وعود برفع قيمة المنح بنسبة 100 % الواقع المرير الذي تعيشه فئة المعاقين بالجزائر لا يخفى على أحد فالمعاق الأكثر حظّا الذي يعاني من عجز بنسبة 100 بالمائة ليس له الحقّ سوى في 4 آلاف دج شهريا كمنحة لا تغطّي مصاريف العلاج ما يجعل هؤلاء يعيشون عالة على ذويهم و العائلات المعوزّة التي تحصي شخصا معاقا أو أكثر تتخبّط في مشاكل لا نهاية لها . و في بلد يحصي نسبة بطالة بلغت 12 بالمائة وسط الشباب المعافى و القادر على العمل من بينهم متحصّلين على شهادات جامعية عليا و الكثير من المؤهلات المهنية يبقى الحديث عن الإدماج المهني للمعاقين حركيا و حسيّا ضربا من الهزل بالنسبة لأرباب العمل و أصحاب المؤسسات و المسيّرين . و بمدينة وهران انطفأت آخر شعلة أمل كانت تضيء ليل المكفوفين منذ غلق مصنع المكانس الواقع بحي "سان شال" قبل أزيد من 10 سنوات و طيلة هذه الفترة لم يهجر قدماء العمّال المكان أملا في أن تتذكرهم السلطات الوصيّة .فالمار بالقرب من المصنع القديم يتألّم لهذا المشهد المحزن الذي يحكي واقع هذه الفئة المهمّشة و المنكوبة التي يلتفت لها يوما واحدا في السّنة في العيد الوطني المصادف للرابع عشر مارس
و الإطار القانوني الذي يحمي حقوق هذه الفئة موجود ببلادنا حيث أن المشرّع الجزائري وضع جملة من النصوص القانونية و التنظيمية ذات مواضيع متعددة لتغطية حاجيات المعاقين و لكن بين النصوص و الواقع توسّعت الهوة و ضاعت كل الحقوق . فئة تعيش على الهامش فالمادة 24 من القانون 02/09 تمنع إقصاء أي مترشح بسبب إعاقته من مسابقة أو اختبار أو امتحان مهني يتيح له الالتحاق بوظيفة عمومية أو غيرها إذا تبث عدم تنافي إعاقته مع هذه الوظيفة ويتم ترسيم العمال المعوقين ضمن نفس الشروط المطبقة على العمال الآخرين.
كما يفرض القانون على كل مستخدم أن يخصص نسبة 01% على الأقل من مناصب العمل للأشخاص المعوقين المعترف لهم بصفة العامل وعند استحالة ذلك يتعين عليه دفع اشتراك مالي تحدد قيمته عن طريق التنظيم ويرصد في حساب صندوق خاص لتمويل نشاط حماية المعوقين وترقيتهم .و قد خصّصت الدّولة الجزائرية وظائف مكيّفة لهذه الفئة كالعمل بالمجمّعات الهاتفية للمؤسسات و الإدارات غير أن هذه المناصب أصبحت توجّه للأصّحاء و حرم منها أصحابها و منهم المكفوفون فبقيت فئة المعاقين تعيش على هامش المجتمع و لضمان التكفل الفعال بالمعاقين و انشغالاتهم و ضمان حقوقهم العامة و الخاصة في المجتمع فان مجمل النصوص القانونية المعمول بها حاليا سيما القانون رقم 02/09 المؤرخ في 2002 جاءت بمجموعة من الحقوق التي يستفيد منها المعاقون بعد إثبات حالتهم و يمكن لهذه النصوص أن تضمن حقوقهم المادية و الاجتماعية و المهنية إذا ما تم تطبيقها بحذافيرها بالمؤسسات و الإدارات و المراكز المختصّة لكن بين النص و التطبيق يكمن الخلل .
فللمعاق الحق في التأمين الاجتماعي و المنح و في الاعتراف به كحالة ذات احتياجات خاصّة و صنّف المشرع الإعاقة إلى 4 أنواع و هي الإعاقة الحركية و السمعية و البصرية و الذهنية و تحديد صفة المعاق يكون بناء على خبرة طبية تشرف عليها لجنة طبية ولائية بطلب من المعني بالأمر أو أوليائه و التصريح بالإعاقة إلزامي لدى مصالح النشاط الاجتماعي حسب المادة 03 من القانون 02/09 و يحديد صنف الإعاقة و نسبتها ولتسهيل الحياة الاجتماعية للأشخاص المعوقين وضع المشرّع الجزائري العديد من النصوص التي تقضي على الحواجز و الفوارق الاجتماعية كتسهيل الحصول على الأجهزة الاصطناعية واستعمال بطاقة المعاق في وسائل النقل المختلفة و منحه الأولوية في المساكن الواقعة بالطوابق السفلى للعمارات و الإعفاء من دفع الرسوم والضرائب عند اقتناء السيارات السياحية و الإعفاء من الضريبة على الدخل الإجمالي وتخفيضات في تسعيرات وسائل النقل كالنقل الجوي العمومي الداخلي و غيره و حقوق و امتيازات أخرى كثيرة من شأنها أن تسهّل ظروف الحياة لهؤلاء و تمنحهم رفاهية و استقلالية مادية و معنوية لكن معاناتهم تعكس مدى عدم فعالية القوانين و ضعف التنفيذ و المنحة المالية الشهرية المقدّرة ب 4 آلاف دج فتخصّصها وزارة التضامن الوطني لكل شخص عاجز بنسبة 100 بالمائة و يبلغ من العمر 18 سنة على الأقل و لا يملك أيّ دخل ،و تقوم مديرية النشاط الاجتماعي للولاية بالتنسيق مع الهيئات المعنية للضمان الاجتماعي بضبط قوائم المعاقين غير الحاصلين على دخل قارّ لتصرف لهم هذه المنحة كما تخصّص منحة أخرى قدرها 3 آلاف دج شهريا لذوي العاهات و الأشخاص العاجزين بنسب تقل عن 100 بالمائة و بالغين من العمر 18 سنة على الأقل و عديمي الدخل أيضا و قد وعدت الجهات الوصية برفع قيمة هذه المنحة بنسبة 100 بالمائة لكن التطبيق يبقى مؤجلا أزيد من مليوني حالة منهم 30 ألف غير مصرّح بهم و في اليوم الوطني للمعاقين تحصي بلادنا أزيد من مليوني حالة و تمثّل فئة المعاقين حركيا نسبة 50 بالمائة و هي الفئة التي تضم كل أنواع الإعاقات الحركية و الحسّية حيث بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من عاهات حركية 300 ألف و حوالي 100 ألف معاق سمعي و 175 ألف مكفوف و 200 ألف معاق ذهنيا و أزيد من 90 ألف شخص يعانون من إعاقات مختلفة و من هؤلاء أزيد من 600 ألف معاق يشكون أمراض مزمنة في حين يبقى حوالي 30 ألف معاق غير مصرّح بهم. فمعاناة المعاق و أهله تبدأ منذ تشخيص الحالة حيث يتيهون بين أروقة المستشفيات و العيادات الخاصّة و ينفقون أموالا كبيرة أملا في العلاج ،و كلّما مرّت سنين العمر ازدادت معها الأحزان و العراقيل و فقدان الأمل في العلاج و عند بلوغ الطفل المعاق سنّ التمدرس يصطدهم الأولياء برفض المؤسسات التعليمية لأبنائهم فيوجّهون نحو مراكز خاصّة تعد على الأصابع و تتمركز فقط في المدن الكبرى و هذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصّة تحتاج إلى تكفّل دائم و وسائل خاصة لا تستطيع الكثير من العائلات ذات الدخل المحدود توفيرها من أجل ضمان ظروف تمدرس ملائمة ممّا يرغم الكثير من الأولياء على حرمان أبنائهم من التعليم فيصبح الطفل المعاق عالة ليس فقط على أهله بل على المجتمع ككل و تنعدم فرص حصوله على عمل لائق لعدم حصوله على المؤهلات العلمية و المهنية . و الذي يقارن بين حال المعاقين بالدّول المتطورة و حالهم بالجزائر سيرى الفرق شاسعا و يتأسّف إلى ما آل إليه وضع هذه الفئة المغبونة . ففي الوقت الذي يعيش فيه المعاق في الدول الأخرى حياة طبيعية و يتمتّع بكل الحقوق و التسهيلات في العمل و السكن و النقل و العلاج و ممارسة الرياضة. و حتى الرياضات القصوى لم تعد حكرا على الأشخاص المعافين كالغوض تحت الماء و القفز بالمضلاّت و الرياضات الميكانيكية و بالكثير من الدول العربية و خاصة بالخليج يستفيد المعاق من منح معتبرة تقيه ذلّ السؤال عكس حاله في بلادنا حيث يعيش هؤلاء في تبعية مادّية و إجتماعية دائمة للأهل و المنحة المقدّمة لهم غير كافية لتغطية مصاريف التنقل و العلاج و يزداد الوضع سوء بالنسبة لفئة المكفوفين الذين لم يتم تصنيفهم ضمن المعاقين بنسبة 100 بالمائة و بالتّالي هم لا يحصلون على منحة 4 آلاف دج شهريا و حرموا من الزيادة المقرّرة في سنة 2009