قال الملك للراعي الأندلسي سانتياغو : [إذا رغبت في شيء فإن العالم كله يطاوعك لتحقيق رغبتك]...باولو كويلو هذا الروائي والقاص البرازيلي العالمي الذي ولد عام 1947، أحب الأدب بجنون الأدب وعارض رغبة والدته التي كانت تريده مهندسا مثل أبيه، في سن المراهقة، ونظرا للضغط الذي سلط عليه، تمرد على أسرته وأصابه الاكتئاب مما جعله يدخل مستشفى المجانين وعمره لا يتجاوز سبعة عشر سنة. ليخرج منها عام 1967 بعد محاولات ثلاثة للفرار. ليلتحق بالجامعة لاستكمال دراسته. زار وعمره 23 سنة كلا من المكسيك والشيلي وبوليفيا والبيرو ومر على أوروبا وشمال إفريقيا. روايته هذه " الخيميائي" دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية من حيث الترجمة، حيث أصبح أكثر الروائيين على قيد الحياة ترجمة، فنقلت روايته المكتوبة أصلا باللغة البرتغالية " Alquimista" إلى أكثر من ستين لغة من بينها العربية. فقد ترجمها إلى العربية كل من عبد الكريم الغرباوي سنة 2005، وجواد صيداوي 2008، وروز مخلوف سنة 2006، وبهاء طاهر أربع ترجمات متفاوتة المستوى الفني والجمالي. وترجمها إلى اللغة الفرنسية جون أوريشيوني ترجمة فنية رائعة. هي رواية تنضوي تحت أدب الرحلة، تحاول أن تطرح فكرة فلسفية خيالية رمزية، من خلال رحلة البحث عن كنز. سانتياغو، راعي الغنم المتعلم هو بطل الرواية، وعبر أحداث بطيئة جدا ينتقل من الأندلس إلى المغرب إلى مصر ثم يعود إلى الأندلس، بحثا عن الكنز المدفون بالقرب من أهرامات مصر. يلتقي بإسبانيا بالملك " ملكي صادق" الذي يسر له بالكنز. فعبر مضيق جبل طارق إلى المغرب متوجها جهة الشرق بحثا عن الكنز، وعبر هذه الرحلة الطويلة تصادفه أحداث كثيرة تكاد تمنعه من مواصلة المسير. إلا أن إرادته جعلته يتجاوز ويتحدى هذه الصعاب قصد تحقيق ما أسماه بأسطورته الشخصية. ينتابه الشك، ويساوره الخوف في إمكانية عدم تحقيق هدفه الذي يبدو أحيانا مستحيلا. فتحقيق الحلم، بالنسبة، لسانتياغو يجعل الحياة مثيرة وجميلة، ويجعل القارئ يلتهم النص محاولا الوصول إلى المضمر فيه. يلتقي " الخيميائي" ، في طريقه، عارف الأسرار " إدخال عالم الخيال" الذي يحثه على مواصلة المسير نحو الكنز. وتظهر شخصية فاطمة التي يحبها حبا كبيرا، وبسببها يعيش صراعا داخليا بين البقاء بجانب حبيبته أو مواصلة مسيرة البحث عن الكنز؟ ، تشجعه فاطمة على المواصلة وتعده بانتظار عودته. ثم وبتصوير فيه من التشويق يربط الروائي بين شخصيته والكون المحيط بها، فيقيم علاقات بلغة الكون المحيط بها، فتصير عالمة بأسراره وعلاماته. كما ربطها بعالم الحيوان " غنمه" وكأنه القديس. إنه نص يحاول أن يبرز من خلاله باولو كويلو فلسفة السعادة والحياة ورغبة الإنسان في الاستقرار والسكينة والأمان من جهة و الترحال والمغامرة واكتشاف العالم من جهة أخرى، وكأنني بالكاتب يحاول أن يرد على الروائي السوداني الطيب صالح الذي انتقل من الشرق إلى الغرب "موسم الهجرة إلى الشمال"، بأن انتقل باولو كويلو من الغرب إلى الشرق محاولا الجمع بينهما. يعيش مع أغنامه حياة بسيطة ينتقل بين البراري، يقرأ كتابه كبير الحجم الذي قدمه له كاهن [تريفا]. الكتاب وابنة التاجر لا تفارقه، حيث نراه ينسج قصصا وحكايات كان قد قرأها في الكتب وينسبها إليه، وابنة التاجر تصدقه كونها لا تعرف القراءة. ويقيم فلسفة بين البشر والسفر والتعرف على مساحات سياحية، إنه يقرأ الدنيا. وهو يجز صوف أغنامه بتقنية يبهر بها ابنة التاجر. وينبهر هو بالشيخ الذي جلس إلى جانبه، وبعد حوار قصير بينهما، سلم سانتياغو الشيخ كتابه الضخم، قلبه من جميع جوانبه: إنه كتاب يتناول بداية عجز الناس عن اختيار مصيرهم وأخيرا يحمل على الاعتقاد بأكبر خديعة في العالم. وعبر حوار بين الشيخ العجوز و سانتياغو يكتشف هذا الأخير أن الشيخ قد حزر أفكاره. إنهم كانوا يريدونه كاهنا، غير أنه كان يحب أن يصبح راعي غنم. يعطيه العجوز قطعتي حجر " أوريم وتوميم"، ثم يبيع سانتياغو أغنامه ويذهب للبحث عن حلمه. محطته الثانية المغرب حيث يعمل لدى بائع بلور لمدة شهور ثم يتوجه إلى مصر ضمن قافلة عبر الطريق الصحراوي. أثناء هذه الرحلة ذات الطقوس العربية يلتقي " الخيميائي" الإنجليزي الذي يصاحبه، عند وصولهما مصر، إلى الخيميائي المصري. ويخوض تجربة حب الفتاة البدوية المصرية. يواصل رحلته نحو الأهرام، بحثا عن حقيقة حلمه، متخطيا الصراعات القبلية. يحفر تحت الهرم بحثا عن الذهب، يهاجمه اللصوص و يسلبون أمواله التي كان قد تحصل عليها من عمله عند بائع البلور. يعترف لزعيم اللصوص بسبب مجيئه، فيقول له هذا الأخير : يجب أن تعيش وتتعلم كيف لا تكون غبيا وتصدق أباطيل الأحلام، لقد حلمت مثلك تماما بوجود كنز هناك في ريف اسبانيا في كنيسة مهدمة يأتيها الرعاة ويبيتون وأغنامهم بها. هناك تحت شجرة يوجد الكنز. لكنني لست غبيا لدرجة قطع الصحراء طمعا في كنز وهمي. عاد سانتياغو إلى اسبانيا، ذهب إلى الكنيسة نفسها التي كان ينام فيها. وهناك وجد الكنز وفاطمة وذاته و الخيميائي ووجد كل شيء ووهبته الحياة لأنه عاش أسطورته الخاصة. يكاد نص الرواية " الخيميائي" أن يتناص مع جملة من النصوص العربية القديمة خاصة " ألف ليلة وليلة" . عن الترجمات النموذج الأول : يقول النص الفرنسي المترجم عن اللغة الأصلية البرتغالية : C'était une jeune fille, qui avait le type même de la région d'Andalousie, avec ses longs cheveux noirs, et des yeux qui rappelaient vaguement les anciens conquérants maures. يقول النص المترجم الأول / ترجمة بهاء طاهر : كانت فتاة تتجسد فيها السمات الأندلسية، شعرها طويل وعيناها تذكران بنحو غامض بالفاتحين المغاربة القدامى. يقول النص المترجم الثاني / ترجمة جواد صيداوي : إنها فتاة ذات ملامح أندلسية، ولها شعر أسود طويل، وعينان تذكران على نحو غامض، بالغزاة المغاربة القدامى. أقف عند الكلمتين المستعملتين استعمالا يحمل دلالات دينية ومعجمية، فبهاء طاهر استعمل [الفاتحين] بالمفهوم الديني [الفتوحات الاسلامية]، في حين استعمل جواد صيداوي [الغزاة] بالمفهوم المعجمي، في مقابل كلمة [Conquérants]. النموذج الثاني : Il continua à raconter ses histoires de voyages, et les petits yeux mauresques s'ouvraient. S'ouvraient tout grands ou se referaient sous l'effet de l'ébahissement et de la surprise. يقول النص المترجم الأول / ترجمة بهاء طاهر : وشرع يحكي قصصا عن أسفاره، والعينان المغربيتان الصغيرتان تتفتحان على مداها، أو تضيقان تحت تأثير المتعة والدهشة.. يقول النص المترجم الثاني / ترجمة جواد صيداوي : استمر يحكي قصصا عن رحلاته، وظلت العينان المغربيتان الصغيرتان تتسع على أبعد مدى أو تنغلقان تحت تأثير الانبهار والدهشة. لا أدري لماذا لم يستعمل المترجمان مصطلح " المورسكيين" وهي الكلمة المتداولة عبر الكتب التي تؤرخ للوجود الإسلامي في الأندلس، ولجآ إلى ربط الكلمة بحيز جغرافي معرفي ضيق. " الخيميائي" نص روائي يتطلب قراءة متأنية ورصينة لما يزخر به من خيال أولا ، ومن تاريخ حاول أن يضبط الرحلات بين عالمين أصبحا يتباعدان أكثر وأكثر، كلما تطورت وسائل التواصل أكثر وأكثر، وأن يحيل هذا التاريخ إلى واقع العلاقة بين الغرب والشرق. وفاعلية الشرق في الغرب، وانبهار الغرب بالشرق من جهة الخيال الواسع " ألف ليلة وليلة" ، وانبهار الشرق بالغرب من حيث التطور العلمي والتكنولوجي الكبير. تمتاز الرواية بكثرة الحكم التي ترد على ألسنة أبطالها وفيها مصطلحات فلسفية تلخص الهدف من وجود الإنسان والكون بمكوناته هو من صنع يد واحدة تتحدث لغة واحدة لا يفهمها إلا من تمعن في الكون أكثر، وما التنوع القائم في الكون من بشر وجماد و حيوات وفضاء ما هو إلا شفرات تبحث عمن يكتشفها لتفتح له آفاقا أوسع للمعرفة. تحمل الرواية فكرة ترتبط بشكل كبير بالفلسفة الوجودية للإنسان كما تورد الرواية مصطلح الأسطورة الشخصية فلكل منا قصته التي كتبتها له الأقدار وعليه أن يبحث عنها ويسير في الحياة ليطبقها. هذه الرواية تجمع بين البعد الثقافي والفلسفي وتخلق في ذهن قارئها العديد من التساؤلات التي تجعل منه إنسانا آخر بعد أن ينتهي من قراءتها حيث سيصبح لصوت الريح رسالة ولابتسامة طفل عابر قيمة وللخوف والانتظار حد. للتواصل / البريد الإلكتروني / HYPERLINK "mailto:[email protected]"[email protected]