إرتقت الرواية الجزائرية إلى مستوى مرموق في العالم العربي خلال الفترة الأخيرة لدرجة أنها أصبحت عرضا مغريا لمعظم المخرجين العرب الذين صاروا يتسابقون لتبنيها ضمن أعمال تلفزيونية مثل رواية "ذاكرة الجسد" للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي والتي إعتبرها النقاد أهم عمل روائي صدر في العالم العربي خلال عشر سنوات الأخيرة كما أنها حازت على جائزة نجيب محفوظ سنة 1997، علما أنها صدرت في 1993 ببيروت وبلغت طبعاتها في نفس السنة حوالي 1924004 طبعة، وبسبب هذا النجاح الكبير للرواية فقد أثيرت العديد من الزوابع والإشكاليات مما جعلها العمل الروائي الأكثر شهرة ونجاحا إضافة إلى أنها الأكثر مبيعا حسب إحصائيات معارض الكتاب العربية كما أنها كانت محور العديد من الدراسات والأطروحات الجامعية عبر العالم العربي والأوروبي. وكل هذه الأمور دفعت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي إلى إعطاء موافقتها على تحويل "ذاكرة الجسد" إلى مسلسل تلفزيوني بعد أن إشترطت إختيار البطلة بنفسها ليقع إختيارها على نجمة ستار أكاديمي أمل بوشوشة التي جسدت دور "حياة" إلى جانب الممثل السوري" جمال سليمان" في دور الرسام خالد بن طوبال وكوكبة أخرى من نجوم الدراما السورية على غرار الممثل "ظافر العايدين"، "مجد فضة" ، "جهاد الأندري" والممثلة المعروفة "ميادة درويش" وغيرهم، كما إحتضن هذا العمل الممثلة الجزائرية القديرة "بهية راشدي" التي لعبت دور جدة حياة. في حين أوكل الإخراج التلفزيوني لنجدة أنزور الذي خاض ثاني تجربة له في تصوير الرواية على الشاشة الصغيرة بعد مسلسل "نهاية رجل شجاع" للكاتب السوري حنا مينا، وقد رسمت سيناريو المسلسل الكاتبة السورية "ريم حنا" الذي جاء باللغة العربية الفصحى ليتغلب على تعدد اللهجات المشتركة بالعمل في حين أدخلت بعض الكلمات باللهجة الجزائرية في صلب هذا العمل الدرامي مثل "واش راك"، "توحشتك بزاف" وغيرها من الكلمات المحلية وقد شهد هذا المسلسل الدرامي جدلا واسعا في الساحة الدرامية العربية مباشرة بعد عرضه بقناة أبوظبي الفضائية كونه تجربة صعبة لنقل الرواية إلى مسلسل درامي خصوصا أن معظم النقاد والإعلاميين العرب قد راهنوا على نجاحه كونه ينبثق عن جزء كبير من تاريخ الثورة الجزائرية، ورغم إجتهاد المخرج نجدة أنزور إلا أن المسلسل لم يرق إلى المستوى المطلوب ولم يرض أذواق الجماهير العربية، حيث أنه فشل في ظل الزخم والدراما القوية التي عرضتها القنوات الفضائية خلال رمضان حيث بدا المسلسل فقيرا من حيث الصورة والحبكة رغم إعتماد المخرج على المناظر الجميلة لمدينة قسنطينة وجسرها العالي إلا أنه وقع في فخ التطويل وتكرار المشاهد التي لا تنتهي بين بطلة الفيلم "حياة" والرسام خالد بن طوبال، كما بدت محاولة المخرج واضحة في توظيف نص الرواية بحذافرها دون ترجمتها بالصورة حيث خدم نص الرواية على حساب حركية شخصيات المسلسل الذي سقط في جزئيات لم تخدم المنحنى التصاعدي للقصة والأحداث ككل، فبدت الحلقات باردة وفاقدة التشويق مما بعث الملل في نفسية المشاهد وجعل العمل الروائي يبدو ضعيفا لا سيما في الجزء الأخير من المسلسل. وقد ترجم هذا العمل الدوامي معاناة الرسام خالد بن طوبال وكيف عاش اللحظات الإستعمارية في فترة الإحتلال الفرنسي بالجزائر من قمع وتعديب ومن جهة أخرى يصور لنا معاناته مع الحب ويده المبتورة ولوحاته التي كان ينقل فيها آلامه ومعاناته، كما تطرق أيضا إلى الفساد الذي أصاب بعض قدامى الثوار مثل شخصية "مصطفى" وأحداث كثيرة خلقتها بعض الشخصيات التي إنبثقت من ذاكرة خالد، جسد دوره الممثل السوري جمال سليمان لتشكل في مجملها نسيجا متناسقا في حبكة درامية تتناول البعد السياسي والتاريخي والعاطفي. ورغم أن المسلسل لم يحقق نجاحا كبيرا مثل الرواية في حد ذاتها التي صنفت كأهم إبداع أدبي في العالم العربي إلا أن هذا العمل الدرامي لفت إنتباه النقاد والجمهور العربي حيث لعب عامل الفضول دورا كبيرا في تسجيل نسبة كبيرة من المشاهدة، لترقى بذلك الرواية الجزائرية لأول مرة إلى هذا المستوى من الإهتمام وتشد إنتباه الرأي العام العربي عبر مختلف القنوات الفضائية من خلال المسلسل الذي عرض جزءا كبيرا من تاريخ الثورة المجيدة وصور معاناة المجاهدين ومصيرهم مما يجعل "ذاكرة الجسد" بوابة حقيقية لتألق الأدب الجزائري ووصول أصدائه لكل الجماهير العربية الذين تعرفوا عن كثب على بعض الحقائق التاريخية لبلادنا وإقتربوا من قلب الثقافة الجزائرية من خلال اللهجة المحلية وبعض المناظر الطبيعية الجميلة لمدينة قسنطينة مما يروج للسياحة الوطنية ، والفضل الكبير للرواية الجزائرية التي أصبحت جسرا ثقافيا وفنيا هاما، لتبقى الأعين مشدودة نحو روايات أخرى من شأنها أن تعطي دفعا قويا لتألق الأدب الجزائري وهو ما يدفعنا للقول أن ذاكرة الجسد قد صنعت الحدث في العالم العربي كرواية وكمسلسل درامي.