باركت بريطانيا زعامة وايزمن الفعلية للمنظمة الصهيونية (1921- 1946). وقد بدأ المشروع الصهيوني يسترد عافيته وينطلق إلى آفاق أرحب ، بعد أن حصل على المساندة الدولية سرا التي كان يحلم بها هرتزل ، وبعد أن توفرت الإمكانات العملية للتنفيذ باحتلال بريطانيا - التي تبنت المشروع - لفلسطين، وبسقوط الدولة العثمانية. وقامت بريطانيا بحرمان أبناء فلسطين من حقوقهم السياسية ، وبسحق ثوراتهم و انتفاضاتهم ، وأدمجت وعد بلفور في صك انتدابها على فلسطين ، والذي أقرته عصبة الأمم سنة 1922 و بالتالي ورّثت بريطانيا الكيانَ الصهيوني أرضا ليست ملكها و لا هو يستحقها لأن مجرد شتات جمع أطرافه من كل أصقاع الأرض التي رفضته كلُّ دولها و أقام في أراض ليست له . و يصبح وعد بلفور التزاماً دولياً. كما فتحت بريطانيا أبواب الهجرة والاستيطان اليهودي وبناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية الصهيونية في فلسطين لتفريغ اليهود في هذه الأرض و تخليص العالم منهم ، وغضت الطرف عن التشكيلات العسكرية السرية لليهود ، الذين أصبحوا عملياً دولة داخل دولة ، وبذلك وضعت بريطانيا الكرة في الملعب الصهيوني ، وأصبح الأمر يعتمد أساساً على قدرة الحركة الصهيونية على إقناع اليهود بالهجرة والاستيطان في فلسطين. و في خطوة تمويه ظاهرة تعرض المشروع الصهيوني في فلسطين إلى الانتكاس ، عندما اضطرت بريطانيا في 1939 ، تحت ضغط الثورة الفلسطينية ، إلى إصدار قانون بالتعهد بالموافقة على إنشاء دولة فلسطينية خلال عشر سنوات ، وتحديد الهجرة اليهودية في السنوات الخمس التالية وبمنع الهجرة بعد ذلك إلا بموافقة فلسطينية ، وبوضع قيود مشددة على انتقال الأراضي لليهود الذين اقترحوا حتى دفع المال إذا اقتضى الأمر ذلك من أجل الحصول على الأراضي . انشقاق في الداخل قبل الإعلان عن الكيان و انعقد المؤتمر الصهيوني في 9 ديسمبر 1946، هو آخر مؤتمر صهيوني قبل إنشاء الكيان اليهود، وبلغ عدد أعضاء المنظمة الممثلين في المؤتمر مليونين و 159 ألفاً ، مما يشير إلى درجة النفوذ الواسع التي تمتعت به المنظمة التي دعمتها دول المحور جراء تعاون اليهود في صد الخطر النازي باختيارهم التجنيد في جيوش الحلفاء ، ومع ذلك فإن المنظمة فشلت في انتخاب رئيس لها بسبب الخلافات الداخلية وخصوصاً بين بن جوريون و وايزمن، وقام المجلس الصهيوني العام بتعيين لجنة تنفيذية ائتلافية برئاسة بن غوريون الذي تزايدت هيمنته الفعلية على المنظمة. وخلال هذه الفترة 1946 - 1956 مثل بن غوريون زعامة الأمر الواقع للمنظمة دون أن ينتخب رئيساً رسمياً لها. وأصبحت اللجنة التنفيذية التي يرأسها بن غوريون، أشبه بالحكومة اليهودية المؤقتة. وقام بن غوريون بنفسه بإعلان إنشاء الدولة الصهيونية وأصبح أول رئيس لوزرائها ، واستدعى وايزمن ليكون أول رئيس للكيان الصهيوني (وهي رئاسة فخرية ). لقد مرت 68 سنة على قيام الدولة الجرثومة التي صارت اليوم تفرض أمرا واقعا بتحديها كل اللوائح الدولية و تعطيلها المفاوضات و بنائها المستوطنات في استنزاف مستمر للأرض الفلسطينية و قد صارت فلسطين الملف الهش في رفوف الجامعة العربية وتشير البيانات إلى أن الاحتلال الإسرائيلي سيطر خلال مرحلة النكبة على 774 قرية و مدينة حيث قام بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية ، كما اقترفت الدولة الصهيونية أكثر من 70 مذبحة بحق الفلسطينيين ، وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.