أثيرت العديد من التساؤلات حول واقع الإعلام السمعي البصري في بلادنا الذي يبدو أنه لم يخرج بعد من حيّزه الضيق نحو فضاء الإنفتاح الإعلامي المتطور بعد أن فشلت قناة »اليتيمة« في استقطاب الجماهير الجزائرية وإرضاء أذواقها المختلفة في خضمّ النجاح الكبير الذي تحققه جل الفضائيات العربية والأجنبية الأخرى في عصر سمي بعصر »السرعة« ونقل المعلومة بتقنيات حديثة ومتقدمة مع تقديم برامج متنوعة ذات جودة عالية من الإحترافية والموضوعية، وهو ما جعل المشاهد الجزائري يسارع نحو هذه القنوات دون أدنى تفكير. وقد وجهت الصحافة المكتوبة الجزائرية الكثير من الإنتقادات حول واقع السمعي البصري الذي لم يرق بعد إلى الإحترافية بعد أن رفض الخروج من قوقعة الروتين التي حدّت من تطوره وانفتاحه على العالم الخارجي وهو ما لم يسمح له بدخول دائرة المنافسة أمام القنوات العربية الأخرى التي تخطّت مرحلة المعالجة التقليدية للمواضيع والتحليل السطحي للأحداث الراهنة واقتحمت عالم التنويع من بابه الواسع لتسيطر بجدارة على عقول المشاهدين العرب الذين أبدوا وفاءهم لهذه الفضائيات في الوقت الذي يقف فيه التلفزيون الجزائري كالمتفرّج أمام هذا التطور الإعلامي الكبير من خلال تقديم برامج هزيلة وروتينية أثارت إستياء المشاهد الجزائري الذي ملّ من الإنتظار الجديد على الشاشة سواء تعلق الأمر بالبرامج التحليلية أو الترفيهية وحتى الحصص الإخبارية والإجتماعية ، ليجد نفسه مجبرا على مسيارة المضامين الإعلامية التي يبثها التلفزيون وكذا الإذاعة الوطنية التي تعاني من نفس المشكل بعد أن ابتعدت عن فضاء التنويع والإحترافية المطلقة لتستبدل هذا الفراغ ببث أغاني شرقية وغربية علها تنعش البرمجة الإذاعية وتستقطب ولو عدد قليل من المستمعين وهذا يتسبّبب لا محالة في فقدان الإتقان والموضوعية لدى الإعلاميين بهذا المجال وبالتالي تراجع المستوى على جميع الأصعدة في هذا الفضاء الإعلامي الهام الذي يحتاج فعلا للتغيير وإعادة البرمجة من خلال وضع مقاييس جديدة في بثّ البرامج التلفزيونية والإذاعية وتحسين الأداء والتقديم الإعلامي الذي صار بعيدا جدا عن التميّز والإحتراف. وما هو ملاحظ في الفترة الأخيرة ، هو أن البرامج الإخبارية هي من أضعف البرامج من حيث نسبة المشاهدة لأنها إبتعدت في مضمونها عن الموضوعية في معالجة المواضيع وطرحها وتقصّي الأخبار التي تهمّ المواطن الجزائري بالدرجة الأولى وصارت مجرّد عرض مفصّل لما يحدث في الجزائر والعالم، وهذا أمر مؤسف بالتأكيد، والأسوأ من ذلك أن التلفزيون الجزائري صار يضم اليوم بعض الأسماء الإعلامية التي لا زالت تغرّد خارج السّرب لدرجة أنهم لا يتقنون اللغة الفصحى ويتوترون أمام عدسات الكاميرا فتهجرهم العبارات الصحيحة مما يدل على ضعف تمكنهم من اللغة وتقنيات الأسلوب الإعلامي وهذا ما زاد في تردّي مستوى البرامج المقدمة للمشاهد الجزائري الذي اقتنع أكثر بغياب الإحترافية والتميّز بقناة »اليتيمة«، وقد ولدت هذه الظاهرة بعد أن هجرت الوجوه الإعلامية المحترفة التلفزيون الجزائري وفضلت العمل في قنوات عربية أخرى بحثا عن مستوى أفضل في كل شيء بما في ذلك الجانب المهني في حين أنه توجد كفاءات إعلامية أخرى لم تعط لها أي فرصة للظهور في هذه البرامج وتقديم قدراتها في مجال الإعلام ، الأمر الذي ولّد فراغا إحترافيا كبيرا في القطاع نَجَم عنه لا محالة التدني الحقيقي لمستوى البرامج المقدمة. ورغم هذه النقائص فإن قطاع السمعي البصري قد حاول الخروج من هذه الكبْوة من خلال إستحداثه لقنوات وطنية جديدة لكنه في نفس الوقت أهمل عامل التأطير الجيّد للهياكل والأرضية الممتازة لتقديم كل ما هو مميز ناهيك عن تجاهله لضرورة تكوين إطارات تهتم بهذا الإنفتاح الجديد وهو ما ساهم بالدرجة الأولى في فشل هذه القنوات التي لم تهتم قط بمبدأ »المنافسة« حتى خيّل للمشاهد الجزائري أنه يشاهد قناة واحدة بسبب البرامج الموحدة بين القنوات ، ناهيك عن الإعادة المملة لدرجة أن هذا الأخير قد حفضها عن ظهر قلب.