشيخ فاضل صبور ، رحل عنا في هذه الأيام المباركة تاركا وراءه فراغا رهيبا،وقد حق فيه رثاء العلماء الأجلاء : شهد الجميعُ بأنَّ بحرَكَ زاخرٌ.. بالعلم فاض جواهراً ولآليا.. أنا ما رأيتُكَ في الحياة وإنَّما.. أبصرتُ وجهَك في سطوركَ باديا... كان الراحل فضيلة الشيخ عبد الرحمان الجيلالي علما بارزا في الفتوى ببلادنا ،على الرغم من غياب مرجعية دينية ترسم معالم هذا المجال، ومن لم ير الراحل عبد الرحمن الجيلالي أمام عينيه ،فقد رآه في سطور الفتاوى التي كانت تزيل الالتباس ،تماما مثلما ستراه الأجيال القادمة في تلك الكتب والسطور ،فهو من عمل على تصحيح المفاهيم الخاطئةئ لدى عامة الناس في الدين والدنيا ،في كل محفل ومناسبة ،على أمواج الإذاعة و باقي الوسائط الإعلامية الأخرى. وفي محاولة لترسيم قواعد جديدة في الإفتاء ،ظلت أصوات الأمة تنادي بتأسيس مرجعية دينية شرعية ، توحد الفتوى وتحمي الدين والمذهب ، وظلت أصوات العلماء تحذر من الانزلاق في متاهات الفتن الدينية ، والجزائر من بين أكثر الدول التي عانت من التيه الفكري، وانزلاقات التطرف ومخاطره على البلاد والعباد، رغم ذلك صُمَّت الآذان عن سماع نداء العلماء الذي حملته أسرار الكلمات ، ولازلنا لحد الساعة نفقد حبات العقد الفريد في سلسة الجواهر التي تزخر بها بلادنا الواحدة تلوى الأخرى، دون أن نصل لقناعة تؤدي إلى إقرار ترسيم مرجعيات دينية جزائرية ، تجنبنا مخاطر تعدد مصادر الفتوى وتضاربها. علماء هذه الأمة يرحلون في صمت ، وهم يتابعون حالنا في صمت خشية التأويل ..هذا الفراغ الرهيب الذي نعاني منه في مجال الفتوى والمرجعية الدينية. قبل فضيلة الشيخ عبد الرحمان الجيلالي رحل عنا المرحوم الشيخ أحمد حماني وهو رفيق الراحل عبد الرحمان الجيلالي ،كما رحل عنا فقهاء وعلماء ركنتهم نوائب الدهر في زوايا العزلة والتهميش دون أن تستفيد الأمة من علمهم. اليوم لا نبكي رحيل الشيخ عبد الرحمن الجيلالي وحده ،بل نبكي رحيل علاّمة وعلم من أعلام الجزائر ، ورمز بارز في الدين ، وسندا ظلت الأمة ترتكز على جدار علمه أيام الشدّة، وفي رحيل الشيخ عبد الرحمن الجيلالي نستحضر قول الشاعر .. حَتى المَنابِرُ تَبْكِي وَهْيَ عِيْدَانُ .