نجح، الأفافاس في تنظيم جنازة شعبية بعيدة عن البروتوكولات الرسمية، تحت هتافات المواطنين وزغاريد النسوة، وكما أرادها الزعيم الثوري الراحل حسين آيت أحمد، كانت جنازته شعبية بعيدة عن الرسميات، حضرها عشرات الآلاف من المشيعين في قريته الصغيرة بمنطقة القبائل ... وحضرها، الوزير الأوّل عبد المالك سلال، ورئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة بالإضافة إلى رئيسي الحكومة الأسبقين مولود حمروش وعلي بن فليس، وكذا شخصيات سياسية ووطنية ومجاهدين. عشرات الآلاف من المشيعين تجمعوا، أمس، الجمعة في قرية آيت أحمد، بمنطقة عين الحمام، لحضور جنازة حسين آيت أحمد آخر التسعة الذين فجروا وقادوا حرب التحرير الجزائرية، وقبل ساعة من وصول جثمان الراحل آيت أحمد، غصت القرية التي شهدت ميلاده قبل 89 سنة بحشود المشيعين الذين تجمعوا في محيط ألفي متر وعلى الجبال المجاورة بينما قضى الكثير منهم ليله في المكان. ورغم التنظيم المحكم الذي بدت عليه جنازة الراحل حسين آيت أحمد خلال الساعات الأولى من نهار أمس، ومنذ وصولنا إلى قرية أث أحمد بأعالي عين الحمام التي تبعد بحوالي 60 كلم عن تيزي وزو، حيث كانت الساعة تشير إلى تمام الثامنة إلا أن السلطات المحليّة لم تتمكّن من السيطرة في الوضع بمجرّد وصول جثمان الفقيد الراحل حسين آيت أحمد ملفوف بالعلم الوطني، بسبب تهافت الجميع ومحاولتهم التقرّب منه لقراءة الفاتحة وإلقاء النظرة الأخيرة عليه، وهو ما حال دون وصول الآلاف من المواطنين الذين تنقّلوا من القرى والولايات المجاورة لتوديع الزعيم آيت أحمد. رجل شهم وأكّد، الكثير ممن اقتربت منهم "الجمهورية"، أمس، من أصدقاءه وجيرانه أنّه "ظلّ دائم الاتصال بهم وبأبناء قريته آت احمد بعين الحمام، رغم حياة الغربة التي قضاها بسويسرا"، في ذات الاتجاه، أكّد، صهر الفقيد، خليل علي أن "الدا حسين رغم بعده عن قريته ووطنه، الا أنه كان دائما في اتصال بكل من يعرفهم في عين الحمام خاصة أقرانه ورفقائه في السلاح والنضال السياسي وكذا أفراد عائلته"، مبرزا، إنسانيته وعدم توانيه في الاطمئنان عن مرضى قرى ومداشر عين الحمام، وتعزية موتاهم رغم ان الظروف كانت لا تسمح له بحضور جنازتهم، بالإضافة إلى كونه كان "يقاسم جميع أفراح واحزان سكان المنطقة عن بعد". من جهته، أكّد، بوسعد آيت احمد، ابن عم الراحل، بان "حسين آيت احمد ملك لكم جميعا وليس فقط لعائلته حيث أن خسارته هي خسارتنا كلنا بما انه كان موحدا وجامعا وأن كفاحه كان قائما على وحدة الجزائر"، مبديا فخره لكونه تشرّب وترعرع من مبادئ وقيم حسين آيت احمد الذي علمهم التواضع والصدق والنبل. وأضاف، أن "هاجسه الأول كان يتمثل في جزائر لا تقبل القسمة موحدة وديمقراطية والنتيجة نراها اليوم مع هذا الكم الكبير من الأشخاص الذين يأتون للترحم وإلقاء النظرة الأخيرة عليه ما يعكس صورة شخصيته العالمية"، بوسعد، الذي كان يعطي تصريحات للصحافة من جهة ويحاول تنظيم الجنازة من جهة أخرى. الدفن بجوار الأم حيث تعالت الأصوات بمجرد وصول الموكب الجنائزي إلى القرية حيث بدأ أنصاره يرددون شعار"جزائر حرة ديمقراطية" قبل أن تقاطعهم التكبيرات والتهليلات عبر مكبرات الصوت من أجل تنظيم أحسن والعودة للوراء وترك المجال لعائلته الصغيرة من أجل الوقوف في المنصة، إلا أنه لا حياة لمن تنادي، وفضّلت عائلة آيت أحمد الصغيرة الصعود مرّة أخرى للحافلة التي تقلّهم بسبب الفوضى والتزاحم التي عرفتها الجنازة، كما أنه لم يتمكّن جموع الحاضرين من أداء الصلاة وفضّل المنظّمون التسريع في تشييع جثمان الراحل حسين آيت أحمد إلى مثواه الأخير بجوار قبر والدته مثلما أوصى به الدا الحسين، وهو ما أكّدته عائلة الفقيد، أرملته وأبناؤه الثلاثة، أكدوا أن الراحل أوصى بدفنه في قريته إلى جانب والديه، وخاصة أنّ أمه التي توفيت سنة 1983 ولم يتمكن من حضور جنازتها لأنه كان مهددا بالسجن، كما رفض قادة حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي أسسه الراحل في 1963، استخدام السيارات الرسمية لمرافقة الموكب الجنائزي الذي انطلق صباح الجمعة من العاصمة الجزائرية نحو مثواه الأخير على بعد 160 كيلومتر. وفي هذا السياق أكد، نجل الراحل آيت أحمد، يوغرطة، أن المواقف والقيم التي ناضل من أجلها والده "يعتنقها اليوم الكثير من المناضلين داخل الوطن وخارجه"، موضحا، بأن والده "كافح وناضل منذ ريعان شبابه من اجل الوحدة الوطنية ووحدة الشعوب المغاربية"، مستدلا بحشود الجماهير التي جاءت من داخل وخارج الوطن لتوديعه والتي لم يعتبرها مفاجئة بالنظر، كما قال، الى "المواقف المشرفة التي تبناها الراحل طيلة حياته". بدوره، أكد، رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، ان الراحل آيت أحمد يعتبر "رجل المواقف الشجاعة ومجاهد ومناضل كبير ينبغي الاقتداء به"، من جهته أوضح الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني فيلالي غويني أن جنازة الراحل حسين آيت أحمد "تعتبر بمثابة مؤتمر للوفاق والمصالحة الوطنية من خلال جمعها لكل أطياف المجتمع الجزائري على اختلاف توجهاتهم"، معتبرا أن الفقيد "ايقونة للديمقراطية والتحرر وأنه شخصية عظيمة عظمة الثورة ونبل الشهداء ترك لأجيال الاستقلال الجزائر أمانة ينبغي الحفاظ عليها"، في حين اعتبر، رئيس حزب الطلائع الجديدة، علي بن فليس، الذي كان من بين الأوائل الذين وصلوا إلى المنطقة، أن " الجزائريين مدينون لآيت أحمد بالكثير الذي كد حياته وأفنى عمره لخدمة الشعب وكرّس حياته من أجل حقوق الانسان، يستحق كل التجلّة"، مضيفا، " أن آيت احمد ترك وصيّته ولابد من مواصلة الكفاح لبناء الديمقراطية". هذا وفي جوّ من الحزن والأسى والكثير من الخشوع والخنوع وصل، جثمان الفقيد الرمز، حسين آيت أحمد، بعد عصر أول أمس عبر رحلة جويّة عادية من سويسرا، إلى مطار هواري بومدين الدولي في عودة هي الأخيرة للبلاد التي اختار آخر الزعماء التسع الذين فجّروا الثورة التحريرية، حسين آيت أحمد، أن يدفن في ترابها وبالضبط بقريته عين الحمام إلى جانب روح والدته... احتضنه الشعب منذ نزول نعشه بالمطار وإلى غاية دفنه ... جنازة رسميّة أرادتها السلطات لابنها الأبيّ... لزعيم رحل وانطوت معه حكاية شعب أراد الحياة... وحكاية شباب أبى إلا أن تكون الجزائر حرّة أبيّة تنعم باستقلالها... كانت جنازة شعبيّة بدأت بتحيّة عسكريّة وانتهت عند مقام آث الحسين بتهاليل وأدعية على روح فقيد الجزائر. ومثل ما كان منتظرا، عرفت حركة المرور، خلال آخر الأسبوع ضغطا وازدحاما كبيرين، حيث أنّه ومنذ الساعات الأولى من نهار أوّل أمس الخميس اصطفّ العشرات من المواطنين على طول الطريق الرابط بين المطار الرئاسي ومطار هواري بومدين قصد إلقاء النظرة الأخيرة على الراحل حسين آيت أحمد، وهو ما حال دون ذلك بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، خصوصا في محيط القاعة الشرفية، حيث منعت مصالح الأمن المواطنين من الاقتراب ورغم ذلك فضّل الكثير من محبي آيت أحمد انتظار خروج الموكب الجنائزي لإلقاء التحيّة عليه بطريقتهم هاتفين " الدا الحسين " " الدا الحسين " " جنازة شعبية" ... بالإضافة إلى حناجر شيوخ الزوايا، الذين جاؤوا من تيقزرت وأزفون، وجبال القبائل ودائرة عين الحمام لرثاء ومدح من يرون أنه بطل من أبطال القبائل بل الجزائر.. وعيونهم تبكي على رجل لن يعيده الزمن ولا التاريخ، لتبقى مواقفه راسخة في الأذهان والذاكرة..