تتواصل عروض الأفلام الروائية الطويلة بقاعة المغرب في اطار فعاليات المهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران، حيث استمتع الجمهور أول أمس بأحداث الفيلم المغربي »منسيو التاريخ« للمخرج المتألق حسن بن جلون وبطولة تحية هامة من الممثلين المغربيين على غرار أمين الناجي، مريم أجادو، عبد الرحيم المنياري، آمال ستة، يوسف جندي والممثلة ليلى لعرج وغيرهم من نجوم السينما المغربية الذين تألقوا في الفيلم بفضل طاقم فني سهر على إنجاح العمل ومراقبة الأدوار عن كثب حيث تقاسم كتابة السيناريو كل من لورانسو بوسيلا، محمد سوداني وكيتري دوهورت في حين عاد التصوير إلى خافيير كاسترو والمونتاج لجويات فوري أما الصوت فعاد لفوزي ثابت والموسيقى ليوسف الإدريسي وموسى طه. وتدور حيثيات هذا الفيلم حول موضوع يأس الشباب في بلدان الجنوب وكذا الاستغلال الجنسي للنساء عبر العالم من خلال ثلاث مغربيات وهن يامنة، آمال ونوال اللائي يقرّرن الهروب من بلدهن للإتجاه نحو أوروبا حيث يطمحن لتحقيق مشاريعهن وإيجاد حياة أفضل في حين يقرر بطل الفيلم »سعيد« هو الآخر أن يهاجر إلى أوروبا ويترك صديقته »يامنة« بحثا عن العمل وحياة أفضل لكنه سرعان ما يواجه صعوبات كبيرة في المهجر، في حين تضطر يامنة للزواج من شخص آخر بفعل العادات والتقاليد الخاصة بأسرتهم بعد أن يقضي هذا الأخير مدة طويلة في الغربة دون أية أخبار لتقرر بعدها هذه الشابة أن تهرب إلى مدينة »فاس« خوفا من أهل القرية بسبب الفضيحة التي تسببت فيها. وسرعان ما تتحول هذه الأحلام التي تتشبت بها جل الفتيات إلى مأساة حقيقية وتصبح حياتهن كابوسا مرعبا بعد أن يقعن في أيدي شبكة للدعارة بوسائل رهيبة فيجدن أنفسهن بعدها أسيرات في يد مافيا خطيرة تنشط في بلجيكا ويتعرضن لأبشع أنواع الإستغلال الجسدي. وعليه فإن المخرج المغربي حسن بن جلون قد استمد أحداث هذا الفيلم من أحداث واقعية حيث سلّط الضوء على المعاملة السيئة التي تعامل بها نساء العالم الثالث والمعاناة الكبيرة التي تشهدها المرأة المغاربية بدول المهجر ولا يتعلق الأمر بالمرأة المغربية فقط، لكن الضمير الإنساني والأخلاقي للمخرج حسن بن جلون دفعه بالضرورة لتناول هذا الموضوع الحسّاس وكشف بعض المعالم عن هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تشكل خطرا كبيرا على حياة هذه النسوة، وليس هذا فحسب بل قد ندد المخرج من خلال هذا الفيلم بالإستعباد الجنسي للمرأة الذي تمارسه منظمات إجرامية تمتد شبكاتها عبر المعمورة كلها، مما يضع المرأة في خانة سوداء وحرجة، الأمر الذي جعل هذا الفيلم من أبرز الأفلام الإجتماعية والدرامية الهادفة التي ترمي لضرورة رفع الستار عن هذه الظاهرة وإنقاذ الجنس اللطيف من هذا العالم الملغّم والمحفوف بالمخاطر. وتجدر الإشارة أن المخرج حسن بن جلون كان عصاميا في بداية مشواره السينمائي حيث أنجز العديد من التحقيقات قبل أن ينتقل إلى فرنسا للدراسة سنة 1980 في المعهد الحرّ للسينما الفرنسية، وفي سنة 1989 أسس مع أربعة من زملائه »تجمّع الدارالبيضاء« الذي عرف ولادة خمسة أفلام طويلة، وأول فيلم سينمائي كان بعنوان »حفلة الآخرين« وبعدها أنجز أفلاما أخرى تعالج كلها موضوعات اجتماعية مغربية وقد نال شهرة عالمية بعد أن افتك العديد من الجوائز الهامة خلال مختلف المهرجانات السينمائية العربية والدولية، ليدخل هذا المخرج بفيلمه الجديد »منسيو التاريخ« إلى تاريخ السينما الجزائرية من خلال مشاركته المميزة في هذا المهرجان الدولي للفيلم العربي ليتسنى للجمهور الوهراني فرصة التعرف على هذا المخرج المغربي ونوعية الأعمال التي يقدمها بقاعات السينما، وبالفعل فقد عرف هذا العمل إقبالا كبيرا من طرف عشاق الفن السابع خلال العرض الأول في حين أبدى الحضور إعجابهم بفكرة الفيلم خلال المناقشة مؤكدين أن ظاهرة الإستعداد الجنسي للمرأة من أكثر الظواهر خطورة في حين أكد المخرج أنه سعيد جدا بزيارته لوهران ومشاركته ضمن المهرجان مشيرا إلى أنه تحمّس كثيرا لمعالجة هذا الموضوع الحسّاس محاولا بذلك التّطرق إلى الآثار السلبية الناجمة عن هذه الظاهرة لا سيما على نساء العالم الثالث.